المحرر موضوع: قراءة نقدية في كتاب هرمز ابونا : صفحات .. عن مار يوسف اودو (4 )  (زيارة 2493 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حبيب تومي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1724
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
[b[color=Red ]قراءة نقدية في كتاب هرمز ابونا : صفحات .. عن مار يوسف اودو (4 )
                                              القسم الأخير [/color]

حبيب تومي / اوسلو
سأحاول في  الحلقة الأخيرة هذه تلخيص الوجه العام للكتاب الموسوم صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية الذي حبره الكاتب الجليل هرمز ابونا وسأتناول بصورة رئيسية ما تناوله الكاتب عن البطريرك يوسف اودو:
ــ لقد اعتمد الكاتب في كتاب تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية بصورة رئيسية على مجموعة وثائق كتبها كرستين رسام الموظف العراقي في السفارة البريطانية [ قنصل ] حسب ما يذكر الكاتب .
 نحن على اطلاع على الخلاف المذهبي الديني  بين الكنيسة الفرنسية الكاثوليكية والى جانبها كنيسة روما ، والكنيسة البريطانية ، وإن هذا الخلاف يمتد الى فرق التبشير التابعة للدولتين ، ناهيك عن المنافسة الأقتصادية والسياسية بين الدولتين للأستحواذ على مناطق النفوذ في العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط ، فمن غير المقنع ان يصدر الكاتب حكمه على الأحداث بالأعتماد على جانب واحد [ البريطاني ] ، دون الأشارة الى الجانب الآخر [ الفرنسي ] لاعطاء رأي شامل على ضوء ما يعرضه الطرفان وليس طرف واحد . فكان الكاتب  يكيل سيلا من الأتهامات على الجانب الفرنسي ومعه القيادة الكنسية الكاثوليكية في روما وليتهمها بأبشع التهم ، معتمداً على جانب واحد من الوثائق البريطانية ومعتبراً اياها حقائق لا يمكن دحضها .
ــ  يورد الكاتب ص138 ـ 140 جدولا بعوائل القوشية هاجرت من منطقة حكاري في اواسط القرن التاسع عشر ، ويسجل الكاتب هامش جاء فيه [ جدول بالعائلات الآشورية المهاجرة ... كما اوردها المطران بابانا في القوش عبر التاريخ ... الخ ].
لا ادري من اين استنبط الكاتب مصطلح ، العائلات الآشورية ،  علماً ان المرحوم بابانا لا يشير الى ذلك (15 ) وهذا القوم نفسه لم يكن يعرف او يعترف بهذا اللقب بحسب المذكرة المرفوعة من قبل  زعماء هذا القوم سنة 1857   ( 16 ) ، ومن هنا ارى ان الطروحات السياسية تأتي على تسييس التاريخ مما يفقده المصداقية في اهدافه الأنسـانية والمهنية والعلمية  .
ــ في الكتاب مادة تاريخية مهمة ، لكن يبدو ان للكاتب موقف مسبق من الكنيسة الكاثوليكية فظهر ذلك جلياً من اللغة التي حبرها الكاتب منها على سبيل المثال :
بداية هجوم روما على كنيسة المشرق ص72
مؤمنو كنيسة المشرق بين فكي كماشة ص 93
روما تنتقل من فشل الى آخر في حملتها ضد كنيسة المشرق ص109
مذابح بدرخان مهدت لبروز الكنيسة الكلدانية ص 137
روما وسياسة فرق تسد بين الكلدان ص148
تحالف المبشرين مع الأكراد ضد بقايا كنيسة المشرق ص 259
انتزاع الكنائس العائدة لكنيسة المشرق بالقوة المسلحة ص 259
روما تفرض الكثلكة على الملباريين بالقوة المسلحة ص 287
في متن الكتاب عموماً فقرات كثيرة تتسم بكون الكاتب طرفاً له رأيه ويسعى الى تسويق هذا الرأي على حساب المادة التاريخية للموضوع  وبعيداً عن الروح الحيادية التي يجب ان يسلكها المؤرخ .
ــ مأساة انسانية تحاول الكنيسة التخفيف من وقعها ، فيفسر هذا الموقف الأنساني تفسيرات بعيدة عن الواقع ففي ص164 نقرأ عن مناشدة مار شمعون اوراهم للسفير البريطاني للتخفيف واسعاف شعبه المنكوب من مذابح بدرخان سنة 1844 م . وعندما تقوم الكنيسة الكاثوليكية بتقديم المساعدات الأنسانية ، يفسر العمل الأنساني بشكل أخر فنقرأ ص 165 :
... ان اعدائنا الذين يدعون المسيحية وهم في الواقع انبياء دجالون ... اضافة الى ذلك فإنهم يستخدمون كل وسيلة ويبذلون كل جهد لارسال عملائهم بين اتباعي المشردين يرشونهم بالملابس والنقود لكي يحرفوهم ويبعدوهم عن رعية المسيح ...
