المحرر موضوع: جلالة الشيخ الأزهر الشريف  (زيارة 890 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نجيب ال جمعة

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 4
    • مشاهدة الملف الشخصي
   السيد الشيخ العلاّمة سيد محمد طنطاوي _ إمام شيخ الأزهر الشريف السامي الوقار
   السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
   دعتني الغيرة الإنسانية إلى أن أتوجّه بأفكاري نحو شخصك الكريم، وأمدّ إليكَ يدي لأصافحكَ، ومدّ اليد في المسيحية علامة لفتح طريق جديد بين أبناء هذا الدهر 00 واسمح لي أن أُلقي عليك تحيةً تعلّمتها من أصدقائي المسيحيين عن قول عيسى الحي، إذ قال:"إذا ما دخلتم بيتاً فسلّموا على أصحاب ذلك البيت فسلامكم يحلّ عليه" 00 فأقول لكم السلام معكم يا سيدنا وشيخنا الجليل، ولكوني من السكان العرب فقد تعوّدنا كلنا المقولة القائلة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
   إنني أكنّ لكم كل الإحترام والتقدير وتستحقون ذلك فأنتم خصّصتم نفسكم من أجل خدمة الإنسانية في تعليم الأخلاق والقيم والمبادئ الحسنة بعيداً عن السياسة التي تشوّه نداء الله وتشوّه قيم السماء، وتُبعد الإنسان عن قيمه الحقيقية، فلا يمكن أن تكون للسياسة فائدة للقيم الدينية، بل على الدين أن يهيئ رجالاً يحملون صدق الحياة لعدم الخلط بين السياسة والدين.
   إنني أقدّر فيكم هدوءكم وبساطة حياتكم، وقد تشرّفتُ بلقائكم عبر شاشات التلفزيون، وكنتُ أستشفّ من أحاديثكم قيماً حقيقية ورسالةً إنسانية تحملونها على شفاهكم 00 كل هذا جميل أمام أنظار الناس. كما إني أقدّر فيكم غزارة علمكم وإدراككم الوافي في تفسير صفحات القرآن الكريم وآياته من أجل الناس الذين لم يكن لهم كتب دعوة الناس إلى الله كقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا، قد كُتِبَ لكم الكتاب كما كُتِبَ للذين من قبلكم" 00 كل هذا الإعجاب جعلني أن أكتب لكم هذه الأسطر، وعبر صفحات الإنترنيت، لعلّني أكون قد استطعتُ أن أحصل على نقطة من محيط علمكم من أجل غاية في قلب الكاتب.
   وإنني لحدّ اليوم أفتخر بمصر أمّ الدنيا، وأكيد مَن يزور مصر "يرگع عليها تاني" ... يقول المَثَل. وأكيد أنا مَدين لها، كم يحقّ لي أن أجد جواباً منكم. ومن حقي أن أكلّمكم بكل صراحة:
   حسب إدراكي، إن الكنيسة الكاثوليكية حينما تقيم حواراً مع الآخرين _ وقد سمّته حواراً بين الأديان _ ماهو إلا علامة احترام للآخرين ولدياناتهم، وخاصة أصحاب الأديان السماوية.
   ماذا يعني كلامكم حينما تحاورون الآخرين _ في لقاءٍ هنا وهناك _ في حوار الأديان أو الحضارات؟ أليست هذه الحوارات نقاط لقاء على قبول مسيرة الطريق، وهذه نقاط اللقاء دعوة لتعايش أبناء الله في جو مليء بالمحبة والصفح لكل إساءة من أجل دنيا جديدة تفتخر بأن الله خلقها من أجل الإنسان، ولكي يفتخر الإنسان أن الله خلقه على صورته كمثاله؟ 000 وليس الحوار أن نتسلّط على الآخرين في فرض الرأي وعدم قبول رأي الآخر، وفي أن أجعل كل الآخرين يخضعوا لمعتقدي اليوم أو غداً وإلا فلا حوار 00 فإن كان هذا مفهوم الحوار فبئس الحياة التي أُهديت للبشر ليحيوها، وإنماء الحوار ما هو إلاّ قبول الآخر.
