المحرر موضوع: ثقافة الحرب وثقافة السلام  (زيارة 889 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Salem Ateek

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 67
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
  ثقافة الحرب وثقافة السلام


 

ان ما أوصل سمعة ومصداقية ومكانة ادارة أمريكا الى الحالة المزرية الغير المسبوقة التي هي عليها الآن سببه الأول منطق الغابة، والسبب الثاني دعمها الغير محدود للربيبة المدللة أسرائيل، والسبب الثالث والأهم يكمن في خفوت وسكوت وحتى اختفاء حدة صوت ما يسمى بالسلطة الرابعة، صوت النقد الذاتي الوطني، في الوقت الذي كان ماضي وحاضر ومستقبل الأمة الأمريكية بأمس الحاجة اليه.

لو أن ثقافة الدول التي تعتقد نفسها رائدة كأمريكا مثلا كانت ثقافة السلام التي تنتمي بحق وحقيقة الى جوهر الثراء المعنوي وليس ثقافة الحرب المفروضة قسرا على الشعوب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، والأسوء مبدأ الحروب الأستباقية الذي تبناه خاصة ما يسمى بالمحافظيين الجدد منذ انتهاء الحرب الباردة في أواخر تسعينات القرن الماضي وحتى اليوم بسبب طغيان الثراء المادي والتكنولوجي، لكانت معالم التقدم والتطور والأزدهار والسعادة ترفرف الآن على أرجاء الأرض المعمورة، فهذه النعم (بكسر النون وفتح العين) كلها تزرع وتنبت وتترعرع وتنموا وتكبر وتثمر في ظل الأمان والأستقرار التي يوفرها السلام.

ولكن للأسف ثقافة أمريكا كانت ولا زالت ثقافة حرب رادعة أولا، ومن ثم عدوانية بعد أن أغتصبت لنفسها موقع القطب الواحد الأوحد.  يعني بالأمس كان هناك توازن رعب بين قطبيين ونظاميين متناقضيين اديولوجيا واحد شمولي والآخر ديمقراطي، والآن بعد أن استفرد هذا الأخير بالساحة انقلب على نفسه ليتحول خاصة في سياسته الخارجية الى نظام عسكري تعسفي استعماري استغلالي استعبادي ولا كل الأنظمة الشمولية السابقة والحالية مجتمعة، ولهذا نرى استشراء العنف والظلم والفقر خاصة في منطقة الشرق الأوسط وعراقنا الحبيب كان وله النصيب الأكبر فيها.  ونظام كهذا بقدر تعاظم وتفاقم وتجبر قوته وقدرته وسطوته الحالية والمستقبلية بهذا القدر وأكثر يستنزف ذاته مع الأيام لتكون نهايته الحتمية الأنهيار.  فكل الأنظمة الشمولية كان وسيبقى مصيرها الفشل، لأن الأستمرارية في الحكم وما يرافقها من تجاوزات متصاعدة تقود هذه الأنظمة قسرا يوما بعد آخر الى مزيد من التسلط والأستبداد والطغيان ومن ثم السقوط.

كلنا تفاؤل بأن الثراء المعنوي الدستوري المتجدد والمتجذر في أعماق الشعب الأمريكي سوف لا يسمح لكائن من كان أن يضحي بكل عظمة ماضينا وحاضرنا وخاصة مستقبلنا ومستقبل أجيالنا من أجل أهوائه وأهواء من ورائه المريضة حتى وان كانوا يشغلون أعلى المناصب في الدولة.

يظهر بأن قيادات أمريكا خاصة السياسية وهي في قمة نشوتها بعد انتهاء الحرب الباردة لصالح الولايات المتحدة وحلفائها نست أو تناست بأن في هذه البلاد نظام ديمقراطي دستوري واجبه الأساسي يكمن في توفير الحرية والأمان والأستقرار والعدل والمساوات في الفرص والحقوق والواجبات بين الناس لا يحق لأية ادارة مهما أوتت من قوة التلاعب فيه على مزاجها أبدا، وان فعلت كالأدارة الحالية فسوف يكون مصيرها الرفض وعقابها الأقصاء، وربما تنالها أذرع العدالة والمحاسبة فيما بعد، من يدري، كل شيئ محتمل وجائز وممكن وقد يكون واجب الفعل في أوانه أيضا.

