المحرر موضوع: ذكريات - الدراسة الحزبية في الخارج (4ــ 5)  (زيارة 1337 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جاسم الحلوائي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 99
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ذكريات
الدراسة الحزبية في الخارج
(4ــ 5)
جاسم الحلوائي                                     
jasem8@maktoob.com

لم يتأخر الأستاذ. وقد جلس متضائلا أمام الصف وإعترف بأنه إرتكب بحقنا أخطاء كبيرة  وخاصة تجاه أبو شروق  ( كان الأساتذة الذين يتكلمون اللغة العربية وكذلك المترجمون ينادونني بكنيتي) وأضاف:

ـ إن أبا شروق أحسن مني في كل شيء ما عدا إنني أعرف الأقتصاد السياسي أحسن منه.

وإعتذر وطلب الصفح عنه متعهدا بعدم تكرار مثل هذه الأخطاء. عندما كان يشيد بي خطر ببالي بإن الأستاذ لا بد أنه قد سمع بالمثل القائل" شيّم المعيدي وأخذ عباته" عندما أنهى كلامه توجه نظره وكذلك أنظار جميع الرفاق في الصف نحوي. فقلت: 

ـ يسرنا إنك أدركت أخطاءك وسنرى الأمور في التطبيق العملي.

إندهش الرفاق في الصف لموقفي لأنهم توقعوا أن أصفح عنه. وشرحت لهم دوافعي وهي أولا: ليبق رهين تعهداته وذلك أكبر ضمان لمواصلته معنا بدون مشاكل، فهو أستاذ إقتصاد سياسي جيد.  وثانيا: لكي لايعتبرنا "معدان". أما ذيول القضية ، فقد أنهى الأستاذ معنا البرنامج بدون مشكلة ، واتسمت علاقته معنا بالإحترام المتبادل.
أما مترجم صفنا فلم يغفر لي تجاوزه عند الذهاب الى المدير وظلت علاقتنا باردة. كان هناك أيضاً أستاذ أخر للإقتصاد السياسي إسمه ببوف وهو صديق العراقيين، لأنه درّس بعض قادة حزبنا، لكنه قاطعني ولم يكن يسلم علي. وعندما إنتهت الدراسة . وكنت على وشك العودة ، أمسك ببوف بمعصمي وسحبني الى إحدى زوايا مقهى المعهد وقال لي:

ـ هل تعرف لماذا قاطعتك؟

ـ أجل بسبب الإستاذ دانتسوف؟

ـ صحيح، إنه تلميذي وأنا علمته الحزم وقد تأسفت لأنك إعترضت على ذلك.

ـ أنا لم أعترض على حزمه، وهذا الجانب يعجبني فيه ، ولكن إعتراضي على شيء آخر. وشرحت له تصرفات دانتسوف الخاطئة.

ـ  هذه أول مرة أسمع الامر هكذا !.

ـ طبعا ، لأنك سمعت دانتسوف ولم تسمعني . ( ثم أضفت )، إنت عالم وخبرتك غير قليلة في الحياة، ألم يكن الأجدر بك أن لاتكتفي بسماع طرف واحد وتصدر حكمك وتتخذ موقفا خاطئا مني وتقاطعني أكثر من سنة؟

خجل وقال لي:

ـ صحيح صحيح، الحق معك.

إفترقنا بشكل عادي، دون رغبة في الإطالة من قبل الطرفين.

ومن ذيول القضية ! في بدء السنة الدراسية الثانية إستفسر مني جيرنيكوف عن رأيي في الأستاذ دانتسوف فأجبته، وكنت قادرا على التفاهم باللغة الروسية آنئذ، بأنه جيد. فإستفسر مني ، هل من الممكن أن تُسمع رأيك هذا للمدير؟ فأجبته لم يحن وقت ذلك بعدُ!

