المحرر موضوع: المحاصصة و الطائفية . . الى اين ؟!  (زيارة 1924 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
المحاصصة و الطائفية .  .  الى اين ؟!

ـ 2 ـ
[/b]

د. مهند البراك

لقد استلم البعث العفلقي الصدامي السلطة في ظروف الحرب الباردة التي اتسمت بصعود الفكر الأشتراكي والقومي الثوري المتنوّع في المنطقة، وتزايد انحياز عدد من حكومات واحزاب وحركات المنطقة  الى المعسكر الأشتراكي في محاولات الأستفادة من حالة التوازن الدولي بين القطبين الكبيرين، او الحصول على دعم منه آنذاك .  . 
استلم البعث المذكور السلطة في العراق في خضم محاولة اوساط دولية ومنطقية ارادت له ان يكون مقبولاً، ولأجهاض التوصل الى مشروع للديمقراطية السياسية وحل القضية القومية العادلة للشعب الكوردي ومن اجل التقدم الأجتماعي في العراق، الذي كانت الجهود من اجله تتقدّم في النصف الثاني من الستينات، بمواجهته بمشروع قومي عربي (محسّن)، يلامس فكر الشارع الأكثر راديكالية ان صحّ التعبير، في تلك المرحلة.
   الأمر الذي يفسّر سلوك صدام في نزوعه الى السيطرة على السلطة واحتكارها، وعمله على تحطيم القوى السياسية الأخرى بركوب وتحييد بعضها لتحطيم الآخر، بدورة ادّت الى اضعاف القوى السياسية الأخرى في البلاد، الاّ انها لم تستطع انهائها كما كان يتصوّر، لعمق جذورها في المجتمع آنذاك .  .  الأمر الذي ادىّ الى تفاقم سلوكه لتحقيق غاياته تلك بعدئذ، والى اعتماده سياسة واساليب الأجتثاث والتطهير الفكري، القومي والعرقي، بعد ان كان قد اتبعها في المراحل الأولى بشكل محدود.
   وفيما واجه صدام الصراع الطبقي الأجتماعي وحقوق القوميات غير العربية في البلاد، بالتعصّب القومي الشوفيني  وبالبداوة والدين والطائفة من موقعه كنائب، فان وتيرة ذلك تفاقمت بوضوح اثر تصاعد غليان الشارع في الجارة ايران ضد حكم الشاه الذي تكلل بعدئذ بانتصار الثورة الأيرانية عام 1979 .  .  الأنتصار الذي ادىّ الى اسراعه ومن ورائه لأعلانه رئيساً للبلاد، لمواجهة انتشار الشرر والتهابه في واقع العراق المتفجّر آنذاك، ليتحوّل بمحاولة اغتيال طارق عزيز في الجامعة المستنصرية مطلع الثمانينات الى سياسة اجتثاث وتطهير سياسي وقومي وطائفي معلن، بعد ان كان سريّاً مغلفاً، الذي تفاقم اكثر باعلان الحرب على الجارة ايران واستغلال احكام الطوارئ التي اعلنت خلالها، لتحطيم ابسط نشاط سياسي غير بعثي او امكانية حصوله، بوصمه بانه من اعمال الطابور الخامس.
الأمر الذي ادىّ الى اقتلاع مجاميع بشرية من ارضها ومن الحياة .  .  راح ضحاياها مئات الآلاف، سواءاً بالسوق الى طاحونة الحرب بفرق الأعدام او بالقتل الجماعي، اضافة الى محو القرى الذي تفاقم الى محو مدن كما حصل في قلعة دزة، حلبجة في كوردستان .  .  الدجيل، وجول الشط ثم العملية الشنيعة بتجفيف الأهوار في الجنوب وتشريد مئات الآلاف من اهلها .  .  بعد التهجير الهائل سئ الصيت الذي شمل ارياف كوردستان، الأمر الذي ادىّ الى ان يكون ضحايا تلك العمليات البربرية من الكورد ومن  العرب من الطائفة الشيعية بشكل خاص.