من أهم محاسن النظام الديمقراطي الدستوري الأمريكي هو التداول المرحلي للسلطة عبر الأنتخابات التي يختار فيها ذات الشعب ممثليه لمجلس النواب كل سنتين ولرئاسة الجمهورية كل أربع سنوات ولمجلس الشيوخ كل ستة سنوات وهو الذي يعيد انتخابهم أو ينهي تمثيلهم أيضا.  الأنتخابات القادمة سوف تظهر للجميع مدى قدرة ومتانة وصلابة وجدارة نظامنا السياسي الديمقراطي الدستوري، فعلى الرغم من تمادي واستفحال دور بعض اللوبيات خاصة على السياسة في البلاد نتيجة المحسوبية والمحابات والأحتكارات الأعلامية والأقتصادية وتمويل الحملات الأنتخابية، نرجوا أن يفوز بالأنتخابات القادمة ويصل الى مواقع صنع واتخاذ وتنفيذ القرار كل من هو مؤهل لتمثيل حقوق ومصالح البلاد والعباد على السواء وبدون تفرقة وتمييز أو استثناء.   

نأمل أن يطغى بعد اليوم المنطق المتحضر على سياسة أمريكا خاصة الخارجية عبر احترامها للقانون والشرعية الدولية.  وأن تقدم للربية العزيزة أسرائيل كل دعمها ولكن عندما تكون هذه على حق، لا أن تواصل دعمها المطلق الأعمى بالرغم من معرفتها المسبقة بأنها على باطل.  وطبعا أن يستعيد هذا الصوت الهائل، صوت أعلامها الهادر وعيه وقيمته ومكانته ومصداقيته الحقيقية غسلا لذنوبه وندما على ما تسبب فيه للمواطن من آلام وخسائر مادية ومعنوية جسيمة بسكوته المطبق المعيب قبل وبعد غزو على العراق.  لو أن مثل هذا المنطق الأنساني المتحضر والوعي السياسي الناضج وخاصة الصوت الأعلامي الناقد الواعد كانت حاضرة وفاعلة ومؤثرة في حينه لما كانت الأدارة الأمريكية تتجاوز وتتدخل وتزج بنفسها بهذا الجهل وهذه الحماقة في كل صغيرة وكبيرة من شؤون العالم، ولكانت انتبهت في نفس الوقت الى ذاتها ونظامها ومجتمعها وديمقراطيتها وسمعتها ومثاليتها وقدوتها بشكل أعمق وأفضل وأشمل.

تذكروا بأن الثراء المعنوي هو الذي يصنع الأنسان السوي ويبني انسانيته ويعطي معنى وقيمة حقيقية لوجوده.  اما اذا كان القصد بناء انسان غير سوي، فما علينا الا رفع شأن الأنا اللعينة على ما سواها، فهكذا تنكشف عوراتنا واحدة بعد أخرى وبأسرع مما نتصور، وحاضرنا المحزن أكبر دليل حي على ذلك.  ولذلك وجب الأرتداد.  يعني قلب موازين أهتمام الأنسان لصالح الجانب المعنوي للأشياء أكثر من أهتمامه بالجانب المادي، ليس دعما للأول على حساب الثاني كما قد يتصور البعض، وانما حبا بحماية ذات الجانب المادي من الأنزلاق.  فأهمية الجانب المعنوي هنا تكمن بأنه يعمل كسند وقائي لمنع الأنحراف المادي.  بمعنى آخر، يعمل كلقاح ضد الأصابة بالمرض.  شكرا.

 

 

                                      سالم عتيق/كاليفورنيا

                                      23 كانون الثاني 2008