المحرر موضوع: فلنتعلم من هذه البغدادية الاصيلة كيف ندخل البهجة على قلب يتيم  (زيارة 1916 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل sahir

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 238
    • مشاهدة الملف الشخصي


فلنتعلم من هذه البغدادية الاصيلة كيف ندخل البهجة على قلب يتيم

محمد حسن الموسوي

almossawy@hotmail.com

زهرةٌ في اول ربيعها الثاني والعشرين تحمل بين جنبيها روح عشتار آلهة الخصب والانوثة والنماء وتحمل فصاحة الخنساء وعشقاً حد الهيام لذرية الزهراء وتأسيا ً ببطلة كربلاء زينب الحوراء. شاءت الاقدار ان تعيش الغربة والمنفى مبكرا ً يوم كانت بنت التسعة اعوام , غادرت مدينتها  المحبوبة بغداد على وجلٍّ بعد ان غزاها الاشرار فحلَّ بها الخراب والدمار وهجرها التقاة والابرار وأستوطنها البدو والتتار القادمون من اعماق البداوة والصحراء, اجلافٌ حفاة, يكرهون الحب والحياة, ويعشقون الكره والممات. اجتاحوا مدينتها الجميلة الغافية بين احضان دجلة الخير والبساتين كاجتياح الجراد للحقول الخضراء والصفراء فحولوا صبح  دار السلام  الى ليلٍ دامس ٍ وطبقات من الظلمات لأنهم خفافيش لا تعيش الا في الظلام.

تركت بغداد وفي حلقها شجى وفي عينها قذى ودمعةً وفي صدرها الرحب زفرة وفي قلبها المكلوم لوعة, تخنقها العبرةُ كلما تذكرت ايام الصبا على شطآن دجلة وفي الازقة الضيقة للمحلة القديمة. أمست بغدادية لتصبح لندنية حيث لا النهر ولا شعر البنات ولا مِن احدٍ من اصدقاء الطفولة او الرفيقات. مدينة تصحو على الضباب وتمسي على المطر لا شمس فيها ولا دفء خريف العراق, شوارع مكتظة بالناس ولكن ليس فيها ناس , لا (حجي) خضير ابو الشوربة ولا (حجي) زبالة ابو الشربت. ناس لاتعرفهم ولم ترهم من قبل ولغة لم تكن قد تعرفت على ابجدياتها بعد . كان عليها ان تبدأ حياتها من جديد وتنسى فرحة (المراجيح) في العيد. وتمر الايام والشهور وتمضي السنين والدهور والجميلة الصغيرة اصبحت بعد عقد ٍ ونصف امرأة رشيدة تنطق فهما ً وتنضح علما

عقلها اكبر من سنها, ورجاحته حيرت ذوي الالباب من الاصحاب والاحباب, حديثها الدائم عن الوطن في البيت وفي العمل واذا سألتها من انتِ تجيبك على الفور ومن دون وجل I am Iraqi ,I am proud of  ومعناها انا عراقية ٌ ,انا فخورة. عجيبٌ امرها كأنها عاشت الدهر كله في العراق حتى تحول الى معشوقها الاوحد, ذابت به جوىً وحملته في فؤادها هوىً. تتضرع الى الخالق ان يرجعها الى معبودها بعد ان يخلصه من قيد آسريه من البربر من عصابة صدام الغجر ويستجيب الربّ دُعاءها ويسقط الصنم فتطل على قلبها المهموم بشائر الامل وأخيراً ستعود الى حضن الوطن بعد طول غياب وَشجََن.

لكن فرحتها لم تعمر طويلا ً ولم تدم كثبرا ً فكارثة المقابر الجماعية سرقت البسمة من شفتيها وحولت فرحت التحرر الى كدر. ملايين من الايتام ومثله من الثكالى والارامل بلا معيلٍ او سكن. فرياح التحرير سارت بما لاتشتهي السَفَن. بكاءٌ وعويلٌ وصراخٌ وأنين. أمٌ منكوبةٌ بفقد ابنائها الأربعة جاءت تبحث عنهم بين ركام العظام وتندبهم بلوعةٍ وترثيهم بلهجتها الجنوبية:

أنا أم الاربعة الراحو ولا جو

او بعدهم ارض متلمني ولا جو

اشكثر ونووا على الغبرة ولا جو

كضوا كلهم جتل بسجون البعثية 

 وأبٌ ابيضت عينيه من الحزن فهو كظيم  وأحدودب ظهرهُ من فرط الاسى ينبش الارض بحثاً عن فلذة كبده ولده ابن العشرين ومعه حفيده يدلهُ على الرفات والجثث جلسا ُقربَ جثة ً محفوظة بكيس ابيض مكتوبٌ عليها جثة (عبد الحسن عبد الزهرة الفراتي) يحضن الاب المنكوب الجثة يخاطبها بلهجة ٍ فراتية ُتقطع نياط القلب( بويه عبد الحسن تسمعني , جاوبني يابعد روحي, بويه ليش عفتني او رحت) ثم يرثيه قائلا ً:

