المحرر موضوع: النخيب ما بين عرب العراق وموالي أمريكا !  (زيارة 1604 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سهر العامري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 122
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 
    النخيب ما بين عرب العراق وموالي أمريكا  !    
         

  سهر العامري
المعروف تاريخيا أن الجزء الغربي من العراق كان عربيا صرفا وعلى شحط مسافة زمنية طويلة امتدت الى أن حل ما عرف بالفتح الإسلامي له ، وبعد هذا الفتح ازداد تواجد العرب فيه كثيرا ، مثلما تطورت حواضر ومدن كثيرة من حواضره ومدنه ، وكان من بين أشهر هذه المدن مدينتا : البصرة والكوفة التي تحولت الأخيرة منهما الى عاصمة للدولة الإسلامية زمن الخليفة الرابع ، الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولكن هذه الحقيقة لا تجافي القول في أن هناك أقواما وفدوا على هذه الحواضر وهذه المدن وسكنوا فيها جنبا الى جنب مع العرب ، وقد عرف هؤلاء تاريخيا بالموالي تميزا لهم عن العرب القاطنين فيها ، ولهذا قالوا عن الواحد من هؤلاء : فلان مولى بني أسد ، وفلان مولى بني تميم  . هذا إذا كان ذاك الوافد لا يرد الى العرب في محتده.
لقد شارك هؤلاء الموالي في الحياة العربية الإسلامية مشاركة فعالة سلبا وإيجابا ، مثلما خاضوا غمار معارك عسكرية وسياسية وفقهية انحازوا فيها أحيانا الى السلطة الحاكمة طمعا في منصب أو في مغنم حملهم من بلدانهم الى أرض السواد ، ولكن البعض منهم قد انحاز في أحيان أخرى الى الحركات السياسية المعارضة .
ففي معركة كربلاء مثلا التي قادها الإمام الحسين عليه السلام ضد الحكم الأموي اشترك من أبناء الموالي هؤلاء ، الذين يتشكل أغلبهم من أبناء فارس ، خمسة آلاف مقاتل الى جانب الجيش الأموي بقيادة عمر بن سعد ذلك الجيش الذي بلغ تعداده عشرين ألف مقاتل على رواية ابن نما في كتابه مثير الأحزان . يضاف الى ذلك أن القائد الأموي موسى بن نصير المولود في قضاء عين تمر من كربلاء كان فارسي المحتد ، ومن بين الموالي هؤلاء ، ومثله كان يزيد الجد الأعلى لابن حزم الأندلسي الفقيه مولى ليزيد بن أبي سفيان الذي هو أخو معاوية بن أبي سفيان ، والفقيه هذا هو الذي نشر المذهب الظاهري في الإسلام إبان القرن الخامس الهجري بعد أن أخذه عن مؤسسه الأول داود بن علي الاصفهاني المولود في الكوفة سنة 200 للهجرة* وكذلك عن ابنه محمد بن داود بن علي الإصفهاني الذي كان هائما بعشق حبيب له يدعى محمد بن زخرف الذي يقول فيه:
 
يا يوسف الحسن تمثيلا وتشبيها......يا طلعة ليس إلا البدر يحكيها
من شك في الحور فلينظر إليك فما صيغت معانيك إلا من معانيها
ما للبدور وللتحذيف يا أملي....... نور البدور عن التحذيف يغنيها**
إن الدنانير لا تجلى وإن عتقت..... ولا يزاد على النقش الذي فيها

والمذهب هذا يفسر القرآن وما ورد من السنة على الظاهر ولا يعتد بالتأويل أو القياس وهو بعد ذلك قد لاقى قبولا واضحا عند ابن تيمية ، ومن ثم عند محمد بن عبد الوهاب على أيامنا هذه ، وعلى هذا تكون الوهابية الحاضرة قد جاءت من ذلك الرجل الاصفهاني الفقيه الذي كان يُريد في أحسابه الى موالي الكوفة ، وهذا دليل آخر على مشاركة هؤلاء الموالي سلبا وإيجابا في الحياة العربية الإسلامية على مختلف وجوهها مثلما أشرت الى ذلك من قبل .
