المحرر موضوع: ذر الرماد في العيون  (زيارة 855 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جنان بولص كوركيس

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 38
    • مشاهدة الملف الشخصي
ذر الرماد في العيون
« في: 23:53 30/06/2007 »
ذر الرماد في العيون

همومنا كُثُر ومن الصعب تهويل هم على آخر، فجميعها ثقيلة نئن تحت وطئتها ونرزح، فبعضها نتناساه حينما يشتد علينا هم آخر، فحالنا ان نكتب عن همًّ ونؤجل الآخر. ومن الهموم التي مللنا الشكوى منها واستصغرنا من يكتب عنها لانها اصبحت داءً مزمناً ومستفحلاً لا امل في الشفاء منه، واللقاح ضده لم يكتشف بعد.. مع حلول الصيف الحارق والذي قدر علماء الطقس والبيئة بأنه سيكون لهاباً اكثر من غيره لاسباب تتعلق بتلوث الجو والاحتباس الحراري، اخذت الدول تعد العدة للتخفيف من وطأة درجات الحرارة المرتفعة اكثر من معدلاتها الطبيعية لمنع حصول الكوارث التي ستحصد الارواح بلا شك نتيجة ذلك .. اما نحن فهذا التحذير لا يشملنا ولا احد يكترث بما سيصيبنا لاننا رُمينا على هامش الحياة والزمن، فحتى المناعة الذاتية التي اكتسبناها منذ الولادة قد نفذت او اقتربت من نهايتها وحكوماتنا همومها كثيرة ومتعددة فلا تريد هماً اخر يضاف الى همومها ويقلق راحتها .. ماذا يعني حرارة اعلى من معدلاتها؟ ماذا يعني الاختناق من شدة الحر لمرضى الربو او القلب او موت مئات الرضع من الجفاف، ماذا يعني انخفاض اداء العمال و موظفي الدولة، والأمَر من هذا كُلّه والذي كان احد اهم اسباب تركي لكل المواضيع الملحة والتوجه بالكتابة عن هذه العاهة المستديمة هو: ماذا يعني ان يمتحن الطالب – وخاصة طلبة المراحل المنتهية -  والعرق يتصبب من جميع انحاء جسده؟ ويتنفس بصعوبة وبحشرجة تختلط مع آهات  الرهبة من هول الامتحان والتوجس من صعوبة الاسئلة والمصير الذي يتوقف على  نتيجة هذا الامتحان فقط  والتحسر على كل الجهد الذي بذله في السنوات السابقة والذي  لا يشفع له نتيجة  النظام الخاطيء المتبع في عملية التعليم والتقييم في بلدنا الذي احترنا ان نشخص فيه امراً ايجابياً لنجابه بعشر من السلبيات..
اقول هذا لانني وجدت كل ما سأكتبه لايساوي نظرة عتب من عيني طالب يؤدي الامتحان  في شهر حزيران الحار حينما لا نستطيع ان نوفر له ابسط ما يستحق ان يُوفر له من اضاءة صحية لاتتعب العين و جو معتدل البرودة يستطيع معه ان يؤدي ما عليه باعصاب هادئة ونفس مرتاحة.. كلما رأينا المصبايح التي تشع اضواء حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء ووردية التي تزين - بطريقة  لا تمت الى الذوق السليم بصلة - مدخل بلدتنا، والأضوية التي تتلألأ في شوارعها الداخلية بما يوحي بافراط في استهلاك الطاقة الكهربائية، نستنكر هذه الزينة الزائفة ونلعن كل من خطط بشكل مبالغ فيه لإنارة الخارج وتعتيم الداخل!. فهذا يعكس مدى هول الفجوة بين هموم المسؤول المتنفذ والمتنعم وهموم المواطن المحروم البائس، لماذا لا يخططون لكيفية الموازنة بين انارة الشوارع والمساكن ليتلقوا بدل اللعنات دعاءً صادقاً بالموفقية والصحة وتسديد الخطى والعمر المديد؟! يبدو انهم في غنى عن دعائنا او قد يتقززون منه كما يتقززون منّا. فنحن الشعب وهم السادة فما حاجة السيد الى دعاء العبد؟! سرطان استشرى في جميع المفاصل والزواغير، كيف الطريق الى استئصاله؟.. تأتينا البشرى السارة بين الحين والاخر عن اكتشاف دواء او اشعة معينة للحد او القضاء على بعض انواع السرطانات التي تفتك في الابدان، ولكن سرطاننا المستفحل لا بارقة امل تلوح في الافق لتقول لنا ابشروا فالدواء قادم والعلاج على الابواب.. أفقنا معتم.. معتم والنور قد غادر مصيرنا والكهرباء قد خاصمنا وادار ظهره لنا الى غير رجعة، فليتمتعوا هم وابناؤهم ومن دار في فلكهم بنعيم الحياة وكهربائها، والى الجحيم كل من فتح فاههُ وطالب بالماء او الكهرباء..
كنا ومازلنا معتقلين داخل الحزن والازمات، وما وُعدنا به مؤخراً من انفراج لاحدى اهم هذه الازمات الا وهي الكهرباء لم يكن الا سراباً خدّاعاً، فالوعد قد تبدد بالتلاعب بعدد ساعات الكهرباء الوطنية وعشوائية مواعيدها التي لا تخدمنا في الغالب لاسباب تعودنا سماعها، وقرصنة اصحاب المولدات الاهلية الذين لايعرفون صحوة للضمير بل كل مايعرفونه هو التحايل و امتصاص دماء المواطنين بطرقهم الخسّة التي لا أُحِسُّ بأدنى رغبة في التطرق اليها ..
.. قال لي احدهم عندما علم بانني سأكتب عن الكهرباء: لو كانوا صادقين حقاً في معالجة ازمة الكهرباء معالجة جذرية خلال كل هذه السنوات ولو كانوا قد جمعوا (برغياً واحداً ) كل سنة او قطعة غيار واحدة للمحطة الكهربائية لكان المشروع قد اكتمل الان.. حقاً لقد صدق في ما ذهب اليه.. فان توفرت النية الصادقة والجادة في حل الازمات لشحبت وتبددت كلها، ولكن ما نراه اليوم من وعود ليس سوى... ذر الرماد في العيون...
جنان بولص كوركيس
Jenan_polis@yahoo.com