المحرر موضوع: التلوث البيئي - صناعة الموت الهادئ في العراق  (زيارة 1844 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سلام ابراهيم كبة

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 286
    • مشاهدة الملف الشخصي

    التلوث البيئي هو الهوة السحيقة الحاصلة بين التكنوسفير "Technosphere "( طراز معيشة الإنسان وأنماط الحياة الحضرية ومستحدثاتها في العلم والتكنولوجيا )  وبين البيوسفير"Biosphere" (  أنظمة التوازن البيئي وعناصر مقومات المحيط الحيوي ) او كل تغيير كمي و نوعي في مكونات البيئة الحية وغير الحية لا تستطيع  الأنظمة البيئية استيعابه من دون أن يختل توازنها ..  وفي سبيل المحافظة على التوازن الطبيعي للبيئة لابد من  تكييف الجانب التكنيكي وفقاً للجانب الطبيعي للحياة. إن تأمين الأسس الطبيعية للحياة الانسانية عبر صيانة البيئة والوقاية ضد الأخطار البيئية في الميادين الايكولوجية والايكونومية والاجتماعية يعتبر اليوم أساس ضمان المستقبل الآمن السعيد . وفي الوقت الذي تسعى فيه السياسة البيئية الوطنية لحل المشاكل البيئية باستخدام الاجراءات التقنية والادارية تسعى الثقافة البيئية هي ايضا وباهتمام متزايد لإحداث التغيير اللازم في طرق التفكير و السلوك البيئي عند المواطن.. وتهدف الثقافة البيئية إلى تطوير الوعي البيئي وخلق المعرفة البيئية الأساسية بغية بلورة سلوك بيئي ايجابي بمثابة الشرط الأساسي كي يستطيع الفرد في المجتمع أن يؤدي دوره بشكل فعّال في حماية البيئة وبالتالي المساهمة في الحفاظ على الصحة العامة.  إن الثقافة البيئية مفهوم مرادف للتعلم الايكولوجي و التربية البيئية وعملية تطوير وجهات النظر والمواقف القيميّة وجملة المعارف و الكفاءات والقدرات و التوجهات السلوكية من أجل صيانة وحماية البيئة.
     التلوث البيئي طاعون العصر وصناعة الموت الهادئ ، والذي يتقدم بتفوق على  طاعون موت الحروب والارهاب ، ولينتصر على احصائيات ضحايا الطرق! فيدخل من كل اتجاه : مياه الشرب ، هواء بالكربون ، الأمطار الحامضية والسوداء والعواصف الترابية ،أتربة في الرئة ،سموم في عضلة القلب ،الضوضاء الحادة والضغط العالي جدا، الروائح الكريهة والضغط الفيزيقي، اليورانيوم المستنفذ (DU)... ، حقول الالغام واكداس الاسلحة المتروكة والسيارات المفخخة .. الامراض والاوبئة والفايروسات ... التلوث ماكنة جبارة تعمل بلا هوادة !.. واتسمت المدن العراقية بنسب التلوث الهوائي المرتفع بالرصاص والكاربون والغازات المتسربة إلى الجو الصادرة عن المواد الكيماوية وكميات من العناصر المشعة كالكادميوم واليورانيوم المنضب (DU) والزنك الصادر عن القنابل والصواريخ الموجهة وكذلك بسبب الأمطار الحامضية والسوداء والعواصف الترابية وكثافة الدقائق العالقة.. الامر الذي يتسبب في وفاة الآلاف سنويا لاسيما بين الشيوخ والاطفال ! والآلاف من ضحايا التسمم !والاصابة بالتضخم الكبدي عند مالايقل عن 30% من العاملين في بلادنا !والاصابة بحساسيات الجهاز التنفسي واحتقان الرئتين وضيق التنفس والتليف الرئوي والتهاب الشعب الهوائية والسرطان والفشل الكلوي والعجز الجنسي والاجهاض والتشوهات الجنينية وانخفاض نسب الذكاء .. الخ.وتسبب الغازات السامة عماء العيون واضطرابات التنفس . تتركز الملوثات في دخان المعامل وابخرتها وعوادم السيارات ! ودخان التفجيرات الارهابية والحربية ! وزيادة استهلاك المحروقات ! والتلوث بأتربة الشوارع ،و الاغذية الفاسدة التي تغزو العراق... واثبتت الفحوصات ضررها البالغ المسبب للسرطان والامراض الاخرى،والتلوث المنزلي من المواد الطيارة في الماكياج والغاز المنزلي NO2 والعطور والتدخين ودهان الاريكة ... الخ. توزع التلوث البيئي في عراقنا الى :
•   الكهرومغناطيسي  - وسببه افران المايكرويف وخطوط الضغط العالي والمحولات الكهربائية والقابلوات والمولدات الامر الذي ادى الى التعرض لمخاطر الاصابة بسرطان الدم ( اللوكيميا ) وسرطانات الاطفال بسبب الدقائق الكهرومغناطيسية !.
