سامي بهنام المالح
22ـ06ـ2005
ليس من الحكمة اختزال قضية شعبنا و حقوقه بأشكالية التسمية
المتتبع للاوضاع في العراق يرصد بجلاء نجاح و تقدم القوميات و الطوائف و المجموعات الدينية المختلفة، بأستثنائنا نحن، في تنظيم امورها و رص صفوفها لمواجهة استحقاقات المرحلة و عملية كتابة الدستور الدائم. فالكل بأستثناء شعبنا الكلداني الاشوري السرياني منهمك في التهيئة للمشاركة في عملية كتابة الدستور و تحقيق اكبر ما يمكن من المصالح و الاهداف. الشيعة رغم الخلافات الكبيرة بين احزابهم و مراجعهم متفقون و لهم تحالفهم العريض الذي حقق الانتصار لهم جميعا، و السنة يتسابقون مع الزمن و يريدون تعويض ما فاتهم من عدم مشاركتهم في الانتخابات و شكلوا تحالفهم الضاغط لفرض مشاركتهم الواسعة و الفعالة في العملية السياسية. و لا حاجة للحديث عن الاكراد وانتصاراتهم و عن تصميمهم لوضع مصالحهم القومية العليا فوق خلافات القطبين المعروفة. و الاخوة التركمان يعملون بوتائر قياسية لتجاوز لخلافات و يبنون جبهتهم القومية، و كذلك الامر بالنسبة للاخوة الصابئة و الايزيدين والاكراد الفيلين. و قوى المجتمع المدني العلمانية و الديمقراطية و اليسارية تحث الخطى هي الاخرى لتجاوز تشتتها و خلافاتها الايديولوجية و العمل معا في تحالف واسع من اجل دستور علماني ديمقراطي. الكل في حركة و نشاط لجمع الطاقات و رص الصفوف، ما عدانا نحن.
اما نحن، فالكثير من احزابنا و تكتلاتنا القومية الاشورية و الكلدانية، تستمر في تصعيد الخلافات و تتبارى في اصدار البيانات و ارسال الرسائل والبرقيات لرئاسة الجمهورية و المجلس الوطني و رئاسة الوزراء و لحكومةالاقليم مطالبة اثبات التسمية الاشورية الخالدة او تثبيت اسم الامةالكلدانية. ان هذه الاحزاب و التجمعات و التكتلات و التي تذيل في بعضالاحيان رسائلها بتواقيع لاحزاب و منظمات و مؤسسات دون علمها او مناقشتها اوموافقتها تدعي انها تمثل الشعب الاشوري كله او انها تمثل الشعب او القوميةاو الامة الكلدانية كلها، و هم يعلمون جيدا ان ادعائهم هذا باطل و كاذب. انهذه الاحزاب التي تناشد الاشقاء العرب و الاكراد الذين يتقاسمون السلطة،تثبيت هويتهم القومية و يستنجدون بهم للانتصار على الطرف الاخر، انما يخسرونهيبتهم و يكشفون عن ضعفهم و يكرسون تشتت شعبهم و انقسامه و يقدمون نفسهمفرسانا لمواصلة المعركة مع ابناء قومهم، و هم في الواقع، شاءوا ام ابوا،بوعي او بغير وعي، يدعون اشقائنا من العرب و الكرد للتدخل في شؤونهم ولتقديم الدعم لهم لتأجيج معركتهم و الانتصار لهم على اخوتهم.
