المحرر موضوع: ملاحظات لكاتب عراقي لم يقرأ دواوين الجواهري  (زيارة 930 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Mostafa Saleh

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 37
    • مشاهدة الملف الشخصي
ملاحظات لكاتب عراقي
لم يقرأ دواوين الجواهري!

مصطفى صالح كريم

للأسف الشديد هناك الآن في العراق عدد من الكتاب يكتبون وكأنهم يعيشون في كوكب آخر، انهم لا يتطرقون الى معالجات جادة لتطوير العملية السياسية في العراق، لا يدينون الارهاب ولا يشعرون بمعاناة العراقيين من الفواجع التي تصيبهم يوميا نتيجة الأعمال الاجرامية التي يرتكبها القتلة المارقون، ولا يخوضون المسائل التي تتعلق بجرائم أزلام النظام السابق، ولكنهم يبحثون كما يقول المثل الكردي بمصباح يعمل بزيت الخروع عن الصغائر محاولين وضع كل اللوم على عاتق الحكومة والمسؤولين الكبار، في الوقت الذي يعرف القراء بأن أغلب هؤلاء لم يكتبوا كلمة واحدة ابان عهد صدام تمس احد اركانه او تنتقد حالة حتى ولو كانت بسيطة ورغم ان بعضا منهم يعتز بكونه ليس من رواد المنطقة الخضراء، لكنه بقناعتي يحلم بها.
*في هذا السياق قرأت كلمة لأحد كتاب الأعمدة في صحيفة عراقية بعنوان "زعماء لا يرفعون مبيعات المؤلفين" حاول فيها التشكيك في قراءات الرئيس طالباني لشعر المتنبي والجواهري حيث استهل عموده بما يلي "سررت للحظات مجرد لحظات وأنا استمع الى الرئيس طالباني وهو يتحدث ذات مرة (تلفزيونية) عن قراءاته لشعر المتنبي والجواهري ولأنني أعد ما يقوله السياسي في اي مجال سياسيا".
يعترف الكاتب بأنه سر للحظات، لحظات فقط، لأنه بذكائه الخارق يعرف بأن الرئيس طالباني رجل سياسي، وان ما قاله عن قراءاته لشعر هذين الشاعرين هو لمجرد السياسة، لعمري، ان هذه العبارة تدل على الجهل المطبق للكاتب، وعدم درايته بثقافة طالباني، صحيح ان الرئيس هو رجل سياسي ومناضل عريق ولكنه اي الكاتب يجهل بأن طالباني  عشق شعر الجواهري قبل ان يشتهر، وقبل ان يصبح سياسيا معروفا، باختصار انه اعجب بشعر الجواهري منذ ان استمع اليه وهو يلقى قصيدته الشهيرة (يوم الشهيد) في ساحة السباع خلال انعقاد المؤتمر الأول لاتحاد الطلبة العراقي العام في نيسان عام 1948 وكان "مام جلال" آنذاك طالبا في متوسطة كويسنجق ولم يأت بباله انه سيأتي يوم يصف كاتب ما عشقه لشعر الجواهري بالسياسة. ثم يستطرد الكاتب في تخيلاته ويقول "فقد وجدت اختيار هذين الشاعرين كان لغرض سياسي غير بعيد يدور في فلك التحالفات مع الائتلاف والحوار مع التوافق في حينها".
*أقول للكاتب بأنه لم يكن موفقا في اكتشافه الذي تباهى به، لأن تسمية الشاعرين من قبل الرئيس كان بعيدا كل البعد عن الأغراض السياسية التي يتصورها الكاتب ولم يكن طالباني يعني مطلقا ما يدور في فلك التحالفات، انه عبر بصدق عن حبه لشعر هذين الشاعرين العملاقين ولارتباطه الروحي بالجواهري الكبير، كما اشار مرارا الى قراءاته لمؤلفات ماوتسي تونك والى اعجابه بكتب الصحفي البارز محمد حسنين هيكل. وكان الأجدر بالكاتب ان يجد موضوعا آخر لزاويته غير هذا الموضوع المحشو بالأباطيل، ثم يستمر في عموده ويقول: "لكنني بدوت غير مقتنع بأن السياسيين العراقيين جادون في قراءاتهم الفكرية والعامة، وأبني حكمي غيبيا لأني لست من رواد المنطقة الخضراء".
