المحرر موضوع: أيام المدرسة............ كما يرويها لنا أحد تلامذة العراق القديم  (زيارة 3211 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل duraid_saleem

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 62
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
أيام المدرسة............ كما يرويها لنا أحد تلامذة العراق القديم

*مقال يبحث في نشأت أولى أنظمة التعليم والمدارس في الحضارة العراقية القديمة.


المدارس
    ظهرت هذه المؤسسة الأكاديمية بشكلها البسيط  كنتيجة لابتكار الكتابة، لتتطور عبر ألآلاف السنيين متخذةً أشكالاً متعددة، وكان دورها في بداية الأمر في تعليم الطلبة القراءة والكتابة لتتوسع بمرور الزمن في تعليم العلوم المختلفة وإدخال المناهج التعليمية المختلفة حتى أصبحت بعض هذه المؤسسات الأكاديمية في الوقت الحاضر تتخصص في علم من العلوم كما هو الحال في مؤسسات التعليم العالي.
   لا نعرف بالضبط متى بدأ نظام المدارس في العراق القديم وتشير المعلومات المأخوذة من أقدم النصوص المسمارية، إلى أن المدرسة كانت معروفة منذ ابتكار الكتابة واستخدامها كوسيلة للتدوين وبشكلها المتطور المتمثل بالخط المسماري وذلك في بداية الألف الثالث قبل الميلاد. فقد كشفت التنقيبات الأثرية اللثام عن أعدادا كبيرة من الرقم الطينية التي ترجع أقدمها إلى فترة عصر فجر السلالات (2900-2371 ق.م.) والفترات اللاحقة وقد أطلق عليها تسمية النصوص المدرسية، وقد ساعدتنا كثيراً على فهم الطريقة التي كان يتم فيها تعليم الطلبة المبتدئين ومن النصوص التي أشارت إلى وجود المدرسة منذ العهد السومري، حزورة سومرية وهي كالأتي:-
بيت بأسس كالسماء
البيت الذي يشبه وزه واقفة على قاعدة متينة
يدخلها المرء بعيون مغلقة
ويخرج منها بعيون مفتوحة
فما هي: الحل – المدرسة
   أطلق السومريون على مدرسة المصطلح ( E-DUB-BA ) ويقابلها باللغة الأكدية المصطلح (  bit tuppi) والتي تعني (بيت الألواح)، أما التلميذ فكان يعرف باسم (أبن بيت الألواح). أما أعضاء هيئة التدريس فكانت تتكون من مدير المدرسة التي كان يسمى (UMMAI) وتعني الأستاذ، ومجموعة من الكتبة أو المعلمين الذين يقومون بأعداد وتدريب المبتدئين لقاء أجور معينة ومنهم ( الأخ الكبير) وبالسومرية (ŠEŠ-GAL).
   أما فيما يتعلق ببناية المدارس، فأنها كانت في العصور المبكرة جزءاً ملحقاً بالمعبد  وكان التعليم فيها مخصصا للأشخاص الذين سيلتحقون بوظائف الكتبة في خدمة المعابد والقصور، ألا أنه بمرور الوقت وكنتيجة لانتشار الكتابة، انتشرت معها المدارس بشكل واسع، خصوصا في العهد البابلي القديم (2000-1600 ق.م.). فبالإضافة إلى المدارس الرسمية التابعة للدولة، ظهر عدد أخر من المدارس الخاصة والتي اتخذت من بنايات البيوت كمقرات لها، وأصبحت كل المدن العراقية القديمة  تحوي على عدد من المدارس فقد وجدت في مدينة نفر الأثرية (تقع  على بعد 35 كم شمال شرق مدينة الديوانية، وقد كانت تعتبر مركزا دينيا وثقافيا لبلاد سومر خصوصاً في عصر فجر السلالات السومري (2900-2371 ق.م.)). على ثلاث بنايات مدارس وهي مجاورة لبعضها، وكانت كل مدرسة تحوي على عدد من الغرف وبداخلها صفوف من المصاطب تستخدم لجلوس التلاميذ وبجانبها أحواض صغيرة للمياه يستخدمها الطلبة في تحضير الرقم الطينية.   
   ومن جدير بالذكر أن التعليم في المدارس العراقية القديمة لم يقتصر على تعليم اللغتين  السومرية والأكدية بل أن هناك عدد من العلوم والمعارف التي كانت تدرس للطلاب وخاصة الطلبة المتقدمين كالرياضيات والموسيقى والفلك والأدب والقانون والطب وكان هؤلاء الطلبة المتقدمون يتلقون علومهم فيما يشبه بمعاهد عالية والتي سميت (بيت الحكمة)، وكان الطالب يخضع بين فترة وأخرى لامتحان على غرار ما متبع به اليوم في نظمنا التعليمية حيث عثر على عدد من النصوص المسمارية تحوي على عدد من الأسئلة التي يجب أن يعمل الطلبة على الإجابة عليها.
