كنيسة الطاهرة .. سنواتٌ للذاكرة
نمرود قاشا
Namroud_kasha@yahoo.com
1. القرار ( 1931)
لما لاحظ اهالي بغديدا (قره قوش) بأن كنيسة الطاهرة القديمة ونتيجة للزيادة الحاصلة في عدد السكان باتت لا تستوعب الخوديدين وخاصة في الاعياد والمناسبات، مما حدا بهم الى التفكير ببناء كنيسة اخرى، وعليه فاتحوا سيادة راعي الابرشية المطران جرجس دلال اثناء زيارته للبلدة عام 1931 مع القاصد الرسولي "انطوان درابييه" والذي لم تَرقهُ الفكرة على اساس "عدم الحاجة الى بناء كنيسة جديدة وان كنيسة مار يوحنا كافية، اضافة الى ان روما لا تستطيع مساعدة مشروع كهذا في الوقت الحاضر"(1).
الا ان الخوديديين اصرّوا على بناء كنيسة جديدة معتمدين في ذلك على ابناء البلدة في دعم المشروع بالمال او العمل المجاني. وعلى هذا الاساس باشر ابناء محلة الطاهرة "محلة ايتا" بتشكيل لجاناً سبع تعمل كل لجنة ليوم كامل في الاسبوع اضافة الى لجنة مشرفة على هذه اللجان مكونة من وجهاء محلة الطاهرة. وهكذا كان قرارهم المباشرة بتهيئة المواد الاولية ولوازم البناء بعد ان استطاعت اللجنة العليا اقناع "اصحاب العرصات والبيادر الواقعة على حدود ارض الكنيسة لادخالها ضمن الارض المزمع اقامة البناء عليها"(2).
2. المعول الأول/ 28 آب 1932
في هذا التاريخ كان الخوديديون على موعد مع الراعي الجليل "جرجس دلال" وهو يتقدم الحشود ليضع الحجر الاساس لكنيسة كانت فيما بعد اكبر واضخم كنائس العراق والتي جاءت بابعاد 54×24م. ومنذ اللحظة التي غادر فيها المطران "دلال" مكان الاحتفال بدأت المعاول تشق الاسس في حملة عمل شعبي قل نظيره والتي جاءت "بعمق 4م وعرض 4م، استغرق العمل في الحفر وبناء الاسس بحدود ثلاث سنوات"(3) وعندما وصلت هذه الاسس الى مستوى سطح الارض "سارت عليها السيارة العائدة الى (يعقوب مقدسيه) والتي كانت من نوع شوفرليت موديل/ 1930"(4).
بعد هذا التاريخ بدأت التفاصيل العمرانية لهذا الصرح بالظهور للعيان، وكلما كان البناء يرتفع عن سطح الارض يزداد زهو الخوديديين ويزداد اصرارهم في اكمال المهمة التي قطعوا العهد على انفسهم بأكمالها.
3. سنة القحط ( 1939)
بعد سبع سنوات من العمل المتواصل والذي كان اغلبه مجاناً اضافة الى التبرعات التي كانت على شكل مواد زراعية (حنطة، شعير) وانشائية او مصوغات ذهبية وفضية اضافة الى الاموال.
ولكن موسم هذا العام والاعوام التي سبقته كانت شحيحة اضافة الى اثارة الدعاوي الخاصة باراضي قره قوش، وتوتر الوضع السياسي في العراق ومخاوف الحرب العالمية الثانية، كل هذه الامور كانت السبب في توقف العمل لفترة محدودة قامت اللجان خلالها بحملة لجمع التبرعات من الخيرين من ابناء البلدة وخارجها.
4. التكريس (7 تشرين الاول 1948)
وهكذا إذن بعد (16) عاماً من الجهد الذي قل نظيره، وقطرات العرق الذي غذَّى مساحة (1296م2) اكتمل بناء هذا الصرح الشامخ ليؤكد للاجيال صلابة وعزيمة هؤلاء الناس البسطاء ولكنهم اقوياء "جُلُهّم مزارعون، كادحون، صناع، مبدعون، واشداء مدافعون عن حياض بلدتهم، مضطهدون في عهد العنصرية والتطرف.. هم ايقظوا الضمائر الغافية، ونشطوا الهِمم، وبعثوا في المجتمع نخوة وحميّة لتشييد هذا الصرح الشامخ، الناطق بعرق الجباه، وقوة الارادة وحماسة التقوى.."(5).
فالراعي الجليل الذي تقدم الحشود يوم ضرب المعول الاول، نفس هذه الحشود تقدمها هذا "الشيخ" ليقول لهم هذه المرة بان تلك القطرات من العرق التي نضحت من هذه الجباه اثمرت هذا الصرح الشامخ.
5. الترميمات (1962 ــ 1995)
كان لا بد من بعض الاضافات كنتيجة حتمتها الزيادة الحاصلة في عدد النفوس، كان للاب يوسف ككي مسؤول كهنة قره قوش عام 1962 اليد الطولى في اضافة الرواق الخارجي للكنيسة من الجهة الشمالية وبناء البيم الداخلي ثم بناء الرواق من الجهة الجنوبية. وعندما اصبح الاب لويس قصاب مسؤول كهنة قره قوش اشرف على انشاء برج فخم للناقوس عام 1975، بعد ان جدد القبة الرئيسة بمادة الكونكريت المسلح عام 1968. الاب شربيل عيسو هو الاخر شمر عن ذراعيه ليكمل اكساء الكنيسة بالحلان عام 1982.
