النواطير في قره قوش
قديماً
نمرود قاشا
E: namroud-kasha@yahoo.com
• الوضع الأمني في قره قوش في الخمسينات:-
في الخمسينات وخلال فترة الاحتلال الإنكليزي للعراق كان الوضع الأمني في
(قره قوش) لا يختلف عن بقية مدن العراق حيث لم يكن باستطاعة القائمين على السلطة (آنذاك) من فرض الأمن والاستقرار في المنطقة، فبمجرد غياب الشمس يعني على (القره قوشي) أن يدخل داره مجبراً ويتأكد من غلق الباب بشكل جيد وينام قلقاً في حالة عدم وجود لديه (حلال) أو متمنطقاً بالإنكليزية أو الخنجر إذا كان لديه غنم أو بقر بعد إن لا يجد طعماً للنوم إلا في ساعات الصباح الأولى حيث أن شوارع المدينة تكون مرتعاً للصوص القادمين من القرية وخارجها وبعضهم يكون قد قضى ساعات من النهار فيها ضيفاً (معززاً مكرماً) في عدد من بيوتها ليغادرها بعد (التعليلة) الأولى ليمارس واجبه الذي جاء من اجله وعندما لا يجد (فريسته) قد يلجأ إلى الدار الذي كان ضيفاً عليه ليأخذ المقسوم وينسحب بهدوء فمخفر الشرطة الموجود في قره قوش لم يستطع أن يحمي غير مقره وشرطته الذي لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة، هذا إذا لم يكن لهؤلاء الشرطة دور في تسهيل مهمة اللصوص أو معرفة بهم في بعض الحالات انطلاقاً من مقولة (حاميها حراميها).
معاون هذا المخفر العريف (حسن سليمان) كان هو الأمر والناهي والحاكم وتعليماته يجب إن تنفذ بدقة فهو الذي يعمل تحت علم حكومة (جلالة الملك).
• النواطير ... لماذا؟
قلنا فيما ورد بان (الحكومة) لم تكن باستطاعتها فرض سيطرتها على أزقة
بخديدا القليلة التي كانت محصورة بين كنيستي مار يوحنا ومار زينا شمالاً وجنوباً وكنيسة الطاهرة ومار كوركيس شرقاً وغرباً وكانت "قنطرة بيت اينا" هي مركز بخد يدا وقد تتكون هذه القنطرة التي كانت علامـة وعنـواناً لقره قوش وقـد انتشلتها يد الزمن قبل فترة قصيرة، أقول قد تكون هذه القنطرة مركزاً لالتقاء الحراس والحرامية في وقت واحد.
حوادث كثيرة مرت بقره قوش جعلت من أهلها يفكرون بإعادة نظام الحراسة بالاعتماد على أهلها معيدين بذلك نظام حراس "التومان" الذي وضعه المختار "متي قاشا عام 1910 معتمداً على بعض الشباب الشجعان أمثال: ججي زاكي، بطرس علي دز، وعبو وكرومي شيتو" والذي استمر العمل به بحدود عشرة سنوات قبل أن يلغى.
كثيرة هي الحوادث التي حصلت في قره قوش جعلت من أهل قره قوش أن يفكروا بإعادة نظام الحراسات وخاصة حادث مقتل بطرس علي دز وداؤد القصاب من قبل عصابة من اللصوص ليلة 13/ 10/ 1945. إضافة إلى السرقات العديدة التي حصلت خلال هذه الفترة وعليه تم اختيار عشرة أشخاص من الشجعان الذين لا يعرف الخوف طريقاً لقلوبهم إضافة إلى إيمانهم المطلق لخدمة مدينتهم (بخد يدا).
• مجيد بنوش عناي... نموذجاً
خمس وسبعون عاماً مثقلة بالهموم، هموماً من نوع خاص منذ زمن (السفر برلك) حيث الاحتلال العثماني وبساطيل جنده الثقيلة وهي تتخطى في أزقة بخد يدا الضيقة، ثم تلاه الاحتلال الإنكليزي ورغم تأسيس الحكومة الوطنية إلا أن الحكم كان بالنيابة وقد صدق الشاعر معروف الرصافي حين وصف تلك الفترة ببيت من الشعر يقول فيه :-
علــــمٌ ودستــــورٌ ومجلــــسُ امــــةِ كلّ عـن المعنــى الصحيــحِ محـــــرفُ
نعم ... خمس وسبعون عاماً حملها هذا الختيار (الشاب) الذي اختير كواحد من عشرة رجالٍ شجعان تتطوعوا لحماية مدينتهم من عصابات اللصوص الذين لم يكتفوا بسرقة الدور فقط وإنما الكنائس أيضا كما حصل في سرقة معبد أخوية الوردية وكنيسة مار كوركيس عامي 1943- 1944 حيث سرقوا آنية فضية وأثاث ثمينة قدرت (في حينها) بمائتي دينار.