   ولوحظ من خلال دراسة النصوص المسمارية ذات العلاقة أن التعليم كان مقتصرا على المتيسرين مادياً، نظراً للكلفة الباهظة وللفترة الطويلة التي يستغرقها التعليم. أما بخصوص تعليم المرأة، فقد نالت نصيبها من التعليم وأن كان ذلك أقل من الذكور حيث ظهرت بعض الكاتبات الجيدات وأن كان معظمهن من الكاهنات وبنات الأمراء والملوك و الأغنياء.
   وفي نهاية مقالي هذا أدرج قصة طريفة، معنونة بـ (أيام المدرسة) وجدت مدونة على مجموعة من الرقم الطينية، تصف هذه قصة الحياة اليومية للطلاب كما سردها لنا أحد الطلبة المتخرجين الذي يعتقد أنه عاش في حدود 2000 قبل الميلاد ونص القصة المترجم من اللغة السومرية مقتبس من كتاب (السومريون تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم) لأستاذ السومريات صاموئيل نوح كريمر، تبدأ القصة بسؤال يوجه لطالب من المتخرجين القدامى من قبل أحد أعضاء هيئة التدريس وعلى وجه التالي:-
 ((أيها المتخرج القديم، إلى أين كنت تذهب عندما كنت صغيراً؟، فيجيب المتخرج: كنت أذهب إلى المدرسة، ثم يسأله الأستاذ: وماذا كنت تفعل في المدرسة؟
فأجاب قائلاً: كنت أقرأ لوحي، وآكل طعام غذائي ، وأهيئ لوحي الجديد، كنت أكتبه وأكمله، ثم تجلب لي الألواح النموذجية، وبعد الظهر تجلب ألي الألواح التي أتمرن عليها، وعندما تنصرف المدرسة أذهب إلى البيت وأدخل الدار. وكنت أجد أبي هناك، فأشرح ألواح التمارين لوالدي وأتلو ما في اللوح عليه. وكان يسر بذلك.
ويحول الطالب بكلامه نحو خدم البيت بالكلمات التالية: أنني عطشان ناولني ماء لأشرب، أنني جائع ناولني خبزاً لأكل، أغسل قدمي، وأعد لي سريري أنني أريد أن أنام، أيقظني باكراً في الصباح، إذ يجب علي ألا أتأخر كي لا يضربني المعلم بالعصا.
وفي صباح اليوم التالي: عندما كنت أستيقظ باكراً كنت أواجه أمي وأقول لها: أعطيني طعام غذائي، أريد الذهاب إلى المدرسة، وكانت أمي تزودني برغيفين وأشرع بالذهاب. وفي المدرسة قال لي الشخص الموكل بالنظام: لم أنت متأخر؟ ودخلت خائفاً وبقلب يخفق على معلمي وأديت له التحية باحترام.
وسواء قدم له التحية باحترام أم لا فأنه سيتلقى الضرب بعصا من المعلم:
لقد قرأ مدير مدرستي لوحي وقال: هناك شي غير موجود وضربني بالعصا.   
وقال الشخص المشرف على الأناقة: لقد تسكعت في الطريق ولم تنظم ملابسك وضربني بالعصا.
قال الشخص المسؤول عن السكون أثناء التدريس: لم تكلمت بلا أذن؟ وضربني بالعصا.
وقال الشخص الموكل بالاصطفاف:لم استرخيت بالوقوف بلا أذن؟ وضربني بالعصا.
وقال المسؤول عن حسن السلوك: لم نهضت بلا أذن؟ وضربني بالعصا.
وقال مراقب البوابة: لم خرجت من البوابة بلا أذن؟ فضربني بالعصا.
وقال المسؤول عن اللغة السومرية: لماذا لم تتكلم باللغة السومرية الصحيحة وضربني بالعصا.
وعلى هذا بدأت أكره فن الكتابة. وبدأت أهمل فن الكتابة.  أن معلمي لم يسر بي حتى أنه أوقف تعليمي مهارته في فن الكتابة.
وفي يأس يتوجه الطالب نحو والده قائلاً:
أعطه زيادة قليلة في مرتبه، ودعه يصبح أكثر عطفا، دعه يتحرر لفترة ما من الحساب (يقصد بذلك التحرر من التفكير المتواصل بتكاليف معيشته. وربما كانت هذه أول محاولة رشوة مدونة في التاريخ)، وعندما يفكر بشؤون الطلبة، دعه يفكر بي أيضا كطالب من بينهم.
 لقد أستمع الأب لما قاله تلميذ المدرسة، وجاء بالمدرس من المدرسة، وبعد أن دخل البيت أجلسه على كرسي كبير. وحضر تلميذ المدرسة وقام على خدمته، ثم كشف لوالده عن كل ما تعلمه من فن الكتابة. عندئذ امتلأ قلب الأب فرحا وقال بسرور لمدير المدرسة: لقد فتح ولدي الصغير يده ووضعت أنت الحكمة فيها، لقد بينت له جميع النقاط الحسنة في الكتابة، وجعلته يرى حلول المسائل الرياضية والحسابية وعلمته كيف يعمق الخط المسماري.
ثم يحول الأب نحو خدم بيته قائلا لهم:
أسكبوا الزيت واجلبوه له إلى المائدة. واجعلوا الزيت المعطر يسيل كالماء على بطنه وظهره، وأريد أن اكسيه بحلة وأعطيه مرتباً أضافياً وأضع خاتماً في أصبعه.
وطاب نفس المعلم من هذا الإكرام وحسن الضيافة فأخذ يطمئن ذلك الناشئ الطامح بتعلم الكتابة........)). 





                                                                                    دريد سليم بولص
                                                                                   بكالوريوس آثار قديم