المحرر موضوع: ألرؤساء العرب وغسل الأولاد  (زيارة 1749 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نذير حبش

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 61
    • مشاهدة الملف الشخصي
ألرؤساء العرب وغسل الأولاد

إن لم يكن الجميع ، فإن معظمنا طرقت على مسامعه عبارة (غسيل الأموال). وهو شأن من شؤون المافيا وعصابات تهريب الأموال والمخدرات ، بمختصر القول: ألعاملين في المجالات الغير القانونية في شتى المجالات.

مهما قيل عن العرب وعن أفول نجمهم ، وعن مغادرة الإبداع لهم وتوديعهم ، هم أنفسهم ، له إلى غير رجعة ، فإنني شخصياً ـ وعلى بساطتي ـ أخالف هذا الرأي وأرى أن العرب أبدعوا في القرن الماضي وبداية هذا القرن بما لم يخطر على بال ميكافللي نفسه. معظم الرؤساء العرب وصلوا إلى سدة الحكم بطرق غير شرعية ، وفق كل القوانين ، ودون أن ينكروا هم أنفسهم ذلك. وكانت مبرراتهم بهذا الخصوص أن أوضاع أوطانهم حينذاك ، كانت تتطلب القيام بإنقلابات ، لونوها لشعوبهم بأسماء براقة : ألثورة.

بعد أن قويت قبضتهم على الحكم وأصبح من شبه المستحيل  إزاحتهم عنه ، حسب الواقع اللوجستي ، ألذي أوجدوه على أرض الواقع خلال فترة حكمهم الطويلة. فأصبح الحكم يمثّل شريحة عريضة مستفيدة من بقائه ، وإستمراتر الرئيس (الأب) بشخص (ولده) أمراً (نفعياً) لتلك الشريحة الغير المتجانسة ، من حيث مقدمها ، التي تضم من أولاد الحواري المنحلّة حتى أعلى الطبقات الإجتماعية الراقية والقيادات السياسية والعسكرية وغيرها.

بعدها يبقى هم الرئيس العربي (تمرير) السلطة لـ (ولده) وفرضه كأمر واقع أيضاً على الشرائح الشعبية النزيهة المعارضة للإستبداد ، والداعية إلى بناء نماذج ديموقراطية تحترم الإنسان العربي وعقليته ، وتقوده نحو التقدم والرقي ، حاله حال باقي الأمم والشعوب الحضارية المتقدمة.

إنتظروا الرؤساء العرب بفارغ الصبر ظهور الهلال حتى ثبُتت رؤيته في عام 2000 م في سوريا ، فقرر الموت ـ ألذي بات السلاح شبه الوحيد في المعادلة الداخلية في البلدان ذات الحكم الدكتاتوري ـ فقرر الموت تغييب الرئيس (الأب) وإستلم الحكم الرئيس (الإبن).

ألبعض ـ وعلى بساطتهم ـ يستسهلون الأمر ويعتقدون أن الأمور سوف تسير وفق ذات الوتيرة ، كما في مرحلة (ألأب) تكون أيضاً مرحلة (الإبن) ، أي لن تكون أكثر من إمتداد لوالده ليس إلاّ. هذه النظرة غير دقيقة حيث أن مرحلة الرئيس (الإبن) تقودنا إلى نتيجتين في إتجاهين متعاكسين ، إتجاه يشير نحو القوة ، وإتجاه يشير نحو الضعف بالنسبة للرئيس الجديد (الإبن).

في سنة 1990 ، حسب بحث تحت عنوان (جذور الإستبداد) ، وكان دراسة تحليلية تاريخية لمصدر السلطة ومنبع القرار ، توصلت على (ضرورة حتمية) لـ (تمرير) السلطة لأحد أفراد العائلة في الدول المستبدة ذات الحزب الواحد. والنتيجة ـ  بعد عودة الشرعية والمبررات الأخلاقية للإنقلابات ـ والنتيجة إذا ما جرى ذلك فعلاً على أرض الواقع ، تكون أن الرئيس (الإبن) سوف يصبح سجين وتحت رحمة (الحزب الحاكم) وما يسمى بـ (الحرس القديم) ، هذا من جهة أولى تشير إلى نقطة ضعف الرئيس (الإبن) ، أما نقطة قوة الرئيس (الإبن) يستمدها من قدرته على (إدعاء) بياض ثوبه ونصاعته ، مقارنة بالآخرين ـ على الرغم من أنه هو نفسه ثمرة لشجرة فاسدة  وغير شرعية ، أي وريث الرئيس (الأب) ـ لكن في عالم الجزارين لا أحد يعيب على صاحبه لطخة الدماء.