واليوم يلعب الموالي الفرس في العراق ذات الدور السلبي الذي لعبه أسلافهم من قبل ، ولكنهم نقلوا هذا الولاء بالدرجة الأولى الى إيران صدقا ، ومن ثم الى أمريكا نفاقا ، فصاروا يسبحون بحمدها مع تمسحهم بالدين ، وبعد أن كانوا يسمونها لأيام قريبة بالشيطان الأكبر ، وذلك لأن همهم الأول والأخير قد أصبح الآن هو الحفاظ على النعمة التي فاض بها الجندي الأمريكي عليهم حيث جعلهم يتربعون على كراسي الحكم في العراق ، ويقعدون على عيون المال فيه ، فراحوا يتمادون بنهب ثروات العراق وخيرات شعبه ، وصاروا يعملون ليلا ونهارا على تفتيت وحدته الاجتماعية والجغرافية بهدف إضعافه وتحطيمه تنفيذا لمشاريع إيرانية قديمة جديدة معدة لهذا الشأن ، فإيران لا تريد اليوم عراقا قويا يقف على حدودها الغربية ، ولهذا كان أول شرط اشترطته على الأمريكان في محادثاتها السرية معهم  هو أن يظل العراق بلدا ضعيفا غير قادر على تهديد إيران في المستقبل ، وهي من ناحية أخرى ، وبذات الوقت تعمل حثيثا على تحقيق هذا الهدف من خلال مواليها الجدد الذين يتحدرون أنسابا منها ، ولهذا نرى هؤلاء ينادون بقيام فدرالية يقودها عبد العزيز الحكيم وجنده من أبناء التبعية الإيرانية تضم تسعا من المحافظات العراق في الجنوب والوسط ، كي تكون كيانا هزيلا يلحق مستقبلا بإيران كلية ، ولكن هؤلاء لا يملكون الشجاعة الكافية كي يعبروا عن هدفهم هذا علانية مثلما يفعل ذلك أكراد العراق في التعبير عن هدفهم في ضم محافظة كركوك الى كردستانهم لتكون هي أنبوب النفط الذي سيجلب لهم اعترافا دوليا بدولتهم القادمة على حد تعبير أحد منظريهم .
ووفقا للمخطط الإيراني هذا راح الموالي الجدد يطالبون بضم قضاء النخيب العراقي الى محافظة كربلاء الإيرانية حسب زعمهم ، وبحجة واهية هي أن صدام الساقط هو من قام بقطعها من تلك المحافظة وإلحاقها بمحافظة الأنبار العراقية . والحقيقة هي أن تغيير خرائط بعض المدن العراقية على زمن النظام الساقط لم يشمل محافظة كربلاء وحدها ، وإنما شمل مدن ومحافظات عراقية أخرى ، فقد قام النظام ذاك بضم قضاء الهندية ( طوريج ) الى محافظة كربلاء بعد أن كان تابعا الى محافظة بابل ، كما أن خارطة المدن في العراق قد تغيرت وتبدلت في أكثر من حكم وفي أكثر من زمان ، وإذا كان صدام قد قطع النخيب من كربلاء فهو نفسه من قام بقطع قضاء النجف منها وجعله محافظة مستقلة بنفسها ، وهو نفسه الذي قام بقطع قضاء السماوة من محافظة القادسية ، وهو نفسه الذي قام بقطع تكريت وسامراء من بغداد ، فهل يمكن لعاقل أن يأتي الآن ويعيد النجف الى كربلاء ؟ هل يمكن لهذا العاقل أن يعيد السماوة الى الديوانية ؟ أنا أسال موالي أمريكا في عراق اليوم ؟
بعد هذا وذاك يأتي السؤال الوجيه الآخر وهو : ما الهدف من الدعوة المحمومة التي يطلقها موالي إيران صدقا ، وأمريكا نفاقا في ضم قضاء النخيب الصحراوي الى محافظة كربلاء ؟
قبل أسبوع من كتابة مقالتي هذه سألت أحد الموظفين العاملين في أحدى الدوائر المهمة في محافظة كربلاء ، سألته عن حال المدينة وأهلها ، فرد علي ومن دون تردد أن المدينة بما فيها ، وما عليها قد أصبحت تحت النفوذ الإيراني ، ومن هنا يمكن القول إن إيران حققت هدفا طالما سعت إليه منذ قيام الدولة الصفوية فيها ، وعلى امتداد تاريخ معاركها مع الدولة العثمانية ، ذلك الهدف الذي يتجسد في بسط النفوذ الإيراني على مدينتي : كربلاء والنجف ، وهو هدف قد هيأت له الدولة الصفوية مبررات بسط نفوذها ذاك ، وذلك حين قلبت الناس في إيران من مذاهب أهل السنة الى المذهب الشيعي الصفوي تحقيقا لأهداف سياسية كانت تسعى لها في مناطق نفوذ الدولة العثمانية ، تلك المناطق التي كان العراق يأتي في المقدمة منها ، فقد كانت الدولتان تعتبرانه كنزا من الخيرات يمد خزائنهما بأموال طائلة ، ولهذا السبب حاول حكام الدولة الصفوية التقرب الى قلوب العرب الشيعة في العراق بتبنيهم للتشيع أولا ، وثانيا حين عمدوا الى تزوير التاريخ ، فقاموا بتزويج الإمام الحسين عليه السلام وهو في قبره من شاه زنان بنت آخر الأكاسرة المهزوم في معركة القادسية ، وبهذا أوجدوا لهم حصة في إرث الحسين حيث قالوا بأن الأئمة الذين انحدروا من صلب الإمام الحسين هم جميعا قد جاءوا من زوجته الفارسية شاه زنان ، وعلى هذه الشاكلة ، وبتعبير آخر يجب أن تكون مدينة كربلاء مدينة إيرانية وليس عراقية ما دامت تضم هي في ثراها جسد الحسين الذي زوجته الدولة الصفوية بعد أن مرت سنوات طويلة على استشهاده من شاه زنان الفارسية !