هنا يصبح السؤال مشروعاً : هل العمل الأنساني باسعاف المشردين وأطعام الجياع وإكساء العراة تعتبر رشاوي ؟ وماذا لو امتنع هؤلاء من تقديم المساعدات ؟ بماذا كان يفسر هذا الموقف ؟
                                               البطريرك مار يوسف اودو
مما لا شك فيه ان الكنيسة الكاثوليكية في روما وجدت بين الأوساط الدينية والعلمانية في كنيسة المشرق تجاوباً لدعوتها في رأب الصدع الحاصل في هيكل الكنيسة الكاثوليكية ، فكان تجاوب وتعاون اوساط واسعة من هذه الكنيسة في عملية التئامها والتي يسميها الكاتب عملية انشقاق من كنيسة المشرق .
 ان الكاتب يبرز جانباً واحداً للبطريرك مار يوسف اودو التي وردت في الوثائق البريطانية ، في ص263 نقرأ عن الهجوم على كنيسة المشرق في برور واغتصاب كنائسها بالقوة ..ويستطرد الكاتب  ص263  اشارة الى تقرير رفعه رسام الى مسؤوليه فيقول الكاتب :
ان التقرير يمثل صرخة ابناء كنيسة المشرق في اقليم برور الذي صمد امام المحاولات المستمرة لفرض الكثلكة عليهم بقوة السلاح وضمهم للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الجديدة . وفي  نفس السياق نقرأ ص 266 : .. وكانت النتيجة ان الكنيسة التي كانت روما قد خلقتها وسط برك دماء ابناء كنيسة المشرق بعد مذابح بدرخان بك ولقد استمرت سياسة ( الأضطهاد والفرض القسري ) للعقيدة الكاثوليكية على البقية الباقية من اقليم برور .
 الكاتب يشير هنا ايضاً الى تقرير رفعه الرسام ص ( 269 ـ 270 ) الى مسؤليه وهو يتناول ما يقوم البطريرك يوسف اودو فيقول انه أي البطريرك قد عين المطران توما لمنطقة برور بشكل غير قانوني ، وانه قد صحب معه 60 مسلح كلداني وقابلوا عصمان امير برور .. وبعد إعلامه بغايته من الزيارة ، قام بإهدائه سيفاً وملابس وبندقية وملابس فاخرة .. وبعدها باشر البطريرك بتقسيم الكنائس في المنطقة ... وأن توما مطران العمادية المعين من قبل البطريرك يوسف اودو دخل احدى الكنائس النسطورية بالقوة المسلحة في قرية دوري ... وفي ص 272 يضيف المؤلف : .. وعلى اثر الغارة التي قام بها البطريرك يوسف اودو مستعيناً بالعناصر المسلحة التابعة له وقوته المسلحة الى جانب القوة المرعبة لأمير برور الكردي ضد المؤمنين في هذا الأقليم ...
ان تسويق الأمور بهذا الشكل تضعنا في دائرة تصوير البطريرك يوسف اودو بهيئة غريبة ، وهو مقبل على معركة لا محالة ،بكونه محاطاً بعناصر مسلحة [ 60 ] مسلح كلداني ، وهو في طريقه الى مهاجمة الكنائس والأستيلاء عليها .
 من المرجح ان تكون هذه الصيغة بعيدة عن الواقع .
ان لجوء كل طرف من الأطرا ف الى مراكز القوى في المنطقة امر وارد . الواقع يفيد ان البطريرك مار يوسف اودو تعرض الى السجن بأمر من حاكم الموصل عبدالرحمن باشا بسبب شكوى من مار يوحنان هرمز ، ويتكرر امر اعتقاله عدة مرات ولنفس الأسباب ( 17 ) .
 ان مار يوسف اودو الذي ولد في القوش في آذار سنة 1793 م ودرس في مدرستها مبادئ اللغة الكلدانيـــــــــــة على يد كهنة وشمامسة القوش وبرع بمهنة الطب وهي مهنة العائلة التي غلب اسم مهنتها على اسمها الأصلي فعرفت بعائلة الحكيم .
