المحرر موضوع: في ثقافة المواطنة  (زيارة 652 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1288
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في ثقافة المواطنة
« في: 19:27 06/05/2009 »
في ثقافة المواطنة
عبدالحسين شعبان
2009-05-04
كان موضوع «جدل أم صراع الهويات في العراق» أحد محاور الندوة الأكاديمية التي التأمت في كندا (واترلو) بمبادرة من المركز الدولي للحاكمية الصالحة (الحوكمة) وبمساعدة من جامعة واترلو، وحضرها 15 باحثاً وأستاذاً جامعياً ومختصاً في قضايا الشرق الأوسط، بمن فيهم بعض السفراء السابقين.
هناك فارق كبير بين جدل الهوية وصراعها، فالجدل يعني وجود اختلافات وخصوصيات وتمايزات، يمكن أن تتعايش وتتفاعل مع تأكيد احترامها لبعضها البعض وفي إطار المشترك الإنساني، الذي يمكن أن يشكل الهوية الجامعة، مع احترام الهويات الفرعية والخاصة، وتأكيد كيانيتها في إطار الهوية العامة، لا باعتبارها فوقها أو متسيّدة عليها، كما ليس بمقدور الهوية العامة أن تحتوي الهوية الخاصة أو الفرعية، لكونها تمثل إطاراً أكبر أو أعلى على النطاق الوطني، ليس في العراق وحده بل ربما في عموم دول المنطقة، فهناك نقص فادح في ثقافة المواطنة وعلاقته بالهوية والدولة.
بعض الشوفينيين والمتشبثين بالأغلبيات يستنكرون على أصحاب الهويات الفرعية والخاصة التمسك بهوياتهم، بل إنهم يعتبرون أي هوية خارج الهوية العامة انفصالية أو إضعافاً للهوية الوطنية الجامعة، أو تفكيكاً لصورة الدولة الموحدة، ومن جهة أخرى يبالغ بعض أصحاب الهويات الخاصة الفرعية لإعلاء هويتهم فوق الهوية العامة والمشترك الإنساني، الأمر الذي يؤدي إلى الانعزالية وضيق الأفق، سواء كان قومياً أو دينياً أو مذهبياً أحياناً، وبالمقابل فإن من يريد تذويب الهويات الفرعية، يقود إلى الاستعلائية والشوفينية والتمييزية.
إن ضعف ثقافة المواطنة لاسيما من الناحية القانونية وعدم وجود قوانين ناظمة ترسم العلاقة الصحيحة بين الهوية العامة والهويات الفرعية، ناهيكم عن الممارسة التمييزية، أدى إلى حدوث اختلالات وتجاوزات على حقوق الإنسان، وهو الذي طبع مسيرة الدولة العراقية منذ تأسيسها وبخاصة في ظل النظام السابق الذي شهد احتدامات كثيرة، لاسيما خلال الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها، خصوصاً بنزع جنسية عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين، وهو الأمر الذي تكرس على نحو شديد ما بعد الاحتلال.
وحسب التقسيمات التي جاء بها الاحتلال، فإنه لا توجد أغلبية في العراق، سواء عربية أو مسلمة أو غيرها، والجميع هم أقليات، العرب والكرد والتركمان والكلدانيون والآشوريون والمسلمون والمسيحيون والأيزيديون والصابئة وغيرهم.
ولعل مشكلة من هذا النوع جعلت الأمر أقرب إلى الصراع في إطار الدستور الحالي، لاسيما عندما تحدث من صلاحيات الأقاليم على حساب الدولة الاتحادية، الأمر الذي عوّم اختصاصاتها ومنحها للأقاليم، ولعل هذه تجربة غير مسبوقة للفيدراليات العالمية التي تزيد عن 25 فيدرالية، بحيث أعطى حق استثمار الثروة الطبيعية (النفط والغاز) في الحقول غير المستخرجة للأقاليم، مثلما منحها صلاحيات فاقت صلاحيات الدولة الاتحادية (الفيدرالية) فيما يتعلق بالإشراف على القوات المسلحة وقوى الأمن التابعة لها، رغم أنها من الناحية الشكلية تتبع تشكيلات الدولة الاتحادية، لكنها غير قادرة على تحريكها إلا بأمر وموافقة سلطات الأقاليم، فضلاً عن بعض الالتباسات فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية الدولية وتنظيم العقود والاتفاقيات مع بعض الشركات الأجنبية، وهو ما دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الدعوة إلى تعديل الدستور لإعادة التوازن بين صلاحيات السلطة الاتحادية (المحدودة) وسلطات الأقاليم الواسعة (وغير المحدودة) وهو ما تعارضه الكتلة الكردية، التي تعتبر المساس بصلاحيات إقليم كردستان مساساً بثوابت الدستور التي لا ينبغي التعرّض لها لأنها ستؤدي إلى الإخلال بالعملية السياسية برمتها وبالتوافق الوطني.
إن المواطنة في الدولة العصرية لا تعني مجرد حرية التعبير أو إجراء انتخابات، رغم أنها من أساسات النظام الديمقراطي، إلا أنها لا تعني الديمقراطية، رغم إيجابياتها بغض النظر عن نتائجها وبعض النواقص والثغرات في قانون الانتخابات ومسألة المحاصصة وغيرها، لكنها مهمة وضرورة لا غنى عنها، خصوصاً بما له علاقة بسيادة القانون والمساواة التامة بين المواطنين واحترام حقوق الأقليات وتثبيتها دستورياً وعدم التمييز وتأكيد احترام حقوق الإنسان، فذلكم هو السبيل للطريق الديمقراطي.
الانتخابات وحرية التعبير التي كانت مؤشرات جديدة لفترة ما بعد النظام السابق، لا تعني الديمقراطية بأي شكل من الأشكال رغم أنها من صلب العملية الديمقراطية ومقدمات أساسية لها، وهي وإنْ شابها الكثير من الأخطاء والثغرات والنواقص، إلا أن تصحيح الديمقراطية وتعميق السير في طريقها لن يتحقق بإلغاء نتائجها، بل بالمزيد من الديمقراطية ذاتها.
ورغم التحفظات حول القانون الانتخابي والعملية السياسية والمعاهدة الأميركية العراقية، فإن نتائج انتخابات المحافظات كانت أفضل حظاً من نتائج الانتخابات النيابية العام 2005، وقد تكون نتائج انتخابات العام الجاري (نهاية العام 2009) أحسن من سابقتها، وهو ما يدفع الكثير من القوى والتكتلات لإبداء القلق إزاء المستقبل، بإعادة النظر بتحالفاتها وربما بمشروعها السياسي، الأمر الذي يمكن أن يضفي على المسار نحو الديمقراطية بعداً آخر جديداً عابراً للطوائف والإثنيات.
وإذا كان الحديث عن المواطنة لا يستقيم مع وجود الميليشيات ومع المحاصصة الطائفية والإثنية ومع استمرار الإرهاب والعنف، فإن تثبيت أركان وهيبة الدولة هو مقدمة ضرورية لهوية مشتركة أساسها الوطنية والمواطنة والبعد الإنساني، لاسيما في احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية واحترام الخيار الديمقراطي باعتباره خياراً لا عودة عنه ولا رجعة فيه، وهو ما يمكن استكماله وتعميقه بعد إنهاء الاحتلال وإجلاء قواته من العراق حسب وعود الرئيس الأميركي أوباما.


صحيفة العرب القطرية  العدد 7631 الإثنين 4 مايو 2009 م ـ الموافق 9 جمادى الأولى 1430 هـ