المحرر موضوع: الثقافة ودورها في المجتمع الجديد ( 3 )  (زيارة 1555 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل rashid karma

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 499
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الثقافة ودورها في المجتمع الجديد ( 3 ) 




 رشيد كَرمه

قد يعتقد البعض المؤدلج انه وحده فقط يمتلك الحقيقة كاملة , رغم ان لا وجود للحقيقة المطلقة وان كل الأشياء نسبية , ولقد كثر هذا _ البعض _ وتسيد على الناس البسطاء ليس من واقع العراق الحالي أو من حال الشعوب العربية الآن , أومن واقع البشر في أرجاء المعمورة , ولكن منذ ان انتحل الأنسان صفة الوكيل, والخليفة , والأمام , والأمير , والولي ,  والعبد الصالح , على الأرض دون عقد مكتوب وموثق ومصادق ومعترف به _ بضم الميم وفتح التاء _, الا ان هؤلاء بسطوا سيطرتهم على الناس بطريقة وأخرى وبمراحل تاريخية مختلفة وقديمة قدم الأنسان وما الأديان الثلاثة ( المسيحية , اليهودية , الإسلامية )الا خلاصة أديان شتى خلقها الإنسان واصبحت منتجا ثقافيا يتداولها في حله وترحاله .
ولازالت بعض من الطقوس تمارس هنا وهناك ولعل الهند ومناطق في آسيا وأفريقيا وبعض مناطق العالم خير دليل على ان الأنسان يخلق وباستمرار مايحتاجه , ومن الواضح للعيان ان المنتج الثقافي ليس بالضرورة من خارج البيئة الجغرافية  او من خارج الأيديو لوجيا الواحدة فلربما طفت على السطح الكثير من الأفكار من نفس الفكرة ( الأصلية ) وليكن الدين الأسلامي  مثلا ً, وإلا كيف نفسر ظهور أكثر من 70 فرقة إسلامية واحدة منها هي الناجية طبقا للحديث النبوي !!!
في هذا الجزء الثالث من موضوعة الثقافة ودورها في المجتمع نقرأ:
المَــرئي و اللاَمــرئي في الأدب والسياسة للراحل العراقي الإنسان  هادي العلوي
في القرن الثالث الهجري ظهر التسنن, وفي العراق أيضا ً. وكان ذلك بدعم من الخليفة العباسي المتوكل الذي أعلن الحرب على جميع الفرق الإسلامية وسعى لأيجاد فرقة مرتبطة به وتستند الى سنة النبي  استنادا ًشرعيا ً بعيدا ًعن الملابسات السياسية التي حكمت سلوك الفقهاء قبل عهد المتوكل , وكان شاعر المتوكل , علي بن الجهم , اول شاعر سني بهذا الشرط . وقد تخصص في الدعوة الى التسنن واستعمل مصطلح _ سني _ في شعره .
ولكونه ترعرع في ظل المتوكل فقد رهن تسننه بمعاداةة علي بن ابي طالب فكان يهجوه بالأسم في قصائد يبدو انها اهملت فيما بعد فلم تدرج في ديوانه . وقد وصلتنا ردود عليه من دعبل الخزاعي وهو شيعي إثني عشري , ومن البحتري وهو مستقل لا ينتمي إلى فرقة أو طائفة *****, ونجد هنا افتراق التسنن بمعاداة علي ولكن في نطاق الأدباء . اما المتكلمون فانصرفوا الى تأسيس العقيدة السنية مع احتفاظهم بتقديس علي بوصفه الخليفة الرابع وصهر الرسول وفارس الأسلام , ولم يتأثروا بسياسة المتوكل في هذا الخصوص , وكان ابن كُلاب _ ضم الكاف وشد اللام _ أول متكلم سني نشط في عهد المأمون حتى أواسط عهد المتوكل , وربما يرجع اليه اسم أهل السنة الذي ظهر لأول مرة في عهد المأمون ولكن في حدود لم تصل به الى الشيوع الذي تم له في عهد المتوكل ,
ويروي المسعودي في مروج الذهب مهاترة بين المأمون وعمه براهيم بن المهدي وكان المأمون يتشيع _ على الطريقة الأثني عشرية _ وابراهيم يتسنن ذكر فيها لفظ شيعي , وذكر المأمون لفظ المرجي بدلا من السني , مما يدل على عدم استقرار الاسم في ذلك العهد .
