المحرر موضوع: الى من يسلّم توما توماس عصا البريــد  (زيارة 1233 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سمير القس يونان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 140
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
   الى من يسلّم توما توماس عصا البريــد

بقلم سمير القس يونان

لم يعرّف نفسه إلى أحد أبدا لان الجميع كان يعرفه ومن لا يعرفه تمنى لو فاز برؤيته أو لقاءه ‘ كان متمكنا من كل النواحي ومنها الإنسانية والسياسية والعسكرية والإدارية ونبذ الأنانية والانحيازية والانفرادية وانقاد إلى مبدأه وفكره متيقنا صواب اختياره . كان إيماؤه مفهوما ومقروءا لرفاقه لأنه كان صادقا في تفكيره ونيته معهم ‘ كان مرحا طوال الوقت لم يتشبث بحبال الشك أبدا ‘ لم يدق طبل الحرب أبدا بل كان يحتوي اللطمات واللكمات والهجمات والمؤامرات ‘ مامن مرة  نام قبل الليل بل كان الليل صديقه أو ينام معه .
يمر على رحيل المرحوم توما توماس  إحدى عشر سنة وكأنها اليوم وفي هذه الأيام الصعبة التي فيها أصبح الفرس دون خيّال نستذكر هذا الرجل هذا المناضل هذا المكافح بكل حسرة وألم لأنه زمن قاس وصعب وزمن شرذمة وتشتت وإننا بأمس الحاجة إلى راع صالح يقود خرافه بأمانة صادقة ‘ كان هذا المناضل شجاعا مقداما لم يتنازل يوما لا في سوح الجبال والقتال ولا في المعتركات السياسية التي تتطلب مواقف حازمة مع رفاقه وكذا الحال مع من يخالفه المعتقد . انه نقطة مضيئة في هذا الأثير اللامتناهي ترى من بعيد ولا تحتاج إلى زرقاء اليمامة ‘ كما ولا يحتاج إلى مرصد فلكي لأنها قد دخلت الأدبيات العلمية للفلكيين ‘ مثل هذا الشهم وما صالت نفسه وجالت في هذه الجبال والسهول والاوهاد وذلك العرق المتصبب حيث لو جمع لملأت عشرات علب الحبر وما علينا إلا أن ننهل أقلامنا من هذا الإكسير ونكتب حروفا مضيئة ترى في الظلام ‘ مثل العم المرحوم وغيره الذين قلما رأت عيونهم النوم الهانيء .. مثل هؤلاء الذين يحبهم عدوهم قبل صديقهم مثل هؤلاء طرقوا أبواب الخطر وبنو سورا منيعا لهيكلنا وتخندقوا ليحموا سريرنا  ‘ مثل هؤلاء نادوا بإسم القوش وعينكاوه وشقلاوه ودوغات وكرمليس وبحزانى ومانكيش  وتلسقف رسموا صورة لنا وصنعوا هالة جميلة تقينا من الأشعة السامة القاتلة ... مثل المرحوم صرح عالي ومتحف كبير يفتح مرة في السنة وانه لضروري زيارة هذا المتحف ومشاهدة كل شيء فيه من رداءه وسلاحه وصولاته وكلامه وحبه وأصدقاءه ‘ انه مدرسة متكاملة في شخص واحد ترى فيه كل أنواع الكتب انه موسوعة فقد حاول الكثيرون وفي اكثر من مناسبة نزع وإزالة  أوراق من هذه الموسوعة ولكن دون جدوى لان التسلسل موجود وانه لمن المنطقي أن المحبين حفظوا حياة هذا الحبيب أي خربطة ستنكشف لا محال ... انه علم وسارية فمن يحاول قص هذه السارية فهناك غيرها وهنالك من يركض مسرعا لحمل الجزء المتبقي ... هناك ذكريات وأشعار أمثلة ومقالات قصص ومكنونات مآثر وآثار  دخان وبقايا نار  بل تقارير وهجمات خطط وتطويقات هنالك قطرات دم وقشور حب وحبل تنظيف في اغلب الكهوف كما وهناك علب حليب النيدو عند اغلب العيون والينابيع خارجها اسود وداخلها احمر بفعل الشاي ‘ كيف تمسح هذه وغيرها أكثر بكثير وما علينا إلا أن نستذكرها باحترام ووقار وشوق وان نجعل من توما توماس البار الوفي مثالا وأيقونة نضعه في مخيلتنا دائما . لقد تمنطق هذا المكافح بحزام الحب والصدق وبمنجله طهر طريقه دون مساومة وأبى أن يحمل السلاح إلا عندما أصبح مضطرا لذلك . لمن يكون الخلود والمجد إن لم يكن لمثل