المحرر موضوع: قراءة نقدية في كتاب هرمز ابونا : صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية (القسم الثاني )  (زيارة 2936 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قراءة نقدية في كتاب هرمز ابونا : صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية (2 )
                                              القسم الثاني
حبيب تومي / اوسلو
يستهل الكاتب الفصل الرابع بعنوان : روما ومحاولاتها الأولى لتقسيم كنيسة المشرق ( خط مار يوحنان سولاقا 1553 ـ 1575 ) .
ان هذه البداية للفصل الرابع ص64 توحي للقارئ ما يرمي اليه الكاتب ، وفي البداية يستعرض الكاتب انحلال الحكم المغولي ليترك الساحة للأحتلال التركي الذي دام حوالي اربعة قرون [ 1514/ 1536 ـ 1919 م ] .
 ان الكاتب الجليل يقول ص67 تحت عنوان :
 الأنحطاط العثماني واستغلاله من قبل اوروبا
لقد وفرت فترة الأنحطاط العثماني للدول الأوروبية الغير ارثوذكسية ولكنيسة روما بالذات الفرصة الذهبية لكي يحققوا اطماعهم وينفذوا مشاريعهم القديمة والجديدة في الأقاليم الخاضعة لها . [ فضعف ] الدولة العثمانية سهل على هذه القوى الغربية العظمى ومبشريها بلوغ اهدافهم المرحلية والتطلع لتحقيق اطماعهم المستقبلية ..
 عندما يشير الكاتب الى فترة الضعف هذه واستغلالها من قبل الغرب لا سيما من قبل المبشرين ومن روما يعود ليناقض نفسه في دليل الضعف فيقول في الصفحة التالية ص 68 ليقول :
 الأتراك وقت عظمتهم والأمتيازات الممنوحة للكاثوليك
 يقول : بعد ان ضم العثمانيون بلاد ما بين النهرين وأقسام واسعة من بلاد اشور ( لا زال الكاتب هنا يفصل بلاد آشور عن جسم بلاد ما بين النهرين كما تطرقنا سابقاً ] الى امبراطوريتهم فإن الوضع الدولي القائم كان يعكس حقيقة كون الدولة العثمانية اقوى دولة في وقتها وتنظر الى الدول الأوروبية وملوكها كتابعين لها ، ومن هذا المنطق منحت الأمتيازات لفرنسا سنة 1535 م ولغاية 1595 م منحتها خمسة امتيازات اخرى ....
 ان الكاتب يظهر لنا ان للأوروبيين امتيازات عندما كانت الدولة العثمانية قوية ، فلم الاستغلال عندما تحولت هذه الدولة الى دولة ضعيفة ؟ ولا ندري ماذا يرمي اليه الكاتب من هذا التناقض الذي يبدو للقارئ ؟
ـ نقرأ في كتاب صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية فقرات لا تدخل ضمن اطار مناقشة تاريخية انما هي اقرب الى مداخلة حزبية سياسية منها في ص 70 قوله :
الا ان مبشري روما الذين استغلوا الأمتيازات على الفور انطلقوا من اورشليم قاعدتهم الأولى في المنطقة ونشطوا في اعمال [ تحريضية ] ضد الكنائس الوطنية حيث كانت كنيسة المشرق هدفهم الأول ..
ويضيف في مكان اخر من نفس الصفحة فيقول :
فاستخدمت روما مختلف السبل للتغلغل بينهم بما فيها تقديم الرشاوي للزعامات القائمة وتقديم الأغراءات المادية للعناصر الضعيفة ..
