المحرر موضوع: سليمان أبو طاهر القرمطيّ قال: (أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا)  (زيارة 10094 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل TOMA SHAMANI

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سليمان أبو طاهر القرمطيّ قال:    (أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا)


القرامطة من الاسماعيليين وتشير المصادر إلى أنّ مؤسّس مذهب القرامطة هو حمدان بن الأشعث الملقّب بقرمط، وكان في بداية حياته قد انظم للإسماعيلية الباطنيّة على يد حسين الأحوازي وهو ابن مؤسّس الإسماعيلية عبدالله بن ميمون القدّاح، عُرف عن حمدان شخصيّته القويّة ورأيه المقنع، وكان القرامطة يضمرون العداء والكراهية للخلافة العبّاسية، لكنّ حمدان القرمطي انقلب على الإسماعيليّة الباطنيّة مقيما له مذهبا خاصّا به، كما أنشأ (دار الهجرة) في الكوفة. ومن أشهر دعاة القرامطة مأمون وزكرويه بن مهرويه، وقريبه عبدان مفكّر القرامطة. امتد نفوذ القرامطة الى البحرين وعمان والاحساء والطائف واليمن وبعلبك ثم شنوا هجماتهم حتى وصلوا مصر والمغرب. أشهر ما عرف عنهم قيامهم بثورات ضد الخلافة العباسية في سنوات الفترة الأخيرة من القرن التاسع الميلادي واتعبوا العباسيين كثيرا، بسسب الاضطرابات في انحاء الدولة المترامية الاطراف، وعندما استولوا على مكة سرقوا منها ماسرقوا.                                                                                                   
 قاموا بثورات متتالية أخذت الطابع الديني وبدت كانها ثورات اشتراكية، حيث جاءوا بنظامهم اذ أعتمدوا السيطرة على كل شئ وبعضهم يعتقد إنها خرجت من المباركية أحدى فرق اللاسماعيلية، وهم يختلفون عن اسماعيلية النزارية والبهرة، قيل ان الموحدين الدروز هم بقايا الثورة القرمطية المجهضة وهناك من قال أنهم طائفة مستقلة و أنهم في دعوتهم يرون ان الكون لم يخلق في ستة أيام بل خلق بكلمة (كن فكان).                                                                                                       
بدأ القرامطة ينشرون عقيدتهم الباطنيّة بين الناس، ثم نظموا صفوفهم فلمّا اشتدّ ساعدهم تمردوا على الخلافة من البحرين عام 286 هـ، وكان يقودهم أبو سعيد الجنابي القرمطي، قيل عنه كان كيّالاً في البصرة، ويعود جذره إلى الأحواز وكان معه الزنج والخرميّة وبعض العرب. في البداية غزى قرى الأحساء فعاث بها، ثم احتلّ المناطق المحيطة بالقطيف ثم يمم للبصرة لاحتلالها. اثرها وجّه لهم الخليفة العبّاسي المعتضد جيشاً قوامه عشرة آلاف بإمرة العبّاس بن عمرو الغنوي، التقى الجيشان في الطريق إلى البصرة وكانت نتيجة المعركة أن أُسِر الجيش العبّاسي بكامله وأميرهم، وكان جزاؤهم كما يقول (ابن خلكان) في (وفيّات الأعلام)، (أنّه أُحضر الأسرى جميعاً فأمر بقتلهم وتحريقهم ولم يبقِ منهم إلاّ أميرهم العبّاس بن عمرو الذي أرسله إلى الخلفية العبّاسي نذيراً وليعلمه بمقدار قوّته).                                                                                                             