وفي خضم نشاط دكتاتورية صدام وسعيه لتأسيس ( دولة العرب البسماركية الكبرى بزعامته)، اعتمد على اعتزاز العراقي بعراقيته وتمسكه بالوطن مهما واجه من محن، لجعل العراق قاعدة لا اكثر لتحقيق تلك الطموحات من جهة، ومن جهة اخرى سخّر ذلك الأعتزاز وحوّله الى عبودية بممارسة وسائله الوحشية عليه وديماغوجيته بشعارات كانت تسير مع نهجه الأحتكاري، من ( العراقي يتقدّم) الى (صدام عزّ العرب) بعد (قادسية صدام) وتكاثر الصداميات سواء كانت مذابح او منشآت سكنية ومشاريع، الى تماثيل، نصب، جداريات واغاني، اضافة الى العطاءات .  .       
   ولتحقيق تلك الأحلام المريضة، دعم او بالحقيقة حاول شراء الشارع العربي وكل المعارضات العربية في دولها او التأثير عليها واحراجها بشتى الأساليب من دعم ثقافي وعلمي وقبول بعثات لطلبة عرب بشكل مجاني او صرف على بعثات الى دول العالم الصناعي، الى انواع الدعم والمطالبة بثمنه، الخديعة، التهديد بفضائح .  .  الى اساليب القتل والتصفيات الجسدية.
ولتحقيق تلك الوجهة ، ولتكوين قطب جديد في المنطقة وتحريك قواها بالوجهة التي تخدمه وتحقق اكثر من هدف، دخل صدام دول وقوى المنطقة من عالمها السفلي وشوارعها الخلفية .  .  لقد دعم الشارع العربي ومعارضات الحكومات العربية مبدياً استعداداً لدعمها مالياً وعسكرياً آنذاك ـ كما حصل مع عدد من المنظمات الفلسطينية واللبنانية وغيرها ـ  سواء كانت يمينيه، اسلاميه، طائفية، مسيحية، فاشية، قومية او يسارية .  .  والذي اتبعه مع دول الجوار ومختلف الدول التي تشكّل فائدة ما في يوم ما للدكتاتورية، اعتماداً على عائدات النفط الخيالية الهائلة .
وفيما سخّر الموجه القومية في المنطقة محاولاً ركوبها آنذاك ضمن مخطط دولي كبير، بشعارات حماية الحدود القومية لكل العرب كـ (حراس البوابة الشرقية) و (الدفاع عن عروبة الخليج)، تحوّلت الى محاربة (اعداء العروبة والأسلام) من ( الفرس المجوس، الأعداء التاريخيين للأمة العربية) ثم من
(المجوس الذين اتخذوا الأسلام قناعاً )، الأمر الذي استمر يتصاعد بتصاعد الموجة الدينية في المنطقة والبلاد لأسباب كثيرة. 
وفي سعيها لكسب الشارع العربي وجدت الدكتاتورية في الأسلام ـ المذهب السني خير غطاء يحقق لها تلك الأهداف في تلك المرحلة وظروف الموجة الأسلامية، في زمان شكّل فيه نظاما الحكم الشيعيان الجاران في سوريا وايران التحديات الأخطر من جهة، ومن جهة اخرى لأن الغالبية الساحقة من الدول العربية تتبع المناهج السنية في الأسلام، اضافة الى كون الحركات الأسلامية الفلسطينية سنيّة المنهج .  . فاغدقت الدعم للمؤسسات الأسلامية السنية ( التي كانت ذاتها تشهد تطورات بصعود المذهب الوهابي السني المتشدد فيها) .
