المحرر موضوع: الساسه لا يكتبون الدساتير  (زيارة 1875 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Al Sakban

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 10
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
السيد رئيس الجمهورية لحظه من فضلكم
الساسه لا يكتبون الدساتير


أحمد عبدالعال الصكبان *

 

سيادة الرئيس العراقي

 

نعلم حجم الملقى على عاتقكم من اعباء في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخ بلادنا، و لا يخفى عليكم ما هو حادث بالعراق ، و الذي يبدو لنا الآن في وضع أقرب للأزمة على الصعيد السياسي، فالتحالف الذي قاد تشكيل الحكومة الحالية بالبلاد لم يصمد كثيرا عند طرح و نقاش أي من النقاط المحورية المتعلقة بالدستور،و الذي من المفترض أن تنتهي مسودته قبل منتصف شهر آب القادم ليعرض على جمهور العراقيين، مثلما تعثر لفترة تشكيل الحكومة الحالية فأتت على مراحل و بمخاض عسير، و بسبب عدم التقارب الفكري و المنهجي بين طرفيها الأساسيين فقد حدثت نوادر عدة منها أن أدى الأعضاء القسم مرتين، و البعض منهم من غير الوزراء الكرد أدى القسم بصيغتين مختلفتين تذكر الأولى عراقا موحدا و تذكر الثانية عراقا موحدا فيدرالياً، و قبل أيام أدى تصريح للسيد"عمار الحكيم" نجل السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية و أحد أعضاء الائتلاف العراقي المشارك مع التحالف الكردستاني في الحكومة الحالية، حول كركوك واضطراره إلى تكذيبه ،إلى ظهور المطمور من الخلافات على السطح، بل وهدد الوزراء الكرد بالانسحاب من الحكومة مما يهدد بإمكانية سحب الثقة عنها أمام البرلمان إذا ما تحالف النواب الكرد به مع أعضاء آخرين.. أو بالأحرى قد تمهد هذه الأجواء لتقييد حرية الحكومة الحالية في تمرير مشاريعها على البرلمان خاصة تلك التي لا تروق للأطراف الأخرى المشتركة معها.

 

سيدي الرئيس

 

إن هذه الأجواء تذكرنا مرة أخرى بما حدث أثناء مداولات تشكيل الحكومة الحالية إذ كانت تنطلق من طرفيها بين الحين و الآخر عبارات من قبيل " سنضطر لإعلان المخفي" أو "لدينا ما نحتفظ  وسنعلنه في اللحظة المناسبة " و كلها تصريحات تدل على أن التحالف القائم بين القائمتين الكردستانية و الائتلاف العراقي مع تقديرنا للكثيرين فيهما  لم يكن تحالفا مبدئيا، و الحقيقة أنه ليس مطلوب أن تكون وجهات النظر متطابقة بين الفصيلين؛ فالائتلافات بالعالم كله تعرف تقارب أحزاب متباينة الوجهة لفترة معينة لإنجاز مهمة ما أو إنقاذ البلاد من فوضى أو خطر أو  تفويتاً لانتخابات مبكرة و ضمان بعض الاستقرار بالعمل التشريعي والتنفيذي أو لإفساح المجال لكل طرف أن يرتب أوراقه انتظارا لانتخابات جديدة حيث يتخذ من جديد موقعه وحده أو مع أحزاب  أخرى يراها أقرب له حقاً، لكن على الأقل و في حالة قيام أي ائتلاف سياسي فإن هناك قواعد  يجب أن تتبع و ثوابت يجب أن يتفق عليها، و يسعى أطراف أي ائتلاف لجعل الخلافات الجذرية في أروقه الاجتماعات حتى لا يؤثر خروجها للعلن على رأي الناخب أو تقييمه لأداء الائتلاف، و كلها أمور كان من المتوقع أن تشهدها مباحثات الطرفين  الائتلاف و الكردستاني في المخاض الطويل للحكومة الحالية و هو ما لم يحدث، ربما لأن تباين وجهات النظر خاصة فيما يتعلق بالفيدرالية و علمانية الدولة مقابل صبغ الطابع الديني عليها، و غير ذلك من نقاط محورية باعدت الطرفين أكثر من تقريبهما.

 