 من جانب آخر يبين لنا الكاتب ان الدولة العثمانية كانت تراقب نشاطات المبشرين وكانت ترى في هذه  النشاطات ما يؤثر على سلامة الدولة ولهذا في ص 72 يقول : قامت باعتقال ستة من مطارنة الأرمن الكاثوليك الذين كانوا حصاد الجهد التبشيري الكاثوليكي الى جانب البطريرك الكاثوليكي يوحنا سولاقا العائد حديثاً من روما بعد ان اسامة البابا بطريركاً ضمن المخطط العام للسيطرة على الكنائس الوطنية ، ولقد كانت النتيجة قيام الأتراك بإصدار حكم الموت بحق المشتبه بولائهم للغرب [ كذا ] وأعدموا جميعاً باستثناء مطران ارمني واحد سعي لانقاذ نفسه من الموت باعتناقه الأسلام ونفذت احكام الأعدام بحق البقية ومنهم مار يوحنان سولاقا سنة 1555م والذي كان المبشرون سبب قتله .
يبدو من قراءة هذه السطور  وغيرها ، ان الكاتب يريد ان يبرأ ساحة السلطات العثمانية من المجازر التي لحقت بالأرمن وبالمسيحيين بشكل عام ، فالمطارنة اعدموا لانهم يعملون في خدمة المصالح الأجنبية ، ولكن الكاتب لا يلبث ان يستطرد :  بأن احدهم انقذ نفسه باعتناقه الدين الأسلامي ، ويبدو ان الكاتب يعزز الزعم الذي اقتبسه من الدكتور سعيد رزق حجا ، اكراد وأرمن .. ولكنه يقع في مطب التناقض عندما يقول ان احدهم انقذ نفسه عندما اعتنق الأسلام ، فإن كان يعمل للأجنبي اي انه يعمل جاسوساً ماذا يغير من الصورة حتى لو اعتنق الأسلام ؟ 
فكان ينبغي على الكاتب ان يكون اكثر انصافاً وواقعية لدى وصفه سبب اعدام هؤلاء المطارنة ، وكان عليه ان لايتفق مع الكاتب الدكتور سعيد رزق حجا في ما ذهب اليه من شرح سبب الأعدام .
                                    اعدام يوحنا سولاقا
 في حاشية ص 72  يقول الكاتب :  [ ان بطرس نصري استغل مع زملائه مناسبة مقتل يوحنان سولاقا فحاول لصق تهمة على قتله بالعائلة البطريركية لكنيسة المشرق ، وحشر اسم بطريرك لكنيسة المشرق باعتباره وراء ذلك التحريض علماً بأن عمره كان في ذلك الوقت 8 او 9 سنوات . فروما من ناحية استغلت صغر سنه لمحاربة كنيسة المشرق والدعوة الى انتخاب بطريرك بالغ ومن ناحية اتهمت البطريرك القاصر بأنه العقل المدبر لحادثة القتل] .
 سنحاول في هذا المقام مناقشة موضوع مقتل مار يوحنان سولاقا فقط ، على ان نأتي على موضوع انتخابه في مكان آخر من هذا المقال .
ــ انه لأمر غريب ان يسمح الأستاذ هرمز ابونا لنفسه بارتكاب هذه المغالطة التاريخية ويترك كل المصادر حول مقتل البطريرك يوحنان سولاقا آل بلو ، وهو يعول كثيراً على الدكتور سعيد رزق حجا ، بحيث يستغني عن المصادر الكنسية الكثيرة المكتوبة بهذا الشأن . وهو يشير الى بطرس نصري في ذخيرة الأذهان ، لكن لم يورد ما كتبه نصري في الصفحة التي اشار اليها حيث ورد : ...  فلما سمع شمعون برماما بطريرك النساطرة خبر مجئ سولاقا استشاط  غضباً ....فعول على اهلاكه ورشا باشا العمادية بعشرة آلاف دينار وأقنعه ان يدعو سولاقا بحجة ان يزور بلاد الكلـــــــــدان فيتمكن من اغتياله ، فأجاب سولاقا ببساطة قلبه الى هذه الدعوة ، ولما وصل قبض عليه باشا العمادية وحبسه مدة اربعة اشهر قضاها في العذابات وأخيراً امر بخنقه خفية في احد الجبال وألقيت جثته في النهر ، وأشاع بين الناس انه افلت من السجن ( 6 ) [ ان الأستاذ الكاتب هرمز ابونا يصرف النظر عن هذه المعلومة وهي مدونة في الصفحة ذاتها التي اقتبس منها ] . 
