الوصية الرابعة: أحفظ يوم الرب (الأحد)
قبل أن نلج في وصية أحفظ يوم الرب (الأحد)، لابد أن نوضح معنى يوم السبت اليهودي الذي يحتفل به حالياً، كي نتمكن أن نفهم ماذا يعني لنا يوم الرب (الأحد).
1ـ يوم السبت:
لقد وردت وصية السبت في موضوعين أحدهما يكمل الأخر:
الأول في (سفر التثنية 5: 12ـ15). " اذكروا يوم السبت لتقديسه. في ستة أيام تعمل وتصنع كل عملك. وأما اليوم السابع فسبت ليهوه إلهكَ ".
إن كلمة التقديس: تعني فرزاً من الأيام الأخرى. أي بعدم العمل، التوقف عن العمل. التوقف إذاً قطعاً واضحاً. وأن السبت لإسرائيل سبت ليهوه، أي خصوصية إسرائيلية.
الثاني في (سفر الخروج 5: 12ـ15): " في ستة أيام تعمل وتصنع جميع أعمالك. أما يوم السابع فهو سبت للرب إلهكَ لا تعمل فيه عملا أنت وأبنك وأبنتك وعبدك وثوركَ وحماركَ"
في هذا النص يفسر السبت أيضاً كتوقف عن العمل، كما يبرز فيه إلى حماية الإنسان الضعيف في المجتمع، لا يلغى الرق كظاهرة اجتماعية ولكن في الاستراحة مثلك. أي يحاول مع الزمن هدم مؤسسة الرق نفسها. إذاً هدف السبت: التوقف عن العمل، وتحرير السيد والعبد من عبودية الطمع الذي مراراً يتسم بالعمل البشري.
إن الاحتفال بالسبت هو علامة العهد بين الله وشعبه: كلم الله موسى قائلاً:" وأنت كلم بني إسرائيل وقل لهم: أحفظوا سبوتي لأنها علامة عهد بيني وبينكم، ليعلموا إني أنا الرب مقدسكم .... (خروج31: 12ـ 17).
كما أن الاحتفال بالسبت هو علامة التذكير بالتحرير من عبودية مصر."أذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر فأخرجتك من أرض العبودية ... (تثنية5: 15).
لقد أودع الله إسرائيل السبت كهبة، ليكون يوماً مميزاً فيه يتذكر عظائم يهوه، ويستريح ليتأمل بالعالم ويرى ما حوله حسن جداً. إنهُ يوم الراحة الذي باركه الرب وقدسه وفرزهُ عن بقية الأيام. بالطبع، حياة الإنسان كلها وزمنه كلهُ يجب أن ينقضي تسبيحاً وشكراً للخالق. كما أن علاقة الإنسان بالله بحاجة إلى فترات محررة بالصلاة، فترات حوار حب لا ينصرم ولا يقع في الرتابة، هذه العلاقة التي يرفع فيها الإنسان إلى الله تسبيحه ملتمساً صوت الخليقة كلها.
2ـ يوم الأحد:
اعتبر المسيحيون أول يوم بعد السبت عيداً لهم لأنهم أدركوا فرادة الزمن الجديد وأن قيامة المسيح تمت في هذا اليوم حيث يتحقق في المسيح السبت ملئ معناهُ. يقول القديس ايرونيموس:" ان يوم الأحد هو يوم القيامة، يوم المسيحيين، إنهُ يومنا". أنه فصح الأسبوع، أي اليوم الذي نحتفل بهِ بانتصار المسيح على الخطيئة والموت.
ماذا يعني يوم الأحد لنا؟
يوم الأحد هو يوم الرب وهو يوم الجماعة. وجماعة المؤمنين هي كنيسة المسيح الموجودة كحقيقة منظورة، لذا تلتئم الجماعات معاً كي تلتمس في الافخارستية رحمة الله التي يمنحها في موت المسيح وقيامته. كما أن هذا التجمع علامة ظاهرة لأيمانهم، كما هو ضرورة حيوية للجماعة. لذلك تؤكد الكنيسة بأن افخارستية الأحد هي الأساس والتثبيت لكل الممارسة المسيحية. لذا يلزم المؤمنين بالمشاركة في الأفخارستية يوم الأحد (2181).
لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط:
تؤكد الكنيسة على أن المسيحيين الذين تتوفر لهم أسباب الراحة عليهم أن يتذكروا إخوانهم الذين لهم الاحتياجات والحقوق نفسها، ولكنهم لا يستطيعون الاستراحة بسبب الفقر والعوز. وقد درجت التقوى المسيحية تقليدياً على تخصيص يوم الأحد بالأعمال الصالحة والخدمات المتواضعة للمرضى وذوي العاهات والمسنين (2186).
إن هذا اليوم هو نعمة للإنسان، عليه أن يلتفت إلى أخيه الإنسان المحتاج، وهكذا سيعبر عن فرحه في يوم الرب وسيعطيه طابعه الخاص. لكن في الكثير من الأحيان لا تسير الأمور على هذا المنوال ممكن أن نرى ذلك خلال قراءتنا لرسالة البابا يوم الرب حيث يورد فيها:
" أنه لا يخفى علينا أن تقديس نهار الأحد حتى تاريخ غير بعيد، كان ميسراً في البلاد المسيحية التقليد عبر مشاركة شعبية واسعة وعبر النظام المجتمعي نفسهُ، الذي كان يلاحظ راحة يوم الأحد عنصراً ثابتاً في القواعد المتصلة بالحياة المهنية. أما اليوم نرى أن تطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية قد أدى إلى تغير التصرفات الجماعية تغيراً عميقاً ومن ثم تغير ملامح الأحد. لقد رسخت رسوخاً واسعاً ممارسة نهاية الأسبوع بمعنى زمن الراحة الأسبوعية التي يقضيها الناس أحياناً خارج المنزل والتي تتميز بطابع المشاركة في نشاطات ثقافية ورياضية تتزامن مع أيام العطلة. نحن هنا بإزاء ظاهرة اجتماعية ثقافية تساهم في النمو البشري وتقدم الحياة الاجتماعية. وكل ذلك أفقد يوم الرب طابعه الخاص وأمسى مجرد نهاية الأسبوع".
المطلوب من أتباع المسيح أن لا يخلطوا بين الاحتفال بالأحد بصفته تقديساً حقيقيا ليوم الرب مع نهاية الأسبوع المفهومة كمجرد وقت لراحة أو الهروب من العمل. ولكن العكس من ذلك، على أتباع المسيح أن يسعوا إلى الاعتراف بأيام الآحاد والأيام الكنسية كعطلة رسمية، عليهم أن يعطوا للجميع مثلاً علنياً على الصلاة والاحترام والفرح، وان يدافعوا عن تقاليدهم (2188).
إن يوم الرب هو ليجد الإنسان ذاته، بعيداً عن العمل والدوران الذي يعيشه طوال الأسبوع. لذلك ممكن أن يكون لعطلة نهاية الأسبوع مدلولاً إيجابياً عندما تصبح مجالاً لـ:
1ـ تحرير الإنسان من ضغوط العمل اليومي وإتاحة التصرف الشخصي بوقت فراغه.
2- توفير الإنسان، فيما وراء ما يتوجب عليه من عمل فردي، وقت لراحة والترفيه والتأمل، إضافة إلى الاشتراك في الاحتفال بالقداس الإلهي.
3ـ إفساح المجال للمشاركة في مختلف الاحتفالات ودروس التثقيف المسيحي واللقاءات مع الأهل والأصدقاء، وإقامة العلاقات الاجتماعية وتقويتها.
4ـ من خلال تعاقب العمل والوقت الحر، تجعل الكثيرين يفطنون إلى تنظيم مشترك للحياة.
5ـ تقديم للعائلة حيزاً من الحرية يمكن استغلاله في سبيل التفرغ لها أكثر من أيام الأسبوع في العمل.
هكذا تكون عطلة نهاية الأسبوع مكسب مهم، ينبغي عدم انتهاكها أو تفريغها من معناها بسبب مصالح اقتصادية أو غيرها.
المصادر: ـ يوم الرب، رسالة البابا يوحنا بولس الثاني.
ـ المسيحية في أخلاقيتها، المطران سليم بسترس
- الكلمات العشر (الوصايا العشر)، الأب كوب ألمخلصي.
مع محبي
الأب أنور زومايا
30 \11 \ 2005