التعصب الاشوري/ان التجمع الوطني الاشوري الذي لا يريد فهم الواقع و لا يريد التحاور والتفاهم و تهيئة الاجواء لجمع الطاقات و رص الصفوف يستطيع طبعا المطالبةبتثبيت التسمية الاشورية و يستطيع ايضا ان يترك الاخرين ان يختاروا ما يشاؤامن اسماء. ولكنه في هذه الحالة لا يستطيع ان يتهرب من المسؤولية التاريخية فياصراره على تكريس تقسيمنا و شرعنته دستوريا. انه بذلك يعمل ضد قناعته وايمانه باننا جميعا شعب واحد. ان التجمع الوطني الاشوري و غيره من المتعصبينلتسمية واحدة ( ألاشورية) يقاتلون من اجل التسمية فحسب، ناسين او متناسينالقضية الاساسية و الاهم، وهي صياغة و تحديد حقوقنا القومية و الدينية والنضال بجبهة عريضة قوية متماسكة جماهيرية من اجل صياغة دستور علمانيديمقراطي يؤسس لرفع شعبنا، وبالتسمية التوافقية الجامعة التي يجب ان نتوصلاليها لتجسد وحدتنا، الى خانة التكافؤ و المواطنة العراقية من الدرجة الاولىاذا صح التعبير اسوة بباقي اطياف العراق، من اجل دستور يقطع الطريق على ظهورو بروز دكتاتورية جديدة و يضمن الشراكة لجميع العراقين دون اي تميز او اعتبارو خاصة اعتبارات الاكثرية و الاقلية و الانتماء الديني. انهم ببساطة لايعونبان حقوق الامة الاشورية كما يريدون تسمية الجميع بها مع كل الاعتزاز والتقدير سوف لن تحقق شيئا ما لم تكن امة موحدة و قادرة على مواكبة التطورات والتغيرات الهائلة التي احاطت و لا تزال بها، و ما لم يضعوا مصير شعبنا ومصالحه العليا، بكل مسمياته و كنائسه و احزابه و اختلافاته، فوق التسمية. ولقد ان الاوان لهم ليدركوا بان حقوقنا التاريخية القومية و الدينية ليستمرهونة فقط بهذه التسمية على اهميتها و دلالاتها ورغم تسمية قضية شعبنا بهافي فترات تاريخية مختلفة. ان الواقع اليوم يفرض الخروج من هذا التقوقع و نبذهذا التعصب للتسمية و الاصرار بدلا من ذلك على طرح قضيتنا الواحدة كقضية لناجميعا بمختلف اسمائنا و انتماءاتنا الكنسية و مشاعرنا و وكمحصلة لمساهمةوتضحيات ابائنا و اجدادنا في النضال الوطني و القومي و الديمقراطي و الكفاحمن اجل البقاء و الاستمرار و المحافظة على ارضنا و تراثنا و لغتنا و مقوماتناكشعب حي.
التعصب الكلداني المضاد/و كذا الحال بالنسبة لتجمع القوى الكلدانية، فهو يؤكد في كل مناسبة على انناشعب واحد، ولكنه في الواقع يستمر في تشييد الجدار االذي يفصله عن الاخرين، ويطالب بتثبيت اسمائنا الثلاثة كثلاث و حدات لها خصوصياتها و كياناتهاالمستقلة، لكي لا يقولها بصراحة و دون مواربة باننا ثلاث قوميات، وهو يؤكدباننا نحن الكلدان نهتم بتثبيت اسمنا الكلداني في الدستور و ليعمل الاخرون مايشاؤا، و هي بالطبع دعوة و تحريض لتثبيت تسمياتهم الاخرى، لنصل بذلك كما هوواضح الى النتيجة النهائية و هي تقسيمنا دستوريا الى ثلاث قوميات او طوائف.فالتجمع لم يهتم بصياغة البرنامج البديل، و لا يريد التعامل مع قضية شعبناكقضية واحدة، و تسعى قيادته من اجل اثارة التعصب القومي و التلاعب بمشاعرالجماهير لمواجهة التعصب الاشوري و الاتكاء عليه كمبرر لتحقيق اهداف مرحليةانية سياسية قصيرة النظر و بعيدة عن الاهداف الاستراتيجية لشعبنا و مستقبله.ان بدعة بناء بيتنا الكلداني، في هذه المرحلة المصيرية و بهذا الشكل والاسلوب الذي و للاسف نجح وقتيا في جربعض من الكلدان الذين كانوا من الداعينالى جمع قوة الكلدان لكي تصبح الدينامو و المقطورة التي تحرك وحدتنا جميعا وتعزز نضال شعبنا الواحد بدلا من انكفائها و انعزالها، انما هي دعوة واضحة ومخططة لقطع الكلدان عن اخوتهم السريان و الاشورين، و بالتالي قطع و تجزئةقضيتنا الواحدة و تجزئة حقوقنا الواحدة و تجزئة عناصر و حدتنا كشعب حي ذاتتاريخ و ارض و تراث و ايمان و لغة واحدة .