هذا وإن الأب البير ابونا في تاريخه الكنسي يشير الى طريقة استشهاد البطريرك سولاقا نقلا عن بطرس نصري ويضيف ان باشا العمادية امر بتركه في بئر لمدة اربعين يوماً ثم اوعز لرجاله بحمله الى الجبال المنعزلة القريبة من العمادية وقضوا عليه خنقاً وبصورة سرية وأن يشيعوا انه قد فر من السجن ( 7 ) اما  ما  سجله الأب الدكتور يوسف حبي حول هذا الموضوع فإنه يقول :
 ان الخبر الذي يفيد بأن اختيار سولاقا جاء بعد وفاة البطريرك شمعون برماما ، هو خطأ شائع ... فحين يكتب منتخبوا سولاقا ان بطريركهم قد مات ، وإنهم اختاروا سولاقا بديلا عنه ، فإنهم يقصدون موت برماما معنوياً ... فالبطريرك هو الأب بل هو ابو الاباء ... وعندما تنتفي هذه الصفة يسقط حق الرئاسة لانه فقد اساس ابوته وجوهرها . ولما كان برماما قد تصرف بخلاف ما هو مطلوب كأب وراعي كنيسة صار من الضروري اعادة الأمور الى نصابها القانوني ، ويضيف ... وسوف ينتقم البطريرك الوراثي برماما فيعمل على تدبير خطة لأهلاك سولاقا  (8 ) .
 كان ينبغي على الكاتب هرمز ابونا ان يشير الى هذه الوقائع بحيادية حسب ما تقتضي امور كتابة التاريخ .
في نفس السياق عن اعدام مار يوحنان سولاقا آل بلو يعود الكاتب في ص78 فيكتب : ... وبعد عودته الى سعرت في شمال بلاد ما بين النهرين اواخر سنة 1553 م قام بنشاط اغضب العثمانيين الذين قاموا في سنة 1555 م بسجنه واعدم من قبل باشا دياربكر في سنة 1555م .
 ان الكاتب لم يذكر هنا ما هو النشاط الذي [ اغضب ] العثمانيين لكي يقدموا الى اعدامه .. ان الكاتب يحاول هنا ايضاً هنا الصاق تهمة القتل بالعثمانيين لكنه يفتقر الى مصادر موثوقة تؤيد هذه المحاولة البعيدة عن المنطفق وهو يتجنب التطرق الى التاريخ الكنسي الذي كتبه الكتاب والمؤرخين  في كتب ومجلات تزخر بها ساحتنا الثقافية .
                                     يوحنان سولاقا ال بلو الراهب المحبوب
الكاتب هرمز ابونا يتطرق الى موضوع يوحنان سولاقا آل بلو بمنطق غريب عما قرأناه في تاريخنا الكنسي ، في عنوان كبير ص74 يقول :
اقناع الراهب سولاقا للأنضمام الى المبشرين لتزعم الأنشقاق الأول ، وفي كلام غريب ايضاً وعلى الصفحة نفسها يقول : .. وهكذا كان قدر ابناء كنيسة المشرق في بلاد ما بين النهرين ان يصبحوا بين كفتي كماشة ممثلة بهجمة الغزاة القادمين من الشرق والغرب ...
                                    ـ يتبعه القسم الثالث ـ
 
   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6ــ القس بطرس نصري كلداني : ذخيرة الذهان ج2 الموصل سنة 1913 في دير الآباء الدومنيكيين ص143
7 ــ  الأب البير ابونا : تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج3 دار المشرق سنة 1993 بيروت ص141
8 ــ الأب الدكتور يوسف حبي : معنى الشركة والوحدة في عهد مار يوحنان سولاقا ، مجلة نجم المشرق ع23 سنة 2000 من ص373  ـ 375