المحرر موضوع: "البعث السوري" يمدد ولايته حتى إشعار آخر  (زيارة 1930 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sleman Yousif

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 203
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
"البعث السوري" يمدد ولايته حتى إشعار آخر




اختتم "حزب البعث العربي الاشتراكي" الحاكم في سورية، يوم الخميس في التاسع من شهر حزيران الجاري، مؤتمره القطري العاشر.
وجاء انعقاد هذا المؤتمر في عالم سريع الحركة، يعج باحداث وتطورات كثيرة، ضاغطة على سورية ونظامها السياسي، لتتحرك هي الأخرى وتواكب حركة التاريخ باتجاه الانفتاح والديمقراطية والحريات.
وقد قيل الكثير عن مؤتمر البعث هذا، بانه سيشكل محطة مهمة ومفصلية وانعطافا سياسيا وتاريخيا وسيحدث قفزة كبيرة في حياة الحزب والدولة. لكن انتهى المؤتمر من غير ان نرى أي تحول سياسي مهم ولم يخرج بقرارات من شانها أن تحدث نقلة نوعية في مسار الحزب ونهج النظام، فقد خرج الرفاق البعثيون من مؤتمرهم، مثلما دخلوا، حريصين على بقاء السلطة بيدهم، متمسكين بثوابت نظامهم السياسي ومبادئ حزبهم المقدسة، لا للديمقراطية....لا لتعديل الدستور...لا للحريات السياسية لا للإعلام الحر والمستقل..لا لتداول السلطة .. لا للإصلاح السياسي. لا للتعددية السياسية والقومية في سورية ..لا لرفع قوانين الطوارئ والأحكام العرفية....لا للمعارضة....لا، لا.....نعم للتمسك بالحكم واحتكار السلطة والثروة ، نعم لحزب البعث قائد الدولة والمجتمع.. مما يعني استمرار العطالة والبطالة السياسية والاقتصادية والفكرية والإبداعية في الحياة السورية حتى إشعار آخر. طبعاً لم يكن متوقعاً أن يحدث مؤتمر البعث تحولا ديمقراطيا حقيقيا في البلاد، طالما بقي البعث أسير عقدة استمرار (النظام القائم) وبقائه، ونزعة الإمساك بالدولة والاحتفاظ بالسلطة.
إن كل ما خرج به مؤتمر البعث من قرارات وتوصيات، لا ترتقي الى مستوى التحديات والاستحقاقات التي تتطلبها المرحلة، وهي ليست أكثر من تجميلية وشكلية واصلاحات محدودة لا تمس طبيعة النظام السياسي والسلطة المطلقة للحزب، إنما الغاية منها تحسين صورة النظام والتخفيف من حالة الاحتقان في المجتمع السوري.
لهذا جاءت نتائجه مخيبة للآمال بنظر الكثير من شخصيات المعارضة، وزادت من حالة الإحباط واليأس المسيطرة على الشارع السوري، وقد أبقى حزب البعث سورية تدور حول ذاتها ودولة خارج الزمن والتاريخ حتى القرارات والتوصيات التي خرج بها المؤتمر، على تواضعها ومحدوديتها، هناك من يشكك بتنفيذها وتطبيقها، فهي ستحال الى لجان وهذه اللجان ستجتهد في تفسيرها وتطبيقها بعد أن تكون قد فرغتها من مضمونها ومحتواها.
بالنسبة للتعددية الحزبية والسياسية وقانون الإعلام التي اوصى بها المؤتمر، لن تكون أكثر من ترخيص أحزاب الجبهة الوطنية المتحالفة معه في الحكم وبكل حزب أو منبر إعلامي يرضخ لشروط العمل السياسي والحزبي التي يحددها ويفرضها عليه حزب البعث وبشرط أن لا يتعارض نشاط وأهداف هذا الحزب أو تلك الصحيفة، مع نهج وسياسة البعث، وسيتم استبعاد حزب الاخوان المسلمين واحزاب القوميات غيرالغربية، آشورية وكردية وأرمنية، في أي قانون قد يصدر للأحزاب، بحجة محاربة ورفض الطائفية والتعصب الإثني والديني، وكأن حزب البعث حزب منزه عن هذه النزعات والانتماءات، فهناك دراسات اجريت حول حزب البعث تقول: إذا خرج حزب البعث من السلطة سينقسم الى تيارات عدة، تيار اسلامي معتدل، تيار اسلامي متطرف، تيار قومي عربي صرف، تيار قومي سوري صرف.
