المحرر موضوع: المأزق التاريخي  (زيارة 821 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Ahmed Alnassery

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 15
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المأزق التاريخي
« في: 16:28 24/05/2008 »
المأزق التاريخي

أحمد الناصري
Alnassery3@hotmail.com

( المأزق) في اللغة هو المضيق، والموقف الحرج والخطير، وجمعه مآزق، و( المأزق التاريخي) هو محصلة تجمع وتلاقي المآزق وتبلورها في شكلها التاريخي النهائي. وهو مفهوم سياسي توصيفي، مانع وجامع للحالة النوعية الحرجة وشبه النهائية التي يمر بها بلد ما او قضية ما أو مجموعة بشرية، ودخولهم في مضيق صعب وحرج. وقد مرت به دول وحضارات وشعوب كثيرة عبر التاريخ، بعضها صمد وتجاوز المأزق- المضيق، وبعضها انهار وتلاشى من الوجود، وكل حالة لها أسبابها وعواملها الداخلية والخارجية ومنطقها الخاص، الخفي والعلني.
 وهذا المفهوم ينطبق تماماً على الحالة التي يمر بها بلدنا وشعبنا، ويعطي أداة تحليلة فعالة للفكر السياسي الوطني، ويوفر فرصة معرفية كبيرة لبحث وتحديد طبيعة هذه الحالة وحجم الكارثة، وتحديد الأسباب الأسياسية ( للمأزق) الذي وصلنا أليه ونمر به الآن. ويمكننا من خلاله تحليل وتفكيك جوهر حالة الاحتلال، بأعتبارها العامل الرئيسي الذي خلق المأزق التاريخي، ونتائجة الخطيرة الأخرى، ونتابع كيف تحولت دكتاتورية متخلفة الى أحتلال عسكري أستعماري مع أطلالة القرن الجديد؟؟ في بلد هام مثل بلدنا، وفي منطقة استراتيجية، لا تزال في طور التحول والتشكل، تتلاعب بها عوامل داخلية  مقيدة وخارجية غريبة عنها. وكيف لنا توصيف ( الأزمة الكلية) التي نمر بها، وهذه الأزمة ليست كالأزمات العامة او الدورية والعادية الأخرى، التي تتعرض لها سلطة أو نظام سياسي أو حركة ما. نحن أزاء ( مأزق تاريخي) حقيقي و(أزمة كلية) شاملة، يمر بهما الجميع، ويشملا جميع الأطراف المتصارعة، كما يتوقف عليه ويرتبط به طبيعة وشكل ومصير الصراع في النهاية، وهذا ما نحاول كشفه وتبيانه في السطور القادمة.
الأزمة العامة والشاملة التي سبقت الاحتلال، وكادت أن تؤدي الى تغيير وطني داخلي طبيعي، او الى أي تغيير سياسي داخلي، مهما كان نوعه وتوجهه، لولا تخلف وعدم أكتمال العامل الداخلي، وتخلف فكره وقواه وأساليبه، وعدم قدرته على تثمير ازمة بل أزمات النظام السابق العامة والكبرى والمتتالية، تلك الأزمة أو الأزمات، الناتجة عن طبيعة النظام الدكتاتوري السابق وطابعة الدموي القاسي، وعموم العمل السياسي، هي التي قادتنا حثيثاً الى الدخول في المأزق التاريخي، بما يحمله من خسائر مرعبة وأحتمالات ومخاطر رهيبة، تهدد وجود الوطن برمته. ومن هنا تأتي وتنبع خطورة ( المأزق التاريخي).
إن تجليات الأزمات العامة السابقة،  المتجسدة في الاستبداد والقمع الشامل، والانفصال بين الناس والنظام، ومن عموم السياسات الرعناء السابقة، ونتائج الحرب العراقية الإيرانية الهائلة، وكارثة أجتياح الكويت وحرب الخليج الثانية، والتحرك الشعبي الداخلي في أعقاب الهزيمة والانسحاب من الكويت، والحصار الجائر والطويل الذي تعرض له شعبنا، وهو عامل ينطوي على أتجاهات  وتأثيرات مختلفة ومتناقضة، الى جانب مقومات وأساليب عمل وبقاء وأستمرار النظام السابق حتى عام 2003، كلها شكلت مقدمات وبدايات المأزق التاريخي الذي وصلنا أليه، أرتباطاً بوضع منطقتنا العربية، ودور المشروع الصهيوني التخريبي فيها، وسياسة أمريكا وخططها  العسكرية والنفطية فيها، خاصة بعد انتهاء ما سمي بالحرب الباردة. كل ذلك جرى ضمن الأستراتيجية الأمريكية وحلم قيادة العالم، وفق رؤية النظام العالمي الجديد، وخوض حروبها العسكرية والثقافية لتغيير المنطقة، وأقامة وفرض الشرق الأوسط الجديد.