دخل القرامطة البصرة عام 311هـ  فقطعوا الطريق على حجّاج العراق،  ثم طلبوا من الخليفة المقتدر أن يتخلّى لهم عن الأحواز، وحين رفض المقتدر ذلك اتّجه إلى الكوفة فدخلها. وقد حاول قطع الطريق على حجّاج العراق مرّة أخرى ولكنّ حماة الركب اشتبكوا معهم بحرب خاطفة حتّى استطاعوا إعادة الركب إلى العراق ولم يحجّوا عامهم ذلك. وبقوا يقطعون طريق الحجّيج، حتّى أنّ حجّاج خراسان والعراق والمشرق توقّفوا عن الذهاب إلى الحج. وفي عام 315هـ قصد القرامطة بغداد والتقوا بجيش الدولة في الأنبار وكان عدد جيشه ألف فارس وسبعمائة راجِل، وجيش الخليفة أربعين ألف فارس. وعلى الرغم من ذلك فقد فرّ جيش الدوله قبل استخدام السلاح، فدخلوا الأنبار. وحاولوا دخول الرقة إلاّ انهم فشلوا. وفي عام 317هـ اتّجه سليمان أبو طاهر القرمطيّ إلى مكّة فدخلها يوم التروية وقتل أمير مكّة ابن محارب كما قتلوا الكثير من سكّان مكّة وهو يقول (أنا بالله و بالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا) وكان كل من سلم من القتل قد دفع رشوة قدرها خمسة دنانير. بموت سليمان القرمطيّ عام 331هـ  انقسم الحكم بين أبنائه، فخفّت قوّة القرامطة وتهديداتهم، فلجأوا الى قطع الطرق وهجمات خفيفة. منحهم الخليفة المطيع خمسين ألف دينار لاسترداد ما سرقوه من مكة. المؤرّخون على اختلاف  مذاهبهم، قالوا ان بعضهم من المجوس الإباحيّة أتباع مزدك، كما يقول ابن حزم الظاهري حيث يتساوي الناس في النساء والأموال. ويقول القيرواني في رسالة إلى سليمان بن الحسن (ولو عقل الجاهل لعلم أنّه أحقّ بأخته وبنته من الأجنبي)، وقال ما قال آخرون من لغو حيث ذكروا عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني وهو مؤسّس دين الرافضة كما يدعون بانه محرضهم على القرمطة وكذلك ذكروا بهتانا بانهم من الصابئة. في دعواتهم كانوا يلجأون الى الاجتذاب لهم على مراحل، ذكرها الإمام عبدالقاهر الإسفرائيني، وهي كما يلي (التفرّس، والتأنيس، والتشكيك، والتلقين، والربط، والتدليس، والتأسيس، والمواثيق بالأيمان والعهود، وآخرها الخلع والسلخ). وقد اوصوا دعاتهم لا تضعوا بذرتكم في أرض سبخة، ولا تتكلّموا في بيت فيه سراج، يقصدون من عنده علم. ومن شروط الداعي عندهم أن يكون عالماً بأنواع الناس وأصنافهم واختلاف مذاهبهم ونقاط ضعفهم والأبواب التي يدخل على كلّ واحد منهم..) ويواصلون (ثمّ يدخل عليه من باب الولاية والتأويل حتّى يخرجه من الدين). ويقول بعضهم (حياةٌ ثمّ موتٌ  ثم نشرٌ - حديث خرافة يا أمَّ  عمرو) ولقد ركّز القرامطة في دعوتهم على الموالي والعبيد على أسيادهم والأُجراء الناقمين على أالملاكين، وكانوا يطالبون إعادة الملك لهم سواءً كانوا مجوساً أو هنوداً أو اي ملة او نحلة. استمرّ أبو سعد الجنابي في دعوته حتى قتله احد غلمانه حين دخل الحمام، ثمّ دعى الغلام أحد قوّاد القرمطي قائلا له ان أبا سعيد يطلبه في الحمّام، فلمّا دخل القائد الحمّام قتله أيضاً، وفعل ذلك بخمسة منهم أيضاً، ولمّا اكتشفوا أمره قبضوا عليه وقَرّضوا لحمه بالمقاريض فمات ثم جاء بعده ولده سعيد ثمّ سليمان الذي خرج على أخيه. وأمر بمعاقبة كلّ من أطفأ ناراً، فإنّ أطفأها بيده قطعت يده، وإن أطفأها بالنفخ قطعوا لسانه، ويعني هذا انهم من المجوس.                                                                                   