•   الكيميائي -  المركبات العضوية والاملاح – الايونات والمعادن السامة التي تسببت في تلوث السلاسل الغذائية والمياه والهواء ! .
•   الفيزيائي -  الضوضائية والروائح والتلوث البصري . المواد العضوية وغير العضوية ومياه الامطار الحامضية والمخلفات الصناعية المسببة للتغير في اللون والحرارة والعكورة والشد السطحي  والطعم .
•   الاشعاعي .   
      من جهتها ، تزداد الاختناقات المرورية في شوارع بغداد والمدن العراقية بسبب ازدياد عدد المركبات المرورية ، والتخلف في مواكبة شبكة الطرق للتطور الحاصل في  عدد المركبات ،وتدني الثقافة المرورية ! ينفث الاختناق المروري الكميات الهائلة من غازات عوادم السيارات السامة وهي ملوثات غازية تفوق خطورتها ما تنفثه الصناعات المدينية . وتسبب الاكاسيد الكبريتية و النيتروجينية الامطار الحامضية المضرة للبيئة الزراعية والثروة السمكية ، تلف جدران الابنية والارصفة والشوارع والسيارات ، تعتيم الوان النصب التذكارية والغطاء النباتي والطلاء ، وتساعد على التآكل المعدني . وتؤثر الاختناقات المرورية على كفاءة فاعلية اداء المركبات والاستهلاك الاقتصادي للوقود معا وعلى صحة الانسان ! 
      لقد تركت سياسة الدكتاتورية الصدامية  وحروبها العبثية والعدوانية ، الداخلية والخارجية ، الإرث البيئي الثقيل ، كجزء من الخراب والدمار الذي طال كافة مفاصل المجتمع العراقي ... وتجسدت هذه السياسة في سوء التخطيط المركزي وإقحام البلاد في المغامرات الاقتصادية التي عكست  منهج التجريبية والتطور الرأسمالي الكومبرادوري والطفيلي المنغلق وبيروقراطية رأسمالية الدولة التكريتية واجهزتها المهيمنة . ولم يسعف النظام تبريراته في ربط التلوث البيئي بالنمو السكاني والتقدم التقني محاولا إعفاء التطور الرأسمالي الجاري من المسؤولية ، كما كانت لحملات الحكومة المركزية في بغداد على مدن وقصبات كردستان طيلة العقود الماضية الآثار البيئية الكارثية . بلغ عدد القرى الكردستانية المدمرة في العقود المتأخرة حوالي (4500) قرية و( 35 ) بلدة بسبب شوفينية الدكتاتورية . وقامت الدكتاتورية بتصفية الشريط الحدودي الطويل على امتداد كردستان العراق من مندلي الى سنجار وبعرض تجاوز في بعض المناطق ال (30) كيلومتر داخل العمق في ظل اتفاقية الجزائر لسنة 1975 .. اعقبتها الحملات الانفالية الكيمياوية في الثمانينات !
 كان الحقد الصارخ على الشعب والوطن العراقي من قبل اعداءهما واضح وجلي من خلال الدمار والخراب الذي لحق ويلحق بهما ، فكان شاملا وواسعا لم يستثن لا الانسان ولا الارض والمياه والسماء والاشجار والحيوان .المؤسف ان حكام العراق الجدد واصلوا طيلة الاعوام الثلاث المنصرمة تجاهل الواقع البيئي الكسيح وتداعياته الصحية والإجتماعية، وحتى الجمعية الوطنية تقاعست في ذلك . ولم يتضمن الدستور الدائم  الا الجمل الفضفاضة التي لا تلزم أحدا ، بعد قرار الجمعية الوطنية بالغاء المادة 44 من مسودة الدستور التي تنص علي الاعتراف بالشرعية الدولية لحقوق الانسان . ولليوم لم ينضم العراق للإتفاقيات البيئية الدولية.. الاصلاحات الاقتصادية الموعودة للحكومة العراقية وفق الموازنة الفيدرالية لعراق 2006 تجاهلت الواقع البيئي الراهن ، مستثنية إياه في إهتماماتها الأساسية – بعكس ما يفترض، مع أن معالمه الكارثية تعشي العيون ... وبذلك يجري دفع العيوب الرأسمالية الى الاعماق ولا تجتث .. حالها حال الاحلام السياسية التي تعيد انتاج الطائفية السياسية وعقلية ثقافة القطيع البعثية بأثواب جديدة متجددة ولا تجتث ! . والانكى من ذلك لا تزال الهوة سحيقة بين النخب الحاكمة وحقوق شغيلة صيانة البيئة العراقية .. وهي شغيلة توزعت في كل مكان وتجدها داخل كل المؤسسات .. في ادارة المحافظات والبلديات والقوات المسلحة ووزارة البيئة والتعليم العالي والصناعة .. المنظمات غير الحكومية والنقابات .. الخ.
