المحرر موضوع: نظرة رجعية قد تجاوزها الزمن  (زيارة 1389 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس مردو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 563
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                                     نظــــرة رجعيــــــة قد تجاوزهــا الزمــــــــن !


         لقد قرأت موضوعاً من على شاشة عنكاوا.كوم بعنوان < الحذر من تعاليم وممارسات ودراسات الكنائس الغربية > للكاتب العنصري جداً أخيقر يوخنا مرخاي ، يدّعي أن ما حدا به الى كتابته ، ما طرق سمعَه ، بأن هنالك محاولات يجري إعدادُها في الخفاء تهدف الى دمج ما سمّاها بالكنيسة الآشورية مع كنيسة روما ، ويُعبّر بصفة الجمع بأن ما يطمحون إليه هو اكتفاء الكنائس الآشورية باسمهم الآشوري ، طالباً من رجال الدين الابتعاد عن السياسة ، ومن السياسيين عدم القيام بمهام رجال الدين ، في الفقرتين الأخيرتين هو مُحقّ ، أما في قوله < الكنائس الآشورية >  فهو على خطأ مُبين ، إذ ليست هنالك إلا كنيسة نسطورية واحدة وليست آشورية ، انقسمت على ذاتها رغم ضآلة عدد أتباعها في أواخر العقد المنصرم الى قسمين متناحرين ، رأى أحدهما أن يواكب التطور العالمي ، فتحوّلت كنيسته لاعتماد التقويم الميلادي الحديث ، بينما أصرّت كنيسة القسم الثاني المتشبّث بالذهنية المتخلفة اعتماد التقويم القديم .


         من ضمن ما يدعو إليه هذا العنصري المتزمّت هو أن يبقى رجال الكنيسة النسطورية بشقيها مُواظبين على تخلّفهم الحضاري دينياً وتاريخياً ، مُتقوقعين غائبين عما يجري من تقدم علمي لاهوتي لدى رجال الكنائس الغربية وعلى رأسها كنيسة روما الجامعة العِملاقة ، مُبدياً خِشيته من أن يتحوّلوا من رُسُل آشوريين بحسب تعبيره الى آشوريين يهوذيين( نسبةً الى يهوذا) تُرى، ألا يشير هذا الى مُنتهى عدم الثقة بالنفس ، وخوف هذا الداعية الرجعي وأمثاله إن وُجدوا ، من اكتشاف رجال كنيستهم العزلة الخانقة الواقعين فيها لمدى قرون طويلة
بعيدين عما وصل إليه العالم المسيحي من التطوّر والتقدم في ميدان العلوم الدينية والاجتماعية ؟ ما أشدّه من تخوّفٍ عنصري مقيت ودعوةٍ الى البقاء في ظلام الجهل وعدم السعي الى الاستنارة بنور العلم والمعرفة ، بدافع الخوف لئلا تُخترق صفوفهم ، ولماذا الخوف من هذا الاختراق المزعوم ، إذا كانت الكنيسة النسطورية لم تخرج عن نصوص الكتاب المقدس كما تدّعي ؟ ألا يعني هذا أن صفوفكم واهية البناء؟

ثمّ ما هي قيمة تلك الكنيسة إذا كانت مسلوبة الارادة تتحكّم فيها أهواء شُلةٍ من العنصريين من أتباعها ، إذا كانت تخشى تهديدادتهم ، إذا كانت تخاف على حياة رجالها من انتقامهم ، إذا لا تستطيع اتخاذ قراراتها الدينية والكنسية كما تراها في صالح أتباعها بحريّة تامة ؟ وفي أحسن الآحوال يُعزل رئيسسها ومؤيّدوه ، ويُنصب بدلهم آخرون مُسيّرون ؟


