المحرر موضوع: التاريخ يتكلم الحلقة 99 لاجئة عراقية بلا لجوء .  (زيارة 776 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاترين ميخائيل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
د. كاترين ميخائيل
التاريخ يتكلم الحلقة 99 لاجئة عراقية بلا لجوء .

 
في هذه الاثناء تعرفت على عراقيين آخرين موجودين في موسكو وهم ايضا يبحثون لهم عن محطة لحياتهم المقبلة، عددهم يربو على المائتين، اكثرهم قادمون من عمان، دعوني للاجتماع لمناقشة ما يمكن عمله. حضر الاجتماع عرب واكراد ومسيحيون، لم استطع الحضور بسبب وضعي النفسي المتردي، فقرروا تشكيل لجنة لمراجعة منظمة الامم المتحدة التي فتحت مبكرا في موسكو، ومن ثم الاتصال بمنظمة الصليب الاحمر الدولية التي لديها مقر في موسكو منذ سنتين. اثناء الاجتماع تطرق بعضهم الى ذكر اسمي، تقرر ان اترأس اللجنة، في حالة موافقتي، لكوني اتكلم لغات متعددة، ولدي اطلاع واسع على مدينة موسكو منذ ايام الدراسة، لكن المعترض الوحيد كان المدعو (نسيت اسمه) القادم من سوريا وهو يعاقر الخمر حد الادمان. اباٌ لخمسة اطفال ولا اهتمام له سوى الحديث عن الطعام والمشروبات الكحولية. ولدى مواجهته بحقيقتي وامكاناتي ومكانتي العلمية من قبل احد الاكراد الموجودين لاذ بالصمت، لانه لم يستطع، هو بالذات، ان يقدم لهم سوى الثرثرة.
اتصل بي احد اعضاء اللجنة وهو شاب عراقي موجود في موسكو منذ سنتين اسمه جيمس الاثوري ، واوضح المساعي المبذولة من قبله وابلغني بقرار عرض رئاسة اللجنة علي. اعتذرت قائلة انني اوافق على مساعدتكم في الترجمة وفي المساء اتصل بي الدكتور خليل العربي ، وهو طبيب عراقي اضطر للهروب من العراق نتيجة للاضطهاد الذي لاقاه من قبل النظام، وعاش ثماني سنوات من عمره في جبهات القتال في خطوطها الامامية،كانت كافية لان يرى ويشاهد من اهوالها ما ملأ قلبه حقدا على صدام المتعطش للاجرام وسفك الدماء، وهو يشغله نفس ما نفكر به؛ طلب اللجوء الى اية دولة تقبله. كلمني برزانة طالبا مساعدته في ان اترأس اللجنة، فكان رأيي كالسابق وهو ان اترجم لهم فقط. اتفقنا على الالتقاء في محطة بيلوروسيا، الخط الدائري الذي يقع في مركز المدينة واثناء الحديث على الهاتف قال مازحا: كيف سيتسنى لك التعرف علينا وسط الزحام؟ فاخبرتهم ان ينتظروني وسط المترو" وساستطيع تشخيصكم لان وجوهكم تكشف هويتكم بما تعبرعنه من قلق واعياء!". التقيت بالدكتور خليل وصديقه جيمس فاستغربوا كيف تعرفت عليهم بتلك السهولة.
توجهنا مباشرة الى منظمة الصليب الاحمر طالبين مقابلة المسؤول هناك، فاستقبلنا بجفاء ملحوظ وبقلة ذوق تدل على انه لا يتحلى بصفات دبلوماسية او انسانية تليق بالمكانة التي يحتلها، وتبدو عليه امارات السكر ويستطيع من يقابله ان يشخص ذلك بسهولة. اسمه سيركي. لم يوافق ان يزودنا حتى بعنوان دائرة الامم المتحدة، ولم يعر آذانا صاغية لما يعانية العراقيون هناك. خرجنا غاضبين وبعد محاولات تمكنا من الوصول الى مقر الامم المتحدة الذي كان يستقبل مواطنين من ارمينيا واذربيجان لايام محدودة فقط. وعندما تحضر ممثلية الدائرة تلك، مرة كل ثلاثة اشهر، كنا نبذل قصارى الجهد لترتيب لقاء معها حين تواجدها في موسكو. طلبنا موعدا معها بعد ثلاثة ايام من وصولها.