•   الجفاف والعجز في حل القضية المائية والاروائية

   من المهم ملاحظة واقع التباين المناخي مع تباين تضاريس وادي الرافدين ، وتقل معدلات سقوط الامطار في وسط وجنوب العراق عن 200 ملم سنويا ! بينما ترتفع درجات الحرارة بمعدل 7 درجة مئوية / كيلومتر مع هبوط وانخفاض سطح الارض اي كلما اتجهنا جنوبا ومن اقصى نقطة في المناطق الجبلية ليميل الميزان الحراري الى اكتساب الحرارة لا فقدانها ! ويتمتع العراق بالمدى الحراري الواسع وظاهرة الفصول الاربعة والامطار الفصلية ! ويتسم بالتطرف الحراري والجفاف صيفا ! وتتأثر اتجاهات وسرعة الرياح بالأعاصير المتوسطية (Cyclones )والتباين في توزيع نطاقات الضغط الجوي والمنخفضات الجوية المتكررة .وفي الاعوام الاخيرة ازداد تأثير الرياح الجنوبية الغربية الجافة المحملة بالغبار والعواصف الترابية ! والرياح الشرقية  والامطار الاعصارية ! وتصل سرعة الرياح في العراق على ارتفاعات (70) متر الى حدود (6.5 – 7 ) متر/ ثانية حاملة معها دقائق التراب والغبار والغازات المضرة !.الجفاف سمة اساسية من سمات المناخ العراقي ،واخذ الابعاد المأساوية مع نزعة الهيمنة المائية التركية على أحواض مياه الرافدين  المشتركة  ونزعة الهيمنة المائية الايرانية على احواض روافد دجلة ! وتسيطر تركيا على تدفقِ نهري دجلة والفرات، مستغلة موقعها المؤاتي على مناسيب المياه من أعلى المصب بحق لا تماثلي كبير،  الامر الذي الحق لفدح الاضرار بحقوق الموارد المائية المشتركة. يذكر ان الاهوار العراقية قد تعرضت هي الاخرى لعمليات تعرية وتدهور خلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين. ومثلت تلك المناطق اكبر نظام ايكولوجي شبه رطب في غرب اسيا والشرق الاوسط ، حيث تراجعت الى (   7 % )  من مساحتها الاصلية عام 2002... لقد انكمشت المسطحات المائية للاهوار في جنوب العراق من (20 ) الف كيلومتر مربع الى اقل من (1500) كيلومتر مربع. ولعبت مشاريع السدود لاعالي نهري دجلة والفرات دورا مباشرا بالتسبب في تقليص تغذية مجاري النهرين والاهوار، وتطورات الحرب العراقية- الايرانية، وخطوات التجفيف الصدامية الواسعة بعد انتهاء حرب الخليج الثانية،وعند سقوط النظام في  عام 2003 . وعلى نحو عاجل عادت الحياة من جديد للاهوار بعد اكثر من عقدين من الزمن.
 ادى الجفاف وتقلص فترات هطول الامطار الى تضاؤل كمية المياه الجارية في الانهر وجفاف الآبار والعيون ،وتحول كثير من المجاري المائية الى مواضع للنفايات ومراتع للحشرات والقوارض ومصدرا للروائح الكريهة !.. اي تحولت الى مجاري تعاني من الطفيليات والذباب والبعوض ومرتع لأوساخ الناس ومخلفات المطاعم القريبة ! وتعاني انهر العراق من الحمل العضوي الملوث والمواد الصلبة ومياه الصرف الصناعي التي تصب فيها . والعكس ايضا ، عند اول زخة مطر تفيض طرق وازقة الاحياء السكنية في انحاء المدن العراقية وتتحول الى مستنقعات مع سبق الاصرار ! وتعرضت شبكات الصرف الصحي لأصابات بالغة في حروب النظام الكارثية وتسربت المياه الثقيلة والفضلات الصناعية الى المسطحات المائية وارتفعت مناسيب الملوحة في التربة والكدارة في المياه .تقدر كمية مخلفات المياه الصناعية ب (320)الف متر مكعب /سنة ،ومخلفات مياه المجاري المنزلية  ب(759) مليون متر مكعب /سنة ،مياه المبازل الزراعية بحوالي (2.3) مليون متر مكعب /سنة، وترمى جميعا في دجلة والفرات وروافدهما والمسطحات المائية الاخرى . تلوثت مياه الانهار واصبحت تسمم ابناء الوطن لما سقط فيها من اسلحة سامة وجثث لمئات الجنود العراقيين اثناء حروب النظام الكارثية . وتحوي المواد الكيمياوية العضوية وغير العضوية التي تشكل الفضلات على عناصر سامة مثل الباريوم والزركونيوم وسامة جدا مثل الرصاص والفضة والنحاس والنيكل والكوبالت والذهب والزئبق .