المحرر موضوع: احتفالية لبعث الأمل بـ ( طراسة ) * رجل دين مندائي جديد في سوريا  (زيارة 1136 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يحيى غازي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 173
    • مشاهدة الملف الشخصي
   
    احتفالية لبعث الأمل  بـ ( طراسة ) * رجل دين مندائي جديد في سوريا

 


                        (كن كالسراج المنير الذي ينير اليسار إلى اليمين بالحق والأيمان) 

                              (كن كالمائدة المملؤة التي تقدم للجياع وهي مبتهجة)

 

                                                                             من أقوال النبي يحيى بن زكريا ( ع)


 

يحيى غازي الأميري
 
 

قبل أيام توالت الرسائل عبر الكروب الخاص بالمندائيين ( ياهو ) على شبكة الانترنيت حول النية والاستعدادات  لطراسة أحد أبناء الطائفة المندائية ليصبح رجل دين بدرجة( ترميذا ) وسوف أقتطع جزءاً من أحد تلك الأخبار وأدناه النص المقتطع :
 (( بشميهون ادهيي ربي
بمشيئة الحي العظيم وبعون من ماري مندادهيي تم تتويج الشوليا رعد هاني عبد شندي حبيب شيخ زبد تولد بغداد 5/4/1963 يحمل شهادة  الدراسة الاعداديه.

 

 الموافق 17/11/2007 المصادف يوم السبت

 

تحت رعايه الربي الكنزبرا الشيخ ستار جبار حلو وبمشاركة عدد من رجال الدين .))
 

لقد كانت سعادتي كبيرة جدا ًوأنا أقرأ منذ فترة الاستعدادات الجارية في سوريا لطراسة رجل دين مندائي كي يدخل ضمن تشكيلة رجال الدين المندائية، أني إذ أبارك من كل قلبي لهذه الاحتفالية الكبيرة وأثمن كل الجهود الخيرة الطيبة النبيلة التي توجت عملها بهذا العرس المندائي الجديد والكبير بطراسة الشوليا 1 ( رعد هاني عبد ) في سوريا والذي يعبر بحق عن قدرة الطائفة على التحدي والعمل الجدي والمثابر والتكيف لكل الظروف المؤلمة والقاسية التي تمر بها طائفتنا المندائية ودينها، وهو خير عمل لديمومة الطائفة برفدها برجال الدين بعد ان زاد تباعد أبنائها في المنافي الجديدة، التي فرضت عليهم، بقوة البطش والترويع والموت والاستبداد .

 في السنوات الماضية ،خصوصا ً في العقديين الماضيين الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي ،كانت توجهات معظم المهتمين بشؤون الطائفة المندائية وديمومة دينها على تشجيع  طراسة عدد كبير من أبنائها ليصبحوا رجال دين كي يساهموا في استمرارية وديمومة المندائية وعقيدتها ، وقد كان للطليعة المثقفة  الواعية من رجال الدين ورجالات الطائفة  وشبابها  المؤمنين بدينهم من النساء والرجال الدور الكبير في حث أبنائها في الانخراط في المدرسة المندائية ودوراتها والتجمعات المندائية خصوصا ً، وقد أثمرت تلك الجهود بتعليم وإطلاع كوكبة تلو الأخرى من أبناء وبنات الطائفة، على العديد من الامور الدينية واللغة المندائية ، والتي ساعدت وساهمت في انخراط  عدد ليس بالقليل منهم في سلك رجال الدين والقسم الأخر اصبح من المهتمين والباحثين والدارسين في الشأن المندائي.

 رغم الظروف الصعبة والقاسية التي مر بها العراق وما نال الطائفة المندائية منها من ويلات ونكبات ومعاناة ، لكن بهمم أبنائها النجباء ، وحبهم لدينهم وعقيدتهم وتراثهم وهويتهم دفع العديد من أبنائها إلى العمل الطوعي وبتفاني و إخلاص كبير من أجل بث الآلفة والمحبة ونشر التوعية الدينية والثقافية وبناء المؤسسات المندائية الجديدة ، ولم تقتصر أعمال أبناء الطائفة المندائية فقط لبني جلدتم ودينهم فتاريخ العراق يرشدنا ويدلنا إلى تضحياتهم الكبيرة والغالية من اجل خير العراق وشعبة ، أنها أعمال كبيرة وجليلة نقشت بحروف من ذهب  في سجل تاريخ العراق  الحديث.