وفيما حصلت الدكتاتورية باموالها الأسطورية واحتضانها ودعمها وعنفها ووحشيتها، على تجاوب من مرجعيات وتجمعات اسلامية سنية عربية، حصل صدام على دعم او سكوت عدد كبير من المراجع الأسلامية السنية، بل وقام عدد منها في الأزهر بترتيب شجرة العائلة له وترتيب نسبه الى البيت الهاشمي .  .  التي مثّلها في مسرحيّاته في ركوب الموجة الدينية، من زيارته مرقد الأمام الحسين وصلاته فيه ومخاطبته الأمام بـ (جديّ)، كتابته المصحف الشريف (بدمه)، وكتابته (الله اكبر) على علم البلاد .  .  التي كانت تعبّر عن نشاطات كثيفة كانت تجري بتلك الوجهة .
وفيما استطاعت الدكتاتورية ركوب الموجة الدينية من موقع دعم الأجتهاد السنيّ منذ سنوات الحرب العراقية ـ الأيرانية وتصاعد نشاط منظمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية .  . فان جهودها بمزاوجته وتفعيله بالموقف القومي العربي بدعم مؤسسات مالية ومصالح كانت قائمة او جرى انشائها قطعت اشواطاً خطيرة على اساس دعم الدكتاتور من جهة، ومن جهة اخرى خلق وضعاً في العراق تلخّص بان الدكتاتورية في مواجهتها للمنظمات الأسلامية العراقية المعارضة، واجهت المنظمات الأسلامية الشيعية العراقية بعنف هائل كـ (طابور خامس للعدو الفارسي محرّف الدين بالمجوسية)، وواجهت القوى الأسلامية السنية المعارضة لها بعنف مصحوب بشفاعات ان صح التعبيربشكل عام (*)، للمحافظة وتمتين الصلات مع المؤسسات السنية في المنطقة لتحقيق اهدافه المتعددة، كما تمت الأشارة اليه اعلاه.
وعلى ما تقدّم فان دكتاتورية صداّم هي التي استفزّت الطائفية في المجتمع وعمّقتها، وصعّدتها  باساليبها الدموية الخبيثة واوصلتها الى سياسة التطهير الطائفي سيئة الصيت وماتبعها من جرائمها في القتل الجماعي، في مسعى لتحويل العراق الى ساحة للصراع الطائفي بين الغالبية الشيعية العراقية والغالبية السنية في المحيط العربي من الدول العربية !! كجزء من سياستها التي رمت الى توثيق ربط الدكتاتورية بواقع المنطقة من جهة، ولأقلمة (**)ازمتها وتوسيع مجال مناورتها عند الطوارئ من جهة اخرى، الأمر الذي تتلمس نتائجه مما يدور الآن من اعمال ارهابية وحشية باسم الطائفية بحق المدنيين، بتقدير عديد من المراقبين . وفيما اتّبعت الدكتاتورية في ذلك اساليب ديماغوجية ومظاهر خادعة من شبكة موظفين ومسؤولين حزبيين من الطائفة الشيعية لخدمتها وحراسة مصالحها موحية بانها فوق الطائفية كادّعائها الكاذب المقيت بالديمقراطية وبتأمينها لحقوق الكورد والأقليات والطوائف ! فان فلولها وابواقها تحاول تبرئة نفسها من تبعية موروث ومضاعفات اثارة الطائفية البغيضة (يتبع)
 
18 / 6 / 2005 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) لابد من الأشارة الى قيام الدكتاتورية باعدام عدد من المراجع السنية لمعارضتهم لها كالشهيد الشيخ
    البدري وعدد من المراجع في البصرة، اضافة الى اعدام عشرات من الشباب بتهمة الأنتماء الى
    تنظيمات اسلامية من المذهب السني عارضت الدكتاتورية، كما نقل عديد من المناضلين الذين كانوا
   في الزنزانات الأنفرادية وقواطع الأعدام في زمان الدكتاتورية. 
(**) اقلمة، من كلمة اقليم والمقصود به هنا المنطقة .