ويسبب النحاس التشمع الكبدي وضعف البصر وضعف القدرة على التفكير ، والرصاص تخلف القدرات الدماغية للاطفال ، والزئبق قرحة المعدة وتلف الاعصاب ، والخارصين السرطان .... وكل هذه الاملاح سامة ومؤذية .من مصادر التلوث العضوي : الصناعات الجلدية ،صناعة الورق والسيليلوز ،الزيوت النباتية ، صناعات التعليب ، الصناعات الاسبستية .. الخ.وتعد مياه المجازر وفضلات معامل الدباغة والجلود ومياه غسل الاصواف وفضلات المستشفيات من اهم مصادر التلوث المائي البكتريولوجي ! تزايدت برك المياه الآسنة، وأكوام النفايات والقاذورات، وطفح مياه الصرف الصحي في الأحياء الشعبية،وإغراقها للشوارع والمحال السكنية. مشكلة الصرف الصحي مشكلة بيئية وصحية خطيرة، حيث تطرح المياه الثقيلة في الانهار ومجاري المياه كما ان تدهور انابيب مجاري المياه الثقيلة يلوث شبكة انابيب مياه الشرب والمياه الجوفية. وتقدر نسبة المياه الثقيلة المطروحة للانهار في العراق بـ (50%). ويشكل تلوث مياه الشرب كارثة حقيقية، حيث أثبتت الدراسات والتحاليل المختبرية تلوثه بكتريولوجيا في كافة المدن العراقية.ويسبب نقصان عنصر اليود التضخم في الغدد الدرقية .. وهذا نتاج طبيعي لأختلال التوازن بين العناصر الطبيعية في البيئة  بفعل تعرية التربة وبعض انواع الصخور وبواسطة المياه الجارية والامطار ... مثل الخارصين والكلور والسلييليوم . .وتفتقد اسالات المياه اليوم الى النسب المعقولة من الكلور !   
    لقد كشفت عوامل الجفاف العجز الفاضح للحكام القدامى والجدد  في حل القضية المائية والاروائية ،والعجز المتزايد عن تأمين الكفاية من مياه الشرب للمواطنين .. وسلطت الاضواء على مجمل سياساتهم الفاشلة في الميدان الزراعي وعموم الاقتصاد الوطني ! وتقدر المساحات المتصحرة والمهددة بالتصحر حوالي (364)الف كيلومتر مكعب اي نسبة 83% من اجمالي مساحة العراق. ومع تردي الوقاية الزراعية والارشاد الزراعي تجتاح الآفات الزراعية حقول وبساتين الفلاحين ،منها آفات لم تكن معروفة قبل عام 1991 . وتسبب الآفات الزراعية خسارة 1/3 الانتاج الزراعي الوطني في  العراق ... بالرغم من تسجيل (200) مبيد زراعي والتعامل مع مئات المعاهد والباحثين المتخصصين . الطائرات الزراعية مفقودة ووزارة الصحة مهملة ! وتؤرق الادغال التقليدية والحديثة الفلاحين وتعطل اعمال السقي ،وهي تعمل على تناقص كميات المياه ... ومكافحتها يتطلب استخدام مبيدات آمنة ! ماتت الاشجار .. ومات النخيل وهو واقف عاري من يشاهده تنهمر دموعه حزنا عليه ... الاشجار والنخيل تقف شامخة ثابتة بالارض بالرغم مما الحقته حروب وشرور الحاكمين بها !. يعمل في قطاع الزراعة نسبة( 20% ) من الأيدي العاملة في العراق، لكن حصتها من الناتج الوطني حالياً ( 10% ) فقط ، وهي مصدر العيش الرئيسي لسكان الريف البالغ عددهم( 7 ملايين ) نسمة. لقد هبط الانتاج الزراعي في السنوات الخمسة عشر الاخيرة بمعدل( 1.1% ) سنوياً وكذلك هبط انتاج محاصيل الحبوب كالشعير والقمح والرز هبوطاً شديداً وتقلص انتاج الخشب بنسبة (20%) اضف الى ان الزراعة تعتمد اعتماداً كلياً على موارد المياه ذات المنابع الخارجية... وقد تسببت شحة تدفق المياه وتدهور نوعيتها في الحاق اضرار بليغة بالقطاع الزراعي.
