المحرر موضوع: قراءة نقدية في كتاب هرمز ابونا:صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية (ق. الثالث  (زيارة 2738 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
قراءة نقدية في كتاب هرمز ابونا : صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية (3 )
                                              القسم الثالث
حبيب تومي / اوسلو
في الحلقة السابقة توقفنا عند يوحنا سولاقا وهنا يضيف الكاتب هرمز ابونا حول هذا الموضوع فيورد ص77 قوله :
فحين استهل المبشرون تنفيذ خطتهم ، وأقنعوا الراهب يوحنان سولاقا للذهاب معهم الى روما لأكمال مشروع ( تقسيم كنيسة ) المشرق تكفلوا بإجراءات تأهيله للمهمة ..
بقراءة المصادر يتضح ان الراهب يوحنا سولاقا آل بلو كان بعيداً عن مفهوم احراز منصب وكذلك لم تكن غايته في يوم من الأيام تمزيق الكنيسة . من اجل الأحاطة بمجمل القضية بعيداً عن اجواء شحن التهم نقرأ  :
ان الخطأ في حصر منصب البطريرك في عائلة واحدة وجعله حصرياً بهذه العائلة قد نجم عنه استياء عام .
في مطاوي سنة 1551 م حيث لم يبق من تلك العشيرة سوى مطران واحد ،  كان ثمة تصميماً  عاماً على وضع حد لما طرأ على الكنيسة .   لقد اقبل على  مدينة الموصل وفود من بغداد وكركوك وأربيل والجزيرة وتوريز ونصيبين وماردين وحصن كيفا وغير ذلك منهم اساقفة وقسوساً وعلمانيين من الوجوه العامة وانتخبوا بطريركاً عليهم وهو الربان سولاقا الراهب في دير الربان هرمزد( 9 ) .
لقد وصل وفد الى دير الربان هرمز لابلاغه قرار المجمع ،  فشعر سولاقا بخطورة الموقف وخاف من المسؤولية الجسيمة .. وهو الذي لم يفكر سوى بالحياة الرهبانية فقرر رفض المهمة ، لكن المجمع اصر على اختيارة فأرسل وفداً ثانياً الى دير الربان هرمز لاقناع سولاقا بتلبية ارادة الشعب المسيحي ، وللمرة الثانية رفض سولاقا ، ثم كان ارسال وفد ثالث اليه ، وإذ رفض هذه المرة ، اضطره الوفد الى المجئ قسراً ، ولدى وصوله ، عقد الأساقفة والشعب جلسة اخرى للمجمع وأحضروا سولاقا ، وعلت الهتافات بتأييده فلم يسع سولاقا الا الأذعان لمشيئة الله ، وكان ذلك مطلع 1552 وبانتخاب راهب بسيط لدرجة البطريركية ، برهن الأساقفة والشعب عن صدق نواياهم وعن نزاهة الحركة التي تتوخى .. خير الكنيسة وانتعشها ( 10 ) . ان هذه الحوادث تدل ان الحركة كانت بإرادة الشعب المسيحي والكنيسة الشرقية نفسها  ، وروما كانت ترحب بتوحيد اوصال الكنيسة المبعثرة من حيث هي كنيسة جامعة واحدة .
 في ص93 نقرأ عنوان بارز يقول :
مؤمنوا كنيسة المشرق بين فكي كماشة .
ويستطرد الكاتب : ان مأساة كنيسة المشرق تكمن في تعرضهم الى موجتي غزو من الشرق والغرب حيث تصارع الأتراك والفرس والأكراد في احتلال ارضهم ، في حين زادت مشكلتهم المعقدة تعقيداً عامل ظهور القوى الغربية الطامعة بذات الأرض التي كانت العناصر الغربية المشار اليها تتصارع فيما بينها للأستحواذ عليها ...
 لا ادري كيف يستطيع الكاتب اقناع القارئ بهذه الأشكالية البعيدة عن الواقع .  إن الأكراد والأتراك والفرس يريدون احتلال ارضيهم ، حسناً ، لكن كيف يقنعنا الكاتب ان الكنيسة الكاثوليكية  او روما او حتى فرنسا يطمعون في الأستحواذ على اراضيهم ؟ انها فرضية خيالية لا تقترب  من الواقع . في ص108 امامنا عنوان يقول :
أبناء تياري احفاد قدماء الاشوريين
ان يكون ابناء تياري احفاد قدماء الآشوريين امر لسنا معه او ضده ، لكن اثباته ليس بالأمر الهيّن ، وينبغي على المؤرخ ان لا يجامل احداً على حساب التاريخ ، ويعتمد الأستاذ هرمز ابونا على بطرس نصري على ان ابناء تياري المعاصرين هم احفاء قدماء الآشوريين ، وهو يعتمد على كسوتهم او هيئة لبسهم وكذلك لغتهم تبين بنوع أجلى كونهم من سلالة الآثوريين القدماء ...
