المحرر موضوع: العراق --- مزرعة تسمين القطط  (زيارة 2055 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Wadii Batti Hanna

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 243
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العراق --- مزرعة تسمين القطط

الدكتور وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com

ربما يكون العراق البلد الوحيد في العالم  الذي تعرض الى نكسات وكوارث تدميرية لامثيل لها خلال العقود الثلاثة الماضية. لانقول ذلك لكي نتباهى او نتجنى على شعوب اخرى عاشت خلال نفس الفترة كوارث طبيعية وسياسية ماساوية مثل افغانستان والصومال ويوغسلافيا السابقة وبعضا من دول جنوب شرق اسيا ولكننا نتفق جميعا على ان اي انسان في العالم يشعر بالاسف العميق عندما يعاين العراق بوصفه الحالي ويتذكر في الوقت نفسه الوصف الذي جاء في كتب الدراسة الاولية من ان العراق هو بلد الذهب الاسود والنهرين العظيمين والثروات الكبيرة وألف ليلة وليلة والحضارات العريقة .

في كل يوم تطالعنا  اخبار العراق وهي  تحكي عن ابنائه وقد اصبحوا اشلاء ممزقة بفعل السيارات المفخخة او الرصاص الامريكي الاعمى وتنقل صور الخراب والدمار في بنية الدولة التحية حتى اصبحت الدولة هذه تابوتا تشيعه لمسافة معينة حكومة انتقالية اثر اخرى , اشاهد ذلك واتذكر قصة تلك المراة التي سمعتها ذات يوم وانا جالس في شقتي في جامعة الانبار اشاهد خطبة صلاة الجمعة . كانت تلك المراة  تملك كوخا قريبا من قصر السلطان وحدث في احد الايام ان نزلت تلك المراة الى المدينة لكي تتسوق حاجاتها فانتبه السلطان الى ذلك الكوخ وهو في موكبه فامر بهدمه لانه باعتقاده يحطَُ من الطابع الجمالي لقصره القريب. عادت المراة من المدينة ولم ترى اثرا لكوخها فسألت ثم عرفت ان السلطان قد امر بهدمه . رفعت راسها ونظرت الى السماء ثم قالت ( انا كنت في السوق وانت اين كنت ؟ ). يقينا ان الملايين من العراقيين يرفعون رؤوسهم الى السماء ويكررون ماقالته تلك المراة , ليس الحادا او تذمرا من تجارب الخالق سبحانه وتعالى لان ايوب نفسه وكما جاء في سفره في العهد القديم من الكتاب المقدس  وبالرغم من انه انتصر لربه ونصره حين صرخ بصوته الجهوري ( الرب وهب وله الحق في ان يسترد ما وهب , مبارك  اسم الرب الى الابد ) إلا انه خطر في باله ان يلقي العتاب وهو يعيش تجربته فقال ( تركتَ صغارهم يهزأون بي , مَن كنتُ  أنفُ ان اترك  ابائهم يقفون عند كلاب غنمي ).

لايختلف اثنان في ان الانسان يمثل قيمة عليا ولذلك فان فقدانه يعتبر خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها ولكن في الجانب الاخر تمثل ثروات البلد وخيراته حقا مشروعا وخبزا حلالا لجميع ابنائه ولذلك فان اي هدر او سلب او اغتصاب لهذه الثروات والخيرات يعتبر جريمة كبرى بحق البلد واهله . منذ عشرات السنين وبينما تتمتع مختلف دول العالم بثرواتها ويسعد ابناؤها بخيراتها تحولت ثروات العراق وخيراته الى ( نقمة ) للغالبية الساحقة من ابنائه ونعمة لفئة صغيرة سمح لها الزمن ان تضع يدها على هذه الثروات والخيرات فتتكرم بها على من هبَ ودب . وهكذا نرى العراقيون ( يلوكون الصخر خبزا ) في الوقت الذي تطالعنا التقارير الصحفية والاخبارية عن قطع لحم كبيرة من خيراتهم اقتنصتها ولازالت تقتنصها قطط عجيبة غريبة محلية واقليمية ودولية ابتداء بقطط الولايات المتحدة والدول الدائمة العضوية ومرورا ( بهبرة ) ابن الامين العام للامم المتحدة ولجانها الخاصة واصحاب كوبونات النفط وقطط الجيران الشرهة وانتهاء بقطط المسؤولين واصحاب النفوذ والنفوس الضعيفة من الذين يؤمنون ان الدولة هي عبارة عن ( لشَة ) ليس من الشطارة ان تجتازها دون ان تحتفظ بنصيبك منها .

ظهر الرئيس المصري على شاشة التلفاز في احدى المناسبات بعد الحرب الامريكية الاخيرة على العراق وكانت حينها التقارير الصحفية قد غطت مناطق واسعة منه فكانت خير مرأة عاكسة للوضع الاجتماعي والاقتصادي لتلك المناطق . حينها ابدى الرئيس المصري عن دهشته وصدمته من الوضع المتخلف للمدن العراقية وسمعته بالنص وهو يقول ( كنت اتصور الناس دول عايشين مبسوطين وبنغنغة ) . ربما استند الرئيس المصري في تصوره هذا الى ان الحاكم الذي يتبرع بعشرات الملايين من الدولارات لاعمار مكتبة ما في بلد ما انما يفعل ذلك بعد ان وفَر لشعبه كل مستلزمات العيش الرغيد لان الاقربون اولى بالمعروف . لم يخطر في بال الرئيس المصري ان ( المودة) في العراق ان تمطر غيوم الحاكم في كل ارجاء العالم ياستثناء بلده ولذلك ترى اغلب مدنه تفتقر الى منظومات تصريف المياه.

عشرات المليارات ضاعت قبل الاحتلال وعشرات لايُعرَف مصيرها بعده إلا الله والحاكم الامريكي بريمر ولازال النزف في الثروات مستمرا حيث من المعروف ان التوالد السريع سمة مميزة من سمات القطط ولذلك لاغرابة في ان يحل علينا بسرعة البرق الجيل الجديد من قطط الاحتلال بعد ان استلم الراية من قطط الحصار.
توجه احد المسؤولين في الحكومة العراقية قبل ايام الى احدى المحافظات للتحقيق في مصير التخصيصات التي منحتها الحكومة لمشاريع اعمار تلك المحافظة حيث تبين ان 70% من تلك التخصيصات قد اختفت ولا يُعرف مصيرها. ان المثل العراقي الشهيروالذي يؤمن به العراقيون يقول ( اعط الخبز لخبازه ودعه ياخذ نصفه ) .
 مسكين شعب العراق فان حصة الخباز قد تجاوزت النصف بكثير وربما تصبح المعادلة بصيغتها النهائية هي الكل للخبَاز مقابل الفتات  للمساكين.