  شهد القرن العشرين  التحولات الخطيرة للنظام البيئي العام في العراق، وانعكست بالتدهور المتسارع لجميع مكوناته: الموارد المائية ، والزراعية ، والتنوع الاحيائي ، والغطاء الشجري والنباتي ، وارتفاع مستويات التصحر، وانتشار السموم، وامراض نقص الغذاء، وتدهور الخدمات ... وغيرها... انتشرت المواد السامة والمبيدات الحشرية في العراق لتباع تحت مختلف التسميات في الدكاكين والمحلات وعند الباعة الجوالة ! الى جانب المواد الغذائية .ويجري حفظها في ظروف غير طبيعية او امنية كافية !.وانعكس التدهور البيئي  بسحب المياه من داخل الارض دون تنظيم ، حفر الاراضي وتركها ،البناء ومد الطرق وشبكات المجاري دون تخطيط ،تقلص الغطاء الاخضر والغابات وارتفاع نسب الملوثات في الهواء بسبب القطع العشوائي ، المطر الحامضي ... كما يتأثر العراق بالتشقق المتسارع لطبقة الاوزون وانتشار امراض سرطان الجلد والعمى وضعف المناعة حيث تتأثر الطبقة اصلا بغازات الكلوروفلوروكاربون والدخان وانحسار الغابات! يتلقى اليوم  85% من مجموع الشعب العراقي البالغ عدده 27 مليوناً الطاقة الكهربائية بشكل متقطع وان 83 % ليس لها مصدر موثوق للمياه النقية، 37 % فقط ترتبط بشبكة الصرف الصحي (المجاري) ....وتجسدت نتائج كل تلك الظواهر على المستوى الاجتماعي بصورة هجرات وبطالة وفقر وتشوهات في التركيب  الديموغرافي للسكان بين المدينة والريف وتدهور نوعية الحياة. ومثل اتساع دائرة العنف بانواعه المختلفة، على مدى 4 عقود، الظاهرة الاكثر تدميرا للبيئة العراقية،الطبيعية والاجتماعية. وانعكست جميع تلك المظاهر في تراجع مؤشرات التنمية المستدامة للبيئة والتي غدت مؤشراتها في العراق تمثل ادنى المستويات. وادى هذا التدهور البيئي وفوضى استثمار الموارد الطبيعية الى اهدار مئات الملايين من العملة الصعبة / سنة .. فالتلوث الهوائي والدخان الاسود ينتشران بسرعة وتفقد جدران المباني لونها وتصدأ بفعل طبقات الغبار المتراكمة والمطر الحامضي! ورافق ازدياد اعداد المركبات والنقليات وازدحام السير وبطء حركة المرور وتوسيع ورشات تصليح السيارات ومناطق الصناعة زيادة في نسب المعادن الثقيلة والرصاص في الجو ( الايروسويل )لتتجاوز تراكيز الملوثات حدود معايير الصحة العالمية المسموح بها ! بالأخص قرب معامل الاسمنت ومحطات الكهرباء والمولدات الاهلية ومعامل البلاستيك ! .. ويؤدي حرق المازوت الذي يحوي على نسب كبريت عالية الى انتشار الجزيئات واكاسيد الكبريت والكاربون والاضرار بالجهاز التنفسي ،ورفع درجة حرارة الغلاف الجوي ،والاضرار بالزراعة ! بينما يسبب البنزين المخلوط بالكيروسين والبنزين المرصص السمومية الحادة المؤثرة على الجهاز العصبي والقدرة على التفكير ! وتسبب تفجير أنابيب النفط  تلويثا  للبيئة  بسموم إضافية، وخرابا للإقتصاد الوطني وخسائر بمليارات الدولارات ... العراق بأمس الحاجة إليها.
