المحرر موضوع: اديرة عبر التاريخ ( دير أشموني )  (زيارة 1903 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ashor_albazi

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 55
    • مشاهدة الملف الشخصي

دير أشموني

الراهب اشور ياقو البازي

المقدمة
 
ان أشموني التي على اسمها شيد هذا الدير، نجد أخبارها في كثير من المظان، أقدمها وأجلها شاناً وقدراً هو الكتاب المقدس العهد القديم (سفر المكابيين)، حيث تقرأ قصة استشهادها مع بنيها السبعة، دون أن يذكر الكتاب المقدس اسمها، وكذلك في أعمال الشهداء والقديسين وهو بالسريانية، وفي كتاب تاريخ مختصر الدول لابن العبري، وفي أبطال الايمان لشيخو اليسوعي، وفي غيرها من المراجع الشرقية والغربية التي لا يتسع المقام لذكرها. ويستخلص من جميعها، ان أشموني كانت والدة الفتية المكابيين السبعة التي قُتلت مع أبنائها وأليعازر الشيخ  في عهد الملك انطيوخس الرابع الملقب ابيفانس (175- 164 ق. م)، وهو اخو سلوقس الرابع في سلسلة الحكام والملوك السلوقيين الذين خلفوا الاسكندر الكبير، وتقاسموا السيطرة على مناطق الشرق الاوسط. سار انطيوخس على درب اسلافه في فرض التيار الهلينستي الوثني على اليهود. حيث امات اولادها امامها بعد تجرعهم صنوف العذاب، وقد الزمهم ان يجحدوا دينهم الموسوي، فأبوا. فأحضرهم بين يديه وأمر بقطع لسان الاول، واطراف جميع أعضائه، وسلخ جلدة رأس الثاني، وكذلك امات الباقين وبعدهم امهم بانواع العذاب، ودفنوا في اورشليم.(ثم بعد مجيء المخلص يسوع نقل مؤمنو المسيحيين اجسامهم إلى مدينة انطاكيا وبنوا عليهم كنيسة) .
وقد اشار ابو نؤاس إلى مقتل أشموني واولادها السبعة في قصيدة أوردها الشابشتي في (دير فيق)  بفلسطين، فقال:
باشموني وسبع قدمتهم    وما حادوا جميعاً عن طريق
لقد انتشر ذكر أشموني في بلاد المشرق ولا سيما في بلاد ما بين النهرين، فكرس المسيحيون استشهادها، وبالغوا في اكرامها، وعظموا ايمانها، ثم اقاموا كنائس ومزارات عديدة باسمها.