يلتقي المدير عادة بكل صف عند إنتهاء مهمته ويسمع رأي الدارسين وملاحظاتهم. وعند إجتماع المدير بنا مدحت الأستاذ دانتسوف وأكدت بأنه إستفاد من التجربة ولم يكرر خطأه. علمت من الشهيدة عايدة ياسين إن المدير خرج من غرفته بعد لقائنا ليفتش عن الأستاذ دانتسوف، وعندما إلتقاه هنأه على التقييم الإيجابي الذي سمعه بإسم صفنا. وكنا قد سمعنا في حينه بأن الأستاذ كان مرشحا لمنصب معين وقد توقف ذلك جراء شكوانا منه. وقد إلتقى بي الأستاذ وشكرني على تقييمنا الإيجابي له.
وعند زيارة الأستاذ لبغداد بعد حوالي خمس سنوات لإلقاء محاضرة في إحدى المؤسسات الرسمية. رُتبت له دعوة عشاء مصغرة في بيت سهيلة البراك حضرها الرفيق عزيز محمد وحضرتها بناء على رغبة الأستاذ دانتسوف نفسه. وقضى جلّ الأمسية في التحدث معي وقد كان ذلك مؤشرا على تجاوزه لما حصل بيننا، وقد سرني ذلك.

وبمناسبة لقاءات المدير بالفرق الدراسية عند إنتهاء الدراسة، هناك نكتة شائعة في المدرسة يقولها فريق ما على فريق آخر لا يعجبه. يروى إن فريق X أخبر المدير بأنهم فهموا وإستوعبوا بشكل جيد مواد البرامج الأساسية الأربعة ما عدا بضع نقاط وهي: في الفلسفة لم يستوعبوا المفهوم المادي للتاريخ. وفي الإقتصاد السياسي لم يفهموا قانون فائض القيمة.
وفي تاريخ الحركة العمالية لم يفهموا رسالة الطبقة العاملة. اما في تاريخ الحزب الشيوعي فلم يفهموا علامات الوضع الثوري اللينينية. وأكد الفريق على إستيعابهم للماركسية ـ اللينينية بإستثناء النقاط الأربعة. فأجابهم المدير بأنهم لم يفهموا الماركسية ـ  اللينينية، ماداموا لم يفهموا المواضيع الأربعة التي سموها نقاطا.

في ربيع 1973 عقد الكونفرنس التقليدي السنوي في المعهد. وكان على كل فريق وطني المساهمة فيه بإختيار موضوع من قائمة عناوين طويلة لمداخلة لا تتجاوز15 دقيقة بضمنها الترجمة الفورية. كلفنا أكثر من رفيق ولكن الجميع إعتذروا وإعتبروا هذه المهمة، مهمتي بلا نقاش، لكوني عضوا في اللجنة المركزية. لم أكن أرغب بذلك لأني كنت مرهقا فبالإضافة الى الدراسة ومسؤولية المنظمة في المعهد كنت أشرف على لجنة الإتحاد السوفيتي ( الهيئة المسؤولة عن تنظيم الطلبة).
وكانت اللجنة تعاني من مشاكل صعبة وخاصة الخلاف بين سكرتير اللجنة الرفيق خليل الجزائري آنئذ وأبرز عضو فيها الرفيق عبد الأمير الموسوي. بحيث إقترحت في أحد إجتماعات اللجنة معاقبة الإثنين معا بسبب المشاكل التي يسببونها للمنظمة، ولكن اللجنة تفاجأت بالمقترح ، فالعادة أما التحيز الى هذا الجانب او ذاك وأما التوفيق بين الطرفين ولم ترتق اللجنة في نظري الى مستوى معالجة المشكلة وتغاضت عن المقترح. بالإضافة الى ذلك كنت على علاقة بمسؤول فريقنا في مدرسة الشبيبة.

