المحرر موضوع: الشهيد البطل المهندس ميخائيل سيرون ميخائيل كما عرفته  (زيارة 1933 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نزار ملاخا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 855
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الشهيد البطل المهندس
ميخائيل سيرون ميخائيل كما عرفته


بقلم / نزار ملاخا / الدنمارك

ماذا أقول ... بل إنني في ذهول ... و فكري في وجوم ... وقلمي مهزوم ... ولساني  مكموم ... إن ميخائيل ليس في الوجود ... ميخائيل حلَّ ضيفاً على سكان الخلود .. ذكراك ترافقنا ... وصورتك تتمثل أمامنا ... وصدى صوتك يرنُّ في آذاننا ...

تعرفتُ على ميخائيل عندما كنتُ مسؤولاً لمعمل كهرباء الحفر في شركة الحفر العراقية , ومن خلال العمل اليومي وعلاقة العمل بين مختلف أقسام الشركة زادت بمرور الأيام علاقتي معه ولاسيما كنتُ قد عملت في أحد مواقع شركة نفط الشمال مع شقيقته المهندسة آيريس .

حَجَرَةٌ صَغيرةٌ تلقى في غمر البحر فتحدث حلقات متعددة على سطحه تراها العين , هنالك في هذا الكون أشخاصاً يحدثون كمثل هذه الحلقات , يشعر بها ويتلمسها أولئك الذين حولهم , ومن هذا النموذج كُثر و الحمد لله ولكن ميخائيل كان واحداً منهم


لقد كان ميخائيل كالنحلة المخبرة والنحلة النشيطة تعمل دائماً بجد وإخلاص , بلا كللٍ أو ملل , لم يحابي أحداً مطلقاً ولم يجامل أحداً على حساب العمل والإخلاص للعمل , أعرفه جيداً ولي مواقف كثيرة حضرتها كان فيها حدياً تجاه عمله , لم يكن له أي إنتماء سياسي أو قومي , لم يكن قومياً ولا سياسياً ولاطائفياً , كل همّه كان سير العمل والإخلاص والتفاني في خدمة الواجب , كان العمل لديه بدرجة التقديس , كان نظيفاً شريفاً عفيف النفس , لم يدخل جيبه فلس حرام مطلقاً , بل العكس كان يوفر المبالغ لخدمة العمل , كان مؤمناً بأن المال ذلك العبد الأبكم لم يكن بمقدوره إدخال السعادة إلى قلب أحد , فكان أسمى من أن تغرّه حفنة مال حرام , لأن السعادة أسمى من أن يكون المال سبباً في خلقها , لم تغرّه فاتنة , ولم يتأثر بجمالٍ مهما كان أخّاذ , حُب العمل لديه أفقده الحاسية , لا بل أفقده الحواس الأخرى جميعها , إنه المرء الذي خدم الوظيفة
وأعطى الواجب حقّه لا لشئ بل لأنّه مقدس لديه وعظيم الشأن عنده .

أهكذا يموت الإنسان ؟ !!! أبفعلِ إطلاقة جبانةٍ خرساء تنتهي الحياة ؟ !!!!

آه يا أبا حرب ... لا أستطيع أن أتصور موقفك في ذلك الحين وفي تلك اللحظات الرهيبة القاسية ... كم من الزمن مرَّ عليك وأنت في ذلك الوجوم ؟ كُنتَ تُريدُ مَنْ يُساعدكَ ... أليس كذلكَ ... نعم كُنتَ تُريدُ مَنْ يُنقذكَ مِنْ أياديهم ؟ أكيد نَظَرتَ حولكَ فإذا بك الأرض تميد ... الجميع خذلوك ... ذهبت لتشيّع أبن أحد الزملاء .. ولم تكن تدري بأنه بعد ساعات قلائل سوف يشيعونك أنت أيضاً ...في نفس اليوم الذي صلّيتَ به على الشهيد ياسر صلّوا عيكَ , بماذا فكرت في تلك اللحظة ؟ أين تلتفت ؟ لن تجد حولك إلا الدماء الزكية الحمراء منحدرة على وجنتيكَ , نعم إنه كذلكَ .. حينئذٍ تأكدتَ بأنك أصبحتَ وحيداً فريداً وجهاً لوجه أمام الموت ...

