المحرر موضوع: الرسالة التاسعة من تحت الأنقاض  (زيارة 1022 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الرسالة التاسعة من تحت الأنقاض

أكتب لك أيها العزيز والصديق الذي ما برحتَ تستفسر عني والقلق والخوف الذي ينتابك أشعر بهما من خلال حديثك عن الأوضاع التي نمرُّ بها والأحداث التي نشاهدها بل نعيشها في كل لحظة ودقيقة، وأشعر فيكَ أنك تندهش أحيانا عندما تجدني أكتب مقالات متنوعة لا تمت لهذا الواقع المروع بصلة خاصة عندما تجدني أنشرها على الشبكة العنكبوتية العالمية التي هي متنفسٌ لنا نبتعد من خلالها عن الجو الكئيب الذي نعيشه في العراق.

فماذا نفعل؟ هل نبقى أسرى الفضائيات التي لا همَّ لها سوى نقل أخبار الحروب وصور الدمار والقتل؟ فنادرا ما نشاهد غير ذلك، لكن من خلال شبكة المعلومات أقوم أنا باختيار المواقع كي أُخرجَ نفسي من أسر الفضائيات المقيت هذا واستكشف أين قفز العالم في التطور، وبماذا يفكر؟ وكيف يخطط ويعمل؟ فلربما يأتي اليوم والساعة التي نسير نحن ومع بلدنا العراق بهذا الركب ووقتها لا نكون كالغرباء في القافلة.

وكما تعلم أيها العزيز أن بلدنا كان مهدا لأبينا أبراهيم عليه السلام؛ أبو الأنبياء .. خليل الله، ومدينة اور في ناصريتنا العزيزة شاهدة على أول الخطوات التي حباها أبراهيم في طفولته حيث قدّس تربتها وتربة هذا البلد معها بصباه وشبابه وتزوج من سارة على أرض العراق، لذلك فإن الله كرَّم هذا البلد بجعله مقرا للمئات من الأولياء الصالحين، وجرت على أديمه أحداث كانت ضمن المخطط الإلهي لتخليص البشرية من الجهل والأمية باتجاه معرفته تعالى هذا الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوء أحد، فالمسيحية كما للإسلام مراقد ومزارات لا تُعد ولا تُحصى، وتتذكر كيف كنا نتذاكر فيما بيننا ونستقصي عن محافظاتنا من الشمال حتى الجنوب ومن الغرب حتى أقصى الشرق كي نرى أن رقعة العراق بأجمعها قد كرّمها الله بولي صالحٍ أو راهبٍ ورعٍ وإمامٍ أصبح حجة للناس أو مقرا لدير سواء في الجبل أو في السهل.

فهذه النجف مثلا وجارتها كربلاء، كما في العمارة أو تكريت، الموصل أو كركوك، كوت أو الناصرية، دهوك أو الأنبار وفي كل محافظات العراق نجد أديرة ومزارات أو أضرحة يتم تسبيح الله فيها والتضرع إليه بداخلها، يتم ترتيل المزامير بألحان شجية أو يتبارك الزائرون بما تركه لنا ألأولياء من آثار أو مقتنيات كي نبقى نحن ورثة أمناء لتلك الرسالات ويستمر الخالق معنا على ذات العهد.

فأرض العراق ليست غنية فقط بالنفط والثروة المعدنية أو الزراعية، بل أنها غنية بهذه ، وهذه يأتيها الحُجاج من جميع الجهات بل من أربع زوايا الأرض تبركاً أو استكشافا أو لزيادة المعرفة ... فكم من الغربيين أتوا لهذه الأرض وأصبحنا نسميهم مستشرقين أي أنه يستزيدون من علم الشرقيات وتراثه، يُنّقبون عن آثاره ويسبرون غور حضاراته التي علّمت الدنيا ما لم تكن تعلمه يوما!!!

فيا عزيزي لم أكتب لك كل هذا لكونك لا تعلمه، لأننا كنا معا وعشنا بين حنايا هذه الأرض وكنت أنت تتحدث لي كيف أن الزائرين يذرفون الدموع الحارة وهم بجوار قبر الإمام الفلاني أو الصحابي أو الولي أو رجل الله الصالح أو ... طلبا لشفاعتهم وعونهم في أمر ما أو صعوبة تواجه الزائر ويطلب منهم الشافعة بها ولها عند الله لكي تمر أزمته وتُحل قضيته.

