المحرر موضوع: هل بدأ ما كنا نخشاه  (زيارة 979 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل louay haddad

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 2
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل بدأ ما كنا نخشاه
« في: 01:29 09/03/2008 »
                                            هل بدأ ما كنا نخشاه




أكثر ما يقلق مسيحيو الشرق الأوسط في حادثة اختطاف مطران الموصل للكلدان الكاثوليك (فرج راحو) بعد قتل من كانوا معه ، هو أن تكون دلالة على دخولهم المرحلة الحرجة من مراحل صراعهم للبقاء في الشرق الأوسط ( أرض أجدادهم و مهد ديانتهم ) خاصةً و أن هذه الحادثة تأتي كتصعيد لنهج بدأ بعد سقوط النظام السابق في العراق و أدى إلى خطف و قتل عدداً من رجال الدين المسيحيين . كجريمة خطف و ذبح الأب اسكندر بولس و القس منذر الدير . و لكن ما يلفت الانتباه في الفترة الأخيرة هو انتقاء الخاطفين و لأول مرة لشخصية ذات مرتبة كهنوتية عالية و عدم اقتصار ظاهرة الخطف هذه على العراق الفاقد للأمن ، فقد قام مجهولون منذ عدة شهور مضت بخطف رجل دين مسيحي في تركيا و طالبوا رعيته بفدية مالية ضخمة تحت طائلة ذبح المخطوف .
تعتبر الهيبة التي لهيئة أو لجهة ما من العوامل الهامة في عالم التنافس و الصراعات حيث تعتبر خط الدفاع الأولي الذي يقوم بردع الخصم اعتماداً على الخصم نفسه . و يأخذ هذا العامل أهمية أكبر في مجال الصراع السياسي و العسكري الشيء الذي قد يدفع بدولة عظمى كالولايات المتحدة للتضحية بالألوف من شبابها لا لشيء سوى حفظ ماء الوجه الذي يعني بلغة أخرى الحفاظ على هيبتها . و في الشرق الأوسط حيث لا و جود لحكم المؤسسات الذي لا يتأثر بسقوط الأشخاص و لا يقوم على تآليه و تنزيه القائد ، تتورم فيه النزعة للرفع من عتبة الهيبة . فطبيعة العلاقات بين المكونات السياسية في المجتمعات الشرق الأوسطية  القائمة في الغالب على التباعد بين الفئة الحاكمة و المحكومة و ما يتولد عنها من احتقان  قد أدى مع زخم الموروث العنفي في نهاية المطاف إلى تكريس حالة  من التربص مبنية على مبدأ (اضرب دون تردد لو أتتك فرصة). من هنا تحولت الهيبة في الشرق الأوسط من أداة مكملة للقوة إلى قوة ، و من وسيلة إلى غاية بحد ذاتها ، و من خط دفاع بدئي إلى خط أساسي و حيوي ، و من هيبة هادئة تبنى ببطئ قوامها الشعور بالأحترام إلى هيبة خشنة تعتمد على قوة البطش و قوامها الشعور بالخوف .                                                    بأقترانها بالخوف تكون الهيبة قد أخذت مكاناً متقدماً و حظوة في الشرق الأوسط و أصبحت مقدسة ، فالمساس بها يعتبر محاولة مرفوضة جملة و تفصيلاً للتمرد على الخوف الذي يشكل و للأسف عامل وحدة و انضباط  في شرقنا .
كمثالاً على ما سبق فلنأخذ ردة فعل قيادة حزب الله اللبناني عندما  تعرّض البرنامج التلفزيوني الكوميدي (بس..مات وطن) في احدى حلقاته إلى حسن نصر الله (أمينه العام ) و لنحللها : فقد أطلق الحزب العنان للمئات من أتباعه و مناصريه ليحطموا و يهشموا كل ما صادفوه في طريقهم ، و لم تهدأ العاصفة ألا بعد أن قدم شربل خليل مخرج البرنامج اعتذاره و توبته علناً  حيث لم تشفع له شعبية برنامجه المبنية على نقد السياسة اللبنانية و رجالها بقالب كوميدي طريف و دون استثناء .
الواقع أن نصر الله يتعرض بشكل يومي و علني للنقد اللاذع من قبل خصومه السياسيين و في وسائل الأعلام المختلفة التابعة لهم مما ينفي الشك بأن الحزب لا يتقبل أي نقد يوجه له ، و مع استبعاد ما ادعاه الحزب بأن شبانه قد غضبوا و ثاروا بشكل تلقائي حميةً للسيد حسن ، يتبين لنا دافع قيادة حزب الله المعروفة بدهائها و رصانتها وهو وأد أي محاولة للنيل من هيبتها في المهد ، فنقد الخصوم و اتهاماتهم و تخوينهم له تندرج كلها تحت بند اللغو الصادر عن فئة ضعيفة و عقيمة لا حول لها سوى الكلام مما يعني من جهة  أخرى تعزيز لهيبة و رمزية السيد حسن و اعلان عن قوة و سطوة حزبه . أما تناول شخص الأمين العام بشكل كاريكاتوري فهذا معناه فتح ثغرة في حاجز رمزي  قد يتدفق منها ما لا يحمد عقباه .
أخذوا المسيحيون في الشرق الأوسط في معظم محطاتهم درب الهيبة الهادئة ، و التي بنوها من التركيز على أعمالهم و أحوالهم بشكل كامل و اداء كل واجباتهم بأمانة لأوطانهم ، و نأوا بأنفسهم عن النزاع على السلطة و عن الصراعات السياسية التي لم لا و لن تنتهي في المنطقة متجنبين قدر الأمكان تداعياتها و دمويتها ، و في الحالات التي كانت تحتم عليهم المواجهة اختاروا فيها على الغالب خيار الرحيل فكانت الهجرة .
 ربطوا المسيحيون معظم هيبتهم بهيبة الكنيسة التي أسست لهذا النمط من العلاقات مع الآخرين ، من اصرار جميع رجال الدين المسيحيين و على الدوام و بكل مناسبة على أهمية العيش المشترك و الاحترام المتبادل بين جميع أبناء الوطن الواحد ، و فضلوا خيار الاعتماد على السلطة فيما يتعلق بحماية رعيتهم مخاطرين بالأعتماد فقط على هيبتهم الهادئة فيما لو ضعفت هذه السلطة أو جنحت نحو التطرف .
و رغم الضربات المتلاحقة التي نالت من هيبتهم إلا أن المسيحيين قد منّوا النفس بأن الأمر لم يصل بعد للمرحلة الحرجة التي تعني أنه لم يعد هناك من رادع أخلاقي يحول بينهم و بين استباح الأخرين لهم و أن هيبتهم الهادئة لا مكان لها في الشرق الخشن ...
د. لؤي حداد      من هولاندا