المحرر موضوع: سرّ الخلية في ذكرى عيد توما الرسول  (زيارة 606 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل firas youhanna

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 5
    • مشاهدة الملف الشخصي
سرّ الخلية في ذكرى عيد توما الرسول

أثار إنتباهي نص إنجيل يوحنا 20: 20 في لقاء يسوع بالتلاميذ بعد القيامة وفي يوم الأحد، حيث أراهم يديه وجنبه ففرحوا كثيراً. مما يثير التساؤل هو غياب توما الملقب بالتوأم، الذي أصرّ على عدم التصديق إلا بعد رؤيته ليسوع ولمس أثار المسامير وجنبه. هكذا يضع التقليد توما في هالة من الشك للوصول إلى اليقين. وفي الأسبوع الذي يلي اللقاء الأول "وبعد ثمانية أيام..." يو 20: 26، يأتي يسوع ويظهر نفسه للتلاميذ ولكن هذه المرة مع توما. كأنّه جاء هذه المرة خصيصاً من أجل توما على حد رواية الإنجيل. ليقطع شك توما باليقين. ويرى توما ويؤمن ويعلن أعظم عبارة إيمانية في العهد الجديد وهي الجمع بين الرب والإله "ربي وإلهي" يو 20: 28. ألا تذكرنا حركة توما بتساؤلاتنا حول القضايا التي تطرح بشكل يومي. التساؤل الذي يحرّك العقل ليبحث عن الحقيقة. البحث عن الحقيقة هو شعار الرهبنة الدومنيكية. ويشدد عليه كل من القديسين توما الإكويني وأوغسطين. واليوم نحن مدعوين لنطرح على أنفسنا اسئلة عدة تحرّك عقلنا لكي يبحث عن حقيقة إيماننا بالله أو بيسوع المسيح الكلمة.
ليس من الخطأ أنْ نتساءل هل حصل هذا أم لم يحصل؟ أو نقول إن كان الحدث قد حدث كما هو مكتوب بالضبط، هل يكون ذلك منطقي أو واقعي، وهلم جرا من الأسئلة. ما اريد أنْ اشدد عليه ليس هو كيف يصح أنْ نصيغ السؤال أو هل السؤال الذي نطرحه هو منطقي، بل الرغبة في التساؤل والتواصل في طرح الأسئلة سيّما المسيحية هي طريقة حياة ت\عونا ألى طرح أسئلة متكررة تمس فهمنا لإيماننا المعاش. فلو خلّت المسيحية من الأسئلة أو التساؤلات أو توقفت يوماً ما في طرح الأسئلة، سينتهي بها المطاف إلى شلل الإيمان. يستمر العقل البشري المحدود في البحث عن اللامحدود والمحاولة في سبر غوره لكي تواصل الإنسانية نموها وتقدمها نحو الله.
هذا ما حصل في فترة دراستي الجامعية. أتذكر جيداً كم كنت مولعاً بعلم الكيمياء الحياتية وعلم الوظائف. كنت منكباً على المطالعة والبحث في تلك العلوم وفي أثناء ذلك لفت أنتباهي سرّ الخلية. الخلية وهي اصغر وحدة بنائية للكائنات الحية سواء كانت نباتية أو حيوانية. كان يراودني سؤال متكرر أثناء دراستي وهو كيف يحدث كل هذا في داخل الخلية؟ ثم أنتقل بهذا السؤال لصياغة أسئلة أخرى فرعية. لماذا؟ ومن هو وراء كل ذلك؟ من أين كل هذه الدقة في نظامها؟ وهل ستستمر بالوجود أم ستتوقف يوماً؟ كما هو هناك مقولة في الفلسفة للكون نقطة بداية نقطة نهاية. أودّ أنْ اشرح قليلاً عن الخلية وعن سرّها ثم سأحاول أنْ أعرض لكم تأملي في هذا السرّ.
كما قلت آنفاً الخلية هي اصغر وحدة بنائية للكائنات الحية وهي ايضاً الوحدة التركيبية لجسم الكائن الحي. هناك عدد كبير من أنواع الخلايا ولكلّ منها وظيفة خاصة تقوم بها وصفة معينة تميزها عن غيرها. تتكون الخلية من ثلاثة أقسام رئيسة وهم: الغشاء الخلوي والسايتوبلازم أو الجبلة والنواة. لن أدخل في تفاصيل عديدة ودقيقة بل ساحاول التقييد بالتفاصيل الموضوعية لغرض الوصول إلى غاية هذا المقال. كل قسم له دور خاص به. ما يهمنا هو القسم الثاني وهو السايتوبلازم التي تحدث فيه معظم العمليات الكيماحيوية. الشيء الذي أستوقفني كان عملية حصول الخلية على الطاقة وأنتاجها. كلنا نعلم أنّ الخلية تحصل على الطاقة