   في الموصل، في الثالث من حزيران الماضي، قامت عصابة إجرامية تبنّت الدين الإسلامي غطاءً لها والدين منها براء بقتل الأب رغيد عزيز كني وثلاثة شمامسة بعد خروجهم من الكنيسة وإدائهم الصلاة يوم الأحد، ولم تكن خطيئتهم إلا كونهم من أتباع عيسى الحي 000 هذا الحدث الجلل جاء متزامناً مع الحملة الحاقدة والكريهة التي تنادي بها الإمارة الإسلامية في العراق بأنّ على المسيحيين _ كونهم كفرة _ عليهم دفع الجزية أو الخروج من منطقة سكناهم، فالعراق إمارة إسلامية، وعلى الساكنين فيه أن يكونوا خاضعين لقوانين هذه الإمارة الفاشلة التي تبني نفسها على القتل والخطف والإبتزاز والسلب والتهجير باسم الدين الإسلامي، والدين منها براء، ويجعلون من أنفسهم مندوبي الله على الأرض فينزلون آيات وآيات على الناس المسالمين المسيحيين الأبرياء.
   ومنذ سقوط النظام السابق وإلى اليوم لا زال المسيحيون معرَّضون لأخطار جسيمة، فهناك الخطف، الإبتزاز، السرقة، التهجير القسري، فرض الحجاب والزيّ الإسلامي، و...و... وكأننا نعيش في دنيا لا يسودها إلا قانون الغاب وسلاح القوي، وأما المسالم والفقير فيجب إمّا أن يُقتَل أو يُرَحَّل أو ...، وإنْ شاء ربّكَ أن يكون للأرض ديناً واحداً لفعل ولم يندم، ولكن خلق أناساً واختاروا أدياناً ليتعايشوا ويتكاثروا بالمحبة والسلام ولا زالت الدائرة تدور، لا بل تفاقمت هذه الأيام وبنداءات جديدة تدعو المسيحيين _ بعد خطفهم _ إلى ترك منازلهم من منطقة سكناهم، ضانّين أن هؤلاء المسالمين سيبلّغون عنهم الجهات المختصة، أو ترك البلاد، فالبلد بلد إسلامي ولا يحق لكم العيش فيه ولكن عليكم الرحيل، ورحيل بلا عودة 00 ما هذا الخوف الذي يملأ صدور الحاقدين تجاه أناس مسيحيين لا يحملون إلا سلاح المحبة والغفران والمصافحة.
   في أيلول من العام الماضي، قامت الدنيا ولم تقعد لحدّ الآن، فدخّان تلك النار لا زال يعشعش في قلوب بعض الناس الذين لا يملكون إلا لغة الثأر والحقد والكراهية، رغم أن البابا بندكتس السادس عشر في حينها لم يقصد إطلاقاً الإساءة إلى الدين الإسلامي، وإنما نقل خبراً من تاريخ الماضي ليقول بعد ذلك إنه لا يجوز قتل الأبرياء باسم الله أو باسم الدين، وكان الكلام موجَّهاً أولاً لأبناء أوروبا التي طغت فيها العلمنة. حينها قام الشيوخ والأئمّة، وأزادوا في قلوب الشباب البسطاء البغضاء، وكانت الفتاوي ثم المظاهرات هنا وهناك بعد صلاة الجمعة، مفسّرين أن كلام قداسة البابا كان كلاماً للتشهير بالدين الإسلامي، وهذا كان باباً إنفتح على مصراعيه لتستغلّ الجماعات الإرهابية والعصابات والقتلة هذه الفتاوى بتكفير المسيحيين وبإيجاز قتل المسيحيين الأبرياء وبإحراق الكنائس وبخطف رجال الدين وغيرها، وأمام كل هذه المشاهد كانت الكنيسة ومؤمنوها يقومون بصلاة عميقة، رافعين أيديهم إلى إله السماء لينظر إلى الجميع بعين الرحمة والحنان، ويُرسل أنوار سمائه إلى البشر الأحياء ليعيشوا بسلام، ويتعلموا أن لغة الصفح هي أقوى من لغة السيف وأجمل حوار مع الإنسان، ولا يمكن للسيوف أن تبني بلداناً، وإنما السلام هو الطريق الأكيدة لإعمار الحياة 00 فآثار الدماء التي تسيلها السيوف ستبقى تصيح إلى خالقها حتى يوم القيامة معلنةً أنّ الثأر ليس علامة للإنسانية بل هو شرّ زرعه الإنسان حول نفسه من أجل أنانيته ومصالحه الذاتية، فلا يرى في ذلك إلا نفسه وينسى أن عيونه نعمة من السماء ليرى الآخرين وليس ليرى نفسه.
