المحرر موضوع: بناء القرى واعمارها .. والحجر الذي صار رأس الزاوية  (زيارة 749 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماجد عزيزة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 759
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
بناء القرى واعمارها .. والحجر الذي صار رأس الزاوية

ماجد عزيزة /

صفوف من البيوت بألوان متجانسة تستقبلك وأنت تقترب من أية قرية من قرى مناطق زاخو ودهوك وسهل نينوى ، صلبان ونواقيس ترتفع معانقة السماء تسبح لله القدير وللذي رفعها وعمرها ، محطات لتوليد الطاقة الكهربائية يملأ صوت ضجيجها أنحاء القرية .. يد كريمة امتدت لتعيد الناس لقراها ، بعد سني القحط والعسف والإضطهاد ، يد مباركة وضعت حجرا مباركا ، هذا الحجر صار رأسا للزاوية ، لأن الذي وضعه أقوى من الحجر نفسه ..  يقول الكتاب المقدس في سفر زكريا: هوذا الحجر الذي وضعته قدام يهوشع على حجر واحد سبع أعين هأنذا ناقش نَقْشَه يقول رب الجنود وأزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد" (٣ : ٩).

 

رابي سركيس ، رجل التقيته عدة مرات في عنكاوة خلال زيارتين متباعدتين ، لم أر فيه إلا بساطة الإنسان ، وحكمته وحنكته ، رجل يعرف ما يريد أن يفعل لكن بهدوء وبدون شوشرة ، في الزيارة الأولى فهمت من خلال حديثه الأفكار التي يحملها وتصوراته عن مستقبل شعبنا السرياني الكلداني الاشوري ، وأذكر انه طلب عدم نشر أي شيء ( في ذلك الوقت) .. وفي الثانية وفي احدى غرف المونتاج بقناة عشتار وضع ورقة صغيرة على طاولة صغيرة وخط بالقلم خارطة الحكم الذاتي  ( المشروع الأمل ) لمناطقنا التاريخية .. وفي المكانين شعرت بأن هذا الرجل هو رأس الزاوية التي تبتغيها اية مؤسسة او مجموعة أو شعب ..

 

بين شهري أيلول 2006 وشباط 2007 ، سنحت لي الفرصة أن أعيش تجربة ما زلت أحسد نفسي عليها ، فخلال عملي الذي كنت أؤديه في المقر الرئيسي لقناة عشتار في تلك الفترة ، رافقت عددا من طواقم العمل التلفزيوني في القناة  والتي كانت تتجول وتصور في قرى مناطق دهوك وزاخو وأربيل .. وما من قرية اقتربت منها سيارة القناة التي تقلنا إلا وواجهتك ألوان البيوت ( الخضراء والوردية والزرقاء ...) وكأن ألوان الربيع قد انتقلت من أعشاب الأرض وزهورها إلى جدران وسقوف البيوت . قرى نائت خلال سنوات التهجير والتعسف بحمل ثقيل ، وهي اليوم تنتفض وتستنشق عبق الحياة من جديد ، قرى .. بعض منها يختلط قديمه بجديده في تناغم جميل ، والبعض الآخر لا ترى فيها إلا الجديد لأن قديمها ( ساواه السيئون بالأرض ) ومحوه عن الوجود وصار من العدم ، لكنه ومن شدة تجذره بالأرض لآلاف من السنين عاد للحياة من جديد ( بيتا وكنيسة وسوقا ودكاكينا وقاعات للمناسبات ) .

 

داخل البيوت ، يستقبلك الكرم قبل كلمات الترحيب ، وتتقاطر الدعوات والصلوات للرجل الذي امتدت يد خيره وكرمه نحو أبناء جلدته ، ولم تفرق هذه اليد بين هذه القرية أو تلك ، ولا بين هذه الملة أو تلك ، ولا بين هذه الطائفة أو تلك ، حتى الأخوة من القوميات والأديان الشقيقة الأخرى طالتها يد الخير ..

 

في الطرق الطويلة المؤدية إلى تلك القرى ، والممتدة بين السهول والمرتفعات ، تستوقفك نقاط للتفتيش ، تسال عن هوية من في السيارة وعن وجهتك ، كنت اشعر شخصيا بالأمان والطمأنينة التامة ، لأن السائل كان يتكلم لغتك الأم .. ما أجمل أن يحميك أهلك وأقربائك وعشيرتك ..وما أحلى أن تطمئن لأناس وجدوا لحمايتك .

الأحاديث طويلة ، لا تنتهي ، لأن ماكنة البناء والإعمار قد دارت ولا يمكن أن تتوقف ، ومن يريد أن يتحدث عنها فعليه أن يركض لأنها تدور بسرعة ، ولا يمكن لقلم صغير أن يلحق بها ، اما حجر الزاوية فهو حجر المعونة أي الحجر الذي يعين . فلنكن جميعا نحن أبناء الشعب الكلداني السرياني الآشوري حجر معونة لرأس الزاوية ، مبنيين كحجارة حية .