اقترحت على زميلي (وعدالله ايليا) القيام بزيارته للتعرف عن قرب على تجربة الحراسات في بخد يدا في تلك الفترة.
رحب بنا بقامته المديدة والتي لم يستطيع الزمن التأثير عليها، لا زال يتذكر العديد من التفاصيل والمفارقات والإرهاصات التي حدثت له ولجماعته أثناء عمله في الحراسات.
رحب بنا بحرارة بعد معرفته الغاية التي قدمنا من اجلها وأعلن استعداده للإجابة على أسئلتنا..
- العم (أبو أمير) نشكر لكم أولا حسن الضيافة، ولكننا نسال عن الوضع الأمني في بخد يدا خلال فترة الخمسينات.
- (وضع يده على ذقنه في محاولة منه لتجميع ذكريات الأيام الصعبة، وبعد فترة قصيرة تحدث عن تلك الفترة قائلاً):
الحقيقة ... يا ابني إن الوضع في تلك الفترة كان صعباً حيث عصابات اللصوص الذين يأتون إلى المنطقة من القرى المجاورة، وان وضع مركز الشرطة لم يكن يساعد لحماية المنطقة وعليه تم تشكيل هذه الحراسات.
- عمي مجيد، هل بالامكان معرفة بعض المعلومات المتعلقة ببطاقتك الشخصية.
-
- أنا من مواليد (1930)، التحقت إلى الخدمة العسكرية عام (1948) وتسرحت في بداية الخمسينات حيث التحقت إلى مجموعة الحراسات التي تكونت من عشرة شباب شجعان كلفوا بحماية بخد يدا وصد عصابات اللصوص التي تأتي إلى المنطقة.
- وهل تتذكر الأشخاص الذين كانوا معك في الحراسات؟
- نعم أتذكر بعضاً منهم، ولكن ساعدوني في التذكير (وبعد فترة توقف اخذ يردد بعض الأسماء) إذا سجل عندك: 1- يوسف حنوش زاكي. 2- عبد الأحد يعقوب زاكي. 3- ايليا هابيل بلو. 4- توفيق هابيل بلو. 5- عزو توما عبادة. 6- بيوس كتا سكريا. 7- رحيم حنا بقطر. 8- مبارك حنوش زاكي. 9- شابا حنا مقدسي حسو. 10- عبوش شيما.
"ورغم ادعائه بأنه يحتاج إلى مساعدة لشحن ذاكرته، لكن ذاكرته متقدة وإنما ذاكرتي (أنا) هي التي تحتاج إلى شحن".
- حتى لا نتعبك بالأسئلة يا عم مجيد!! هل تتذكر شيئاً عن رتبتك والراتب الذي كنت تتقاضاه والسلاح المستخدم؟
- نعم، وبكل سرور: أتذكر جيداً بان راتبي كان ( 9 ) دنانير أما رتبتي فهي نائب عريف، والسلاح الذي كان يستخدم هو برنو إنكليزية ثم تم تبديلها ببندقية فرنسية وأخيرا تم تسليمنا سلاح رشاش (يقصد الكلاشنكوف الروسية).
- وملابسكم يا عم مجيد كيف كانت؟.
- الملابس كانت شبيهة بملابس الشرطة العراقية وهي بنطرون خاكي طويل وقمصلة طويلة وغطاء الرأس كان العقال العربي يتوسطه النسر العراقي (علامة الشرطة).
الحديث معك يا (أبو أمير) ذو شجون، ولكن للضرورة أحكام وحتى لا يزعل علينا (أبو داني) لكون الموضوع طويلاً بعض الشيء، كان بودنا أن نتحدث أكثر ولكننا نعدك بأننا لنا عودة أخرى معك لإكمال هذا الموضوع.
صافحنا بحرارة مودعاً بعد أن سلمنا رقم تلفون داره وذلك للاستفسار في ما يتعلق بالموضوع.
