بعد خمس و عشرين عاما قضيتها وراء القضبان ، و في يوم بارد لا يبدو ان الشمس
قد اشرقت فيه ـ بالرغم من انني لم ارى الشمس منذ سنين،
فتح الحارس باب الزنزانة و قال بصوت جهوري : " لديك زيارة " .
تخيلت انه يحكي مع انسان اخر لكن عندما تذكرت ان لا احد معي في
زنزانتي فهي ملكي انا وحدي ، تلفت اليه و قلت بصوتي الذي يكاد
لا يظهر مثل تلك الشمس " الزيارة لي ؟ "
قال : " نعم لك اسرع فالوقت محدود "
استغربت لامرين ، الاول للزيارة فمن هذا الذي تذكرني بعد طوال هذه السنين،
و الثاني لقول الحارس ان الوقت محدود .خمس و عشرون عاما و انا مرمي في هذه
الزنزانة و لم ادرك ان للوقت حدود فالليل طويل و النهار طويل و لست ادري
ان كان ليلا ام نهار . لملمت نفسي و ذهبت مع الحارس الى شبك الزوار .
انها زوجتي التي تركتها طوال هذه السنين . لقد ابيض شعرها و شحب وجهها
و هي تبتسم لي و تقول " انظر الى هذه الصبية الحلوة التي معي . من هي برايك ؟"
اه على هذا الجمال و الفتنة و الادب . انها قريبة مني هكذا احس .
لكنني لم اعرف من تكون بالرغم انني اشعر بها تماما .
" انها ابنتنا التي ولدت بعد اشهر من دخولك السجن " قالت زوجتي .
" لكنني اقسمت امام الله و البشر انني لن ادعك تراها الا و هي اتية لتستلم قضيتك
انها الان محامية و مؤمنة ببراءتك و ستدافع عنك امام القضاة "
لم اعد احس بما يختلج كياني من احاسيس و مشاعر .
لاول مرة اعرف ان لدي ابنة . جاءت لتدافع عن والدها التي تؤمن ببراءته .
انها دليل براءتي . انها الشمس التي اشرقت بقوة هائلة لتذيب جبال الثلج
التي تراكمت في قلبي كل هذه السنين الباردة . انها صورة الله على الارض جاءت
لتدفع الظلم و تزرع الحرية و المحبة و السعادة . ا ه ه ه ه ه يابنتي كم انت رائعة .
" لكن انتظري لم تقولي لي ماذا اسميتيها ! " قلت لزوجتي .
قالت " شـــمـــس شـــــمــــــيـــــــرام " .
عبود ايشو اسحق