المحرر موضوع: نينوى وبابل القسم الثاني  (زيارة 6076 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Joseph Kanon

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 313
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
نينوى وبابل القسم الثاني
« في: 05:14 22/06/2005 »
 القسم الثاني :بابل


كانت بابل عاصمة المملكة البابلية ، عاصمة للعالم في وقتها ، ومركزا للتجارة والثقافة والعلم . وكانت مدينة غنية ومشهورة بتجارتها مع كل دول العالم القديم وبسبب موقعها على مجرى مائي صالح للملاحة يبعد في جزأ منه مائة ميل عن البحر الأبيض المتوسط ، ويصب في خليج متصل بالمحيط الهندي وكان يوازيه نهر دجلة ، الذي كان يضارعه في الأهمية ، والذي كان يمر بربوع أرض آشور الخصيبة يحمل خيراتها الى بابل ، حيث كانت بابل حلقة الوصل التجاري بين الشرق والغرب. وكانت بابل مشهورة بمبانيها ، ولقد أظهرت الحفريات الكثير من النقوش التي تبين نشاط الملك العظيم نبوخذنصر في البناء، وهناك ستة أعمدة منقوشة هي من بقايا قصور بابل (وهي موجودة حاليا في مدينة لندن،بالمملكة المتحدة) ، وتظهر تعدد المباني التي أقامها لتحميل بابل . وقد بدأ نبوبلاصر الملك ببناء بابل ومن ثم من بعده ابنه الملك نبوخذنصر في أواخر القرن السابع وأوائل القرن السادس قبل الميلاد ، حيث بلغت بابل أوج شهرتها وعظمتها التاريخية .
كان نهر الفرات يقسم المدينة الى قسمين ، وقد بقي أكثر الآثار في الجانب الشرقي من النهر . ولعل هذا بسبب ان النهر غير مجراه مع مرور الزمن ، مخلفا ورائه بعض المستنقعات الى جهة الغرب ، وقد أقامت الملكة شميرام جسورا لكبح جماح النهر ، وعملت بحيرة عظيمة خارج الأسوار ، وكان الجزأ الغربي من المدينة محاطا بمستقعات كثيرة تغذيها مياه نهر الفرات ، مما منع وصول الأعداء اليها من هذا الجانب . وكانت مساحة بابل 196 ميلا مربعا أي أن كل ضلع من جوانبها 14 ميلا ومحيطها 65 ميلا ، محاطة بخندق عرضه عشرة أمتار ، وحولها سوران ، الخارجي ارتفاعه أكثر من مائة متر (حوالي الثلاثين طابقا) وعرضه نحو ثلاثين مترا (يتسع لثماني مركبات حربية متجاورة ) ، وبه مائة بوابة من النحاس و250 برج مراقبة ارتفاع كل منها أكثر من ثلاثين مترا فوق السور .
وقد نتسائل كيف سقطت بابل في يدي الأعداء ؟
وهنا نستشهد بأقوال هيرودت وزينفون : ان الفرس حاصروها ، ولكنهم وجدوا استحالة كسر أسوارها المنيعة ، أو اختراق أبوابها الصامدة واليقظة في كل وقت ..
وكان قد عرف القائد الفارسي أن نهر  الفرات يجري تحت الأسوار الضخمة وهي تتسع لمرور جيش كامل ، وكان هناك رجلان ( كما تقول الرواية ) قد هجرا بابل وانضما الى جيش فارس ، فطلب كورش الفارسي من جيشه ان يحفر خنادق كبيرة لتحويل مجرى النهر ، وطلب من الخائنين مساعدته في وضع خطة للهجوم من داخل الأسوار ، وكان البابليون يضحكون على أعدائهم (( العاجزين )) خارج الأسوار ، فأقاموا حفلا لآلهتم ولم ينتبهوا الى أن كورش قد حول مجرى الفرات من تحت أسوار بابل وأنه يسير في مجرى النهر ليدخل مدينتهم ، فهاجمها وسقطت في يده من دون حرب بفضل الخائنين ، وكما فعل أنسبائهم الآشوريون وقعوا بين يدي أعدائهم بسهولة ...
فسقطت بابل ، ولم تعد الى الوجود مرة أخرى ...
ويصف مرل أنجر سقوط بابل الهادئ فيقول : في 13 اكتوبر 539 (ق.م) سقطت بابل في يدي كورش الفارسي ومنذ ذلك الوقت بدأ اضمحلال المدينة فنهبها زركسيس ، وحاول اسكندر الأكبر اعادة بناء هيكلها العظيم ، لكن النفقات الباهظة جعلته يتقاعس ويتراجع عن فكرته . وفي عهد خلفاء اسكندر الأكبر بدأت المدينة بالاضمحلال والزوال حتى أصبحت شبيهة بالصحراء . والذي حدث أن خلفاء الكسندر اختلفوا وتصارعوا ، وجرت معركة على أرض بابل ونهبتها الجيوش المتحاربة فأخربت ، وأخيرا صارت من نصيب السلوقيون وكان اعادة المدينة مكلفا  جدا ، حتى قرر السلوقيون بناء مدينة جديدة ، دعوها سلوقية ، على بعد أربعين ميلا شمال بابل ، على نهر دجلة ، فانتقلت المؤسسات والتجارة الى المدينة الجديدة ومنذ ذلك الوقت بدأت المدينة العظيمة بابل بالزوال ، حتى ماتت . وقد زار تراجان بابل في عام 116 ق.م في أثناء حملته على البارثيين ووجد المدينة ركاما فوق ركام . وكذلك زار سترابوس بابل في أثناء حكم أوغستوس (27-14) ق.م وقال : لقد صارت المدينة العظيمة صحراء .
وفي عام 363 ق.م حارب الامبراطور جوليان الساسانيين حكام فارس (وبابل) وأخرب أسوار بابل التي كان الساسانيون قد أعادوا بنائها . واليوم على مسافة 44 ميلا جنوبي بغداد يقع حطام المدينة التي كانت يوما ((بابل العظيمة)) . وقال أحد علماء الآثار : شتان ما بين عظمة الحضارة والخراب الحالي ...
وقارن رجال الحفريات بين أسوار المدن القديمة وأسوار بابل ، ففي مدن أخرى يتراوح سمك الأسوار بين ثلاثة وسبعة أمتار ، أما في بابل فسمك الأسوار بين 12- 24 مترا . أما هيكل مردوخ عل الفرات فكان على رجال الحفريات أن يزيحوا ملايين الأقدام المكعبة من الأنقاض قبل الكشف عن جزأ منه . وكان نبوخذنصر قد بناه 500x 600 مترا ، ومقابل الهيكل كانت  ((الزقورات)) برج هيكل مردوخ ويبلغ طول الهيكل ستة ملاعب كرة قدم وعرضه يبلغ حمسة ملاعب كرة قدم .
لقد أخربت بابل ، كما خربت من قبلها شقيقتها نينوى ، ولقد ذكر ستونر ان سبب عدم استعمال أحجار بابل في البناء مرة أخرى أنها كانت ضخمة ، تكلف الكثير في نقلها ، لكن الطوب اعيد استعماله مرة أخرى وبنوا أماكن أخرى منه ...
ولم تكن بابل مدينة تجارة فحسب بل مدينة دين أيضا ، كان بها 53 معبدا لآلهة مختلفة ، 55 مكانا لعبادة مردوخ ، 300 مكان عبادة لآلهة أخرى أرضية ، 600 سماوية ، 180 مذبحا لعشتار ، وكذلك 180 معبدا للاله نرجل و حدد ..


جوزيف كانون