         ما أشد كفر الذين يعزون الاسم الآشوري الغريب إلى الكنيسة ، الاسم المنتحل من قبل مجموعة انفصالية من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية ، الذي لا علاقة له بالكنيسة لا من قريب ولا من بعيد ، لأن أصحاب هذا الاسم كانوا في خبر كان قبل تأسيس كنيسة المشرق بنحو ستمائة عام ، فكيف يمكن إعزاء وجود لمُنعَدِم الوجود ؟ أليس جُرماً أن يشوّه اسم الكنيسة باسم الاله الوثني ( آشور ) ؟ إن كافة المؤرخين يؤكّدون بأن كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ كانت جزءاً من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الجامعة لِما يقرب  من الخمسة قرون وبظهور الهرطقتين النسطورية والاوطاخية (المونوفيزية ) انشطرت الى شطرين ، تبنّى الشطر الأكبر المذهب النسطوري وسُمّيت كنيسته ( الكنيسة النسطورية ) أما الشطر الأصغر فسُمّيت كنيسته ( الكنيسة المونوفيزية ) وتعدّدت أسماؤها كثيراً حتى انتهت الى الأرثوذكسية حالياً ، وفي منتصف القرن السادس عشر حدث انقسام آخر بين أبناء الكنيسة النسطورية الكلدانية ، الغالبية العظمى منهم ، استعادوا مذهب آبائهم الكاثوليكي الأصيل ، وسمّوا كنيستهم باسمهم القومي ( الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ) والأقلية منهم أصرّت على البقاء في المذهب النسطوري ودعوا كنيستهم ( الكنيسة النسطورية )  فكيف يمكن قلب حقائق التاريخ بهذه السهولة ؟ أليست تلك مهزلة ما بعدها مهزلة !


        ولنفرض جدلاً أن روما قد أخطأت في الامس البعيد ، هل هي اليوم مسؤولة عن جريرة ما حصل وعلينا الثأر منها ؟ هل من الواجب عليك أيها الاستاذ أخيقر أن تنظر الى الامور بمثل هذا المنظار القديم ، ألم يكن الأولى أن تستعيض عنه بمنظار اليوم لتترأى أمامك من خلاله المقاييس الجديدة التي يتعامل بها عالم اليوم المتحضّر ، أليس الأجدر بك التسليم بالحقيقة القائلة بأن لكل زمان رجاله ، وأن بالامكان ايجاد حلّ لكل مشكلة مهما كانت مستعصية إذا تم بذل الجهود المخلصة من قبل ذوي العقول النيّرة وأصحاب الآراء السديدة والرؤى البعيدة المدى في استيضاح الحقائق من الواقع القائم الذي لا يجوز القفز من فوقه ، نحن اليوم في سباق السير الحثيث للمجتمعات المتمدّنة ، وعليك تصويب نظرتك الى الأمام وليس الى الوراء . إن قضايا الشعوب يُنادى بها اليوم بصوتٍ جهوري وليس بهمسٍ بائس ، يُناضل من أجلها من خبروا الحياة بعِراكهم معها وبرعوا في استخدام الفن الممكن للوصول الى الهدف المنشود بعيداً عن التشنّج والتهديد والوعيد والشك المُفتعل بدون طائل. لو أن شعبنا صمّم بصدقٍ ومحبّةٍ على لمّ شمله شعبياً وكنسياً ، سنجد روما وسيطاً مخلصاً لمباركة ذلك ، أما إذا كان رائدنا التقوقع والبقاء على ما نحن عليه من شقاق وتناحر ، فليس بوسع أحد توحيدنا، لا ذنبَ لنا فيما حدث في الماضي ، الواجب يقضي علينا عدم الالتفات الى الماضي وسلبياته( لا كانو ولا كنا) ، علينا أن نُرتّب امورنا اعتماداً على حساباتنا الحاضرة والقادمة ، إذا كنّا شجعاناً حقاً يتحتّم علينا نسيان كل ما يشدّنا بالماضي وأن لا ينتابنا الأسى عليه وعلى نكباته .


أخياً أيها الاستاذ أخيقر ، ليس بخافٍ على أحد بأن شعبنا اليوم يحمل أكثر من هويّة قومية واحدة منذ ما يزيد عن الخمسمائة عام ، بسبب الانشقاق الكنسي الأخير  ذي الانعكاس السلبي ، واليوم نحن أمام مهمّة  بالغة الصعوبة تتطلب منا جهوداً مُضنية غير اعتيادية لرأب الصدع وإصلاح ذات البين ، ليتسنّى لنا ردم هوّة الخلاف المزمن ، وعلى كل الغيارى من أبناء شعبنا أن يتجشموا العناء لايجاد الحل الناجع في علاج هذه الظاهرة المريرة في واقعنا ، لا أن يقوم واحدنا الى تصويب منظاره على أحداث الماضي لتضخيمها أمام أبناء شعبنا البسطاء ويؤلّبهم على معاداة الكنيسة ورجالها .



الشماس كوركيس مردو
في 4 / 10 / 2005