لقد تجسد المأزق التاريخي الوطني بالنسبة لنا، بدخول جيش الاحتلال الأجنبي الى أرض بلادنا الوطنية، واخضاعها بالقوة العسكرية الغاشمة والسيطرة على جميع مقدراتها وسوقها حسب رغبات وخطط ونوايا المحتل. ومن خلال خطوات واجراءات أبرزها حل وتدمير الدولة ومؤسساتها واستبدالها بمؤسسات تابعة له تماماً أو تعمل تحت أدارته وتعليماته المباشرة، وفرض وتشجيع النموذج السياسي الطائفي، ومحاولة تفتيت المجتمع من خلال تصارعه الداخلي، وصولاً الى الحرب الأهلية، مما جعل  وجسد نموذج بشع للسيطرة الخارجية على أدارة محلية تابعة ومسلوبة الارادة، وهذا ينطق على جميع المجالات العسكرية والسياسية والأقتصادية والنفطية والاعلامية، ولم يبق مجال واحد خارج عملية السيطرة والتوجيه، ومن هنا تأتي خطورة المأزق التأريخي من الناحية الداخلية والوطنية، وكما يتجسد المأزق في التطبيقات والنتائج الرهيبة التي قام بها الاحتلال والتي تمثلت بالقتل الجماعي المستمر  والتهجير الواسع والاعتقالات العشوائية الجماعية وفتح السجون العلنية والسرية، والتخريب الواسع والمتعمد للحياة الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية والخراب المريع والشامل في البئية وحياة الناس وموارد العيش المباشرة، فقد تلوثت كل عناصر الطبيعة والوجود الطبيعي الحيوي، بفساد وتلوث الهواء والمياه ( الأنهار والمياه الجوفية) والتراب ( الأرض) وكل مصادر وانواع الغذاء الزراعية والحيوانية، وتدمير شبكة الخدمات الأساسية، والى جانب الحملات العسكرية المستمرة على المدن والمناطق المختلفة، ووصول حياة الناس المعيشية واليومية الى حافة الهاوية والانهيار والاستسلام لقدر أسود فرضه المحتل عليهم، وهذا يدخل ضمن خطط التركيع والاذلال وفرض السيطرة على كل شيء كمقدمة لاعلان النصر. من هنا علينا أدراك وتسجيل حجم الكارثة التي تعرض لها وطننا بعد الاحتلال، والأرقام والأحصائيات مخيفة ومرعبة في معدلاتها.
في تلك اللحظة القاتمة ( لكنها ستصبح نادرة) التي فرضها المحتل على شعبنا وبلادنا، والتي تصور انها ستدوم الى زمن طويل، او الى زمن كاف له، نهظت عوامل الرفض والتمرد والمقاومة والبقاء، امام عملية الحشر والعزل داخل المأزق التاريخي، وأنقلبت المعادلات التي أراد تطبيقها العدو، وأدخل الى المأزق بسرعة خاطفة، وراح يغرق تدريجياً في أوحاله الحامضة، حتى احس واعترف بوضعه، وبدأت مؤشرات عدادات الخسائر البشرية والمادية الهائلة تصعد الى الأعلى من دون توقف. من هنا بدء العمل والأمل، وبدء تلاقي التاريخ والثقافة والتراث والقرار والعواطف والأرادة الوطنية مع أدوات التطبيق، وبدء الصراع وتجدد على أساس أطراف متعددة، وليس طرف واحد يتصور ويتوهم بقدرته الخارقة لفرض أرادته على الناس في بلادنا وفرض نمط رهيب عليهم أسماه ديمقراطي وجديد أيضاً. علماً بأنه لا يوجد احتلال قانوني في التاريخ، كما لايوجد احتلال اختياري وطبيعي، لذلك لا يمكن أن يكون ديمقراطي وشرعي ونافع مطلقا، وهذا مأزقه التاريخي الرئيسي والأول، ومن هنا يأتي فشله وعدم شرعيته وعدم ديمومته دع عنك قبوله. هذه العوامل الأساسية تخلق الأرضية الأولية الصلبة لرفض ومواجهة الأحتلال.