هذه الدعامة والسارية لمن يكون المجد والخلود إن لم يكن لمن كان سراجا وحبا سرمديا . كيف ننسى من نبذ أنانيته وسلخ جلده وغطى به من كان محتاجا له ... لقد كان كل شيء وكان بلسما لجروحنا النازفة وكان صولجانا يضرب به يمينا ويسارا من يحاول حذف حرف من اسم بل إزالة نقطة من باء أو نون أو خاء ‘ كان مجتمعنا حينئذ يفتقر إلى عكازه يتكئ عليها وينبوعا صافيا يرتوي منه بعد أن جفت كل العيون ‘ كيف ننسى من يسال ويتفقد حال الجار قبل أهل الدار أحب الجميع والجميع أحبه وقال في الأيام الأخيرة من حياته (( لو كان أهلي وأحبائي حولي لاكملت’ مشواري وحياتي واكتملت رتوش الصورة )) ‘ من أحب أهله حبا مطلقا مثل هذا ومن دافع عن فقير جلدته قبل الغني منها بعض الأقلام والرموز القومية تتهمه بالابتعاد عن أهله وقوميته والأصح انه مهما كان  من أممية فان عصارة نضاله وكفاحه تنصب على هذه التسميات وهو جدار ضخما ممكن لهؤلاء  المتشدقين أن يتكؤا عليه بعد مسير يابلاش ‘ أقولها بكل صراحة انه أضحى بدون مسكن ولم يستطع أن يرتمي في أحضان قصبته بسبب مبدأه في الوقت الذي كانت هجمات شرسة من رفاقه ومعاصريه ومن هو في درجته الحزبية على أوجها وذلك زاده إيمانا ويقينا وثباتنا وإصرارا وإلحاحا على البقاء مخلصا لمبدئه واسمه وكنيته وأهله وشعبه ‘ لقد جاء في زمن ووقت عصيب تعدى الخطر حدوده وكاد الدار ينهار على ساكنيه والأرض امتنعت عن الإنجاب وإعطاء الغلل .. لقد جاء نتيجة صرخة طفل جاء احدهم ليسرقه من حضن أمه وليس (( هفتيار كما يقال لها )) . لقد جاء ليخضر الجبل القاسي المتجرد المطل علينا وليؤمن لنا نحن الأطفال في وقتها كي نجمع (( البلزيزي والحلحليي والمستوك )) .. لقد جاء ليؤمن الطريق إلى دير البسقين ومار سهدونا ونستطيع إشعال الإطارات القديمة وأكوام الحطب يوم نوروز الجميل ‘ لقد جاء ليجعل ليلنا أمينا خاليا من الخوف واللصوص من الجيران (( يامكثرهم حينها )) لقد جاء ليؤمن حدودنا من التعدي والتحرش ليزرع الخوف في نفس كل من تسول له نفسه ويحاول التربص بغلاتنا ‘ ألا يكفي كل هذا لاعتبره مثالا واستلذ عند ذكره واشحذ منه شهامة وقوة وباسا ‘ لقد جاء ليؤمن الطريق إلى حقولنا لنذهب ونباركها بأغصان الزيتون بمناسبة عيد اوشعنا ‘ لقد جاء لتبقى حفلاتنا البسيطة على أنغام الداول والزورنا في البيادر إلى أوقات متأخرة ثم نذهب إلى بيوتنا كباقي البشر أما هو ومن معه فكان الحجر فراشه . ونحن نعيش في مجتمع عشائري قبلي فيكون من دواعي القوة  والبأس والجدارة أن تتمتع ببعض الوجوه التي تضفي مسحة جميلة إلى المكنونة العشائرية لمجتمعك المصغر ‘ وسبق المرحوم توما توماس شخوص وصواري اتصفت من نبل ونبذ حب الذات والغيرة التامة لبلدتهم وهم الذين كانوا اعضاءا في لعبة البريد والذين سلموا العصي إلى المرحوم لكي تستمر أحداث التأريخ ‘ نستذكر هؤلاء جميعا بحب وخشوع وهم نجوم وضاءة في سماءنا وقد اضاؤا الدرب إلينا نحن الذين نسينا كل شيء . إنها حيرة وقلق نحن فيهما فأين من يستلم منه عصا البريد ليكون الخط متواصلا وحلقات السلسلة واضحة حيث عند فقدان أي حلقة أي مرحلة سيكون هنالك فراغ وهذا يؤثر على السلسلة ككل  ولذلك نقول أنت في القلب ساكن وكل خطوة في حياتك النضالية درسا ننتهل منه وكنت خير من أنقذنا وانتشلنا من أيادي أخطبوطية ‘ صغيرة هي كلمة مرحوم بحقك ولو هي عدل سماوي وألهي ومع هذا فانك لم تمت ولا يقبل اسمك  القسمة على أي نسيان ... فانك باق مدى الأيام وما فعلته لم يكن غير الصواب فإلى جنة الخالدين وعلى صدور المحبين وساما ونيشان .