أقول : رغم ان الملابس ليست دليلا قاطعاً يعتد به لتأسيس هذا الأمر الخطير ، ومع هذا فإن الملابس التي يرتديها ابناء التياري المعاصرين ، انها تختلف كلياً عما كان يرتديه الآشوريون القدماء وملابسهم ظاهرة على نقوشهم ، ولا تمت بصلة الى الملابس التي يظهر بها الآشوريون المعاصرون ، ولغتهم اليوم هي اللغة السريانية وهي وريثة اللغة الآرامية ، وعلاقتها باللغة الآشورية البابلية القديمة لا تختلف كثيراً عن اللغات السامية الأخرى . فالكلمات العربية :
أب ، أخ ، اسم ، انسان ، ثور ، بيت .. هي في اللغة الآشورية البابلية القديمة على التوالي :
أبو ، أخو ، شومو ، نِشو ، شورو ، بِتو .. وفي الآرامية تصبح على التوالي :
أبا ، أحا ، شما ، ناشا ، تورا ، بيثا ( 11 )  وهذه الأخيرة لا تختلف عن اللهجة المحكية في القوش وفي  بلداتنا الكلدانية ، والآثورية لا تختلف عنها كثيراً حيث المفردات اعلاه تلفظ :
بابا ، خونا  او اخونا ، شمّا ، تورا ، بيثا .
 ان علماء الأنثروبولوجيا ودارسي الشعوب ينتقدون نظرية ارنست رنان التي تدعي نقاء العنصر الآري وتفوقه ، وان العلماء هؤلاء برهنوا على انه لا يوجد شعب يمكن ان يبرهن على نقاوة دمه بسبب الهجرات والتزاوج التي تؤدي الى اختلاط الشعوب ( 12 ) .
المفارقة الغريبة : ان الكاتب هرمز ابونا يلقب ابناء تياري بالآشوريين ، بينما هم انفسهم لا يدّعون هذه التسمية ، ففي ص 273 يطلعنا الكاتب الجليل هرمز ابونا على المذكرة  التي قدمها 45 من وجهائهم الى السفير البريطاني يلتمسون الحماية فيقولون في مذكرتهم  :
Mousil August 8 .1857. From Rassam to Canning
To His Exallency the most exalted Lord ,the Ambassador of England .
We the  the undersigned , you servants and humble petitionersare (…)  oppressed ( …) native of Tiary , Berwary , Buhtan , Hakkary who have drawn up this petition to solicit Your lordship,s gracious ?? assistance  in this time of our need , to save us from the oppression and injustice put upon us by our rules both Turks and Kurds…
…We therefore ,implore your Excellency ,s protection and earnestly entreat Your Lordship to optain for us a Firman drown up in the name of the Nestorian nation …
ويترجمها الكاتب ص 275 فيقول فيما يلي نص رسالة الأسترحام :
الى .. سعادة سفير انكلترا
 نحن الموقعين ادناه خدمكم المتواضعين نعرض لك بأننا .. المظلومين من ابناء تياري وبرور وبهتنان وحكاري الذين كتبنا هذا الألتماس متوسلين لمساعدة سيادتكم الكريمة في وقت شدتنا لكي تنقذونا من الظلم واللآعدالة المفروضة علينا من قبل حكامنا الأتراك والأكراد ...ويختمون مذكرتهم بقولهم :
... وعليه فإننا نتوسل بسعادتكم لحمايتنا ولكي تحصلوا لنا على فرمان باسم (( ألأمة  النســـطورية )) او باسم ايرميا ...
 التوقيع 45 من وجهاء النسـاطرة .
 وهكذا كانت هذه المذكرة المقدمة سنة 1857 لم يكن معلوما اسم الأمة الآشورية لهذا القوم .
في ملاحظة للكاتب 142 ــ 143 عن موقف الفرنسيين والمبشرين من يوحنان هرمز ابونا يقول :
 نجح الجهد الكاثوليكي وبواسطة النفوذ الفرنسي في الحصول على براءة سلطانية تعترف به بطريركاً . ولكن روما ظلت تناور معه حاجبة عنه تثبيته كبطريرك لكي تضفي عليه الشرعية . على العكس عملت على ترويضه فلقد تعرض الى حملة اضطهاد من قبل المبشرين الكاثوليك الذين قاموا ( بسجنه ) رغم انه لم يرتكب اي جرم يستوجب ذلك [ انتهى الأقتباس ] .
في الحقيقة اقرأ في هذه الأسطر تناقض وارتباك فمن ناحية يسعى الجهد الكاثوليكي وبواسطة النفوذ الفرنسي في الحصول على براءة سلطانية تعترف به بطريركاً ، ثم لا تلبث هذه الكنيسة ان تضطهده ثم يقوم المبشرين الكاثوليك ( بسجنه ) . وسؤال مشروع  : هل كان للمبشرين سجون ؟ وأين موقع هذه السجون ؟
في عنوان بارز ص 144 يكتب المؤلف :
استخدام روما للرهبنة الهرمزية لتنفيذ مآربها
ويستطرد بعد هذا العنوان ، فيقول :
كان ظهور المدعو جبرائيل دنبو الذي كان مرتبطاً بمصالح تجارية على مسرح الأحداث في الفترة العاصفة والذي كان مدعوماً من قبل المبشرين الفرنسيسكان .... ويضيف في ص145 ولقد اطلقت روما يد دنبو في التصرف بشؤون الرهبنة الهرمزية وقام بالتعاون مع المبشرين والقنصل الفرنسي بالتنكيل بالعائلة البطريركية لكنيسة المشرق حيث صودرت املاك العشيرة بأكملها وسجن المئات منهم كما افاد القنصل البريطاني في الموصل في تقرير له سنة 1944 م [ انتهى الأقتباس ] .