ان هذا الرجل الذي توفي سنة 1878 م ونقل جثمانه الى دير السيدة حافظة الزروع الذي بناه  شرقي القوش ، وهو الذي بنى دير مار كوركيس في بعويزا وفي ايامه بنيت كنائس كثيرة للطائفة مثل حلب وبغداد وكركوك إذ لم يكن فيها كنائس سابقاً وبنى اكثر من عشر كنائس ، هذا بالأضافة الى مؤلفاته ( 18 ) .
 في كتابه الكنيسة عبر التاريخ نقرأ للأب منصور المخلصي اشارت كثيرة الى كنيسة المشرق ومنها ما مفاده : 
ان البطريرك مار يوسف اودو يعتبر من المدافعين عن شخصية كنيسة المشرق وخصوصيتها ، فمنذ انتخابه بطريركاً عام 1847 م كان يدافع عن مسألة حقوقه في تعيين الأساقفة في كنيسة المشرق ومسألة مرجعية الكنيسة الملبارية الى كرسي بطريرك بغداد ، وكان يطالب روما دائماً الأمتيازات البطريركية والتقاليد الكنسية القديمة ، ولدى عودته الى الموصل حيث انفجرت ازمة ملبار ثانية  ، طلب من روما الأعتراف بحقه على الملبار وأرسل اسقفين الى الهند . مجبراً ً قبل البطريرك الشجاع ، المتقدم في السن ، وقال وهو على سرير الموت :
ما فعلت ضد الكرسي الأقدس ، لم يكن بروح ثورية ، بل دفاعاً عن حق كنيستي ولخير شعبي .
 قام مار اودو البطريرك الكلــــــــــــــداني العظيم ، بتأسيس السيميناير الكلداني {1866 ، 1882 } وشجع على تأسيس المطابع  1866 م للآباء الدومنيكان في الموصل واللآزاريين في اورميا ، مع فتح كلية ومدارس . وثبت الأبرشيات في العراق في كل من الموصل وبغداد وعقرة والعمادية وزاخو وكركوك ، وكذلك في تركيا في كل من ديار بكر وسعرد والجزيرة وماردين وفان ، وفي بلاد فارس في كل من سلامس واورميان وصنا .
 ((( وبفضل هذا التنظيم القوي وقفت الكنيسة الكلـــــــدانية صامدة في وجه كارثة الأبادة الجماعية التي اصابت الكنيستين الأرمنيــــــــــة والأثوريــــــة في بداية القرن العشرين في تركيا ، راح ضحيتها فذبح نصف اعضائها )))  ( 19 ) .
ان البطريرك يوسف اودو كان له دوراً فاعلاً في خدمة شعبه وفي المحافظة على اللغة وعلى الطقس الكنسي الموروث عبر الأجيال وفي الحفاظ على الشخصية والهوية الكلـــــــــــدانية .
ان الأنتقال من الكنيسة النسطورية الى الكنيسة الكاثوليكية لم يكن ليتحقق لو لم تكن مقرونة بإرادة الشعب الكلداني ، كما انها كانت نقلة نوعية تاريخية ، فقد ادخلت فرق التبشير الكثير من عوامل  التطور منها انشاء المدارس  والمستشفيات وتأسيس المطابع لطبع الكتب المدرسية والمؤلفات التاريخية والفلسفية والعلمية ، ان رجل الدين تفرغ للفسفة والأدب والعلوم اللاهوتية ، بعد ان كان شبه امي يتقن بعض الصلوات وبعض المبادئ في الكتاب المقدس . وأن هذا التوسع المعرفي لم يعد مقتصراً على طبقة رجال الدين فقد اصبح في متناول طبقة واسعة من ابناء شعبنا ، ولهذا كان سبب ريادة المسيحيين في العراق بتأسيس دور العلم والمدارس على ارض العراق .
برأيي إن كتابة التاريخ ينبغي ان يكون انطلاقها من اخلاقية الحياد ، ومن الأرضية المهنية ، بعيداً عن المؤثرات السياسية والدينية اياً كان نوعها .
حبيب تومي / اوسلو       
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
15 ـ المطران يوسف بابانا : القوش عبر التاريخ ص46 ـ 57
16 ــ هرمز ابونا صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية ص 273
17 ــ اعداد القس اركان حكيم : البطريرك الجليل مار يوسف السادس اودو ص 13
18 ــ المطران يوسف بابانا : القوش عبر التاريخ ص196
19 ــ الأب منصور المخلصي : الكنيسة عبر التاريخ ص 222 ـ 223
 
                                [/b]
[/[/font][/color]size]