•   الاسلحة واليورانيوم المستنفذ 
   
         يقدر عدد الالغام في بلادنا بعشرات الملايين .. وهي من الكثافات الاعلى في العالم ! وخلفت الحروب الكارثية مئات الآلاف من القنابل والقذائف غير المنفجرة .. والتلوث الإشعاعي الناجم عن ذخائر اليورانيوم المشعة، ونهب حاويات المواد المشعة وسكب موادها عشوائيا،ونهب الفضلات النووية والمواد الكيمياوية في جبال حمرين ،الذي أثبتته، وبمستويات عالية جداً، العديد من القياسات الإشعاعية الميدانية.... ووجود اَلاف المواقع الملوثة في العراق -  بتأكيد برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP . وتؤكد الوثائق الارشيفية ان الولايات المتحدة اطلقت حوالي  1.5 مليون  قذيفة من اسلحة اليورانيوم على العراق والكويت معا ! اي مئات اضعاف القذائف ضد يوغسلافيا وفي حرب البوسنة .. وقد اصيب اكثر من 60 الف جندي اميركي بالسرطان بعد مشاركتهم في تحرير الكويت فقط ! ويبلغ معدل الوفيات بسبب انفجار قنابل والغام مخلفات الحروب الكارثية في العراق حوالي 22 مواطن / شهر .. ويبقى الغبار السام والمشع لسنوات طويلة في الجسم البشري ! . تضاعفت الاصابات بامراض السرطان والامراض الجرثومية الاخرى نتيجة المواد المشعة المستخدة في الحروب الاخيرة  ، وهي امراض غريبة لم يشهدها العراق من قبل ولم يعرفها ابناءه الا مع مجئ نظام صدام والاحتلال ... ازدادت حالات الاصابة بالسرطان في جنوب العراق 100 ضعف  بين عامي 90 و2005 بسبب المواد المشعة المستخدمة في الحروب الاخيرة . استعملت في حروب تحرير الكويت والعراق اخطر الملوثات والمبيدات ،ويدوم النشاط الاشعاعي لليورانيوم المستنفذ ( 4.5 مليار) سنة اي الدوام الى الابد ! واحتراق اليورانيوم يطلق دقائق اوكسيد اليورانيوم السام والمشع ... وبفعل الاستنشاق والهضم تظهر الاعراض من آلام الرأس الى السرطان ! أما الاصابات  بالامراض الخبيثة الاخرى فحدث ولا حرج فهي تملأ المستشفيات التي تعاني نقصا شديدا بالادوية والعقاقير الطبية بسبب ما تعرضت اليه من نهب وفرهدة  كمثيلاتها من ممتلكات الشعب الاخرى .وسبب استخدام الدكتاتورية اطنان الصواريخ والقنابل والالغام والاسلحة الكيمياوية ،واستخدام التحالف اطنان أخرى ! وتسبب التفجيرات الارهابية ! والاهتزازات بفعل الانفجارات ! تزايد المخاطر الطبيعية الناتجة من النشاط الجيولوجي لاسيما الانهيار الكتلي للصخور وانهيار السدود والجسور والاكتاف الترابية للأنهر والحرائق المختلفة وانكسار الانابيب النفطية والغازية والمائية ،وسقوط ابراج الطاقة الكهربائية ،والتغيرات في مستوى سطح الارض ومستويات المياه الجوفية ... وكذلك الهبوط الارضي والتهدم الكتلي ، الفيضانات ، الزحف الكتكوني والزلازل والهزات الارضية ، التعرية والترسيب ومختلف الفعاليات الجيومورفولوجية ! .
      سببت الاسلحة الكيمياوية والنفايات الصناعية الخطرة تفاقم معدلات التدهور البيئي وانقراض الانواع في السلسلة الحيوية ... في العراق وكردستان انقرضت حيوانات ويهدد خطر الانقراض حيوانات أخرى .. انقرضت 10 انواع من اللبائن من اصل 88 نوع في العقود الاخيرة ، ويهدد التناقص مجموعة ال 385 نوع من الطيور . ومن الثدييات المهددة بالانقراض : ابن آوى ، الذئاب ،الدب الاسود ،الغزال ،الخنزير البري ، الارنب ،الوشق الصحراوي .. الخ .. ومن الطيور  المهددة بالانقراض : الزرزور ، القبج ،الحبارى ، الدراج .... لم تحظى الحيوانات المهددة بالانقراض بالمحميات ! .لقد تقلصت الثروة السمكية وارتفعت اثمانها الى درجة ان السمكة اليوم في عراق الخير تعد من الاغذية الكمالية ،كما تذبذبت اسعار السمك من النهر حتى دخولها بيت المستهلك بسبب عمليات نفخ الاسعار التي تبدأ من الصياد الى صاحب العلوة ثم الباعة الكبار ! .