هذا اليوم أيها العزيز ودون تمييز لما للمسلمين أو لما للمسيحيين أصبحت هذه الأماكن هدفا لقِوى الشر بغية طمر وأزالة هذا الأرث الخاص برجالات العراق والسلف الصالح ويجردوا بلدنا من هذه الميزة، لأنهم يروننا نزداد أيمانا كلما تقربنا منها ونزداد قوة كلما تذكرنا أسلافنا، فهذه الأرض وسامراء اليوم هي آخر الضحايا التي تئن من وطأة ضربات الشر ويقترب ضريح أو مقام الإمامين العسكريين من الاندراس بعد أن وجه له الأشرار ضربتين موجعتين في عامين متتالين، ولم يكتفوا بتفجير القبة بل ألحقوها بالمئذنتين أيضا، إنهم يخافون حتى من حجارة أطلال هذه المراقد ويريدون سلبنا رموزنا، إنهم يريدون لنا الاقتتال وأن تُزرع الفتنة البغيضة بيننا حتى نذهب في الطريق الذي لا رجعة فيه!!!

لقد بانت المخططات أيها العزيز، وأنت تتذكر أبو ناجي هذه التسمية التي أطلقها شعبنا على المستعمر الإنكليزي في بدايات القرن الماضي حيث كان يستخدم سياسة فرق تسد ويخلق المشكلات ليخرج منها سالما، هكذا يأتي أيضا محتل اليوم بذات الأسلوب ويريد تفريق اللحمة وأبعاد الأهل عن بعضهم البعض، فمن كان يرتبط بسنية وهو شيعي أو بالعكس هذا الأمر بالنسبة لهذه السياسة غير مقبول لأنه يقرّب أبناء البلد الواحد ويوحدهم من خلال عوائل وزيجات مختلطة تختلط بواسطتها الدماء مع المذاهب وتتوحد بالإيمان وحب الله والوطن، ونتيجة لذلك يصبح العراق قويا متماسكا!!!

وكيف للصهيونية أن ترضى بذلك ؟ إنهم يحاولون أقصى جهدهم لكي يتقاتل أخوة الماضي وأهل الحاضر بغية أضعاف العراق وانزوائه بعيدا لا يقوى حتى لمداواة جروحه، فضربوا مرقد الشيخ عبدالقادر حتى يثيروا أهل السنة على الشيعة وضربوا مرقدي سامراء لإثارة أهل الشيعة على أهل السنة كما ضربوا الكنائس حتى يثيروا المسيحيين على المسلمين، إنهم يعملون جاهدين لتفتيت هذا البلد وجعله دويلات صغيرة .. ضعيفة .. وذلك من خلال خلق العداوات بين القوميات؛ عرب .. أكراد، تركمان .. كلدان .. آشوريون .. وغيرهم وما مشكلة كركوك وسهل نينوى إلا قنابل موقوتة قابلة للتفجير ساعة فشل الورقة الطائفية، فإنهم إن فشلوا هنا فسيستخدمون الورقة الأخرى.

أرجو أن تنتبه أنت ومن حولك، فهذا هو المخطط وهذا هو الذي يجري على الأرض، والمرتزقة الباحثون عن المال والثراء على حساب مآسي الآخرين، تجار الحروب دائما موجودون، لذلك أطلب منك وأحرار العالم وجراحاتنا مازالت طرية ودمائنا لم تجف بعد والأنقاض تملأ دور العبادة والأضرحة أن تفضحوا هذه المخططات وتكونوا عونا لنا، لأن العراق لا يكون عزيزا إلا بتكاتف طوائفه ومذاهبه وقومياته، لأن الكردي يكون ناقصا لو لم يكن إلى جانبه العربي والكلداني، وهكذا الآخرين ومعهم التسميات الأخرى سواء السني أم الشيعي كليهما لمفرده يكون عوده واهنا وذات الشيء للمسيحي أو الإيزيدي أو الصابئي.

ناشد الدول وأعمل مع من معك بقوة كي ترفع الدول التي تعيث فسادا في العراق أن ترفع يدها من التدخل في شؤوننا من خلال أرسال قوى الشر والظلام لقتلنا وتدميرنا، فربما لا زال هناك ضميرا حيا لدى أحرار العالم، فالجزائر التي لقبت ببلد المليون شهيد من أجل التحرير، بلدنا فاق عدد شهادئه بسنوات قليلة هذا الرقم وتحرير العراق مازال لم يظهر في الأفق... مع تحيات صديقك الذي يكتب لك من بين الجراحات المثخنة جراء تراكم أنقاض هائلة في حياته. 

 

عبدالله النوفلي

14 حزيران 2007