المحرر موضوع: مشاهد غنائية محيّرة  (زيارة 1383 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سعد عليبك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 471
    • مشاهدة الملف الشخصي
مشاهد غنائية محيّرة
« في: 09:19 21/07/2007 »
                                                  مشاهد غنائية محيّرة

سعد عليبك
ملبورن/ أستراليا


  من  ابسط عوامل نجاح الأغنية  بالإضافة الى عذوبة صوت المغني ، هو وجود انسجام بين الكلمات و اللحن ثم اللقطات المصورة المرافقة للأغنية و التي يطلق عليها مجتمعة بـ (الفيديو كليب). فمثلاً اذا كانت الكلمات حزينة يكون اللحن على الأرجح هادئاً لكي يتم التركيز على الكلمات و معانيها من قبل المتلقي، و يكون اداء المطرب عندها بشكل رزين و وقور دون حاجة للإبتسامات العريضة، و اذا كانت الأغنية مغناة حباً و غزلاَ بالحبيبة فلا بأس بأن تظهر في الصورة فتاة بعيون الغزال و شعرها المجنون يتموجه تيار الهواء المنبعث من المروحة و ملابسها المتغيرة مع كل مقطع ، و حتى لو اختارها  أجنبية بشعر أصفر و عينان زرقاويتان وترتدي فستان بنص كُم! فلا بأس مادامت تتماشى مع فكرة الأغنية و كلماتها.
و الأغنية ككُل ، بكلماتها و لحنها و ادائها تصبح ككتلة فنية واحدة يستقبلها المشاهد و يصدر عليها احكامه حسب ما يستذوقه منها.


    كان لا بد من المقدمة اعلاه لكي اعبر عما اشاهده في بعض الفضائيات من اغاني(كليبات) لمغنين جدد ، و ما اكثرهم هذه الأيام ، حيث لا تحتاج الأغنية الى عناء كبير او امكانيات ادائية او صوتية ، بل الى كاميرا فيديو و فتاة شقراء تتمخطر يمينا و شمالاًَ و يقرّب المصور وجهها احياناً ثم خصرها و ما تلاه ، ثم ملابسها و يلتف حول تضاريس جسمها من كل الجهات ، و كذلك لا تحتاج لأي عناء في اختيار اللحن المطلوب  فهو جاهز سواء اكان محلياً او مستورداً ، كما يجب توفر مجموعة من الشباب و الصبايا يرقصون على تلك النغمة ، و على المغني تحريك شفاهه تطابقاً مع الأغنية المسجلة مع عدم نسيان تغير ملابسه بين لحظة و أخرى ولا بأس ان يلبس قميص صديقه وليست هناك مشكلة اذا كانت الملابس شتوية ام صيفية فكلها في الهوى سوا.

    مما دفعني لكتابة هذا المقال هو وجود العديد من الأغاني التي تعرضها بعض الفضائيات و التي تتناقض فيها اللقطات المصورة مع كلمات الأغنية بطريقة محيرة كما في المشاهد المختارة أدناه:

المشهد الأول:
   أغنية بالكلدانية تقول كلماتها بما معناه( حبتني بعد ان كان لي مال كثير، ثم تركتني بعد ان نفذ هذا المال) ، حسناً هذا ليس بالأمر الغريب ، بل انه كثير الحدوث في تاريخ عالمنا القديم و الحديث الذي يحركه المال و مشتقاته ، لكن الغريب ان يكون المغني و الذي يمثل الرجل الذي تركته حبيبته مبتسما طوال الوقت بإبتسامة عريضة ، و راقصا على الوحدة و نص ، رِجل على الأرض و الأخرى تنطلق حرةَ الى الأعلى و الأسفل ، فاتحاً يديه و مطقطقاً لأصابعه و هو يدور حول محوره العمودي ، ثم في جانبه هناك مجموعة من الشباب و الصبايا  في فرقة استعراضية و بأزياء تراثية يرقصون الدبكة الفلكلورية وكأنه يوم عرس ابن عمهم ، ولا يتردد المغني من أن يقود الرقص بنفسه في ذروة فرحته بفراق حبيبته! ، عندها تظهر لقطات لفتاة جميلة بنظراتها الساحرة وتمشي بتمخطر، و أغلب الضن هي التي تركت حبيبها لتجعله يغني لقصته الحزينة و معاناته بعد الفراق ، لكنه يعبر عنها بطريقته الخاصة جداً!.
   يا اخي اذا تركتك حبيبتك فهذا ليس مدعاة للفرح والرقص ، بل للهدوء و التفكير من اجل بناء علاقة اجمل و اصفى ، عندها تستطيع ان ترقص معها على ثلاثة ونص  وكذلك لترقص معك كل الفرق و حتى العاملين في القناة الفضائية.