طرقنا ابوابا كثيرة، كنت اغادر البيت في الثامنة صباحا لاعود اليه بعد الرابعة، ومشكلة المواصلات ترهق النفس الى درجة كبيرة، برغم وجود مترو موسكو، العمود الفقري للمواصلات في تلك المدينة ورغم وجود مسكننا وسط المدينة. وهكذا كنا ننتقل من منظمة الى اخرى علنا نفلح في ان نتوصل الى شيء ما.
في احدى الامسيات وفي تمام العاشرة مساء، رن الهاتف فهرعت اليه. كنا نعلق آمالا على ذلك الساحر وما يمكن ان ينقله لنا من مفاجآت. كان المتكلم يخاطبني بلغتي المحلية (الكلدانية)، انه الشاب بسام عوصجي الذي اعرف والديه في العراق، يطلب مني محادثة ابن عمي الموجود في موسكو وبدهشة سألته عن اسمه فقال ابن (حسقيال بتي) بادرت بالسؤال عن الاحوال والاهل واحدا واحدا وعن اخبار عائلتي والتقينا في اليوم التالي في منزل بسام، وجدت شابين جالسين لم التقيهما منذ طفولتيهما. قال بسام لن اقول لك من منهم ابن عمك. توجهت مباشرة الى رعد الذي كان يشبه والده، لكن لقاءه كان فاترا. فاستغربت ذلك. تكررت زياراتي له ولاصدقائه، اساعده في الترجمة، فافصح عن روحية مرحة تحب الانس والطرب، الا انه كان احيانا، يعاني في اعماقه من ترسبات وذكريات الحرب التي اقتطفت احلى سنوات عمره. كان هدفه التوجه الى الدانمارك، الى حيث اشقاؤه. توثقت على مر الايام، الصداقة بيننا. فسألته مرة لماذا كنت جافا في لقائنا الاول؟ قال انني تخيلت ان انشغالك بالامور السياسية وبعدك عنا هذه السنين الطويلة قد يكون سببا في فتور اهتماماتك بالاقارب والاهل، واضاف انني لمست العكس حيث كلما ازدادت ثقافة المرء ازداد تواضعه".
تشعب الحديث عن اوروبا والحياة الاجتماعية والثقافية فيها، ثم كلمته عن المقالب التي واجهناها مع المهربين ومنهم سيروان. بعد ايام علمت ان سيروان موجود ولكنه يحاول التهرب مني ويتحدث الى الناس انه يهابني، لانه يعرف مقدرتي وعلاقاتي الواسعة وبالمقابل بدأت انا ايضا اتوجس منه ومن نواياه فقررت حسم الموقف. اتصلت به هاتفيا فلم اجده، علمت انه يتهرب حتى من زوجته ايضا التي تتقفى آثاره. اخيرا علمت انه موجود في فندق (Kosmose)  في منطقة (BDX)  فاتصلت بعادل وزودته برقم هاتف سيروان ورقم غرفته. هرع اليه بسيارة الاجرة وتمكن من اصطياده في غرفته بالفندق، كلمني من هناك وقال تحدثي مع سيروان. وبعبارات خشنة مغلفة بالتهديد والوعيد بدأت حديثي معه، محذرة اياه من مغبة الاسترسال والتمادي في استغفالنا، فاذا لم يلتزم بما اتفقنا عليه فسيلقى ما لا تحمد عقباه! وعدني قائلا بانه خلال اسبوع ستكونين في الدانمارك!" كان شاهدا على الحديث كل من ابن عمي رعد  وبسام وشاب آخر اثوري معهم. لكن، وكعادة اولئك الدجالين، اختفى سيروان ثانية، حسبما قال لي ابن عمي. وبعد جهود مكثفة من قبل تلك المجموعة وجدوا سيارته.