أقول : لقد كانت الحياة الرهبانية مقطوعة في دير الربان هرمزد لمدة 80 سنة تقريباً ، وقام الأب جبرائيل دنبو بتجديد الحياة الرهبانية في هذا الدير العتيد ، ويحدثنا المطران يوسف بابانا في القوش عبر التاريخ عن الأب جبرائيل دنبو فيخلص الى القول :
 انه [ جبرائيل دنبو ] ولد في ماردين عام 1775 م في شبابه عمل في التجارة ، ولقد رغب في الحياة الرهبانية فكرس نفسه لذلك . سافر الى الموصل وتداول مع البطريرك يوحنان هرمز ومكث عنده فترة تقارب السنتين وبعدها سافر الى القوش ، وفيها تعلم مهنة الحياكة ، وفي القوش كانت المراسلات مع حنانيشوع مطران العمادية ، حيث ان الدير كان تابعاً لهذه الولاية وبعد الحاح اهالي القوش ، سمح بإعادة فتح الدير  وتم ذلك فعلا سنة 1808 م . ولقد تطور الدير رغم النكبات التي حلت به ووصل عدد رهبانه الى حولي خمسين راهباً قدم منهم الى الدرجة الكهنوتية ومن هؤلاء الكهنة قدم اربعة منهم الى الدرجة الأسقفية (13 ) .
 بعد رحلته الى روما عاد جبرائيل دنبو الى بغداد ثم الى القوش في اوائل سنة 1932 حيث صادف قدومه اليها مع هجوم مير كور الأمير الراوندوزي ، وكان الشهيد جبرائيل دنبو  ضحية من ضحايا حملته ،  حيث وجد مع ثلاثة من زملائه مقتولين قتلة شنيعة الى الغرب من دير الربان هرمزد . في سنة 1931 اقيم في دير السيدة احتفالاً مهيباً في ذكرى مرور قرن على استشهاد الأب جبرائيل دنبو الذي خضب تلك الأرض المباركة بدمائه .
 وبرأيي كان يستوجب على الكاتب هرمز ابونا وهو يكتب التاريخ ان يتسم بشئ من الأنصاف او الحيادية فكان يجدر به ان يمنحه لقبه الكنسي ( الأب دنبو  او الشهيد دنبو ) بدلا من التسمية التي اوردها ص 144 [ المدعو دنبو ] وفي ص 145 [ دنبو] .
 اما عن مصادرة املاك العائلة الأبوية فيمكننا القول :
 لقد كانت لمسألة ثروة الدير تداعيات سياسية  في المنطقة إذ كانت تتبع الدير اوقاف غنية واسعة من الأراضي والأملاك ، وكانت تدير شؤونها العائلة الأبوية ، وكان الدير بأملاكه تابعاً لادارة امارة بهدنان في عمادية ، وكان انتقال الدير الى ابرشية الموصل يعني انتقال هذه الممتلكات من امارة عمادية الى امارة الموصل ، ومن المؤكد ان هذه الأملاك ستنتقل الى الأدارة الجديدة ، فحرض بعضهم امير بهدينان اسماعيل باشا على استرجاع تلك الأوقاف وطرد رهبان الدير ، وفي عام 1842 م هاجم اسماعيل باشا بجنده الدير ، وطردوا رهبانه ، وأتلفوا كثيراً من أثاثه ، ثم هاجموا القوش القريبة فسعى وجوهها بنفي أعيان بيت الأب من البلدة تخلصاً من مشاكلهم وارتباطاتهم بإمارة العمادية وبهذا ضم الدير بأملاكه الى ولاية الموصل نهائياً (14 ) .
برأيي : ان أمور مادية وسياسية كان لها حضور كبير في مجرى الأحداث الدينية ، وعندما ننظر الى حدث معين لابد من تسليط الضوء على كل جوانبه من اجل تكوين رؤية واضحة عن تلك الأحداث .
حبيب تومي / اوسلو
 
                                يتبعه القسم الرابع               

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
9 ــ المعلم لومون الفرنساوي : مختصر تواريخ الكنيسة ، ترجمة الخوري يوسف داود ص603
10 ــ الأب البير ابونا :  تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية ج3 ص135
11ــ ا. ولفنسون : تاريخ اللغات السامية ص283
12ــ د . صالح احمد العلي : محاضرات في تاريخ العرب ص 8
13 ــ المطران يوسف بابانا : القوش عبر التاريخ ص91 ــ 93
14ــ عماد عبدالسلام رؤوف : الموصل في العهد العثماني ص171 ـ 172