لقد أغتالوكَ ظلماً يا ويلهم ما فعلوا

لقد قتلوك غــــدراً يا ويحهم لماذا قتلوا


ما أقسى تلك اللحظات يا أبا حرب وأنت ترى السلاح مشهراً بوجهكَ , ما أقسى تلك اللحظات وأنت تقف كالتائه لا تعرف لماذا أستهدفوك ,, عندما هبط ذلك المساء المشؤوم وأرخى على الكون ستراً من العتمة الشاملة أرخى بنفس الوقت جسدك . هل استسلمتَ للموت بكل رحابة صدر ورباطة جأش وأنا أعرفك بأنك هكذا ... هل أستسلمت للموت بسهولة ويسر ... هل خانتكَ رجولتكَ !!!! كلا وألف كلا .... إنك الشجاع  الشجاع

لقد عشت صراعاً طويلاً مع العمل , فضّلته على كل شئ حتى على أقرب المقرّبين إليكَ ... لم تتزوج لكي لا تحرمك الحياة الزوجية من سعادة العمل التي كنتَ تعيشها ...

قال إيليا أبو ماضي :

نم لا تسل عن جذوة الأحزان متدثراً بالآس و الريحان
ليس لدي ما أقول فذكرياتي مع ميخائيل أكثر من أن تُحصر في هذه الكلمات القلائل , أتذكر أيامي الأخيرة في شركة الحفر العراقية عندما كنتُ مسؤولاً عن شعبة الخدمات الفنية الهندسية ورئيساً للجنة النقل وكان المرحوم مسؤولاً عن شعبة النقل , كانت لقاءتنا تقريباً يومية ومكالماتنا الهاتفية يومياً والكثير الكثير من هذه الذكريات لا يمكن نسيانها مهما تقادم الزمن .


طواك الردى عنا بعيداً وضحك الثرى قبل الثناء
كُنتَ صديقاً كريـماً صالحاً لا يبدو فيكَ شئ في الرثاءِ
ألا ضعهُ يا رب مع الأتقياء وأسكنه دار الخلدِ و البقاء
لقد رأيت الصور وفيها الأصدقاء و الأقرباء وكلّهم جاؤوا وفي قلوبهم أنّات وآهات , لم يصدّقوا ما سمعوا :

جاءوا إليكَ مودّعينَ وحولهم يمشي الوجوم وتزفر الأحلام
فقدوا بفقدكَ منهلاً ومعارفاً إن المعارف فقدهن حرام
مسحة الحزن كانت على وجوه جميع من عرفوك فكيف من كانوا معك ؟ رأيتُ السيد المدير العام الأستاذ فوزي فتح الله وآثار الحزن تُرى من بعيد , وكذلك السيد  ياووز وأبو ياسر وأبو رزكار وسعد أبو إيهاب وغيرهم الكثيرون , تبكي عيونهم على فقدانك , على رحيلك عنهم لا بأختيارك ولكن مكرهاً , سرقوا حياتك منك عنوةً :


وقائلٌ: لِمَ بَكَتْ عيناكَ ؟ قُلتُ لَهُ الحُرُّ يبكي إذا ما غاله القدَرُ
يبكي ليطفئ ما في القلوب من حرقةٍ والله يعلمُ كيف النّار تستعرُ

إلى الأخت العزيزة آيرس المحترمة

المصاب الجلل الذي أصابكم أصابنا جميعاً , حب الوطن وحب العمل لديه فاق حد التصور , لم يكن أحد يشعر به سوى المقربين إليه أو الذين يعرفون ميخائيل عن قرب , ولكن تبقى حسرة في القلوب وعلامة أستفهام كبيرة : لماذا قتلوه ؟ لم يكن لديه أعداء ؟ لم يكن لديه منافسون , لم يظلم أحداً , لم يحابي أحد , فكأني بِكِ ولسان حالكِ يقول :


يا رب إليكَ أشكو أنا أخته الثكلى بهيام
فأرحم يا رب دمعي المتناثر بانســـجام
ثكلى أنـا وأخت المقتول لا تنـــــــــــام
فالدنيا أصبحت بعيني قتام و ظــــــــلام
وبين ضلوعـي لهيب الموت الزؤام
أما أنت يا عزيزي فكأني بك تقول للعزيزة أختك ومن خلالها لكل خواتك :

تَجَلّدي يا أُختي ولا تكشفي السترا
بربّكِ لا تمعطي الشعرَ أو تخدشي الصدرا
فإلى العُلا نحو السماءِ مددي النظرا

فسبحانه تعالى قد رأى ما قد جرى

وهناكَ عند رب الأكوان

أشكو ظلم هذا الإنسان

في الختام إننا نتضرع إلى الله بقلوبٍ مستعرة ونفوسٍ منسحقة ودموعٍ منهمرة
متوسلين إليه أن يضمّكَ إلى جِنان خلده , ويمنح أهلك وذويك ومُحبيكَ وأصدقائكَ
وكل من عرفك الصبر و السلوان :::



أخوك / نزار ملاخا

alkosh50@hotmail.com

1/11/2005[/font][/size][/b]