 لقد كانت أيام الطراسة أعراسا ًحقيقة لأبناء الطائفة المندائية على مدى أيامها السبعة فلقد كان حضور مئات العوائل يوميا من عموم العراق  إلى مندي الطائفة  ببغداد إذ لم تقتصر هذه التجمعات على أهالي بغداد فقط ،يتوافد الحضور من باقي المحافظات منذ ساعات الفجر الأول حتى الفجر الثاني / ولمدة أسبوع كامل !

 لقد  حضرت وشاركت في العديد من تلك الاحتفالات خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي في مندي الطائفة في القادسية ـ بغداد.

فخلال هذه الأيام التي تضاهي أيام الأعياد المقدسة للصابئة،فبين الطقوس الدينية ومراسيمها المتنوعة والكثيرة والمعقدة ،التي تقام بهذه المناسبة ، وبين زغاريد الفرح والسرور، وأناشيد المحبة وضربات الدفوف وتغريد الحناجر بما تجود من شجي الألحان، وأغصان الزيتون وأكاليل الآس وبيت القصب المغطى  بالقماش الأبيض والآس والزهور، الآندرونا ـ بيت القصب ـ  وطراين الأكل  وأرغفة الخبز الديني الخاص، والطبوثة 2 ، وقوارير الماء المقدس، وراية الدرفش،وجلجلة رجال الدين، وقهقهات الصغار، والرساتي البيضاء3  ونسمات العطور والبخور وهي تنبعث من كل جانب ومكان، والنشرات الضوئية، والهدايا والنذور،وتراتيل رجال الدين، ودموع الفرح،وسط هذا الجو البهيج  كانت تقام المهرجانات الخطابية والشعرية والندوات الثقافية والمحاضرات الدينية، وشروح للتعاليم الدينية وحوارات ومسابقات جميلة، يشارك في أعدادها و إلقائها   فيها  العديد من رجال الدين والعشرات من المثقفين المندائيين وللجان الشباب الدور المتميز في هذه النشاطات وتلبية المتطلبات ، فما أن تنتهي إحدى المحاضرات حتى ترى عشرات الحلقات ( التجمعات ) تنتشر هنا وهناك للشباب أو النساء أو للرجال فأيام الطراسة فرصة كبيرة وسعيدة وثمينة للتواصل والتلاقي والتجمع والتعارف والتحاور.

 ومعلوم للجميع ان الطائفة لا تمتلك موارد مالية داعمة لها( لا عراقية ولا عربية ولا دولية ) لكن عطاء أبنائها وتبرعاتهم ومساهماتهم وخصوصا ً في هذه المناسبات  كانت كبيرة، فبالإضافة للتبرعات النقدية والتي كان يساهم فيها معظم الزائرين المندائيين سواءاً كانوا أفرادا ً بأسمائهم الخاصة أو بأسماء عوائلهم وعشائرهم  فالجميع يساهم  بالتبرع الفقراء منهم  والميسورون لا بل حتى الأطفال والشبية يشاركون بالإضافة لحضورهم وما يضيفونه من بهجة وحبور كانت مشاركتهم بالتبرعات واضحة وسخية، فالتبرعات كانت تذهب أما لدعم نفقات الاحتفال ( الطراسة )  أو كهدية لرجل الدين المنتظر، وهنالك تبرعات أخرى تشمل الأكل والشرب العصائر والمرطبات والشاي ، فقد كانت تقام على مدى أيام الطراسة ،موائد ووجبات دسمة وشهية في النهار، ولم تخلُ ليلة أو أمسية من  موائد الطعام ، وسلال الفواكه الممتلئة بمختلف الأنواع والأصناف، وصواني الحلويات وهي تحمل ما لذ وطاب، أنها حقا ً أيام مليئة بالعمل والعطاء والغناء والكرم والآلفة والمحبة  والتعارف ترافق كل طراسة لرجل دين .

 وخلال الفترة التي أشرت إليها  كانت قد جرت طراسة أكثر من رجل دين في نفس أسبوع الطراسة ،مثلا ً جرت طراسة طيبي الذكر (علاء النشمي و مثنى مجيد كلاص) في مندي بغداد  ليرتقيا إلى درجة ( الترميذا ) في نفس الزمان  والمكان من عام 1997 . ( شيخ علاء الآن في استراليا وشيخ مثنى في السويد كلاهما قد طوتهما الهجرة التي لا يعرف لها نهاية )