ان الكاتب حر في قناعاته ولكن عليه ان يكون دقيقا حينما يشكك في جدية الآخرين في قراءاتهم الفكرية. ان الرئيس طالباني الذي يمتلك مكتبة خاصة في كل مدينة عاش فيها، في قلاجوالان ودوكان والسليمانية واربيل ودمشق والآن في بغداد، وحتى في الجبال والكهوف كان يحتفظ بمكتبته واثناء القصف والهجمات العسكرية على مقراته كان يحرص على نقل كتبه التي كانت اثيرة لديه، ولم تكن قراءاته لأغراض دعائية بل كان حريصا دائما على المطالعة والتتبع، وهذه احدى الخصال المتميزة لطالباني والتي يعرفها كل من تعرف عليه. والرئيس طالباني معروف عنه رغم كل مشاغله ورغم كل الأعباء الثقيلة التي يتحمل مسؤوليتها بأنه مازال مواظبا على المطالعة. حدثني صديق كان قد زار الرئيس قبل اسابيع في مقر اقامته، قال: وجدته يطالع رواية تولستوي الشهيرة والمعروفة عندنا باسم "آنا كارنينا" والتي هي بالأصل كما يقول الصديق كامران قرداغي "آنا كارينينا" ولما سأله عن قراءته الثانية لهذه الرواية أجابه: انه كان قد قرأ في شبابه هذه الرواية من خلال طبعة تجارية ملخصة، انه الآن يعيد قراءة الرواية التي كان قد اعجب بها والمطبوعة الآن بجزئين وبترجمة دقيقة، أمينة كاملة غير مبتورة، وكان قد عثر عليها في مكتبته الحالية ببغداد.
*وأود ان يعلم الكاتب بأن مام جلال حين ارتجل كلمته في مهرجان الجواهري الذي اقيم في مدينة السليمانية يوم 27/10/2000 بمشاركة 63 اديبا ومثقفا عراقيا وعربيا بارزا، وبدأ يقرأ قصائد الجواهري التي يحفظها جيدا بين سطور الكلمات التي كان يتحدث بها عن الجواهري، انبهر به كبار المثقفين العرب والعراقيين الذين كانوا قد قدموا للمشاركة في هذا المهرجان الكبير.
اذا قراءة الرئيس طالباني لشعر الجواهري ليست دعاية سياسية وانه جاد كل الجد في معرفته بالجواهري وشعره، وهذا يعرفه اغلب المثقفين المنصفين العراقيين والعرب الذين يعرفون الرئيس عن قرب وحتى ان بعضهم اعتبروه من اكبر مريدي الجواهري.. اما كاتب المقال فالظاهر انه يشكك بكل ما هو خير في هذا البلد، والا كان يجب ان يعرف على الأقل بأن الجواهري الكبير كان قد بعث بقصيدة خاصة الى صديقه الأثير طالباني الذي كان يعزه كثيرا وتجمعهما ذكريات لسنين خوالي في العراق وفي المنفى بعنوان "ماذا اغني" والتي مطلعها:
شوقا "جلال" كشوق العين للوسن
كشوق ناء غريب الدار للوطن
*كلمة اخيرة أهمس بها في أذن الكاتب: ان الرئيس طالباني لم يكن يعني كما توهم الكاتب في عنوان زاويته ان يرفع من مبيعات المؤلفين لأن المتنبي والجواهري مبيعاتهما مرتفعة، سواءا أقرأهما الكاتب ام لم يقرأهما.. وشيء آخر أدعو له من كل قلبي ان يصبح ذات يوم من رواد المنطقة الخضراء حتى لا يحكم غيبيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نائب رئيس تحرير(الاتحاد) بغداد