المحرر موضوع: و كان هناك بلد يسمى العراق ...!  (زيارة 2446 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل shamasha khosho

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 24
    • مشاهدة الملف الشخصي
البلد الذي نسميه  ( العراق ) كان في الماضي البعيد يسمى بلاد سومر ، و بعد ان سيطرت السلالة الاكدية ( السرجونية ) عليه سمي ببلاد اكد وسمي ايضا ببلاد اشور و بابل .فهذه المجموعات البشرية الثلاث ، الاكدية ، البابلية ، الاشورية كانت في الاصل شعبا واحدا، و بعد انتشارها في بلاد الرافدين بمرور الزمن اتخذت كل مجموعة منها اسما اقليميا – او عشائريا لنفسها. و قد سيطرت اقوام غازية على بلاد الرافدين في تاريخه القديم، كالكاشيين و الكردونياشيين و غيرهم ، لكن تلك الاقوام لم تتمكن من ان تفرض اسمها على البلد لسبب واحد وهو ان حضارة شعب بلاد الرافدين كانت من الرقي بحيث جعلت هؤلاء المحتلين ينسون ما كان لديهم من الحضارة ، لا بل اندمج هؤلاء بتلك الحضارة و اصبحوا جزءا من شعب بلاد الرافدين .و حتى بعد سقوط آخر سلطة وطنية في البلاد على يد الفرس الاخمينيين عام 539 ق.م  لم يتمكن هؤلاء الفرس من ان يفرضوا حضارتهم على شعب بلاد الرافدين . فكان البابليون و الاشوريون يسخرون من الفرس و من حضارتهم .
في عام 401 ق.م زار المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت المعروف ب ( ابو التاريخ ) بلاد الرافدين ، و قد سمى البلد في كتاباته ( ميسوبوتاميا ) التي تعني بلاد النهرين ( دجلة و الفرات ) .
تعجب هيرودوت بحضارة البلد و منجزاته العمرانية و مشاريعه الزراعية ، بالرغم من سقوطه تحت نير الاحتلال الفارسي مدة لا تقل عن مائة و ثمانية و ثلاثون عاما، فوصف هذا المؤرخ العظيم مدينة بابل ( قبلة العالم القديم ) بزقوراتها و شوارعها وبساتينها و كرومها وصفا دقيقا. فالتقدم الحضاري الذي شاهده في بلاد الرافدين لم ير مثيلا له في جولته هذه .
في عام 331 ق.م احتل اسكندر المقدوني بلاد النهرين و دخل بابل وزار زقورتها الرئيسية ( مقر الاله مردوخ ) مقدما له القرابين و الاضاحي مادّاً إليه يده بكل خشوع و احترام طالبا منه الرحمة و المساعدة . لماذا فعل هذا القائد العظيم ذلك و في بابل بالذات دون غيرها من المدن التي احتلها في حروبه ؟
كان اسكندر المقدوني قد قرأ قبل ذلك مذكرات مواطنه هيرودوت ، و كان يحترق شوقا لمشاهدة حضارة بلاد النهرين التي كانت من ارقى حضارات العالم القديم و كان يريد ان يرى بنفسه موطن الجبابرة الذين بنوا هذه الحضارة على مر القرون و صانوها مدافعين عنها بدمائهم. قرر اسكندر جعل بابل عاصمة لحكمه الامبراطوري في بلاد الشرق ، لكنه رحل عنها الى الابد دون ان ينفذ ما خططه في ذهنه.
///هكذا كان العراق ايها العراقيون قبل اكثر من الفي سنة من الان.///
احتل الساسانيون بلاد الرافدين و دمروا من حضارته و بنيته التحتية ما استطاعوا اليه سبيلا، لكنهم لم يتمكنوا من تدمير الانسان النهريني ، فقد بقي هذا الانسان صامدا بوجه هؤلاء الطغاة بالرغم من الجرائم التي اقترفوها بحقه .