اما قرامطة بلاد الشام فكان رئيسهم زكرويه بن مهرويه، وهو الذي تمرد على حمدان وعبدان مؤسّس مذهبهم الإسماعيلي حيث أسّس حمدان بن قرمط مذهبه الخاص، بقي زكرويه يضمر العداء لحمدان وعبدان، ونجح في قتل عبدان إلاّ أنّ فعلته هذه جعلته يختبئ في جنوب العراق وبعدئذ يمم أبناء ميمون القداح إلى المغرب، فأسّسوا دولة العبيديين (الفاطميين) الذين لصقوا أنفسهم بهتانا بأهل البيت. زكرويه من مخبئه في العراق ارسل ابنه يحيى إلى بلاد الشام عام 289هـ، فاستولوا على الرقة وساروا إلى دمشق وحاصروها، إلاّ ان المدافعين استطاعوا الصمود بمساعدة من مصر ومن الموصل في معارك طاحنة وبعد أن آلت إمارة الجيوش إلى بدر الحمامي صاحب ابن طولون، اندحر القرامطة. وذكر بان ان ابن يحيى، حسين ابن زكرويه اسر مع بعض مريديه فأُرسِلوهم إلى الخليفة ببغداد، فعذّبهم وقطّع أيديهم ثمّ أحرقهم. فلمّا رأى زكرويه انه اصابه هذا الاندحار العظيم جمع جموعه واتّجه بهم إلى الكوفة وقاتل أهلها في عام 293هـ قتالاً ثبتوا فيه فاندحروا راجعين إلى القادسيّة، الا ان الخليفة ارسل لهم جيشا لقمعهم ولكن جيش الخليفة هُزم شرّ هزيمة، مما رفع  معنويات زكرويه القرمطيّ، وبدأ في قطع الطريق على الحجّاج كصاحبه القرمطيّ السابق، وكان إذا اعترض قافلة للحجّاج لا يترك أحداً من رجالها إلاّ وقتله وأخذ أمواله. وفي عام 294هـ اعترض قافلة فيها نساء وخواصّاً للخليفة وأموالاً وخزائن له، فقتل الرجال وسبوا النساء وأخذوا الأموال، فلمّا علم الخليفة المكتفي بذلك أرسل جيشاً على رأسه وصيف بن صوارتكين، والتقى جيش الخليفة بجيش القرمطي، وبعد معركة طاحنة  نجح فيها جيش الخليفة وأعملوا بجيش القرمطي السيف، ومع حلول الظهيرة جرح زكرويه وقتل أغلب جيشه وفرّ من بقي منهم فماتوا عطشاً في البادية، وحُمِل زكرويه إلى الخليفة إلاّ أنّه هلك في الطريق بعد خمسة أيّام، فشقّوا بطنه وحملوه إلى بغداد ليجعلوه عبرةً لمن يعتبر، ومع مقتلهة انتهت سطوة القرامطة في العراق والشام، وبقيت فلول لهم غير ذات أثر هناك.                                                                                             
يبدو ان القرامطة اتخذوا الاشتراكية، اذ كانوا يمنعون تهريب الذهب خارج حدود الدولة فقاموا بصك نقود من الرصاص، ذكر الباحث محمد أمين جوهر أن الدولة القرمطية قامت بشق الأقنية وزرع النخيل، و كان يمنع ذبح الحيوانات بين الناس بل كانت الدولة تقوم بذبح الأغنام و الحيوانات و توزع اللحم على الناس، قامت الدولة القرمطية ببناء مطاحن الحبوب لتخفف عبء العمل عن المرأة التي كانت بدورها تشارك بالعمل، حيث تعتبر حقوق المرأة عند القرامطة متطورة جدا عما كانت عليه في امكنة اخرى في ذاك الزمان. ذكر