و لا يمكن وصف هذه الأجواء السائدة بالعراق إلا بأنها تعرقل تماما أي خطوات للأمام بل هي على أكثر التقديرات مجاملة تجمدنا في مواقعنا، في فترة تواجه فيها البلاد عنفا متصاعدا، و تعاني أزمة تنمية و تدنى مستوى الخدمات الأساسية كالكهرباء و الوقود، و بالطبع لا يمكن أن تخدم هذه الأجواء عملية خطيرة وحساسة مثل كتابة الدستور العراقي، لأنه لو استمرت هذه التحالفات في إفراز التناقض و الصراع مع كل فقرة و بند يناقش أو مع كل صيغة و كلمة تدون بالدستور القادم فإن هذا الدستور قد لا يخرج للنور قبل عشرة أعوام، بل ربما انسحب كل معترض و معه فريقه ثائرين لكرامتهم أو قوميتهم أو أفكارهم السياسية أو حتى مصالحهم الضيقة، ناسين و متجاهلين مهمة جليلة و أمانة عظيمة كُلفوا وشرفوا بها، و هذه بالطبع سيناريوهات افتراضية لا نتمناها، لكن عملية شاقة وتاريخية ككتابة الدستور لا يجب أبداً أن تكون موكلة فقط للساسة و الفائزين في الانتخابات، خاصة أن الانتخابات العراقية  أفرزت أسماء لم تكن بالمستوى المطلوب للاضطلاع بمهمة خطيرة ككتابة الدستور - سواء من ناحية مؤهلاتها أو من ناحية تاريخها السياسي،فاقتصار لجنة وضع الدستور على أعضاء البرلمان الحالي لا يعني أننا ضمنَّا الانتقاء الأفضل فالذي جاء بهؤلاء هو صناديق الانتخابات في بلد له ظروف خاصة و لم يختار الناس فيه نوابهم البرلمانيين على أساس الكفاءة بل معايير متشابكة وليست مجردة و تم استغلال ظروف البلاد ليأخذ التصويت بمناطق ما اتجاها بعينه بغض النظر عن الأسماء المرشحة التي لم تعلن إلا في اللحظة الأخيرة وبهذا لم يتمكن المواطن من وزن  كفاءتها و أهليتها الوطنية و السياسية. كما أن المطلوب في السياسي يختلف عن المطلوب لدى المشرع و القانوني، و إلا ما الذي نفهمه إذا جاء أشخاص ليسوا فوق مستوى الشبهات للبرلمان و لا يصلحوا لكتابة حتى أسمائهم فما بالنا بكتابة الدستور.

 

و إذا كانت هذه الآن هي قواعد الانتخابات و علينا أن نصبر الأشهر الباقية ليفرز و يلفظ العراقيون بأصواتهم أمثال هؤلاء النواب، فإن ذلك لا يعني أننا سنقبل أن تنسحب نتائج تلك الانتخابات على اختيار القائمين بكتابة الدستور فهذه مهمة مقدسة لأنه بيان لكل ما يتعلق بالدولة و المواطن، و يتعدى أثره جيلنا إلى أجيال لاحقة،هذه  المهمة بحاجة لأشخاص قد يصح  وصفهم بـ"حكماء الأمة"، أشخاص من تيارات سياسية مختلفة لكنهم يعلون مصلحة الوطن فوق انتماءاتهم و يتفهمون خصوصية  أن كل قومية و مذهب و تيار فكري يجب أن يمثل بالدستور،و يراعون مصالح الجميع دون نظر لانتمائه القومي و المذهبي و العرقي. لذلك فإن تطبيق نتائج الانتخابات على لجنة وضع الدستور هو اقرب ما يكون تكريس لوضع العراق المتأزم بل و تصعيد مشاكل الحكومة الحالية لتعرقل أيضا عمل لجنة كتابة الدستور، و تصوري أن هناك عقلاء كثيرون في هذه الأمة سوف يرفضون هذه اللعبة و يحترمون الجداول الزمنية للعملية السياسية بالبلاد و يدركون جيدا خطورة المماطلة و التسويف في هذه الخطوة لأنها تخلق فراغا تشريعيا و تفسد أي فاعلية للقوانين و اللوائح التنفيذية التي يجب أن تكون نابعة من روح و نص الدستور و متماشية معه مما يدخلنا في جدل بيزنطي لاحقا، بل و يعرقل تنفيذ الكثير من القوانين التي فيها ردع للظالم و عون للمظلوم.و أتمنى أن أكون متشائما أو مخطئا إذا توقعت صراحة أن التحالف القائم في الحكومة الحالية لن يصمد كثيراًفي أزمة كتابة الدستور، و هو أمر لن يخدم عملية التطور المدني و العملية السياسية بالعراق.

 

سيادة الرئيس أبو شلال

 

نقدر انك ستنتبه لهذه النقطة المتعلقة بخطورة كتابة الدستور على يد ساسة لديهم مواقف و مشارب و انتماءات ، و هو أمر طبيعي فاختلاف الناس رحمة و لكن عندما يتعلق الأمر بشرع البلاد يجب ان نبحث عن المشترك و  بلا تحيز ،لعلكم تدركون جيدا ما لدينا من ثروات بشرية ،ففي العراق الكثير من القانونيين  ممن لا تشوب تاريخهم شائبة و لديهم كفاءه جيدة في العمل، و رغبة صادقة في خدمة البلاد لا المذهب و الطائفة ومن المؤمنين بأهمية الدين في حياة المواطن العراقي لكنهم يرفضون بوضوح أي خلط للدين مع العمل السياسي، و يرون في ذلك امتهانا للمقدسات و تلاعبا بالمشاعر الدينية و بوابة لتخندق ثم الاحتراب المذهبي و كلها أمور لا تخدمنا بل تزيدنا فرقة على فرقة، و مدركون أن  أفكار الدولة المدنية لم تضر أحدا ،و  لم تكن يوما فكرة محرمة عند المواطن الشيعي قبل أن يأتي من يصور له المشاركة السياسية باعتبارها فقط الولاء الأعمى للطائفة وللغلاة من أهل الدين و ليس للمرشح.