   وأنا ألا يحقّ لي أن أسألكم، وأنا كلي ثقة أن أنال جوابكم، بل أن أسمع صوتاً مخلصاً يندّد بالعصابات المجرمة والتي تنضوي تحت لواء الجهاد الإسلامي أو الإمارة الإسلامية، أو لواء الجهاد والتوحيد، ومسمّيات أخرى، وتجعل من الأسماء أغطية لمآربهم القذرة ونيّاتهم السيئة، وسكوتكم عن هذه الأعمال المهينة ألا يعني شيئاً؟ وإلا، ماذا يعني قتل الآلاف من المسيحيين لكونهم ليسوا أتباعهم، وقتل المئات من المسيحيين لكونهم أناس بسطاء؟ وهل نصبوا آيات علينا وبأيديهم سيوفاً وذبحاً ومجازر ودماء؟ ألا تكفي الدماء التي سفكها المسيحيون بسبب الحملة العثمانية، وحيث الحروب التي دارت بين الفرس والروم لغايات ومصالح سياسية، وكان المسيحيون ضحية هذا العنف والإرهاب؟ هل هذا هو الجهاد التي تدّعونه، أم إنه إرهاب؟ ولا إرهاب مثله أن يُذبَح بريء على شاكلة حَمَل أو خروف. ففي الكتاب المقدس، يقول الله لقايين:"أين أنتَ يا قايين؟ ألأنكَ قتلتَ أخيكَ تختبئ؟ فهوذا كل مَن يراك سيقول لكَ: أنكَ قاتل أخيكَ"، وألم يقل القرآن الكريم:"بشّر القاتل بالقتل"، 00 ألا تصدق هذه الآية بالعصابات التي تستتر بالدين الإسلامي؟ 00 أليس المسلمون في بلدان الغرب لهم حريتهم الشخصية وحرية عباداتهم المختلفة ولا أحد يمسّ طرفهم كونهم منزّلين من السماء السابعة، أم إن المسيحيين لكونهم علامات خير ومحبة يجب أن يُقلَعوا من الأرض؟.
   فأنا كلي رجاء أن تُصدروا فتوى بتحريم قتل وتهجير وابتزاز المسيحيين المسالمين، وعدم المساس بأموالهم وأملاكهم، لأن الدين الإسلامي يوصي بحرية العبادة "فالدين لله والوطن للجميع" ... كما أرجو أن توجّهوا نداءً وترفعوا صوتكم عالياً ليس فقط من على المنارة عبر مكبرات الصوت بل في كل مجلس وفوق كل المنابر، أن تدينوا هذه الأعمال الإجرامية بحق مسيحيي العراق الذين يُهجَرون باسم الدين الإسلامي، ويُذبَحون، ويُجبَرون على دفع الجزية وترك منازلهم 00 هذه الأعمال ألا تشوّه الدين؟ 00 أرجو منكم أن لا تبقوا ساكتين أمام هذه المجازر اليومية في العراق الجريح، كما أرجو أن توجّهوا النداء إلى جميع أئمّتكم الذين هم تحت لوائكم في العالم العربي أو الغربي أو الإسلامي بإدانة هذه التصرفات إدانة صريحة، نعم صريحة وواضحة، وإلا ما فائدة مكبرات الصوت من على المنارات إذا لا يُعلِن الإمام عبرها صوت الحق، فالسكوت على ذلك أمر غير مقبول وباطل. لقد جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.
   من المؤكد أن ندائي هذا سيجد صدىً أكيداً بين دقات قلبكم الشجاع وعبر مسيرة حياتكم، وأظن أن هذا الإنجاز الإنساني سيكتبه لكم، ليس فقط التاريخ العربي، بل التاريخ العالمي. وأحلّفكم بربكم وبرسولكم أن تكونوا أوفياء لهذا الرجاء، وخاصة عندما تكونون في حضرة بيت الله وبين أبنائكم المسلمين. وأنا كلي آذاناً صاغية لأشاهدكم وأنتم تعلنون الحق لتزهقوا الباطل، وتدينون كل الأعمال الإجرامية بحق مسيحيي العراق. فإن الله في عون الضعفاء، وأقولها: مَن أقامنا نحن الإسلام حكّاماً على الآخرين؟، لنهتمّ بأمور ديننا وتربية أجيالنا ولنترك الآخرين وشأنهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ربنا لا تؤاخذنا فقد أبلغنا ما أوصيتم به، اللهمّ فاشهد ... وإنا لله وإنا إليه راجعون ((صدق الله العظيم)).         
            
                                                            الداعي لكم                                                     صباح عبد النَينَوي