المحرر موضوع: كاركترات..الحلقة: (( 1 ))الخال عوده..  (زيارة 1459 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رحيم العراقي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 372
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 الحلقة الأولى : الخال عوده..

في أواسط الستينات من القرن الماضي وعندما بدأت اراضي مدينة الثورة التي وزعها الزعيم عبد الكريم قاسم على سكنة صرائف الشاكرية والجديّدة  والعاصمة ممن هجروا أراضيهم الزراعية في جنوب العراق وسكنوا تلك المناطق العشوائية _عندما بدأت تبنى بالطابوق بدل الصرائف وغرف الطين بدأ الصبي عوده عمله في بيع صور المشاهير من الفنانين المطبوعة بألوان متنافرة على الورق المقوى _ الكارتون _ بواقع   30 صورة مرقمة في _الطبقة الواحدة_..وإزدحمت ذاكرة عودة المضطربة بأسماء : جيمس ستيوارت وألن لاد وستيف ريفز وإسماعيل ياسين وفريد شوقي والنابلسي والأطرش وعبد الحليم وإسمهان و..غيرهم. لهذا كان يصرف كل ما كان يكسبه على متابعة الأفلام السينمائية في سينما الفردوس والنصر و ميامي وغرناطة والوطني وركس وغيرها..الى أن أُفتتحت مقهى أبي عبدالله في قطاع 32 في الثورة فأصبح من روادها الصـغار الذين يدفـعـون خمسة فلوس لقاء الجلوس دون شرب الشاي أو الحامـض..ثم سرعان ما إنتقـل الى مقهى عبد الزهـرة هـرباً من أنصـار فـريد الأطــرش الذين إتهمـوا أم كـلثوم بإغـتيال إسـمهان وأطلقوا على مطربه الأثير عبد الحـليم لقب _المريض أبو الصوندات_ بعد أن إتهموه بعلاقة شائنة مع عبد الوهاب وكان يتمتم:(( ناقص يقولون هو اللي قتل عبدالكريم والمهداوي وسلام عادل..))
                  كان عوده الذي ترك دراسته الإبتدائية في مدرسة إبن جبير قرب مرآب النهضة مثار إزعاج شديد لـرواد المقهى وقلق لصاحب المقهى فهو لا يتوقف عن الحـديث وسرد أحداث الفيلم قبل ظهورها    و بصيغة أقرب الى الهذيان :
             _ فريد شوقي راح يكتشف جريمة محمود المليجي ويضربه ست بوكسات وأربع كلات و خمس
راجديات وكفختين ويسلمه للبوليس ويبوس هدى سلطان وتطلع النهاية والسلام الجمهوري..فريد شوقي ورشـدي أباظه وأحمد رمـزي على راسـي ياخـذون حـقهم بأيدهم ..شكـري سـرحان مثقف يضحي دائماً  يمكن شيوعي يافحل..عماد حمدي جبان ولا زغراً بيك ما يحب يتعارك،يروح يشتكي للشرطة ،دايماً يلبس برنص لّماعي وأمه إسمها تيزه لو طنط ..هذا الشايب الشايل مبخره يومياً يبخر كل الأفلام  ،الفلم المابي همبكه_توفيق الدقن_مابي مؤامرات، شاديه و كمال الشناوي راح يتباوسون بعد ربع ساعه بالأسانسير ، شكري سرحان ومحسن سرحان مو أخوان ،الله يرحم إستيفان روستي ..
            وتتعالى صيحات الإستنكار والتهديد والوعيد من بقية رواد المقهى مطالبين عودة بالصمت المطبق  وعادة ما تنتهي بمشاجرة لاتتوقـف إلا بتدخل عبد الزهـرة أو إطفاء التلفزيون مؤقـتاً ..ولكن الحالة تتكرر في  مساء كل يوم خميس حيث تُعرض الأفلام العربية وظهيرة كل جمعة اثناء عرض فيلم الأسبوع العربي،و مع
عرض مسلسلات : الضحية والرحيل وبنت الحتة وسعدية وكابتن كريف ووليم تيل ..
             كان إسماعيل ياسين هو النجم المُفضل للصبي عوده وكان يقهقه بصوته المجلجل قبل أن ينطق (سُمعه) كما يسميه بكلمة واحدة بل ويردد العبارات معه لأنه يحفظها عن ظهر قلب ..وقد تأثر عوده بفيلم (إسماعيل ياسين في الجيش) الى حدٍ جعله يتطوع في الجيش ظناً منه أن الحياة العسكرية ملأى بالمرح
والفرح والمفارقات المضحكة ..
              قضى عوده بعد ذلك عشرين عاماً مُتنقلاً بين جبال كردستان يحارب العصاة البارتيين البرزانيين هناك ومعسكرات الزبير وعشرات غيرها ، وكان يقضي إجازاته المتباعدة والمُقتضبة في غرفته الضيقة دون
أن ياتي الى المقهى متذرعاً بعدم إعجابه بالممثلين الجدد:محمود ياسين ونورالشريف وعادل إمام وحسين
فهمي.وأصبح عودة لايضحك إلا نادراً..وفي عامه الأخير في الجيش عام 1984 في منطقة الفاو أُصيب بعدة رصاصات في ساقه ويده اليمنى التي بُترت فيمابعد وأطارت قذيفة إيرانية جزءً لايتجزء من فكيه فأُحيل على
التقاعد ..
        شاهدته  في أواخر عام 1990  وقد إقتعد رصيف شارع سوق مريدي أمام بسطته عارضاً بضاعته من صور ممثلين   لا يعرف أسمائهم ..وسألته عن الصحة والأحوال.. فأجاب :
          _ حالي مثل حال عبد الوارث عسر بمسلسل بنت الحته ..فقر وتعب ومرض ومهانه ..ليت محمود
المليجي يعود الى الحياة ويخنقني ليلاً دون أن أشعر وأخلص..


                                                                                                                رحيم العراقي
                                                                                                         مجلة (عيون الفن) العراقية