دير أشموني

يقع هذا الدير في قُطرَبُّل  في الموضع المعروف اليوم بالتاجي. بنى المسيحيون دير أشموني المعروف بحدائقه الغناء، ومزارعه الكثيرة، وساحاته العامرة. كان من متنـزهات بغداد. ذكره غير واحد من البلدانيين . وكان عيده على عهد الشابشتي  في اليوم الثالث من تشرين الأول، ومعروف ان المناخ في بغداد هو أجمل ما يكون في أيام تشرين الأول. ولذا تكون مناسبة عيد هذا الدير من الايام العظيمة ببغداد. يجتمع أهلها إليه كاجتماعهم إلى بعض أعيادهم، ولا يبقى أحد من أهل التطرب، واللعب إلا خرج إليه، فمنهم في الطيارات ، ومنهم في الزبازب ، والسميريّات ، كل انسان بحسب قُدرته، ويتنافسون فيما يظهرونه هنالك من زيّهم، ويباهون بما يعدونه لقصفهم، ويعمرون شطه، وأكنافه، وديره وحاناته، ويضرب لذوي البسطة منهم الخيم والفساطيط ، وتعزف عليهم القيان، فيظل كل انسان منهم مشغولاً بأمره، ومكباً على لهوه، فهو أعجب منظر وأطيب مشهد وأحسنه.
لقد كان دير أشموني كسائر الاديرة القريبة من بغداد يقصده المسيحيون وغيرهم، ولاسيما يوم عيده فينـزلون اكنافه وساحاته، وإذا ضاق بهم عدلوا إلى دير مر  جرجيس ، وقد وصف الشعراء دير أشموني وأثنى المؤرخون على مناظره واطروا على مزارعه.
قال جحظة البرمكي : خرجت في عيد من أعياد أشموني إلى قطربل، فلما وصلت إلى الشط، مددت عيني لأنظر موضعاً خالياً أصعد إليه، أو قوماً ظرافاً انزل عليهم، فرأيت فتيين  من أحسن الناس وجوهاً، وأنظفهم لباساً وأطرفهم آلة! فقدمت سميرتي نحوهما، وقلت أتأذون في الصعود إليكم؟ فقالوا: بالرحب والسعة، فصعدت وقلت: يا غلام، طنبوري ونبيذي، فقالا: أما الطنبور فنعم، وأما النبيذ فلا. فجلست مع أحسن الناس أخلاقاً وأملحهم عشرة، وأخذنا في أمرنا، ثم تناولت الطنبور، وغنيت بشعر لي :
سقياً لأشموني ولذاتها     والـعيش فيما بين جناتها
سقياً لأيام مضـت لي      بها مابين شطيها وحاناتها
إذ اصطباحي  في بساتينها  وإذ غبوقي  في دياراتها
فنعر القوم، وشربوا بالارطال وشربت، وطاب لنا الوقت إلى آخر النهار.
قال محمد بن المؤمل الطائي : كنت مع ابي العتاهية في سميرية، ونحن سائرون إلى دير أشموني، فسمع غناء من بعض تلك النواحي، فاستحسنه وطرب له. فقال: قم بنا نرقص. قلت: نحن في سميرية، وأخاف أن نغرق! قال: وإن غرقنا نكون ماذا؟ أليس نكون شهداء الطرب؟ وقال أيضاً الشاعر الثرواني  هذه
الأبيات في دير أشموني:

اشرب على قرع النواقيس  في دير أشموني بتغليس
لا تخفِ كأس الشرب،   والليل في حدِّ نعيم لا ولا بوس
إلا على قرع النواقيس    أو صوت قسّان وتشميس
فانما الشيء باسبابه      ومحكم الوصف بتأسيس
فهكذا فاشرب، وإلا فكن  مجاوراً بعض النواويس
كتب يحيى بن كامل إلى عبد الملك بن محمد الهاشمي في يوم  أشموني:
اليوم أشموني أبا الفضل   وهو عجيب طيب الظلِّ
وأنت لليوم صريع فما     يصنع يحيى يا أبا الفضل
فوجه إليه بما ركبه، وعرف الجماش الخبر، فكتب إليه:
قُولا لعبد الملك الماهر     ولابن عم المصطفى الطاهر
أما ترى اليوم، وأحوالهُ    تدعو إلى حثّك بالدائر
عيدٌ وغيم زار في يومنا،   فقم بحقِّ العيد والزائر
واليوم أشموني، فبادر بنا  نحثُّها في يومها الزاهر
حبست يحيى ثم أعقلتني   أحلتَ عن جماشك الشاعر
وجه إليه واحضره. ومرَّ لهم يوم طيب.ولأبي الشيل البرجمي ، فيه:
شهدتُ مواطنَ اللذات طرا      وجبت بقاعها بحراً وبرَّا
فلم أر مثل أشموني محلا      ألذَّ لحاضريه ولا أسرَّا
به جيشان من خيل وسُفن     أناخا في ذراهُ واستقرا
كانهما زحوفُ  وغى ولكن   إلى اللذات ما كرَّا وفرا
سلاحمها القواقز  والقناني  وأكواسٌ تدور هلمَّ جرا
وضربهما المثالث والمثاني     إذا ما الضربُ في الحرب استحرا
وأسرهما ظباءُ الدَّير طوعاً     إذا أسد الحروب أسرن قسرا
لقد جرّت لنا الهيجاء خيراً     إذا ما جرت الهيجاءُ شرا
لا نعلم متى كانت نهاية هذا الدير، والارجح ان فيضانات نهر دجلة المتكررة اتت عليه فخربته، لانه كما قالت المصادر كان قريباً من النهر. ويفهم من وصف ياقوت الحموي انه لم يكن قائماً على عهده، إذ يقول: (وكان من اجل متنزهات بغداد)، فقوله " كان " يشير إلى شيء قد اندثر. أما بعد الحصار المغولي فلم يبق منه أثر.