نعود الى الكونفرنس. قرأت الدراسات والمواد المطروحة للمناقشة وكان من بينها دراسة بعنوان" آفاق رحبة للجبهات الوطنية في المشرق العربي" بقلم اوليانوفسكي. يتحدت الكاتب في إحدي فقراتها عن إمكانية إندماج الأحزاب الشيوعية بالأحزاب الديمقراطية الثورية ، كأفق منظور في البلدان التي تتعاون فيها هذه الأحزاب والمقصود العراق وسوريا . لقد إستفزتني الموضوعة وكتبت مداخلة تحت عنوان " تقوية وتعزيزالأحزاب الشيوعية في حركة التحرر الوطني واجب أممي.
" أشرت في المداخلة الى وجود نزعة في الحركة الشيوعية العالمية لاتري ضرورة لوجود أحزاب شيوعية قوية ومستقلة في البلدان النامية. وإن هذه النزعة تعول على الأحزاب الديمقراطية الثورية ( البرجوازية الصغيرة ) في إنجاز المهام الوطنية الديمقراطية والتحول الى الإشتراكية وإن الحديث عن إمكانية إندماج الأحزاب الشيوعية بالأحزاب الحاكمة هو بمثابة تصفية للأحزاب غير الحاكمة.
وإستشهدت بفقرة ضافية من دراسة اوليانوفسكي ، دون ذكر إسمه إنما قلت: "أحد الكتاب". ودعمت وجهة نظري بأقوال لينين حول ضرورة أن ينظم العمال أنفسهم في  بلدان حركة التحررالوطنية، مهما قل عددها في تنظيم سياسي مستقل. وإنتقدت جريدة البرافدا على نشرها خبرأ عندما حل الحزب الشيوعي المصري لنفسه وكذلك الحزب الرديف ( حدتو)    ، وإعتبرت ذلك دليلا على وجود تلك النزعة.
 
كنت أعرف بأن المداخلة سيكون لها وقع الحجر في بركة ماء راكدة. ولكن من أول لقاء مع الأستاذة سوخانوفا التي كانت تشرف على مداخلتي . أدركت إن الأمر أكبر مما تصورته. كانت الأستاذة تدرسنا تاريخ الحركة العمالية. وهي لاتعرف اللغة العربية وقد جاءتنا مؤقتا، اعجبنا أسلوبها فتمسكنا بها وإستجابت الإدارة لرغبتنا. كانت سوخانوفا شقراء، طويلة ورشيقة عمرها حوالي خمسة وخمسين عاما، وقورة جدا وذكية متمكنة من اللغة الأنكليزية.
اتذكر أعطتنا مرة صفحتين فقط من البيان الشيوعي وطلبت منا أن نجد العبارة الأكثر جوهرية فيها، فلم نفلح!؟ وظهر إن العبارة تتعلق برسالة الطبقة العاملة، وفحواها، إن الطبقة العاملة عندما تحررنفسها تحرر بقية الطبقات معها أي الفلاحين وسائر الكادحين، من الإستغلال. في حين ذهب تفكيرنا الى عبارة فحواها،عندما تتحول الطبقة العاملة من العمل بذاتها الى العمل لذاتها". أي التحول من النضال المطلبي الى النضال السياسي.

نعود الى الأستاذة، فقد عرفت منها بأنها تخلت عن عدد من المداخلات كان ينبغي أن تشرف عليها لكي تتفرغ لموضوعي. كنا ندقق كلمة بعد كلمة وجملة بعد جملة  ونحن نقارن الترجمة الروسية بمساعدة المترجم ولكثرة توترها ترددت في لحظة معينة فأخبرتها، إذا كانت المداخلة مضرة  أو تسبب مشكلة للحزب الشقيق فإني مستعد لسحبها، وكنت أثق بنزاهتها ومصداقيتها، فقالت لي : "لا، المشكلة ليست هنا إنما في مكان آخر ستعرفه لاحقا" !؟
 
واجهتني مشكلة ضيق الوقت المخصص لوقت المداخلة فتبين إذا وافق المستمعون على المواصلة فسأمنح خمس دقائق إضافية. كان العراقيون يشكلون ربع القاعة تقريبا فإتفقنا على الموضوع . وفعلا ، عندما أوقفت ولم أكن قد أكملت المداخلة ، طلبت أخذ رأي الجمهور، فوافق الجمهور! فأكملت قراءة المداخلة. وجاء سؤال عراقي مبيت لأكمل ما أنوي توضيحه. والغريب في الأمر إننا كنا نتفق على مثل هذا التحايل( إستغلال الثغرات في التعليمات ) دون ان يخطر ببال أحد منا، ولو للحظة ، مدى لا أخلاقيتها!؟

يتبع
[/b][/size][/font]