وفي غضون القرن الرابع كان التشيع والتسنن في الطريق الى اقتسام المجتمع العلراقي وربما اكتملت القسمة في أواخر هذا القرن وأوائل الخامس حيث نجد المعري يوجه تحياته الى بغداد بعد مغادرتها  فيقول
ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍسسسلام هو الاسلام زار بلادكم                                    ففاض على السني والمتشيع
وهذا على أي حال ينبغي أن ينحصر في بغداد لأن مدن العراق الأخرى ما تزال موزعة بين الفرق كالخوارج والمعتزلة إلى جانب الشيعة والسنة وكانت مدينة عانة وهي واحدة من مدن الفرات العريقة معتزلية في ذلك الوقت وهي الآن سنية كلها , اما البصرة فخليط من الفرق والمدارس الفكرية والسياسة .
أخذ التناحر بين الشيعة والسنة يطفح على السطح مع بداية العصر البويهي في بغداد . فقد استفاد الشيعة من مداينيهم البويهيين لتوسيع نشاطهم , ليس الفقهي فقط بل  والطقوسي .
وجرت لأول مرة ******في بغداد تعازي عاشوراء _ الذكرى السنوية لمذبحةكربلا _ التي استفزت أهل السنة لأنهم جعلوها في عداد البدع المحرمة , فكانت الغوغاء الطائفية السنية تخرج بتوجيه رجال الدين لتخريب التعازي ومنع اقامتها مما كان يؤدي الى صدامات مسلحة تقع فيها ضحايا كثيرة من الجانبين .
فكانت تعازي عاشوراء من مواسم الفتنة السنوية ببغداد, وزيادة في ثارة الفتن كان الفريقان يزيدان من نشاطهما الإستفزازي لبعضهما البعض فيبالغان في تقديس المزارات والعناية بها بل ويلجأن الى اكتشاف المزيد من الأضرحة المنسية واقامة مهرجانات دينية حولها . وكان المقصود ليس الطقوس والعبادة بل التحدي للآخر. وبالطبع فان هذه التصرفات لم تكن تصدر عفويا ًعن عامة الناس بل هي من تدبير رجال الدين والمشايخ في الطائفتين.
على أن بغداد لم تخلو من عقلاء مصلحين في اي وقت وهم من وجهائها أو كبار فقهائها أو أدبائها أو سياسيها وكانوا من العوامل المؤثرة في  اطفاء الفتن والتخفيف من التوترفي المدينة , وفي هذه الحقبة البويهية , تكاثر مؤلفوا الشيعة الأثني عشرة ونشط التأليف في الفقه والتأريخ والكلام والعقائد , ولم يكن للشيعة نشاط ملحوظ في هذا المجال قبل ذلك وكان الأئمة الأثنا عشر , الذين انتهى عهدهم مع الثلث الأول للقرن الرابع يديرون نشاط ديني هادئ ومسالم وكان لهم أتباع يتولون شؤون الطائفة في العراق  وينقلون الى أبنائهم تعاليم الأئمة  من الحجاز . ولم يكن في هذه التعاليم ما يستفز الطرف الآخر , وقد اظهر الأئمة احترامهم للشيخين _ ابو بكر وعمر _ولم يردنا الا القليل من الإنتقادات الجارحة ضدهما مما تحفل به مصادر الشيعة الأثني عشرية المتأخرة . وهذا القليل يجب أن يكون موضع شك لأن الرواية الشيعية لم تقم على أساس التوثيق التأريخي إنما استهدفت خدمة غايات الطائفة ( المؤرخ الشيعي الوحيد الذي يمكن الركون اليه والتعامل معه كمؤرخ محترف هو _ اليعقوبي _الذي عاش في القرن الثالث ولم يتصل بالحقبة البويهية , وكتابه في التاريخ يوازي كتاب الطبري ونظرائه من حيث الموثوقية والنزاهة ) .