  المشهد الثاني:
  بعكس الحالة المذكورة اعلاه هناك  أغنية أخرى  لمطربة آثورية مشهورة رائعة في إدائها و كلماتها و لحنها ، وهناك فرقة شعبية حاضرة مع الأغنية ترقص معها الدبكة ، لكن السيد الذي يقود الرقص قليل الحركة و كأنه تمثال من حجر، وبنظرة على تقاطيع وجهه العبوس تعتقد و كأنه في مأتم ، و نظرات عيونه تملأها الحيطة والحذر دون ان ترمش لها جفن، ويحمل في يده سيفاً يرفعه عاليا و يهزه احياناً و كأنه يريد ان يقول : " هل من مبارز" و " هل هناك من يريد ان افصل راسه عن جسمه" !! .

المشهد الثالث :
  طفل يصطاد السمك على الشاطيء و كرّمه البحر بسمكة صغيرة يبدو انها لم تعجبه بعد ان كان يتمنى ان يصيد حوتاً كما يحلم اقرانه الصغار ، فأخذ الولد بالبكاء و اذا بالمطرب يأتي اليه (على الأغلب يمثل اباه) و يبدأ الغناء ( العَن ابو الزعـلّك) و بدأ يهدد الذي ابكى ولده ، و الأغنية كلها عنف و تهديد و انتقام  من شخص ثالث مجهول ، لكن المغني يبدو مبتسماً على مدار الأغنية  ايضاَ ، كما ان الفرق الإستعراضية هبطت على المكان و باشرت رقصة " الهجع" العراقية، و الحمد لله لم تكن هناك اية خسائر نتيجة التهديدات والتوعدات  ، ثم فجأة يصطاد المحروس الصغير سمكة اكبر اعجبته و افرحته هذه المرة و انتهت المشكلة على خير.

المشهد الرابع:
  هنا تستحضرني احدى حفلات المطرب الكوردي المشهور "ناصر رزازي" عندما اخذ بيده دفه الكبير و بدأ بالنقر عليه كعادته مرددا أحدى اغانيه التي تصور مأساة الشعب الكوردي و الويلات التي اصابته ، و فجأة  تقدم أمام  المسرح عدد من الحضور و بدأوا بدبكة (السوسكيي) عندها توقف المطرب ناصر عن العزف و الغناء وتوقف الجميع ثم قال :" يا اخوان ان هذه الأغنية ليست للرقص بل لكي نتذكر من خلالها ما اصابنا من دمار و تشريد و سوف أغني لكم لاحقاً اغاني عديدة خاصة بالدبكات" .

    اليس المفروض ان تكون هناك نوع من الرقابة الفنية و النوعية على مثل هذه الأغاني التي بدأت تدخل كل بيت عنوة من أجل الإرتقاء بهذا الفن الى مستوى افضل؟.
 اليس المفروض ان يختار العاملون في الفضائيات و التلفزيون ما هو جيد و لائق لمشاهديها و تهمل الرديء و الهابط؟؟
ربما هذه المسألة ايضاً مرتبطة بالوضع الأمني للعراق!.