•   الردة الحضارية وثقافة القطيع وانهيار الخدمات العامة
     
         شهد العقدين الاخيرين تدهوراً كبيرا في قطاع الخدمات الصحية وفي صحة المواطنين . ومنذ عام 1990 تضاعفت نسبة الوفيات بين حديثي الولادة والاطفال والامهات، وزادت نسبة وفيات الكبار ايضا... وتناقص المعدل التقريبي لمتوسط عمر الفرد الى اقل من ستين سنة بالنسبة الى النساء والرجال... تناقص معدل عمر الفرد بحدود 6 سنوات منذ حرب الخليج الثانية . وتشكل الالتهابات التنفسية والحادة وامراض الاسهال لدى الاطفال نسبة 70% من اسباب حالات الوفاة للفترة بين 1996- 2000 ازدادت معدلات الاصابة بمرض التيفوئيد ثلاث اضعاف وذلك بسبب سوء نظام الصرف الصحي وخدمات المياه.وتعتبر الامراض القلبية والاوعية الدموية السبب الرئيسي لحدوث الوفيات في العراق ..كما تشكل امراض السرطان والسكري معضلة صحية مخيفة، ولا توجد برامج للوقاية من امراض القلب والاوعية ..ومازالت معالجة وتشخيص الامراض والعناية الثانوية غير كافية. يتم تشخيص معظم السرطانات في المراحل المتقدمة فقط وهناك نقص حاد في العلاج والوقاية. بالنسبة لمرض السكري، لا يعرف عدد المصابين لكن هذا المرض يمثل مشكلة جسيمة و متعددة الابعاد، فاقل من ربع حالات المرض تعالج باستخدام الانسولين .الرقابة الدوائية غائبة ومغيبة منذ تجهيز الطبخات الدوائية في المعامل ومخابر تحليل الدواء حتى تسعيرها وبيعها في الصيدليات وتوزيعها عبر المستشفيات .وتتوفر في الاسواق الادوية المهربة مجهولة المنشأ وخاصة الامبولات التي تتميز بسعرها الرخيص وهامش الربح الكبير الذي يجنيه تجار الدواء من الدواء الاجنبي ! وتتسع ظاهرة المتاجرة بنفايات وفضلات المستشفيات ليعاد استخدامها في تصنيع الادوات البلاستيكية وادوات حفظ الاغذية ! وشهد العقدين الاخيرين اللجوء المتزايد للشبيبة الى المخدرات هروبا من الواقع الاجتماعي والاقتصادي السئ وحالات الاحباط واليأس وبسبب سهولة الحصول على المخدرات التي تاجرت  بها عصابات النظام البائد ومافياته والعصابات الايرانية ... وانتشرت العقاقير المهدئة وحبوب الهلوسة وحبوب ( اتيفان وفاليوم) وحقن البثدين واحراق القناني البلاستيكية والمواد اللاصقة كالسيكوتين التي تبعث الغازات المخدرة .. واستنشاق البنزين وشرب الكولونيا ! ... غسيل الاموال الناتجة عن المخدرات جريمة منظمة عابرة للحدود ومشكلة عالمية !
     تراجعت الثقافة الانسانية في العراق بفعل حروب النظام و عسكرة المجتمع ، وترك آلاف الطلبة والمدرسين الدراسة والبحث عن عمل يوفر العيش للعوائل التي فقدت معيلها الوحيد في حروب النظام المجنونة ... ومنها من تسربت الى الشارع حيث الامراض الاجتماعية الكثيرة التي انتجتها ثقافة النظام وتربيته ، كالسرقة والمخدرات والجريمة بانواعها المختلفة التي شجعها النظام وغذاها. وفي الوقت الذي  بلغ به معدل دخل الأسرة 144 دولاراً عام 2004 قياساً ب 255 دولار لعام 2003 ،فان 75%  من الدور يسكنها مالكوها لكن 25 % تعرضت للدمار  في العامين الاخيرين فقط ، لا سيما في المناطق الساخنة من البلاد . وانخفصت اجازات البناء من معدلات تجاوزت ال 100 الف عام 1987 الى آلاف قلائل اليوم ،حيث تظهر في شوارع المدن الاسر الكاملة المشردة بلا مأوى ... وساء الوضع  تأزما مع قوانين الايجار الصدامية الطفيلية والاثبات التي رفعت بدلات عقود الايجار الى مئات المرات وعمليات التهجير القسرية للدكتاتورية والحكم الجديد سواسية ! ،في الوقت الذي تزداد فيه نسب البناء غير الشرعي وما يرافقها من تجاوزات في توريد الخدمات. وساد المدينة العراقية الاغتراب المعماري وضياع الهوية المعمارية الوطنية والقومية ، وفوضى الفضاء الحضري الذي افرغه الحكام من القيم الجمالية وخصوصياتها المعمارية بسبب النمط الواحد في زرع الابنية وانعدام قيم التنوع !