وكان لأئمة العصر العباسي صلات بالمعارضة للعباسيين على اختلاف انواعها وصلت كما يذكر بن شعبة في ( تحف العقول ) الى حد التعامل مع الزنادقة كمعارضيين للعباسيين , وهو ما يشير إليه قول مأثور للمهدي العباسي : مافتشت رافضيا ًإلا وجدته زنديقا ً*******.
وفي وقت لاحق راغ الأئمة إلى العمل الديني الخالص . ويمكن تزمين هذه النقلة من الامام التاسع محمد الجواد . , وقد يكون كتاب _ الكافي _ للكليني _ بضم الكاف وفتح اللام _ اول كتب الشيعة الاثني عشرية وفاتحة نشاطهم اللاحق والكليبي معاصر للامام الثاني عشر عهد الغيبة الصغرى وتوفي عام 329 هجرية وهونفس العام الذي نرجح أن الإمام الثاني عشر توفي فيه , والكافي كتابان : أصول الكافي وفروع الكافي , وألأصول تتضمن العقائد وأقوال الأئمة في قضايا الدين والدنيا , وفيها نجد بدايات الأساطير الشيعية حول خصائص الأئمة  ولكنه يخلو من الهجوم على ابي بكر وعمر , وفروع الكافي للفقه , وأخبار الكافي موثقة  في العموم عدا الاساطيرالعقائدية في الأئمة وتكاثرت المؤلفات بعد الكافي وفي الحقبة التي تلي الغيبة الصغرى وبدايات البويهيين برز ابن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق وهو من أغزر مؤلفيهم اذ كتب حوالي ثلاثمئة مصنف في التاريخ والأدب والفقه وكان في خراسان وراجت مؤلفاته عند شيعة العراق , ولكن الأبرز والأبعد تأثيرا في تطور الطائفة الشيعية هو الشيخ المفيد وكان في العراق في عز الحقبة البويهية وألف نحو اً من مئتي كتاب في التأريخ والعقائد والفقه وقد حظي برعاية عضد الدولة البويهي وضمن مؤلفاته أخباراً ملفقة كثيرة يطعن فيها بالخليفتين والصحابة , وهو الذي اطلق للرواية الشيعية خيالها الجامح من وراء الأصول المرعية للكتابة عند المؤرخين المحترفين , وكتاباته استفزازية تثير التوتر ********. وقد سخر منه المعري في إحدى لزومياته .
وفي نفس الوقت كان السنة يصعدون نشاطهم في التأليف والوعظ والتلتل , وكان نشاطهم ليس ضد الشيعة حصراً بل وجه ضد جميع  الفرق الاسلامية والمدارس الفكرية من الخوارج والباطنية والقرامطة والمعتزلة والفلاسفة والمتصوفة وكانت تآليفهم ومواعظهم استفزازية ضد هذه الجهات ومما استفزوا به الشيعة دفاعهم عن الأمويين , الذي وصل الى حد تزكية يزيد بن معاوية قاتل الحسين وتأليف كتب في فضائله وهذا مانجد له نظيرا ً في نهايات القرن العشرين حين عمدت وزارة نفطية الى اصدار كتاب مدرسي عنوانه _ حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية _ ولم تتضمن مؤلفات السنة عهد ذاك طعنا ًبأئمة أهل البيت , لتحرجهم من ذلك بسبب كونهم أحفاد الرسول .