نعم ان كلا الطرفين يخططان و يعملان من اجل تكريس تقسيمنا و يسعيان من اجلتثبيت هذا الانقسام شرعيا في دستور العراق. ولذلك علينا نحن الذين نعي كارثيةالنتائج التي ستترتب على نجاح هذا المسعى، ان نرفع صوتنا و نحذر و ان نطالبهمبالتحلي بالحكمة و وضع مصلحة شعبنا الواحد و مستقبله فوق كل شيْ.
الجميع يعلم ، بان الحوار و التفاهم و المحبة و الصدق و الشفافية، والاهمالاستقلالية في اتخاذ المواقف و القرارات، هو الطريق الصائب و الوحيد لمعالجةخلافاتنا و ايجاد الحل التوافقي الانسب لقضية التسمية و لتحديد مطالبنا وحقوقنا لتثبيتها في دستور البلد.
اين تكمن العلة/العلة اليوم تكمن في ان هذه الاطراف التي تعمل على التشبث بمواقفها و الاصرارعلى انها تملك الحقيقة كلها، ترفض القيام بمبادرة صادقة حقيقية للتلاقي والتحاور و التفاهم وتجاوز المصالح الانانية و وضع الشروط ، قبل ان تتبارى وترسل رسائلها و برقياتها للمسؤولين و السلطات العراقية، لتختزل قضيتنا وحقوقنا بالتسمية. العلة تكمن في ان ليس لشعبنا اليوم مرجعية محايدة مقبولة تنال ثقة الاكثريةو تهيْ لجمع الشمل و رص الصفوف و تفعيل الطاقات و الامكانات بغية و ضعالحلول الملائمة و الصائبة لاشكالاتنا و تعقيدات وضعنا، الامر الذي يسمحللمتعصبين وقادة بعض الاحزاب، التي لا يتعدى عدد منتسبيها و جماهيرها عدداعضاء احد انديتنا في ستوكهولم في سبيل المثال الذين يطالبون بالوحدة ويرفضون التعصب و التشتت، بطرح نفسها ممثلة للشعب معتبرة نفسها مرجعيته الشرعية.
تساؤلات/هل يمكن لشعبنا ان يبني جبهته المناضلة وان ينظم مرجعيته التي يمكن ان تستنهضكل جماهيرنا وتوجهها نحو هدف واحد؟ هل من مبرر لمثل هكذا جبهة واسعة مناضلة ومرجعية تتحمل المسؤولية التاريخية؟من الذي سيبادر و سيعمل من اجل هذا الهدف؟من الذي او اي من الاطراف و الاحزاب و اي من المؤسسات الثقافية و الدينية والاجتماعية يمكنها ان تساهم في هذه العملية و تعمل لتحقيق هذه الحاجة الملحة؟
اجوبة و مقترحات/نعم يمكن لشعبنا ان يعي المخاطر المحدقة بمصيره، و ان يؤسس من خلال جمع و لمكل طاقاته و امكاناته الهائلة لمستقبل افضل. اذ لنا كل الحق بان نعيشكمواطنين من الدرجة الاولى وان تثبت حقوقنا السياسية و الادارية و الثقافيةدستوريا وان نساهم في بناء و طننا و تطوير العملية السياسية و تعزيز التطوراتالديمقراطية. فثمة اصوات و ثمة تجمعات و منظمات وثمة شخصيات دينية و اعلامية و اكاديميةمرموقة و ذات تاريخ نضالي مشهود ضد الدكتاتورية و من اجل الديمقراطية، تجمعاليوم على اهمية القيام بخطوات عملية لجمع الشمل و تشكيل جبهة واسعة تجسدوحدة شعبنا و تعمل من اجل توحيد نضاله لتحقيق اهدافه و طموحاته المشروعة. و يجدر الاشادة هنا بدعوة المطران الجليل لويس ساكو ونداءات الابالموقرادريس حنا و الاب الموقر قاشا يوخنا و كذلك بموقف منظمة كلدواشورللحزب الشيوعي العراقي و دعوتها لتنظيم مؤتمر قومي شامل لحل اشكالية التسميةو تطوير نضال شعبنا الواحد، و مواقف التجمع