في بداية القرن السادس فتح ابناء الرافدين ابواب بلدهم امام العرب القادمين من الجزيرة العربية بدون اي مقاومة ، فكان الامل يراودهم على ان هؤلاء القوم سوف ينقذونهم من ظلم المعتدين لسبب واحد وهو ان القادمين او الفاتحين الجدد يعترفون بوجود الاله الذي يعترف بوجوده ابن البلد، فما الذي حدث ؟
ان آمال هؤلاء تبخرت جيلا بعد جيل ، بعد ان فرضت الدولة العربية الاسلامية على سكان البلد الاصليين ( من غير المسلمين ) قوانين و شرائع تعجيزية، جعلت ابن البلد فقيرا، ذليلا ، منبوذا . فاضطر هذا الى ترك ارضه و ارث اجداده الى حيث الامان في ذلك الوقت .بعد هذه التطورات التي حدثت اطلقت التسمية الجديدة على بلاد الرافدين و سمي ( العراق ) ، و ان كانت هذه التسمية متداولة عند البعض لكنها لم تكن رسمية الى ذلك الحين ، و آراء المؤرخين و الباحثين تختلف في معنى هذه التسمية ، لكنها تتشابه في النهاية . فهناك العالم الالماني ( هيرتسفيلد ) يقول عنها : " انها كلمة اكدية قديمة ( إراك ) بمعنى السفلى . و رأي آخر يقول انها كلمة آرامية من ( عراقا ) بمعنى الارض المنخفضة او الغرقى . و ياقوت الحموي يقول " ان الاسم ( عربي ) و يعني الاسفل" ، و يقول ابن الاعرابي ( سمي كذلك لإنتهائه بالبحر ).
و يذكر خليل انها كلمة عربية تعني ( البحر ) .
على كل حال فالذي يعنينا هو ما آل اليه العراق ، فقد توالت الاقوام في احتلاله و كانت غالبيتها من الاقوام المتخلفة حضاريا تكره كل ما له صلة بحضارة الاخرين، و تدمر كل ما يصادفها في طريقها و تعيش على تعب و شقاء ابن البلد. فكانت النتيجة ان دُمِرت حضارة بلاد الرافدين و تحولت مزارعه و بساتينه الى صحارى قاحلة .
لنأتي الى عراق القرن العشرين. ففي عام 1921 تشكلت اول حكومة عراقية سميت ( بالحكومة الوطنية ) فهل حقا كانت هذه الحكومة وطنية و الحكومات التي بعدها ؟؟
لقد عاش شعب العراق في حالة فوضى و عدم الاستقرار مدة تجاوزت الثمانين عاما بعد تشكبل اول حكومة وطنية فيها فكانت هناك ثورات و مؤامرات و انقلابات و قتل و خراب و .. و..و.... ! لماذا ؟
لنقرأ ما قاله الرجل الاول الذي قاد العراق و لم يكن عراقيا، لكنه كان وطنيا اكثر من الذين يتسترون تحت غطاء الوطنية. لنرى رأي هذا الرجل في شعب العراق..
يقول المغفور له الملك فيصل الاول في مذكراته :- اقولها و قلبي ملآن اسى، انه في اعتقادي لا يوجد شعب في العراق ، انما هناك تكتلات بشرية خالية من اي فكرة وطنية مشبعة بتقاليد و اباطيل دينية، لا تجمعهم جامعة، ميالون للفوضى ، سماعون للسوء – ( انتهى )
و هناك مشاهير الكتاب من امثال الدكتور علي الوردي و غيره كتبوا عن شعب العراق بنفس المعنى.
اننا لسنا من المؤيدين لما قيل عن شعب العراق ، لكننا لا نستطيع دحض ما قيل لسبب بسيط وهو ان واقع العراق اليوم يسير من سيء الى اسوأ اكثر من ذي قبل ، و إن كان هناك الآلاف من العراقيين يحترقون حزنا و الما على العراق و الى ما آل اليه من الفوضى.
لنأتي الى ما بعد عام 2003 و نرى حال بلدنا ( العراق ) . فبلدنا اليوم اصبح فريسة لذئاب جائعة تهاجمه من كل جانب . و مكوناته الكبيرة ( كما تحلو لهم تسميتها ) تخطط لتقسيمه و تقسيم خيراته بينهم، و لهم فقط.!
اما المكوناتت الصغيرة فما عليها إلا ان تقبل بالعبودية الابدية، و بالتالي الموت البطئ، و إما ان ترحل عن بلدها الى جهنم و بئس المصير.