هذه الحالة المستعصية، التي وصل اليها الجميع بسرعة كبيرة،  وفي وقت واحد تقريباً، هي التي ستقرر وتحدد المواقع والأدوار حسب تعبيرنا وتوصيفنا للمأزق التاريخي الذي تمر به بلادنا والاحتلال على حد سواء، وهو مستمر منذ الحرب ونجاح الاجتياح الذي بدا سهلاً ومغرياً، مما سهل تورط العدو، ومن ثم فقدانه القدرة والأوراق واحدة بعد الأخرى، لفرض سيطرته وتنفيذ مشروعه الذي أتى به، وقيام منطق آخر، وهو منطق تاريخي وطبيعي في أغلب حالات الاحتلال والتدخل الخارجي، من خلال رفضه ومقاومته بأعتباره عنصر خارجي، مما يعني انه غريب بالضرورة، خاصة بالنسبة لشعب عريق، يملك كل مقومات التكوين الوجود المستقل.
الآن أصبح لدينا مشروعين، الأول هو مشروع الاحتلال المأزوم والمتراجع، والثاني هوالمشروع الوطني الداخلي، الصاعد بأمكانياته وطاقاته الوطنية وأوراقه المتعددة، وصولاً الى بقاء المحتل في المأزق التاريخي وأنتصار المشروع والبرنامج الوطني وتخليص شعبنا ووطننا في النهاية من مأزقه. هنا دار ويدور الصراع الدامي وتعددت أدواته وأساليبه، وهنا سيحصل التحول النوعي في المواقع والأدوار.
عندما يدفع شعب ما الى مأزق الموت الضيق، فأنه سوف يدافع عن وجوده ومصيره بكافة الوسائل والأدوات، كرد فعل طبيعي، دفاعاً عن مصالحه وقيمه الوطنية، وعندما يقترب من النصر، ويدفع عدوه الخارجي ويحشره في المازق، عندها لا يوجد خيار او طريق أمام العدو غير الهروب والإنسحاب الى خارجه الذي أتى منه، يلاحقه العار والشنار ولعنة التاريخ. وهذا ما يحصل للعدو في بلادنا حسب مؤشرات ودلائل كثيرة يلعب فيها الوقت دوره، ويقول حكمته الواضحة للعيان.
لا أريد تناسي أو تجاوز الأدارة المحلية التابعة للأحتلال والمعينة من قبله، والموجودة بسبب وجوده، فهي دخلت المأزق بالتبعية وضمن مشروع الاحتلال نفسه، الذي يلغي ويمسخ شرعيتها الوطنية، وهي عبارة عن أضحوكة سمجة، ونموذج طاريْ ومؤقت، وصاحبه دور ثانوي وهامشي بالمعنى الحرفي للكلمة بكل ما يجري، يتسم بالعجز والفشل، قبلته من خلال صفقة مشينة وذليلة، لتبديل الأدوار والمواقع حسب خطة المحتل، وحسب خيالها وانجرارها الخاطيء والمدمر. لكنها تواجه في الوقت نفسه معارضة كبيرة ومتصاعدة، معارضة سبقتها وسبقت تشيكلها، من خلال تصديها للحرب والاحتلال، وهذه المعارضة تمتلك وسائل قوية ومؤثرة لإيصال صوتها الى الناس، مما يجعل الادارة المحلية خائفة ومذعورة، تطلب الحماية المباشرة من المحتل، من خلال معاهدة النهب والحماية الدائمة، ويسبب لها ذلك أحراجاً جديأ، وفضيحة على جميع المستويات، في ضوء تهافت خطابها  الأعلامي الطائفي أو الديني السياسي المتخلف، ولن تنفعها الدعاية الوهمية والأحلام المتهرئة، العريضة والمريضة التي يطلقها ويلوكها البعض، والوعود والكلام الفارغ عن خطط وانجازات قادمة بين طيات المشروع الطائفي، وفي ضوء الصراعات والفضائح والتحديات التي تعصف بالأدارة الهشة. ونحن هنا نتحدث عن دور الادارة في صنع القرار، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم مسؤوليتها  السياسية والقانونية والأخلاقية عن أستمرار جريمة الاحتلال، وعن كل الجرائم الكبيرة والصغيرة الأخرى.
الحراك الوطني الداخلي كبير وواسع ومتعدد وعميق،  وهو غير منفصل عن تاريخنا الوطني، وله محركاته العديدة، ويأخذ أشكالاً سياسية وفكرية وثقافية ونقابية وأجتماعية، يعجر المحتل أو ادواته المحلية من السيطرة عليه وأبتلاعه بسهولة، تسانده جموع كبيرة ( ملايين الناس) في الخارج، وهو يحتاج الى تأطير وطني. من هنا تتجسد وتبرز أهمية البرنامج الوطني، بأعتباره الخطوة الرئيسية المطلوبة لتحديد طبيعة الوضع الحالي وطبيعة المهام الأساسية المطلوبة وأساليب العمل والمواجهة الوطنية.