الكنائس والديارات باسم أشموني:

ما زال ذكر أشموني شائعاً بين أبناء كنائس المشرق، ولا سيما بين السريان المشارقة والمغاربة، ففي العراق وغيره من الاقطار الشرقية، جملة كنائس عرفت باسم القديسة أشموني الشهيدة، إحداها في قره قوش ، وهذه الكنيسة القديمة ما زالت قائمة وعامرة، يؤمها الناس، ويتواردون إليها في كل سنة في يوم عيدها من مختلف الجهات. وفي قرية بَرطلّي  كنيسة أخرى باسم أشموني، وهي عامرة. وفي باعشيقا  كنيسة ثالثة مسماة باسمها أيضاً، وهي عامرة يصلي بها يومياً. وهناك كنيسة على اسم هذه القديسة في قرية ارادن الواقعة في وادي صبنا، وهناك ثلاث كنائس تابعة لكنيسة المشرق الاثورية على اسم هذه القديسة، إحداها في قرية دهي، والأخرى في قرية كوركفانا قرب زاويته والثالثة في قضاء تلكيف، وأيضاً بنيت كنيسة جديدة بأسم القديسة أشموني وأولادها السبعة في بغداد بمنطقة الدورة، وهذه الكنيسة تابعة للبطريركية الشرقية القديمة. فهناك كثير من الكنائس وعشرات المزارات على اسم هذه القديسة في شمال العراق، ووسطه وجنوبه. وهنالك في غير العراق ديارات وكنائس باسم أشموني، نذكر ما أُتيح لنا الوقوف على خبره في المراجع التي بيدنا: فعند سور ماردين في جنوبها، دير مرت أشموني المكابية ، وقد كان في الاسكندرية بمصر، كنيسة للنساطرة على اسم القديسة مرت أشموني وأولادها السبعة ومعلمهم الكاهن أليعازر . وكان في مدينة بدليس ، كنيسة أخرى للنساطرة باسم هذه القديسة . وفي مدينة رأس العين، كنيسة اخرى للنساطرة أيضاً، عرفت بهذا الاسم ، وفي مدينة انطاكيا، كنيسة كانت تعرف باسم أشموني . وفي مدينة مذيات كنيسة صغيرة تعرف ببيعة الشهيدة أشموني . وفي بلدة (شدرا) في لبنان، بيعة على اسم الشهيدة (مرت أشموني وأولادها السبعة) .

عيد أشموني

قد تضاربت الاراء في عيد القديسة أشموني، فقد قال الشابشتي وياقوت الحموي يقع عيد أشموني في اليوم الثالث من تشرين الأول من كل سنة. غير ان داود الأنطاكي قال ان عيدها في العاشر من نيسان ، وفي كلندار السنة لأبرشية الموصل السريانية للبطريرك بهنام بُني ، ومثله ما في كلندار ربن صليبا ، نجد يوم عيدها يقع في الخامس عشر من تشرين الأول، وهو اليوم الذي استشهدت فيه أشموني مع بنيها السبعة، وهذا يتفق وما ذكره أبو الريحان البيروني. أما ادي شير في كتابه شهداء المشرق يقول: ان عيد أشموني يقع في اليوم الأول من شهر آب، وذلك نقلاً عن كلندار قديم محفوظ في خزانة دير مار يعقوب الحبيس بجانب سعرت، وعن كلندار آخر في خزانة كتب الدار البطريركية الكلدانية في الموصل، وهذا يوافق ما قرره مجمع الشرفة سنة 1888م. أما في وقتنا هذا، فيحتفل بعيد أشموني في قره قوش وبرطلي اللتين ألمحنا إليهما، في يوم 15 تشرين الأول من كل سنة، وفقاً للتقويم الشرقي القديم.
أما كنيسة المشرق (الكلدو - اثورية) فانها تحتفل بعيد القديسة أشموني واولادها في الثلاثاء الأول من شهر ايار من كل عام.