أما الرئيس (الإبن) له القدرة أن يتبرأ من تلك الدماء ، التي كانت في عهد الرئيس (الأب) ويطلب الماء لغسل يديه منها ويعلن أمام الملأ عن براءته من الدم السفوك !

دوام هكذا رئيس (الإبن) يعتمد إعتماداً  شبه كلياً على مدى قدرته ومهارته على اللعب على هذين الوترين والتوفيق بينهما، وعلى مدى الإختيار الدقيق للتوقيت الصحيح الدائم بينهما ، وإلاّ يكون مصيره كمصير البهلوان الذي يسير على سلك موصل بين قمتين وبيده عصا التوازن ، إخفاقة واحدة في حساباته تعني سقوطاً عظيماً نحو الهاوية ليواجه حتفه لا محالة.

حتى الآن رسمياً أُعلن عن حالتي (إنتحار!) في عالم الرئيس (الإبن). ألأول (إنتحر) برصاص (الحزب الحاكم) و (الحرس القديم) ، كأُضحية لإستقدام الرئيس (الإبن) ، ألذي كما أسلفنا أنه من مصلحتهم أن يستمر الرئيس (الأب) بشخص (الإبن) أو أحد أفراد عائلته.

أما الثاني (فقد (إنتحر) قبل أيام بريشة عزف الرئيس (الإبن) على وتر نصاعة ثوبه وأنه لا يتحمل دم المرحلة (القديمة) ، مرحلة الرئيس (الأب) وزمرته !!
فكان غضبه ، الذي فسّره (الحرس القديم) على أنه الضوء الأخضر لإغتيال (رئيس الوزراء) ، إستطاع الرئيس (الإبن) أن يغسل يديه من الدم المسفوك ، ويعلنها أمام الزمرة : أنتم أطلقتم (برأبا)  وسلّمتم (رئيس الوزراء) للبارود ، كي تتناثر أشلاءه في شوارع بيروت ، ليس أنا ، هذا ما قاله الرئيس (الإبن) !

ألسؤال الذي يطرح ذاته في هكذا حكم وهكذا دول : إلى أي مدى يستطيع (الحزب الحاكم) و (الحرس القديم) و الرئيس (الإبن) أن يناوروا فيما بينهم ، بين كرّ وفر ، متى ما عرفنا أنهم ودولتهم ، ليسوا وحدهم في هذا العالم ، بل هم لا يملكون حتى إستقلالهم المعنوي ؟ فالمعادلة الخارجية هي الأقوى والمسيطرة والحاكمة الفعلية بعد سقوط جدار برلين.

ما لم أطرحه على نفسي في عام 1990 ـ كي لا أكون مدعياً ـ لأنني ببساطة هذه النتيجة ما كانت لتخطر على بالي حينها ، أتسائل الآن :
ماذا لو أن المعادلة الخارجية ، التي بيدها مفاتيح اللعبة الخارجية والداخلية لهكذا دول لا تملك إستقلاليتها ، ماذا لو أعلنت صراحة ، ودون مقدمات ، بعدم قبول مبدأ الرئيس (الإبن) ، ودون الإعتبار لأية إعتبارات أخلاقية أو سياسية أو قانونية ، ودعوته للرحيل ؟

مهما تكن درجة يقينية الجواب على هكذا سؤال ، أرى أن الرئيس (الأب) الغير المنتخب ، أصبح أمر إستمرارة على سدة الحكم  يقرره وزير خارجية المعادلة الخارجية ، فكيف يكون أمر الرئيس (الإبن) ؟!

إذن هل سوف نشهد إعلان ( باربي) البيت الأبيض السوداء قرارها بطرد رئيس عربي ثان ـ مع التحفظ على عبارة (رئيس عربي) ـ خلال عقد واحد من هذا القرن ، أم أن البيت الأبيض سوف يمهل الرئيس العربي حتى العهد الجمهوري ما بعد جورج دبليو بوش ؟

نذير حبش