أما بالنسبة لمراجعة قانون الطوارئ والقول: بان تطبيقه سيبقى محصوراً( بكل ما يمس أمن البلاد وسلامتها، وبما لا يسيء الى كرامة المواطن). هذا تعبير فضفاض ومطاط، قد تقمع أي تظاهرة سلمية مهما كانت مطالبها ويوقف أو يعتقل أي شخص لنشاطه أو لموقفه المعارض لنهج النظام وسياسته، تحت ذريعة (المس بأمن البلاد). ولا أعتقد تغيير غالبية أعضاء القيادة القطرية يعتبر أمراً مهماً أو مؤشراً على أن هناك تحولاً أو تجديداً في مسار الحزب، لأن العبرة في تغيير الأفكار والمناهج وليس في تغيير الأشخاص.
لا شك، كان يشكل في الماضي "حزب البعث العربي الاشتراكي" قوة سياسية واجتماعية وفكرية مهمة وكبيرة في المجتمع السوري، لها مكانتها ودورها التاريخي في حياة سورية. لكن اليوم يعتقد الكثير من السوريين بان حزب البعث يعاني من أزمة بنيوية شاملة، وصل الى مرحلة الإفلاس السياسي والتكلس الايديولوجي، لهذا يرون فيه، عبئاً سياسياً ومادياً، على الدولة والمجتمع السوري، فهو لم يعد يشكل جزءاً من حل الأزمة التي تعيشها البلاد، وإنما أصبح جزءاً من المشكلة ذاتها ومسبباً لها، فهو يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية عما وصلت اليه الحالة في سورية، عبر مسيرته الطويلة في السلطة التي تميزت بالحكم الشمولي والاستبداد السياسي والفكري ونزيف في الثروة الوطنية، عبر تعميم الفساد المالي والاداري وغياب المحاسبة، إذ تعد سورية اليوم من أكثر الدول في الشرق الأوسط، فقراً وتخلفاً وتأخراً وفساداً، تقدر أموال السوريين في بنوك الدول الغربية بأكثر من( 120 مليار دولار) معظمها أموال مسروقة من المال العام.
فمنذ استلام حزب البعث السلطة في سورية عام 1963وهو يعمل لاحتكار كل شيء لنفسه ولابقاء الدولة والمجتمع رهينة سلطته ونظامه السياسي، الى درجة بدأنا نسمع من بعض البعثيين بأن مصير سورية وبقاءها دولة موحدة وآمنة ومستقرة، بات مرهوناً بمصير حزب البعث وبقائه على رأس السلطة، قائداً للدولة والمجتمع، وان إبعاد حزب البعث عن السلطة قد يحصل لسورية ما حصل (للإتحاد السوفياتي) عندما ابعد غورباتشوف (الحزب الشيوعي)عن السلطة وقرر حله.
أعتقد، أن الشعب السوري هو على قدر كبير من المسؤولية والوعي الوطني، وسورية ليست (الاتحاد السوفياتي) المصطنع، جمهوريات ودويلات مختلفة الثقافات والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا، جمعها النظام الشيوعي وحكمها بالقوة ، تفرقت بمجرد سقوطه عن السلطة، سورية وطن طبيعي وتاريخي واجتماعي واقتصادي وديني وجغرافي واحد متكامل لكل السوريين، سورية لم تأت مع حزب البعث ولم تذهب معه ، سورية وطن وتاريخ وحضارة بناه الشعب السوري بكل فئاته ومكوناته القومية والدينية والسياسية، عبر صيرورة تاريخية طويلة تمتد لآلاف السنوات قبل الميلاد.إن صمام أمان الوحدة الوطنية السورية، لا يمكن أن يكون ببقاء حزب البعث على رأس السلطة، وإنما بوجود دستور جديد وديمقراطي للبلاد، ينهي احتكار حزب البعث للحكم ويكفل التداول الديمقراطي والسلمي للسلطة لجميع القوى السياسية في البلاد وعبر صناديق الانتخاب، دستور يخلو من أي مادة أو فقرة تميز بين المواطنين على اساس ديني أو قومي أو سياسي، دستور يجعل من سورية دولة ووطن لكل مواطنيها.

سليمان يوسف

-----------------------------
هذا المقال منشور في جريدة صدى البلد