انا ِرِدتك ما رِدت دنيا ولا مال

اتحضرني لو وكع حملي ولا مال

يبني خابت ظنوني والآ مال

عند الضيج يبني اكطعت بيه

 وأختٌ تندب اخاها الوحيد الذي خلف بعده ثلاثة ايتام لا معيل لهم ولا كفيل سوى الله وما تجود به ايادي المحسنين . فتاةٌ بعمر الزهور تجهش بالبكاء الى جنب امها التي تندب زوجها الذي اختطفه البعثيون في سابع عرسه قبل ثمانية عشرة عاما ً تشكو اليه همها وغمها وتخبره بما فعلت نائبات الدهر بها تبكيه بحرقة ٍ وتخاطب رفاتهُ ظنا ً منها انه سيجيبها:( ابو فاطمة هذي بنتك فطومة الي ما شفتها او ما شافتك راح اتروح للجامعة وتصير طبيبة. فطومتك كبرت او صارت مره او كاموا الخطابة يجوها  اتكول ماراح اتزوج الا يجي بابا ). منظرٌ آخر, ابنٌ يحمل كيسا ً ابيضاً وبداخله عظامُ ابيه ودموعه تجري على خديه يتمتم بشفتيه اليابستين من الألم (بأي ذنب ٍ ُقتلت).

مشاهدٌ وصورٌ  ُتبكي الصخر وُيشيب لهولها الرضيع. نساءٌ رملت وامهاتٌ ثُكلت واطفالٌ  ُيتمّوا مَن لهؤلاء؟ تتساءل البغدادية الاصيلة والدموع تتلألأ ُ في مقلتيها. ُتقسم بربِّ العالمين وبالملائكة اجمعين وبرفات عظام ابناء المقابر الجماعية المظلومين ان تبذل قصارى جهدها لأعالة اليتامى والمعوزين, فتشمر لأجلهم عن ذات الشمال وذات اليمين , فيهديها قلبها النقي كنقاوة الفرات الى فكرة تجمع من خلالها شيئا ً من النقود ويتفتق عقلها الكبير عن طريقة حضارية لجمع المبلغ المطلوب لدعم يتامى المقابر الجماعية وتعرض الفكرة على صديقتيها اللتين رحبتا بها ويبدأ العمل بالمشروع .

فكرةٌ بسيطة ٌ ,تستقطع البغدادية الوفيةُ لشعبها مبلغاً من معاشها الشهري البسيط وتجمعه مع ما جادت به شريكتاها وتدفعه لمطبعة اتفقت معها على تصميم باج للعلم(العراقي). الآف من الباجات الجميلة والمُصممة بذوق رفيع ذلك هو ذوقها تدفع بها الى مراكز تجمع العراقيين لبيعها وفي الجامعات وفي كل مكان فيه تواجد للعراقيين (اشتر باجا ً وادخل السرور على قلب يتيم) هذه هي العبارة التي تعبر عن المشروع.

قررت البابلية تحويل مشاعرها النبيلة تجاه اليتامى الى حركة في الواقع وبدلا ً من ذرف الدموع عليهم اصرت على ان تدخل البهجة على قلوبهم بمبلغ ولو زهيد. سألتُها لماذا هذا العلم بالذات وهو غير محبذٍ عند الكثيرين؟ قالت لسببين الاول حتى أ ُرضي رغبة الجيل الجديد من العراقيين الذين ولدوا هنا ويرغبون بحمل شعارٍ يشيرُ الى عراقيتهم وُيعرف الناس بانهم عراقيون وليثبت انتمائهم وهويتهم العراقية والسبب الثاني حتى أ ُذكر  بقية العراقيين بأن هنالك ايتام لنا, عيونهم تربو الينا, وكذلك لأشجعهم على فعل الشئ نفسه او التفكير بمساعدتهم  كلٌ حسب طريقته وقدرته ولنُدخل البهجة الى قلوبهم وقلوب اسرهم.

بالله عليكم اليس هذا افضل من تنظيربعض المنظرين وتسطيربعض المسطرين؟

 تعالوا فلنتعلم من هذه السومرية الابية كيف ُندخل السرورعلى قلب يتيم ولنتذكر قول الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم (انا وكافل اليتيم كهاتين*  في الجنة).

* اشار الرسول (ص) الى السبابة والوسطى .                     

   الرافدين
www.alrafidayn.com