في بلدنا ( العراق ) ثلاث دويلات اليوم .لكل منها نظامها السياسي و اجندتها التي تحاول فرضها على الاخرين ( المستضعفين  ) بطرق مختلفة . فهناك نظام اسلامي متشدد يخطط لإقامة دولة اسلامية في العراق. و هناك نظام آخر شبه علماني له طموحاته التي لا حدود لها و اجندته الخاصة به. و هناك نظام ثالث تختلف رؤيته و تطلعاته عن الاخرين، و يسير بين هذا وذاك و حسب الظروف .ولكل نظام من هذه الانظمة ارتباطاته الاقليمية و الدولية ، فأين العراق ( الوطن ) يا ترى؟
هذه هي تطلعات و توجهات ( المكونات الكبيرة في العراق) اوجزناها بصورة مقتضبة بحسب وجهة نظرنا.
لنأتي الان الى رجال الدين و دورهم في احداث العراق ( ما بعد صدام ) .
رجل الدين العراقي ( و اكرر العراقي ) كان من المفروض ان يدافع عن الشعب العراقي بكل مكوناته و مذاهبه، لكن لنرى ما هو موقف رجل الدين المسلم من العراقيين ( الغير المسلمين ) . يقول في خطبه و ارشاداته: ايها المسلمون ان قتل المسلم حرام، و الاعتداء على حرمات المسلم مهما كان لونه و جنسه حرام ( على قاعدة انصر اخاك ظالما كان ام مظلوما ) فإذا كانت ارشادات رجل الدين المسلم هكذا و بهذه الصورة في العلن ، فما الذي يقوله في الخفاء يا ترى ؟؟
بمعنى آخر  ( و هي لا تحتاج الى التفسير  لانها مفهومة عند العامة) ، فالجرائم التي ترتكب بحق المسيحي و اليزيدي و الصابئي مسموح بها في قاموس رجل الدين العراقي و في شرعه المخالف لكل الشرائع السماوية.
عزيزي القارئ العراقي ، هؤلاء هم ساسة العراق و علماؤه، هؤلاء هم انفسهم الذين كانوا يتباكون على العراق و على شعب العراق قبل سقوط النظام الدكتاتوري، فهؤلاء هم الذين كانوا يعقدون المؤتمرات و الاجتماعات و يتكلمون عن الديمقراطية و حقوق الانسان، فيا للعجب ...!
كان في العراق دكتاتور واحد و اليوم اكثر من دكتاتور يحكم العراق و شعب العراق ، و الغريب في الامر ان هؤلاء لم يأخذوا العبر من الماضي القريب، فالجرائم لا زالت ترتكب و بوحشية اكثر من ذي قبل ضد الناس الابرياء. انها ديمقراطية جديدة يعيشها العراقي الان ( أ ليس هذا قانون الغاب يا ايها الاقوياء )؟
ليعلم كل عراقي اينما كان ، بأن عراق اليوم لا حدود جغرافية له ، ولا يحتاج الى قوات تحميه ( لأن حاميها حراميها ) فهناك موجات بشرية تدخل العراق من كل حدب و صوب و يكفي للداخل اليه ان يكون منتميا عرقيا الى احدى دويلاته او ان يكون مؤمنا بأجندتها . و بالمقابل فأن ابن البلد تنتهك حرماته و تغتصب امواله و ممتلكاته، و يطرد خارج بلده ووطنه ، قيل ان الظلم لا يدوم و ان دام دمّر، و تاريخ العراق يشهد على صحة هذه المقولة ، فمنذ اكثر من 2500 عام اقوام تدخل هذا البلد و تعبث فيه فسادا ، و السؤال هنا ، اين بقيت تلك الاقوام و ما هو مصيرها يا ترى ؟ بينما نرى في المقابل ابن البلد الاصيل قد بقي محافظا على وجوده على مر التاريخ، و سيبقى كذلك انشاء الله حتى لو هجر من وطنه قسرا، و سيبقى يطالب بإرث اجداده الى يوم القيامة.
هذا هو بلدنا ( العراق ) اليوم يا اخوتي المظلومين ، هذا هو البلد الذي كتب عنه هيرودوت ، فتعالوا معي ايها الهاربين من جحيم اللاعدالة و يا ايها الباقين الصامدين، يا من تحترقون حزنا على بلدكم ، تعالوا لنجلس على ضفاف الانهر و سواحل البحار و نذرف الدموع على ( العراق ) تعالوا لنقرأ الفاتحة و نقيم صلاة الغائب على بلدنا الحبيب .  فقد كان فيما مضى بلد سمي العراق... و إنّا لله و إنّا اليه راجعون .

                                                                           خوشابا هوزايا
                                                             ملبورن-استراليا