 كل هذه الاحتفالات والكرنفالات كانت تجرى في الفترة الأخيرة من القرن الماضي في بغداد، بغداد الحزينة الآن التي احتفلت قبل أيام بعيدها، بغداد التي احتضنت طراسة العديد ان لم يكن معظم رجال الدين المندائيين الحاليين، عدى الترميذا الدكتور (عصام الزهيري) إذ جرت طراسته خارج العراق، لا بل حتى كان لها شرف احتضان الشيخ الكنزفرا   (صلاح  الشيخ جبوري ) من إيران عند طراسته في منتصف سبعينيات القرن الماضي في مندي الطائفة القديم في منطقة ( الدورة )  ومن الطريف أنه ما أن سألت زوجتي( أم مخلد ) عن أيام طراسة شيخ ( صلاح جبوري) و أنا أكتب مقالتي هذه،حتى بدأت تسرد جميل الذكريات التي لم تبرح ذاكرتها لذلك المهرجان المندائي، كم أتمنى أن ينشر أحد الأخوة شيء عن ذلك العرس الجميل.

 بغداد التي تلفها بذراعها الحنون دجلة الخير والتي بمياه دجلتها الجارية المقدسة كانت تجرى كل المراسيم الطقسية ( الطماشة والصباغة وأعداد أطعمتها المقدسة ) لغرض الطراسة  كانت أيام  بهية جميلة تعطينا الأمل، اليوم وكما تشير المعلومات هرب منها معظم أبنائها ( المندائيين ) إلى المجهول، نتيجة الرعب والموت والحقد والتميز والطائفية والمافيات والاحتلال الذي زرع و أنتشر في كل شبر في بغداد  لا بل في  كل أنحاء العراق، هاهم الآن يهربون مرعوبين من بلاد الرافدين، البلاد المتخمة بالثروة و بالمعان الثمينة والنفط ، بلاد الخصب والقصب والآس والزيتون، والسمك و الأهوار، وخبز التنور، والبط والبشوش، و الخضيري و الحذاف ، وطيب ماثه ،وديار سومر و اور وأشور، والسندركة المقدسة( النخلة ) بلاد النماء والعطاء والحضارة بلاد النهرين المقدسين، بلاد الأنبياء والأولياء والقديسين، تاركين مياهها المقدسة ومعها تاركين احرازهم  وأوانيهم وألواح رصاص كنزتهم المقدسة ( الكنزا ربا ) 4 ودواوين كتبهم المقدسة وكل أثارهم وتراثهم، تاركين حتى قبور موتاهم وذكرياتهم، صفوف مدارسهم ،اصدقاءهم وقسم من أهلهم و محلاتهم، ومهنة أجدادهم وأهلهم (الصياغة ) و دور سكناهم تركوا كل هذا للنهب والسلب والطمر والتهريب والتخريب والتزوير هاربين بجلودهم، فليس هنالك من  يحميهم في ظل هذا الانفلات المروع .

  بلاد النهرين التي احتضنتهم جنب ضفاف أنهارها واهوارها على  مدى آلاف السنين، ورغم الويلات والفواجع الكبيرة والكثيرة التي أصابتهم خلالها  لكن ترى بكل وضوح مدى حبهم لبلدهم وشعبهم  من خلال عيونهم الدامعة وقلوبهم الحزينة وعقولهم المأسورة بحبها  فكل حواسهم باستمرار شاخصة ترنو وترف وتشير إلى ربوع بلدهم في كل لحظة و دقيقة وساعة ، وكأن حالهم الآن ينشد ( مثل أم ولد غركان وأبرة َ الشرايع ).

 المندائيين أبناء الرافدين الأصلاء ، أبناء النور والسلام وعقيدتهم التوحيدية الطاهرة السمحاء الداعية للمحبة والسلام و للخير والعطاء، هجروا ديارهم ، اليوم يقيمون طراستهم في المنافي لبث روح الأمل بين أهلهم و أبنائهم.

 اليوم بعيدا ً عن بغداد... بعيدا عن أرضهم وأهلهم وأحبتهم ووطنهم، بعيدا ً عن العراق يقيمون طراسة جديدة، غرباء يتقاسمون الهموم والفراق، غرباء عن ديارهم العزيزة يتشبثون مرة أخرى بمواصلة الحياة !

 

 
يحيى غازي الأميري

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

*  الطراسة :  وفي ما يخص موضوعنا ، وهي مجموعة من المراسيم الدينية  الخاصة التي تجرى لغرض ترقية أحد المندائيين من درجة دينية إلى  درجة أعلى منها يرقى من درجة شكندا الى ترميذا . وتكون لمدة سبعة أيام تبدأ في يوم السبت من الأسبوع وتنتهي في يوم الأحد. القادم، وهنالك إجراءات وطقوس دينية أخرى متممة لها  بعد هذه الأيام السبعة على الترميذا الجديد إنجازها .