ان القرامطة أسسوا لهم دولة في اليمن على يد علي بن الفضل وكان شاعرا له قصيدة مطلعها (خذي الدف يا هذه واضربي -  وغني هزازيك ثم اطربي). الكثير من قبائل الجزيرة العربية انتمت لدعوة القرامطة وهي مهنة وانتمائية الى القتال لانها المهنة الوحيدة المربحة لهم فبعضهم قتل وآخرون اصبحوا من الاغنياء، من القبائل التي انتمت لدعوة القرامطة بنو هلال وبنو سليم وبنو معقل وبنو كلب وفزارة واشجع وغيرهم، وشكلوا عماد جيش القرامطة الذي غزوا به أنحاء الجزيرة العربية والعراق و الشام و مصر، إلى أن بدأ الفاطميون في إستقدام بني هلال و سليم و فزارة وأشجع و بنو معقل للإستقرار بمصر، فنزلت تلك القبائل في بحري وقبلي مصر وإستقرت بصعيد مصر خصوصا لمدة تربو على القرن، ثم جندها الخليفة الفاطمي المستنصر بمشورة وزيره اليازوري للإستقرار بشمال أفريقيا للقضاء على الحركة الإستقلالية التي قادها عامل الفاطميين في أفريقية ( تونس اليوم)، فنزحوا من صعيد مصر إلى شمال أفريقيا فيما عرفوا بتغريبة بني هلال، على انها أكبر قبائل التغريبة، وبقي بعضهم في مصر فتمصروا. كلمة قرمطي عند الموحدين المشهورين الدروز الرجل الصالح الزاهد العاكف، كما ذكر محمد كامل حسين في كتابة طائفة الدروز.
الواقع ان التاريخ الذي نقرأه تاريخ مصاب بالصدأ نتيجة الفبرقات التي حلت به، فعندما تسقط الثورات تبدأ سكاكين المؤرخين والناقلين والرواة بتقطيع اللحوم وهذا الذي حدث عندما فشلت ثورة الزنج التي كانت اول ثورة افرزها ذاك المجتمع التمييزي الذي ظهر اثر البذخ الذي رأته الدولة العباسية، فكل من يثور يعتبرونه آنذاك مرتدا أفاقا أفاكا يحلل زواج الاخوات ويسبي النساء المسلمات المحصنات وهذه الوصفات الصقت بالخوارج في وقت يرى الكثير انها كانت دعوة تهدف بمضمونها الى تطبيق مبدأ العدالة في الإسلام (كالدكتور محمود اسماعيل صاحب كتاب الحركات السرية في الإسلام وبعض مؤيديه). اما ثورة الزنج فلم تعط حقها كثورة تدعوا الى تحرير العبيد من المظالم والعيش الاسود الذي كانوا يعيشونه وكانوا يعاملون كالكلاب. واول من اعطاهم حقهم الدكتور فيصل السامر في كتابه (ثورة الزنج). ولا ننسى التاريخ الحقيقي الذي حصل اثر كل الهجمات التي قام بها الفرسان اصحاب السيوف اليمانية البتارة على الشعوب فكانوا يفرضون الكلمة التي يريدونها ومن لم يستجب قطعت رؤوسهم وسبيت نسائهم، وبعد ذلك بسنين فان ثار من يثور على الظلم اعتبروه مارقا وقطعوا رؤوسهم. ولا ننسى كان في حلقات الخلفاء انواع من الوزراء والقادة الخصيان والحريم وغيرهم ممن يسممون السلطان بالافكار وهو نائم بين الراح والنحور المسبية فيهب الى الحرب يقتل ويسبي فان نجح مرة ولكنه يقتل في مرة اخرى ويباد انصاره ثم تسبى نسائهم فياتي سلطان آخر ليعيد ما حدث وهذا هو التاريخ شئنا ام ابينا.                                                               
 توما شماني – تورونتو                                                                                                                          عضو اتحاد المؤرخين العرب