بئس هذه الحرية ، نِعم هذا الزعاف!
إبراهيم الخياط بتهكم مفتعل ، ابتدأ الأستاذ سماح إدريس افتتاحيته المعنونة " نقد الوعي النقدي: كردستان ـ العراق نموذجاً" لعدد الآداب أيار ـ حزيران 2007 ،وهو ينال من ادونيس وشاكر النابلسي وبول شاول وعلي حرب ، ثم بعد ديباجة مؤستذة تقترب من التدبيج ! ، يسأل :
ـ ما مصداقية نقاد صدام حسين ومقابره الجماعية ( وهي مريعة مثله ) حين يمتدحون الطالباني والبارزاني ؟
والسؤال يوجهه الأستاذ سماح إدريس للمثقفين ـ حسب نعته ـ المعتدلين والواقعيين ؛ الذين أثقلهم الكسل ، على قوله أيضا ، فما عادوا ينبرون لـ "تقصي أوهام الديمقراطية ( العراقية ) الجديدة ، وإزالة هالة الأسطورة عنها ، بعد ان حبّروا مئات الأوراق في شتم عراق صدام ".
وعلى سواد صفحتين لا يملّ الأستاذ سماح ادريس من روح السخرية والانتقاص والادعاء ، ولا نعيب عليه الأسلوب ، بل زمان الأسلوب ومكانه ، ولا شك أن التحامل جلّي في مّر كلامه بما يدلّ على مرارة الحلق ، ولا غرابة ، لأن الغريب العجيب أن لا ينتحب البعض بعد فضيحة " سيدهم " في الحفرة ثم إعدامه بقرار محكمة أشبعته عدالة ، ولطالما حرّم معارضيه منها .
ثم نرى في سؤاله المثير للتشكيك بجريمة المقابر الجماعية ، إيحاءً بأن الرئيس جلال طالباني هو نسخة أخرى لصدام حسين ( وهذه مفارقة تضحك كل عراقي ) ، وان هنالك من يمتدحه ويطبل له (وهذه مضحوكة أخرى ) .
أما عن دعوته أهل الاعتدال إلى التقصي عن الوهم الديمقراطي في العراق ، فأسأله : من قال لك بأن ثمن الحرية ليس باهظاً ، ثم من قال بان الواقع العراقي هو ديمقراطي ،، فإننا يا سيدي ، وببساطة بعد أن تخلصنا من ( الدولة ) الفاشية ، نحاول اليوم أن نرسي أسس دولة جديدة ، أي نحن لم نزل في مرحلة ماقبل بناء الدولة ، ثم لماذا تستخف بما نبني وتحسب أن هالة من الأسطورة قد أضفينا على عهد الخلاص من الطاغية ، وحتى تعرف أو تتعرف على وضعنا جيداً ، أنبيك أن الخلاص من الطاغية هو عمل أسطوري بحد ذاته ، ناهيك عن إصرارنا على رسم دوائر بيض في الوحل الذي نحن وسطه قاطنون .
وبعد استخفافك تدعو من تدعو إلى أن يكفّر عن تحبيره ( مئات الأوراق في شتم عراق صدام )، وأرى في قولك هذا، أنك تنزه صدام من جرائمه التي ربما ليس سهوا وصفتها قبل أسطر بـالـ " مريعة " ، أو كأن ما قد جرى هو مجرد تحبير ورقي وليس نافورات دم ظلت تتدفق عياناً لأربعين ولم تزل . ثم ـ والأنكى ـ تجيّر العراق كله ليكون ضيعة لشقيّ الحارة.
ويظل الأستاذ سماح إدريس يحشو الافتتاحية بالغث كله ، ولم يخطئ سوى مرة عندما فاته أن يكتب "شمالنا الحبيب" محل "كردستان" ، على وفق قاموس النظام الراحل ،، فمرة يستكثر على أهل العراق الجديد أن صار لهم مهرجان كبير للثقافة الوطنية الديمقراطية مثل مهرجان "المدى"، ومرة يعيب ( بسبب الديمقراطية!! ) على العوائل العراقية أن لذكورها ضغوطاً متزايدة مسببة لجرائم الشرف ( نقطة نظام : أظن هذا مدعاة إصدار ميثاق الشرف فيما بعد )، ومرة يظن بأن الشيوعيين وحدهم أهل الديمقراطية العراقية الجديدة ، وأخرى يعلن عن اكتشاف ببغاءات سوفياتية على ظهور الدبابات الأمريكية ، ومرة ومرة وأخرى ويظل يحشو ويحشو ، حتى يقول:
ـ بئس هذه الحرية ِ ،،،
وهذه الكلمات الثلاث هي ملخص ما دبجه الأستاذ سماح إدريس في ثماني صفحات كاملات ، وكأن لسان حاله يقول:
لماذا لم تدافعوا عن صدام ، لماذا تركتموه وحيداً محصورا ، لماذا عاقبتموه بالتخلي عنه والتفرج عليه ذليلاً في مهربه ومحبسه ومقبره ، لماذا تشعرون وتمثلون وتغنون في مهرجان المدى ومع مديره فخري كريم ، هذا الذي كشف عورة الكوبونات وجرّ البساط من تحت أوتاد المرابد المدولرة ، لماذا تنعمون بالحرية ( ولمن لا يعرف فهي بلون وطعم ورائحة الدم ) ، ولماذا تنعمون بالحب والحياة ؟.
ياه ..كل هذا الزعاف لأننا لم نقاتل دون سيدهم .