كنت معهم هذه المرة، فتحنا باب السيارة وهي من نوع (ماسكوفيج حمراء اللون) وجلسنا داخلها. وحينما عاد الى سيارته وهم بدخولها وجدنا داخلها. ارتعب وتوسل ان ندعه يذهب الى السفارة العراقية لقضاء امر مهم هناك ومن بعدها سيذهب لحجز تذكرة لي الى الدانمارك. كنت جالسة في المقعد الامامي وامارات الغضب الشديد واضحة في تصرفاتي. قلت في سري انها ستكون مغامرة حقيقية لو ذهبنا معه الى شارع السفارة العراقية، لانني معرضة للخطر، ومع ذلك فسحنا له المجال لذلك. وصلنا مقابل السفارة فنزل ودخل اليها، في هذه الاثناء اتفق ابن عمي وبسام انه في حالة حصول مكروه او ردود فعل من السفارة ضدي يقومون هم فورا، بالاتصال بالشرطة الروسية او الشرطة الدولية يعلمونهم بذلك. ونحن نقلب الآراء خرج رجلان من السفارة متوجهين الينا. فتحت باب السيارة، سألتهم باللغة الروسية عما يريدان فردا: عن جواز سفر سيروان"، قلت لهما اين سيروان؟ قالا انه معتقل داخل السفارة. فاذا كنتم اصدقاءه فلا تنتظروه لانه سوف لن يخرج من السفارة حيث لديه مخالفات ومتهم بامور كثيرة.
عادوا مقتنعين بانني لست عراقية، وبعد نصف ساعة تركنا سيارة سيروان نهم بالعودة الى البيت، الا انه خطر لنا بانها قد تكون لعبة من سيروان بالاتفاق مع السفارة للتخلص منا بهذه الطريقة الذكية. انتظرنا في نهاية الشارع المؤدي الى السفارة، كمنا لمدة ساعة نترقب خروجه لكنه لم يظهر. يجب اذن التفكير بطريقة اخرى. فكرت باللجوء الى الروس لعلهم يساعدوننا في هذا المجال. ذهبت الى صديقة آثورية من سكنة موسكو كانت تربطني بها علاقة متينة واسمها  اسيت وحدثتها عن المقالب التي تعرضنا لها فنصحتني بان اتصل بشخصية سياسية سوفيتية مرشحة لعضوية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، من اصل آثوري، وهو السيد (كلامانيف) انه رجل دولة معروف وهو انسان طيب. فعلت ذلك فورا وتمكنت من زيارته في اليوم التالي ومعي بسام.
حدثته عن معاناة العراقيين في موسكو وعن جهودنا مع الامم المتحدة والصليب الاحمر والتي باءت بالفشل وكذلك عن المفارقات مع اولئك النصابين والمهربين وكيف تمكنوا من نهب ما كنا نملكه من نقود، وحدثته عن مخاوفي من السفارة العراقية لكوني سياسية معروفة. عبر عن تفهمه وتعاطفه وبدأ اتصالاته الهاتفية، كنت ومن خلال حديثه، استطيع التعرف الي من يتحدث، لانني اجيد اللغة الروسية. اتصل كلامانيف بشخص من منظمة الصليب الاحمر وقال له ستزورك الدكتورة كاترين فقدم لها ما باستطاعتك من مساعدة، رسمية كانت ام غيرها، واذا كان لك اصدقاء في المطار فابحث معهم عن وسيلة لتسفيرها، واسترسل قائلا: لا اريد ان يلاقي هؤلاء معاملة غير لائقة او يشعروا بمذلة او مهانة. ثم وجه لي الكلام قائلا: لا تترددي بالاتصال بي اذا حصل لك مكروه، في أي وقت حتى لو كان منتصف الليل. اتصلي بي حتى لو في البيت وساعمل ما بوسعي وقصارى جهودي في مساعدتكم، ولا ريب انك تعلمين ظروفنا التعيسة في موسكو فهي تسير من سيء الى اسوأ، وينطبق علينا المثل (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن!).
خرجنا من غرفة السيد كلامانيف وقد تملكنا شعور من الراحة والطمأنينة، فهناك على الاقل من يسمعنا. ذهبت الى الصليب الاحمر اتحدث مع صديق كلامانيف فثبت لي موعدا مع ممثلة الامم المتحدة. كنت عندها في اليوم الثالث انقل لها وجهات نظر العراقيين وما يعانونه في موسكو. استمرت المقابلة ربع ساعة وكان جوابها انه ليس باستطاعتهم تقديم اى مساعدة ممكنة ولاسباب قانونية.
رجعت مهمومة الى البيت لاتلقى خبرا اشد وطأة فقد علمت من لينا بان سيروان معتقل في السفارة العراقية لانه خسر مبلغ (12000 دولار) في الروليت يعود الى الخطوط الجوية العراقية. بعد يومين رن الهاتف في الساعة التاسعة مساءا بينما كنت مع لينا وعادل نجتر آلامنا والمشاكل التي تعرضنا لها. كان المتحدث سيروان يكلمنا من السفارة العراقية ويتوسل الينا ان نعيد له جواز سفره، اذ في تلك الحالة سيطلق سراحه. كان جوازه عندي وقد اودعته عند صديقتي  الروسية التي تسكن بعيدة عنا مسافة ساعتين تقريبا، قلت له: لن ترى جوازك الا بعد ان تقوم بتسفير لينا  وطفلتها." قطعت معه الحديث وانا في قمة الانفعال والغضب.