 واتجهوا في استفزاز الشيعة هذه الوجه في تزكية خصوصهم وجلاديهم وقد لا يكون الغرض في الحقيقة هم الشيعة بالذات , فاللاهوت السني كان موجهاً ضد المخالفين والمعارضين أجمع وعداء السنةللشيعة من هذه الجهة هو نفس عدائهم للخوارج والمعتزلة والفلاسفة والصوفية , وقد كفروا الخوارج وأباحوا دمهم وفسقوا المعتزلة أو كفروهم أحيانا ًوفعلوا مثل ذلك مع الفلاسفة والصوفية . فالخصام من هنا لم يكن محصورا ً بين السنة والشيعة ويبقى هذا الوضع وارد في حساب تأرخة الصراع حتى نهايات القرن السابع حيث انحسرت الفئات الأخرى كما بينا من قبل , وخلت الساحة لمواجهة وحيدة بين السنة والشيعة الأثني عشرية .
ساء وضع الشيعة بعد زوال الدولة البويهية وظهور السلاجقة الأتراك , وقد تبنى هؤلاء العقيدة السنية في مساقاتها الأكثر جمودا ً فأعلنوا الحرب ليس فقط على الشيعة والمعتزلة والفلاسفة والصوفية بل واضطهدوا الأشاعرة , وهم سلفيون مثلهم لكنهم استعملوا الجدل العقلي في منافحتهم عن مذاهب السلف , واستعمال هذا النوع من الجدل محرم عند أهل السنة وطريقتهم في ذلك هي النقل والرواية . والمبدأ الحاكم فيه يكشفه قولهم : ( من طلب الدين بالكلام أَلحد ) وكان هذا هو مذهب الأتراك  السلاجقة .
قلنا بأن وضع الشيعة قد ساء تحت حكم السلاجقة وصاروا لا يجرأون على إجراء طقوس الزيارة والتعازي دون أن يجازفوا بالتعرض لهجمات غوغائية مسلحة . واستمرت حالهم على ذلك بعد السلاجقة لأن أيادي أهل السنة بقيت طائلة في عهد الخلفاء الذين استقلوا عن السلاجقة بدءا من المقتفي , وكان هؤلاء سنة في جملتهم عدا الناصر لدين الله ذو الميول الشيعية .
وكانت السلطة ببغداد حتى في عهد الناصر سنية والسيادة والهيمنة لأهل السنة .
الهوامش :
*****  . ومما قاله علي بن الجهم :
تضافرت الروافض والنصارى                           وأهل الاعتزال على هجائي
وعابوني وما ذنبي إليهم                                  سوى علمي بأ ولا د الزناء
أنا المتوكلي هوى ورأيا                                    وما بالواثقية من خـفاء
ومن ردود دعبل الخزاعي على ابن الجهم :
قل لأبن خائنة البعول                                    وإبن الجوادة والبخيل
إن المذمة للوصي هي                                   المذمــــة للرسول
وكان البحتري أكثر بذاءة في رده مما يمنعنا من روايته وهذه شنشنة قديمة في الهجاء العراقي  واصل الرصافي والكرخي تقاليدها في هذا العصر .
*** ***  . كان ذلك في عهد معز الدولة البويهي 352 هجرية ومعز الدولة هذا بنى لنفسه دارا بلغت تكاليفها ثلاثة عشر مليون درهم وحين إحتاج لشئ من المال لإتمام بنائها صادر أموال مجموعة من أصحابه , فالتأريخ يعيد نفسه ( عندما صادر السفلة البعثيون ممتلكات الشعب العراقي بهذه الحجة أو تلك أثناء الحرب الكارثية على إيران _   ر .ك )
** ** ** * .تحف العقول لابن شعبة , ص 340 . وقول المهدي ورد في _ سير السلف _ مخطوطة في مكتبة الأوقاف ببغداد ورقة  7
.من رواية في كتاب _ الإختصاص _ ان عبد الله بن مسعود جاء الى فاطمة  **** ****
فقال لها : أين بعلك ؟ فقالت عرج به الى السماء .
فقال في ماذا ؟
فقالت تشاجروا فطلبوا حكما ً من الآدمين , فأوحى الله تعالى إليهم أن تخيروا فاختاروا علي بن أبي طالب وقد جاء جبرائيل ليصطحبه في رحلة الى السماء لهذا الغرض . ص 213 من كتاب _ الإختصاص _ .     

.................. يتبع
رشيد كَرمه       السويد 20   حزيران   2005