السرياني المستقل و رئيسهالاستاذ ايشوع هدايت و كذلك بمواقف قادة المنبر الديمقراطي الكلداني و فيمقدمتهم الاستاذ سعيد شامايا الوحدوية الصادقة، ومواقف الحزب الوطني الاشوريو دعواته لفهم الواقع و التحاور و التعاون، و نداء الاستاذ نوري بطرس عضوالجمعية الوطنية و عضو لجنة صياغة الدستور و تأكيداته على اهمية توحيدالمواقف والحرص على تثبيت حقوق شعبنا الواحد في الدستور، بالاضافة الى عملو نشاط الكثير من المجالس و الهيئات و لجان التنسيق و العمل المشترك فياوربا و امريكا و في داخل الوطن العزيز. واخرون كثيرون يصعب ذكرهم جميعا معالاعتذار
. نعم ان عدد الذين يطالبون بوحدة الصف و الارادة يفوق كثيرا على عدد اعضاء ومؤازري المتعصبين الاشورين و الكلدان مجتمعين، و ان طاقات الوحدوينوانفتاحهم و استعدادهم للحوار و تجردهم من المصالح الحزبية و الشخصية هياكبر بكثير من طاقات المتعصبين وانغلاقهم و حصر اهتمامهم بمصالحهم الحزبيةالانية الضيقة و اثارة اشكالية التسمية.
ان ما هو واضح الان بان هذه المنظمات و المجالس و اللجان و الشخصيات الوحدوية مطالبة بالتحرك و عدم الانتظار و التعويل على المزايدين و المشغولينبحساباتهم و ضمان مصالحهم. لقد ان الاوان للتحرك و الاعداد لمؤتمر عام شاملواسع. ولتبدأ المبادرة من عقد هكذا مؤتمرات مصغرة في جميع مناطق تواجد ابناءشعبنا للحوار و التفاهم و التوافق و تهيئة افضل المقترحات لنقلها باسم جماهيرشعبنا في كل مكان الى المؤتمر الواسع، الذي لا بد من عقده، لتنبثق منهالمرجعية المخلصة المجردة من المصالح و التسابق الى الحصول على المكاسبالحزبية، و المرجعية التي ستهتم قبل كل شيْ بمعالجة و ضع شعبنا الداخلي وايجاد الحلول المناسبة للاشكاليات التي تشله و تجعله ضعيفا و اقل هيبة فيالساحة العراقية.
ان الكل يتحمل المسؤولية و لا يمكنه الانتظار و ترك المزايدين و الانتهازين والثرثارين، ليتوجهوا الى الجهات المسؤولة للقتال حول التسمية دون اي التفاتةالي جوهر القضية و دوناي فهم لمنطق الامور و حاجات التطور و حركية الواقع،عالميا و اقليميا و عراقيا.و لا بد هنا من الاشارة و بمنتهى الصراحة الى ان كنائسنا و ابائنا و فيمقدمتهم غبطة البطريرك مار عمانوئيل دلي ووغبطة البطريرك مر دنحا الرابع يتحملان مسؤولية تاريخية في الدعوة الى الوحدة و المساهمة في تنقية الاجواء ونشر المحبة بين ابناء الشعب الواحد، و الدعوة الجريئة و الصريحة و الواضحةالى نبذ استخدام اشكالية التسمية و التعدد الكنسي لتقسيم و تشتيت شعبنادستوريا.
فاهلنا و جماهيرنا تحتاج اليهم و الى مواقفهم و تواجدهم قريبين من الحدث والاوضاع و الظروف الطارئة و خاصة في هذه الفترة، فترة كتابة الدستور. لننتصر لحقوق شعبنا و لنعمل جميعا من اجل مستقبل لائق لاجيالنا القادمة، ولنعالج مشاكلنا الداخلية بالمحبة و نكران الذات و الاخلاص و لننبذ كل منيزرع الفرقة و ينمي الكراهية و يريد اختزال قضية شعب باشكالية التسمية اوالاختلافات السياسية و المنافع الاخرى.