عاود المحاولة مرة ثانية، في العاشرة مساء، مكررا توسلاته مستعطفا ان اعيد جوازه. حذرني عادل بان السفارة قد تكون وراء العملية وهو يعرف البيت واخشى ان يرسلوا جلاوزتهم ويقترفون عملا آثما، فهم لا يتوانون عن ارتكاب اية جريمة وفي أي مكان. فكرنا بمغادرة البيت ولكن الى اين؟ والوقت قد قارب منتصف الليل. فكرت بالاتصال بكلامانيف ، بالرغم من ان الوقت متأخر، وقد خولني بذلك سابقا. اتصلت فعلا وشرحت له الموقف، فرد قائلا: اسمعيني جيدا؛ تصرفي بهدوء فالسفارة لن تتجرأ وتهجم عليك دون علم البوليس الروسي، فاذا طرق عليك الباب احد من طرفها لا تفتحيه مطلقا. اتصلي على الفور بي وانا ساتخذ الاجراء المناسب. وملاحظة اخرى، اذا كانت هناك شرطة روسية فقولي لهم بانك من جماعة كلامانيف وهذا يكفي واطلبي منهم بان يتصلوا بي هاتفيا من دارك. لا تغادري البيت في كل الاحوال ولا ترافقي أي شخص كان وبأية حجة او ذريعة كانت!" اعطتني تلك المكالمة ثقة وزخما كبيرين. كنا حتى تلك اللحظة قريبين من النافذة نسترق السمع الى اية حركة او صوت قريب من الباب، نتوقع ان نتعرض الى الاعتداء علينا، لان موسكو غارقة في فوضى لا مثيل لها، لا قانون يحكمها ولا شرطة تحميها وقانون الغاب هو السمة الوحيدة المميزة في تلك المدينة التي كانت رمزا للسلام فتحولت الى مدينة للاجرام، مدينة الاماني والعمل انقلبت الى مدينة الشغب، مدينة العلم والثقافة تحولت الى مدينة المجون والبطالة، كل شيء يسير فيها الى التدهور.
وسط هذه الدوامة الخانقة اتصل بي جيمس واشار علي بان اتصل بجونا دافيدفا، الطبيبة المعروفة التي تعالج المرضى باناملها الطويلة النحيفة الجميلة بطريقة تسمى (Extrasense)  ونحدثها عن العراقيين. وعلى الفور اتصل جيمس بها وبعد انتظار ردت عليه جونا وثبتت له موعدا بعد اسبوع، معتذرة عن التأخر، لانها مشغولة جدا. ذهبت انا وجيمس في الموعد المحدد في محطة مترو اربسكايا . توجهنا الى العمارة التي ترابط عند بابها سيارة اسعاف لحالات الطوارىء في مدخلها حارس سألنا عن وجهتنا، فاخبرناه بان لدينا موعد مع الدكتورة جونا، رافقنا الى الطابق الثالث. باب الشقة مقابل المصعد ففتح لنا الباب شاب اشقر ضخم الجثة ويبدو عليه انه ملاكم محترف. سألنا: من تريدون؟" اجابه جيمس الدكتورة جونا. اردف الحارس قائلا: من انتم؟ كلمته انا بروسية طليقة: لدينا موعد مع د. جونا" ظهر في هذه الاثناء، رجل آخر وبنفس الهيئة يسأل عن اسمائنا. اطلت علينا الدكتورة جونا وتقدمت نحو الباب لتستقبل جيمس بحرارة بالغة تخاطبه باللغة الاثورية، مرحبة بنا وتلقتني بالاحضان والقبل، تركت انطباعا باننا من اقربائها او عائلتها، لدى حارسيها الشخصيين.
وقفت جونا بقامتها الفارعة الرشيقة، فائقة الاناقة، يتهدل على كتفيها شعر فاحم مسترسل كالحرير الناعم، يشع من عينيها السوداوين بريق غريب، يوحي بشخصية خارقة وذكاء مفرط. انها حقا جذابة وذات شخصية ساحرة، بالرغم من انها لم