المحرر موضوع: أرسل إليكم قصة بعنوان : الرحلة إلى القصة  (زيارة 1391 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رحلة إلى القصة
                   عبد المسيح بدر حنو
أحدهم لأول مرة يكتب قصة.. يسكن في منطقة ريفية بعيدة عن المدينة.. يقرأ ويطالع ويكتب قصة.. ويعتقد بأن قصته جيدة.. فيقطع المسافات الطويلة بين قريته والمدينة.. ويمر بالغابات والأنهر مشيا ً على الأقدام حتى يصل إلى الشارع العام ليستقل سيارة توصله إلى المدينة..
في الطريق إلى القصة يتعلم المرء أشياء كثيرة, بعضها كان يتوقعه والآخر يأتيه مفاجئا ً.. ويكون له أحيانا ً وقع مؤذ عليه..
هذا ما كان يدور في خلده وهو يحث الخطى بالسير إلى المدينة..
وفي الطريق إلى القصة يحلم المرء بالكتابة التي ستضيف شيئا ً مهما ً إلى الفن القصصي, ويحزن كثيرا ً إن لم يحقق حلمه المشروع هذا..
يصل إلى مقر الجريدة.. يعرض ما كتبه على المسؤول الثقافي للجريدة وبعد أن  يطّلع الأخير على قصته يقرر أن ينشرها لكونها قصة جيدة في الأعداد القادمة للصحيفة..
فيدخل السرور إلى قلبه ويعود أدراجه عائدا ً إلى المدينة.. وحال وصوله يبلغ زوجته بأن قصته ستنشر وقد أخذت الفرحة منه مأخذها ويشرح لها عن شخوصها ومغزاها.. وهو يحلم بموعد النشر.
وعند غروب الشمس إلتحق بمجموعة شبان المحلة التي تجتمع كل يوم في مثل هذا الوقت ليقضوا سهرتهم يتحدثون ويتسامرون حتى منتصف الليل وأبلغهم بأن قصته سوف تنشر قريبا ً وبدأ يحدثهم عن قصته وكيف أنها تناولت حياة الريف ومعاناته.. وكيف أنه صور هذه الحياة رغم قسوتها بأنها أفضل من حياة المدن المليئة بالضوضاء والصخب.. ولكنه سرد كل ذلك بإسلوب ذاتي خاص به, يتميز بسيطرة السرد القصصي على الحوار وتوتر التركيب اللغوي, والتأكيد على الحديث الداخلي للأبطال.. والتحليل النفسي والتفلسف محاولا ً زج القارىء في قلب الحدث تاركا ً التوضيحات الإعتيادية, وبهذه الطريقة في إعتقاده يجبر القارىء على الوصول إلى إستنتاجات كثيرة عبر أفكاره الخاصة.. أي زجه في عملية إبداع ذاتي..
وبعد إنتظار طويل, جاء موعد نشر قصته, فشد رحاله إلى المدينة.. وفي الطريق تداخلت في ذهنه هواجس وأفكار وبدأت تطرق رأسه طرقا ً مدويا ً.. حسنا ً.. حسنا ً.. لنتكلم بهدوء, والطريقة الفضلى للهدوء هي أن نبتعد عما يمكن أن يسبب جرحا ً أو حرجا ً لأي منا..
الإبتعاد سيكون إقترابا ً من الخطوة الأولى فلنتكلم عن الخطوة الأولى إذا ً: لنتحاور مع النشر الجديد.. هل تتحدث عن القراءة؟ قل لي ماذا قرأت في الفن القصصي منذ عهد ( إليوت سالوت ) وحتى أعظم كتاب القصة العظام؟.. ستقول لي قرأت الكثير.. وسأعيد عليك السؤال..
هل قرأت حقا ً شيئا ً من أولئك العظام؟
جميل كل هذا.. أقول لك لكنني لم أعثر على ما هو مثير في موهبتك.. ولكني أيضا ً أراعي هذه الخطوة الأولى.. بعدها بدايات لما ينبغي أن يأتي وهو أجمل من كل ما سبقه..
وتستمر رحلة المشوار الطويل إلى الجريدة..
أحزن مع نفسي, ألم يكن الأجدر بي أن أبقى في حوار مستمر مع الذات.. لنصل إلى قرار قطعي؟ لماذا ينقطع الحوار في منتصف الطريق؟..
وأحزن مع نفسي أيضا ً , وكم كنت أتمنى أن أجد من يتحاور معي في هذا الوقت البعيد ليبدد عني كل هذه الهواجس والأفكار..
غير أنني وجدتني فرحا ً بما قلته في البداية هذه المحاورة فأعدته إلى نفسي.. لأن الطريق إلى القصة يتعب المرء كثيرا ً غير أنه ينحاز إلى تعبه هذا.. فهو تعب جميل, ربما سيكون أجمل ما عاشه في حياته كلها.
حال وصوله إلى المدينة توجد إلى بائع الصحف وإبتاع أعداد كبيرة من الصحيفة المنشورة بها قصته ليوزعها على معارفه وأصدقائه في القرية.. لم يقرأ أو يفتح الجريدة, بل فضل أن يقرأها عند عودته إلى البيت بكل هدوء وإمعان..
وما أن وطئت قدماه البيت حتى طلب من زوجته أن تعد له كوب من الشاي.. إحتساه بنشوة وترقب عما سيطالعه في الجريدة.. كيف لا وهي قصته الأولى التي عمل لها المستحيل وقرأ لها الكثير لتخرج إلى النور.. وأشعل سيكارة وبدأ ينفث دخانها بغطرسة وهو يتطلع إلى الأعلى.
وفتح الجريدة.. ويا لهول المفاجأة.. لقد ظهرت القصة ولكن بعنوان آخر وبإسم آخر.. بإسم المحرر المسؤول عن صفحة القصة في الجريدة بعد أن عمل على تحوير بسيط في متن القصة..
لقد كانت الصدمة الكبرى في حياته, وكأن عاصفة هوجاء عصفت بداخله.. وقلبت كيانه..
صمت.. وبعد صمت طويل الله أعلم كم بقي عليه..
خطر بباله سؤال عفوي بعد أن أكمل قراءة القصة.. ( أما تزال تحلم بإستمرار الكتابة بعد اليوم )؟؟..
ويخرج من صمته ويقرر أن يكتب برسالة تهنئة إلى مسؤول القصة في الجريدة يهنئه على قصته هذه..
وقرر أن لا يكتب بعد ذلك القصة مرة أخرى.