فاتنا ان نذكر بان نهاية التسعينات هدت ترميمات على سطح الكنيسة وطلائها باللون (الخمري) الذي لا زال علامة مميزة لقبتها الرئيسية.
6. القرار الصعب (25 ايار 2004)
نتيجة للتصدعات الحاصلة في العديد من هياكل الكنيسة، اضافة الى التخسفات الحاصلة في الاعمدة الرخامية الضخمة التي تحمل السقف البيضوي، فعليه لا بد من اجراء ترميم اساسي لمعالجة هذا الخلل الحاصل. فقررت اللجنة المكلفة لدراسة واقع الكنيسة دعم الاسس وسند الاعمدة من جذورها ومعالجة التصدّعات الخطرة والسقوف والجدران.
ان عمل كهذا يتطلب قراراً صعباً واموالاً ضخمة للمباشرة بالتنفيذ.. وهكذا كانت الايادي البيضاء التي امتدت لدعم هذا المشروع .. لياتي بعد ذلك دعم الاستاذ سركيس آغا جان الغير المحدود ليتحقق بذلك التجديد الشامل لها.
7. الاحتفالية العرس (4 تشرين الثاني 2005م)
قبل سبع وخمسون عاماً من هذا التاريخ كان الشيخ الجليل (جرجس دلال) يتقدم الحشود في احتفالية رائعة يتذكرها (شيوخ بغديدا) جيداً حيث كانوا في حينها اطفالاً.
شيخ آخر او لنقل (جرجس آخر) قاد تلك الحشود مدة اخرى في احتفالية العرس، عندما شق المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى الجموع التي احتشدت لتكون شاهدة لصباح العشق الباغديدي، فعلىانوار الاية الانجيلية "انت الصخرة، وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي" اجتاز الموكب البوابة الكبرى لكنيسة الطاهرة الكبرى بعد ان كانت النواقيس تطلق رنينها في التاسعة من صباح يوم الجمعة الرابع من تشرين الثاني عام 2005م، محافظ نينوى ومعاونه كانا في مقدمة من شهد هذه الاحتفالية، مطارنة اجلاء زينوا المذبح الكبير وشاركوا في هذا العرس فكانت كلمات (رحو) الهادئة وقراءات (ساكا) المهيبة وتراتيل (شعيا) اضفت على هذه الاحتفالية رائحة طغت على رائحة البخور.
بترتيلة (توبشلوم) كانت الانطلاقة، ثم (طوبولوخ) التي انطلقت من افواه (جوق اصدقاء يسوع) الجميلة، ثم (صخرتي) لنفس هذه الافواه.. كلمة رئيس كهنة قره قوش الاب لويس قصاب كانت "قصيدة كل القصائد" تلتها قراءات روحية من الكتاب المقدس، لتأتي بعدها كلمة راعي الابرشية المطران مار باسيليوس جرجس القس موسى، ليوضح بالكلمة والرقم مراحل الاعمار منذ القرار الصعب حتى لحظة الافتتاح، ولم ينسى ان يشكر كل الذي ساهموا بالمال والجهد والكلمة في جعل بغديدا ان تعيش هذه اللحظات. كما تم افتتاح معرض فناني بغديدا المقام في قاعة دار الاباء الكهنة شارك فيه الفنانون التالية اسمائهم:
سامي لالو لوثر ايشو بهنام اسحق
اخلاص متي عماد بدر لميع نجيب
ميعاد سامي انعام بولص امانج بهنام
غزوان كرش وسيم يوسف وسيم صباح عمار بهنام رؤى فرج لينا ابلحد فداء سولاقا ندى سالم نوار بهنام سؤدد نمرود روزا موشي.
كما قدمت فرقة مسرح قره قوش بالتعاون مع الشباب المسرحي في الخورنة عصر اليوم نفسه عملاً مسرحياً في داخل الكنيسة بعنوان "من الازل الى الابد" من تأليف طلال وديع واخراج الفنان نصار مبارك. وتمثيل: نشأت مبارك مجدل جمال
عدنان خضر غازي ياس فادي نوئيل رائد ميخائيل ميثاق ميخائيل نصير جورج
صدام سالم كرم خضر رغيد يوسف جون خضر ايفان سالم احسان حبش
رحمة جمال عذراء هادي رشا بولص ساهرة ناصر وعد توماس براق هادي
انس زهير ساندي افرام ارامسن جورج كرم سعدالله روميل خالد فادي ميخائيل
وفي عصر اليوم التالي 5 تشرين الثاني 2005م اقام نادي قره قوش مهرجانا رياضياً حافلا على ملاعبه بمناسبة تجديد كنيسة الطاهرة.
قام بتنظيم احتفال افتتاح كنيسة الطاهرة الكبرى بعد تجديدها الشامل: لجنة الخدمة والحراسات ووليد الخورنة الجديد الرائع "كشافة السريان" (الذي يشرف عليه مركز السريان للثقافة والفنون). فتيان وفتيات بزيهم الكشفي الاخاذ واعلامهم الملونة والاتهم الموسيقية قد اضافوا الى عرس بغديدا زهوا وبهجة.
واذ احتفلت بغديدا بتجديد كنيستها الكبرى انما احتفلت بتجديد اعماق انسانها المحتفل بالحب والسلام ابداً.[/color]