من سكر الكلوكوز، بالطبع مع المركبات الكيماحيوية الأخرى مثل الدهون والبروتينات، ولكن الكلوكوز هو المركب الأهم. كنت مذهولاً جداً عند قرائتي ومطالعتي لدورة كريبس أو دورة حامض الستريك. حيث يدخل سكر الكلوكوز ذو الست ذرات للكاربون يخرج منها بذرتين للكاربون ويدعى المركب بالأستيل كو أي. وهذا بدوره يدخل إلى السلسلة التنفسية لينتج ماء وثاني اوكسيد الكاربون وطاقة. كل هذه الخطوات في سلسلة التفاعلات الكيماحيوية تحدث في غاية الدقة من دون كلل أو ملل إلا إذا حصل في الخلية عطب. أذهلني هذا السرّ العظيم. كنت أتمنى أنْ أرى هذه التفاعلات المتسلسلة لا فقط في مخيلتي بل بأم عيني خطوة بخطوة. كم هي رائعة هذه الدقة. الروعة في ذلك هو أنّ الخلية تقوم بإنتاج الطاقة وتستخدم جزء من هذه الطاقة المنتجة لمواصلة مهامها والمضي قدما في مسيرة حياتها. السؤال هو: ما هو مصدر الطاقة؟ هكذا بدأت المسيرة...ما هو مصدر الطاقة؟ هل هو الكلوكوز أي المادة كما تقول لنا الكيمياء والفيزياء. ولكن السؤال يبقى قائماً . لأنّ طاقة المادة من أين تأتي؟ هل من تلقاء نفسها؟ بهذه الحالة نحن سنتحول إلى كائنات حية آلية بفعل سيطرة طاقة المادة علينا كما يدعي الماديّين (The materialists). سيكون في هذه الحالة فصل تام بين النفس والجسد (المادة). علماً أنْ الفلسفة الوجودية الحديثة تؤكد لا بل تشدد على الأتحاد بين الجسد والنفس. هكذا لو أستمرينا بطرح السؤال من الممكن أنْ نقع في جدلية البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة؟ أو يبقى السؤال مطروحاً ونقول لا نعلم! كما هو الحال مع الأغونستيّين اي اللا أدريّين هذا ما شدني جداً إلى البحث في سرّ الخلية وفي سرّ الإنسان. أتذكر جيداً عندما طرحت السؤال على أستاذي في الجامعة. فتوقف للتفكير قليلاً ثم قال لا أعلم. هنا تكون المعضلة أو الحيرة. لا نعلم أو نبقى نستنتج ونفترض. كما هو الحال مع علماء التطور والنشوء. النظريات التي تلاقي الترحيب أحياناً وتلاقي الرفض أحياناً أخرى. لا أعلم مدى ستكون فظاعة الأمر لو قبلنا بمسلّمة أنّ الطبيعة هي التي تتحكم بمفصل الحياة. تصوّروا معي كم سيكون الأمر مروّعاً لو نكون أسرى عناصر الكيمياء التي تنظم سير حياتنا. هل يعني ذلك أنْ نقبل أنْ نكون روبورتات الطبيعة؟ هنا يجب التعمق في السؤال. إنْ كان فقط توما سأل سؤالاً أيجابياً للبحث عن حقيقة القيامة فأعتقد شاؤول فعل نفس الأمر قبيل إهتدائه.
ألا يدعونا هذا السرّ في الخلية إلى وقفة تفكير ومراجعة حسابتنا للقبول بوجود قوة أو طاقة خفية عظيمة لها دور في كل ما يحدث إنْ كان على مستوى الخلية أو على مستوى الكون بأسره. أ ليس هناك ربط بين الإله المجهول الذي كان بالنسبة لليونانيّين يفوق جمع الآلهة التي لديهم مع الإله الذي بشرهم به بولس عند تجوله في مدينة أثينا. فهذه القوة الخفية التي ترافقنا وتشدنا وتدفعنا إلى المضي قدماً في مسيرتنا هي الله الذي لا يسطيع إلا أنْ يحبّ جميع البشر. فإنْ كان الكلكوز أو المادة هي المصدر الوحيد للطاقة فيمكن أنْ نسأل سؤالاً بسيطاً، هل سكر الكلوكوز يقدر أنْ يعيد الخلية إلى الحياة بعد موتها؟ لدينا حالة مثبتة علمياً وهي عندما تموت الخلية الدماغية (العصبية) كنتيجة لنقص في الأوكسجين والكلوكوز لفترة وجيزة جداً لن تعود تلك الخلية إلى الحياة حتى لو عاد الأوكسجين أو السكر إليها بصورة طبيعية. فالحقيقة تبقى واضحة كالشمس: ليست طاقة المادة مصدر الحياة بل السرّ العظيم في الخلية هو السرّ العظيم في حياة الله فينا.....




فراس ياقو يوحنا
سدني في  7/7/ 2009