** الكنزفرا أو كنزفره : إحدى الدرجات الدينية في سلم درجات رجال الدين المندائيين وهي تلي درجة الترميذا أو الترميده ويرتقي لها بعد حصوله على الشروط الأزمة  لهذه الدرجة وبعد أجراء طقوس وتعاليم وشعائر طقسية خاصة بهذه الدرجة .

 

1 ـ الشوليا :وهو الشخص المرشح ليصبح رجل دين مندائي بدرجة ترميذا بعد أجراء مراسيم الطراسة علية.

 

وهذه بعض المعلومات عن المرشح للعمل كرجل دين مندائي ، أي رجل الدين بدرجة ( ترميذا ) كما وردت في كتاب الصابئة المندائيون تاليف الليدي دراوور وترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي الطبعة الثانية 1987 بغداد ملاحظة ضرورية يجب تثبيتها وردت كلمة (كهانة أو كاهن ) في مكان رجل الدين في  بعض أماكن ترجمة الأستاذان نعيم بدوي وغضبان رومي رحمهما الله ، ولكونها غير دقيقة في ما تعنيه، فقد استبدلتها بكلمة رجل دين بدل عنها في المواقع التي أشرت إلى مصدرها أي الكتاب انف الذكر ، للعلم ..

ورد في صفحة ص226 من كتاب الصابئة المندائيون  ( العمل كرجل دين ، متيسرة أمام كل فرد مندائي مستوف للشروط المطلوبة دينيا وليس وراثيا ً) ويقصد العمل كرجل دين ليس وراثية في الديانية المندائية .. 

ومن أهم الشروط  كما وردت في نفس المصدر السابق

( أن يكون سالم  الأعضاء البدنية تماما ً ، ولا يمكن أن يصبح  رجل دين من كان مختونا ً أو غير منجب أو خصيا ، فالجسم يجب ان يكون " سليما نقيا كاملا ")224

وفي نفس الصفحة 224

( وليس بدن رجل الدين فقط هو ما يجب ان يكون سليما ، بل وسلالته أيضا، إذ عليه ان يكون منحدر من دم مندائي نفي وأن تكون أسرته طاهرة جسميا وطقسيا لعدة أجيال ومن جهتي الأم والأب وتاريخ الاسر معروف لدى الصابئين.)

 

وفي صفحة 225 من نفس المصدر
( وحين يكون الصبي قد حفظ ما فيه الكفاية من الطقوس والصلوات ويكون قد اعتاد على القيام بالعمل (كشكندا أو يسمى الحلالي، مساعد لرجل الدين ) ودرس الكتب المقدسة تحت إرشاد رجل دين أو أستاذ " كنزفره" يكون بهذا جديرا بتسلم أولى درجات رجل دين ليصبح " ترميده " . والسن الأعتيادي لاكتساب هذه الدرجة بعد سن البلوغ عادة )

 وفي الصفحة   من نفس المصدر السابق225 يرد  ( وعندما يزكي " الكنزفره " الشولية كما يسمون المرشح ليكون رجل دين ، ويجده على درجة من المعرفة بالطقوس والعقائد والكتب المقدسة تبدأ  احتفالات التدشين في السبت من الأسبوع ) .

 

 

 

 

2ـ الطبوثة : وهي الزبيب والسفرجل وحب الرمان وقطع من جوز الهند وشيء من اللوز المقشور وبعض لحم الحمامة المشوي . المصدر كتاب الصابئة المندائيون ص 236

 

3 ـ  الرسته البيضاء : ملابس دينية بيضاء يجب ان يرتديها (الصابئي المندائي) قبل قيامه بأجراء أي عمل أو طقس ديني.

 

4 ـ الكنزا ربا ، هو كتاب ( الكنزا )  ، أو الكنز العظيم ،أو السيدرا ، هي جميعها أسماء لكتاب واحد الا وهو الكتاب المقدس للصابئة المندائيين ، وكنزا يكتب بالمندائية بالجيم وليس بالكاف وأثرنا على كتابته بهذا الشكل لان المندائيين ينطقون الجيم كاف . المصدر ( أسماء الأعلام المندائية في ( كنزا ربا ) ص2 وهو دراسة ماجستير في اللغات السامية ( اللغة المندائية ) ـــ جامعة بغداد 1997 للأستاذ عبد المجيد سعدون الصباحي