المحرر موضوع: من يقاضيك وأنت الخصم والحكم ؟  (زيارة 1882 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Rashad alshalah

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 137
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من يقاضيك وأنت الخصم والحكم ؟

رشاد الشلاه

يكابد العراقيون اليوم، في وضع لبنات تجربتهم الديمقراطية الأولى، ممارسة وإيمانا، مخضبة بدمائهم. ولا يدفعهم تفاؤل ساذج بأن هذا البلسم السحري الذي نتغنى به جذلا؛ بلسم الديمقراطية، سيحٌول  في ليلة وضحاها، هلعهم الأمني إلى قرة عين، وضنكهم المعاشي إلى مَنٍ وسلوى. ولكنها الخطوة الأولى التي لابد منها في مسيرة التحرر و الديمقراطية، ودرء تداعيات محنتهم الكارثية بحق.                                   
الفساد الإداري والاقتصادي هو بعض تجليات هذه المحنة؛ فساد أنبت شجرته، النظام الشمولي الدكتاتوري السابق؛ نظام القائد الضرورة و أمير المؤمنين والبطل القومي، نظام القمع والحروب وشراء الذمم والإساءة إلى كل ما هو خير وفاضل في نفسية المواطن العراقي. شجرة الفساد هذه سقتها وشذبتها وقطفت ثمارها  فور وبعد السقوط ، قوات الاحتلال وحيتان أثرياء الحرب من العراقيين وغير العراقيين. كما أن الخراب الأخلاقي أضحى مظهرا آخر من مظاهر محنة شعبنا المأساوية، خراب عشش في نفوس أعداد هائلة من المسئولين و الرعية، و وجد فيه ممارسو الفساد الإداري والاقتصادي خير بيئة مناسبة لهم ولإجرامهم. و كان هدية من السماء لحملة العقائد و السيوف الصدئة، وعصابات المخدرات و الجريمة المنظمة و شذاذ الآفاق من الشيشان والأفغان، أصلا وانتسابا.                                                     
لقد طفح الكيل مرات ومرات، وعلا صراخ المواطن العراقي وهو يستباح في دمه و لقمة عيشه الشحيحة، و في دواء مريضه المعروض على الأرصفة. تصريحات المسؤولين العراقيين  تتوالى واعدة بتحقيق النزاهة، وربما اتخذوا بعض الإجراءات "لاقتلاع" شجرة الفساد الإداري والاقتصادي على حد تعبيرهم، وهذا التوجه، أي توجه محاربة الفساد الإداري والاقتصادي، بحاجة إلى المباركة والإسناد، ولا يتمنى أي مخلص لوطنه أن تثبط عزائم هؤلاء المسئولين في تصديهم لهذه الآفة. ولا ينبغي للحجة القائلة إن الفساد موجود في كل الأنظمة وفي جميع العصور والعراق ليس إستثناء، لان الفساد المستشري في مفاصل الدولة العراقية بلغ مديات قياسية بامتياز.                                                                               
ولكن كيف للحكومة أن "تقتلع" شجرة الفساد وما هي أدواتها و مستلزمات نجاحها؟.                           
  إن واحدة من أهم مقومات اقتلاع، أو قل محاربة الفساد الإداري والاقتصادي، وهي الممكن أي المحاربة، هي الكف عن ممارسة الفساد السياسي، ثم محاربته واعتباره من المحرمات. لان الفساد السياسي و في ظل إنعدام دولة القانون، هو الحاضنة والمنبع الأساس لأنواع الفساد الأخرى، ولن تجدي نفعا إجراءات قلع للفساد الإداري والاقتصادي هنا أوهناك والفساد السياسي أضحى ممارسة  يشهدها المواطن العراقي يوميا عبر سياسة المحاصصة التي تفرعت من المناصب الرسمية العليا لتمتد إلى الوزارات ومن ثم إلى بقية الدوائر والمؤسسات التابعة لها، والحظوة في الغنائم الحرام بسبب استغلال المنصب الوظيفي الذي هو في الاساس إمتياز سياسي، ستكون لمن يدعي الانتساب لذاك الحزب أو تلك من التشكيلات السياسية الفائزة و واجهاتها المعلنة والمخفية، وهي بالتالي عصية على المحاسبة ما دامت هي الخصم والحكم.                                                                                                         
 أن الشفافية سلاح هام لكشف سارقي أموال الشعب في الخفاء والعلن، وتقديمهم للعدالة، لذا فأن وسائل إعلامنا الحرة وعلى اختلاف أشكالها مدعوة للمساهمة في فضح أوجه الفساد السياسي والإداري والاقتصادي أيا كان سدنته، بفعالية و مواصلة، عبر نشر كل ما  أمكن من الحقائق الموثقة للجماهير العراقية، و وضعها أمام أعضاء الجمعية الوطنية للقيام بواجباتهم في مراقبة ومحاسبة المسؤولين، رغم معرفة أن المحاصصة السياسية تكبل الكثير منهم.                                                                     
 ويظل دور المواطن العراقي نفسه في عملية المراقبة والمحاسبة هاما وحاسما، هذا المواطن الذي غدا لا يحسد على شيء ، لكنه يصبر و يصابر على أمل غد أفضل مهما اشتد سواد ليلهِ حلكة، ولن يثنيه قول الشاعر " متى يبلغ البنيان يوما تمامه   إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم". لان إرادة البناء لدى أبناء شعبنا أقوى من إرادة الهدم، خصوصا بعد كل معاناتهم في فترة حكم النظام السابق الاسود وما آلت إليه من مصائب. 
rashadalshalah@yahoo.se