إن بسط النفوذ الإيراني على مدينتي : كربلاء والنجف يعني فيما يعنيه هو نقل حدود إيران الحالية وجعلها على مشارف المملكة العربية السعودية . ويحضرني هنا تصريح لأحد القادة الإيرانيين يحذر فيه دول الخليج العربي من مغبة مساعدة صدام وقت أن احتلت إيران مدينة الفاو الواقعة الى الجنوب من مدينة البصرة في الحرب التي دارت بينها وبين العراق في الثمانينيات من القرن المنصرم  قائلا : إننا أصبحنا على حدودكم الآن فاحذرونا !
ذاك هدف أما الهدف الآخر فهو هدف اقتصادي بحت حيث سيوفر طريق الحجيج المار بقضاء النخيب ملايين الدولارات للدولة الإيرانية ولمواليها في العراق ، فالمعروف أن النخيب كانت في الأساس محط قوافل تقع على طريق الحج البري القادم من العراق وإيران ودول بعيدة أخرى من مشرق الأرض ، ومن هنا جاءت أهميته قديما وحديثا ، فهذا الطريق البري التاريخي مر عليه الملايين من البشر قاصدين الديار المقدسة في مكة والمدينة لتأدية فريضة الحج أحيانا ، وللاتجار أحيانا أخرى ، ولهذا السبب كما يبدو فقد نادى قبل أيام مرجع إيراني المحتد يعيش في كربلاء بوجوب إعادة قضاء النخيب الى كربلاء ، وإنشاء سوق حرة فيها ، ربما سيبيع فيها هذا المرجع البضاعة الإيرانية الفاسدة التي ألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد العراقي ، فقضية الشاي الفاسد الذي أستورد من إيران لازالت ماثلة للعيان ، وعلى أية حال فإن ودعوة المرجع هذا ما هي إلا تحريض واضح يحضّ على شرذمة العراق ، وعلى تفريق كلمة الناس فيه خدمة للمخطط الإيراني الرهيب الذي يجري تنفيذه بشكل هادئ ومدروس ، والقائل بوجوب بقاء العراق بلدا ضعيفا دوما ، وإلا أفما كان لهذه السوق الحرة أن تقوم في قضاء النخيب مع بقائه ضمن محافظة الأنبار العراقية ؟ ثم لماذا لا يدعو هذا المرجع الى إعادة قضاء الهندية ( طويريج ) الى محافظة بابل الذي اقتطع منها زمن النظام الساقط بحسب نظرية الموالي الجدد ؟ ألا تفضح الدعوة الى ضم قضاء النخيب الى محافظة كربلاء وعدم الدعوة الى ضم قضاء الهندية الى محافظة بابل مخطط إيران الرهيب في تفتيت العراق ، والعمل على قيام كيان هزيل في الوسط والجنوب من العراق ، وعلى شكل إمارة تلحق بها مستقبلا ، وتحت ذريعة الفدرالية التي لن تقوم أبدا ما دام العرب الشيعة متواجدين هناك ؟ هؤلاء العرب الشيعة الذين يريد لهم موالي إيران الجدد عدم البوح بقوميتهم مثل بقية البشر ، وعوضا عن ذاك يجب أن ينسوا كونهم عربا ، مثلما يتوجب عليهم أن يطلقوا على أنفسهم تسمية : أتباع آل البيت ، وفقا لما يخطط له الموالي الجدد في العمل على طمس هويتهم القومية ، سيرا على نهج النظام الجائر الحاكم في إيران الذي يصر على تسمية عرب الأهواز بالإيرانيين الناطقين بالعربية !
خلاصة القول هي أن دعوة ضم قضاء النخيب الى محافظة كربلاء تقع ضمن المخطط الإيراني الهادف الى رسم حدود إمارته في وسط وجنوب العراق وتحت ذريعة الفدرالية التي ينادي بها عبد العزيز الحكيم وأتباعه من موالي إيران صدقا ، وأمريكا نفاقا .
= = = = = = = = = = = = = = =
* وفي رواية أخرى سنة 202 للهجرة.
** التحذيف هنا هو التزين ، وذلك حين يقوم الرجل بتحفيف شعر وجهه.