 

إن ترك عملية كتابة الدستور للساسة من تيار بعينه - حتى بافتراض حسن النية ومع التقدير للكثيرين في المجلس الوطني - يعني تلقائيا صبغه بصبغة هذا التيار أو ذاك، و هو مصادرة على حق المختلفين و على حق الأجيال القادمة في أن تستظل بدستور يسمو على إقحام الدين في عالم و متاهات الدنيا و السياسة.

 

إننا نتوقع لتسريع و إنقاذ العملية الدستورية أن تتخذ رئاسة البلاد المبادرة  بإبعاد جميع أعضاء المجلس النيابي عن عملية  إعداد و تدوين الدستور و يقوم رئيس الجمهورية وقاده الكتل البرلمانية و بالتنسيق مع القيادات الشعبية من أبناء الطائفة السنية لضمان عدم رفض المبادرة  بترشيح لجنة خبراء قانونيين لإعداد الدستور على أن يطرح على  اللجنة الدستورية في البرلمان لإقراره وعرضه على المجلس الوطني ومن ثم طرحه للاستفتاء العام على المواطنين، على أن تكون هذه اللجنة قانونيه بحتة و من متخصصين فقط  وقيادات الكتل البرلمانية في الجمعية الوطنية هي التي تزكي أعضاءها وفق مؤهلاتهم و خبراتهم الأكاديمية و العملية في مجال التشريع الدستوري.

 

و أعلم جيدا أن هناك من سيقف للفكرة بالمرصاد ليس لعيب ما أو خطأ- و هو أمر وارد و لا ننزه أنفسنا عنه - و لكن بسبب إشاعة وأقول إشاعة لكوني لم اطلع على الفتوى ممهورة بختم السيد السيستاني حفظه الله تقول أنه لا يريد من نواب البرلمان إلا أن يتفرغوا لكتابة الدستور و حظر عليهم أن يكونوا وزراء، لكن و بافتراض صحة صدور هذه الفتوى للسيد السيستاني وأمانة نقلها، فإن هذا الاقتراح يدور أيضا في فلكها لأن النواب سيوكلون مهمتهم في كتابة الدستور لأهل الصنعة المتخصصين و هو ضمان أكثر لحيادية عمل اللجنة التي ستدون الدستور، و ظني أن السيد السيستاني ربما لم يصله بعد أو  لم يكن يتوقع أبدا (مثلنا جميعاً) أن بعض نواب البرلمان سيتقاتلون على المناصب والمقاعد في حين  لم يقدروا جلال الفكرة التي انتخبوا على أساسها و نزلوا بمستوى العمل لأهداف أخرى شخصية و ذاتية.

إن المصاعب التي تواجهها الحكومة الحالية ليست بالقليلة و كلي أمل أن تعبرها على خير لأنها تتعلق أيضا بمصير العراق في هذه الفترة الانتقالية الحاسمة من تاريخه، و لكن الاستبعاد العشوائي للخصوم السياسيين جعلت حكومتنا في موقف يتطلب منها أن تعيد التفكير في آليات عملها،و ليس أقل من أن تتبنى هي الأخرى هذا المقترح بإحالة أمر إعداد الدستور للمتخصصين لأنه سيرفع أيضا لدى المواطن العادي قدر هذه الحكومة و سيمسح عنها أخطاءها السابقة في تبدية المعايير السياسية في الاختيار و التعيين للمناصب العليا و حتى الدنيا، كذلك سيخفف قليلا من المؤشرات الدالة على ضغط تيار كتلة الائتلاف في اتجاه نمط بعينه للدولة العراقية، أي نمط الدولة الدينية، و هو أمر لو تم لأضر أكثر مما نفع فليس في بلادنا دين واحد و لا مذهب واحد و لا موقف واحد من التدين أوالأصولية، نحن بلد تعددت فيه الانتماءات و المشارب، و فرض نموذج بعينه على العراق يتخذ من الدين سلطة سيخلق من المشاكل ما نحن في غنى عنه، و كلنا يراهن الآن على حكمة السيد عبد العزيز الحكيم رئيس قائمة الائتلاف العراقي و الدكتور الجعفري رئيس الحكومة وبالتعاون معكم رئيس الجمهورية ، و أن تبادرون  كما عهدناكم  لإعطاء كل ذي حق حقه و أول ذلك أن ايكال مهمة كتابة الدستور  للمتخصصين المستقلين و ليس لأشخاص  لمجرد أنهم من حزب هذا أو طائفة ذلك أوعشيرة ذاك .و لو أن قائمة الائتلاف راجعت نفسها قليلاً لتصرفت في موضوع الدستور بما تمليه عليها الحكمة المعهودة من رئيسها  و الانتماء للوطن، لتتيح الفرصة للمتخصصين الأكفاء للمشاركة في صياغته حتى من غير البرلمانيين، و على الأقل حتى تمتص شيئاً من غضب الشارع المتعطش للاستقرار و التنمية و الذي لديه العديد من الملاحظات على أدائها و هو ما ليس مجاله الآن.



pressoffice@sakban.info