     بالنسبة لمعدل الوفيات الطبيعية يذكر أن من مجموع 100 ألف مواطن يتوفى اليوم 193  في حين تبلغ النسبة 23 حالة وفاة طبيعية مقارنة مع السعودية... ويعاني نحو 25 % من أطفال العراق من حالة النقص الغذائي طويلة الأمد. ان ما يقارب( 600 ) الف طفل تتراوح اعمارهم بين( 6 ـ 11 ) عام لا ينتظمون في المدارس الابتدائية اطلاقا. كما ان معدلات تفشي الامية في ازدياد، حيث يبدو من الواضح ان عامل الفقر هو من الاسباب الرئيسية لهذه الظاهرة.. تبلغ نسبة الفقر اليوم في العراق 20% من اجمالي عدد السكان ،وان حوالي مليوني عائلة تعيش دون مستوى خط الفقر وفق الاسس التي تحددت بدولار للفرد الواحد ! . ان حوالي ( 10% ) من الاطفال الذين تترواح اعمارهم بين( 5 - 14 ) هم من الايدي العاملة ، ويجري تشغيلهم وفق شروط مجحفة للعمل وبأجور زهيدة جدا ، وازدادات بينهم حالات الجنوح وممارسة الجريمة والتسول بما يتنافى واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (38) لعام 1973 واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (182) لعام 1998 للقضاء على اسوء اشكال عمل الاطفال ! . فيالق التسول تزدحم بها ازقة المدن لأنها مهنة رابحة ! في العقد الاخير انتشر الخجل عند الاطفال مفرملا للنشاط الاجتماعي والجماعي ومؤديا الى الخوف والانطواء والجبن العام ونمو مشاعر النقص عندهم ! ليس الاطفال هم الذين يختارون ذلك بل آبائهم ! .. وينتشر اليوم في بلادنا التنجيم والغيب وقراءة الطالع ،ومهنة العرافون والعرافات ،وقراءة الفنجان والكف والاحجار والمرايا ، والسحر والشعوذة !
     تدهور مستوى التعليم في العقدين الماضيين.... لاسباب عديدة منها : سوء الابنية وازدحامها وفقرها، قلة الكتب المنهجية والوسائل التعليمية، قدم المناهج، وهبوط مستوى الدعم المادي لقطاع التربية والتعليم اضف الى ضعف مستوى تدريب المعلمين اذ ان ما نسبته 5% من معلمي المدارس الابتدائية فقط هم من خريجي الجامعات. ان 84 % من مؤسسات التعليم العالي في العراق تعرضت " للتدمير والتخريب والنهب " منذ بدء الاحتلال الاميركي عام 2003، إضافة إلى اغتيال حوالى 50 أستاذا جامعيا و"التهديدات الموجهة إلى الآخرين" في هذا القطاع. ان عملية إعادة الإعمار الجارية " تشمل 40 % " فقط من مؤسسات التعليم العالي. وتتواصل هجرة الأساتذة المتفوقين إلى المناطق الأخرى بحيث غادر حوالى 40 % منهم منذ عام 1990 ، والعزلة الطويلة التي يعاني منها الجسم التعليمي غير المؤهل أصلا.ولازالت  نسبة الدوام الدراسي للطلبة المسجلين يبلغ 55 % حيث كان النظام الدراسي  من أفضل الأنظمة التعليمية والأكاديمية في الشرق الأوسط في عقد الثمانينات ، وان 74 % فقط من الذين تتراوح أعمارهم بين 15 - 24 قادرون على القراءة والكتابة .
     قبل سقوط الدكتاتورية بلغ ما فقده العراق (4000) قطعة اثرية يعود تاريخها لفترات متباينة بدءا من الالف الثالث ق.م. حتى الادوار المتأخرة من الحضارة الاسلامية ... ونفائس من التراث بسبب سرقات عصابات بطانة النظام !  وبعد التاسع من نيسان تغلغل تجار الأزمات وأزمنة الحروب عبر منافذ عديدة إلى مختلف مواقع الدولة.. مرتكبة مختلف الجرائم الاقتصادية منها والجنائية..... وناهبة المليارات من أثمان الركائز الاقتصادية.... وتنوعت اصناف المرتشين ليصيب الغلاء الرشوة قبل ان يصيب الاسعار ،وانتشرت المفاتيح – المناصب السرية غير المدونة داخل المؤسساتية الحكومية والاهلية اي الوسطاء لكبار المرتشين الذين لا تسمح هيبتهم الوظيفية بالقبض مباشرة من الراشي ! وتنوعت اساليب غسيل الاموال " الايداع والتحويل ،الصفقات النقدية ،اعادة الاقراض ، الفواتير المزورة ، النقود البلاستيكية ، استبدال الاوراق النقدية الصغيرة بأخرى كبيرة او بصكوك مصرفية ،شراء الاصول الثابتة كالعقارات والاراضي الزراعية والذهب ،ايداع المبالغ في الحسابات السرية في البنوك عبر الوسطاء... التهرب الضريبي ... الفساد الاداري .. الفساد الانتخابي .. " .  وبدأت الجريمة الأساس في حرق المكتبة الوطنية الذاكرة العلمية للشعب ومصدره في البحث العلمي ومثلها كل مكتبات العراق ومراكزه البحثية المعرفية من مختبرات ومصانع بحوث... وتواصلت مع ثروة المتاحف التي ليس لها ثمن يقابلها مطلقا.. ثروة الإنسانية وتراثها الأول الحافل بقراءة تاريخنا ونور حضارته.. ليُباع العراق الإنسان والعراق الوطن في سوق النخاسة المحلي والأجنبي....وليختلط غسيل الاموال بغسيل ذاكرة الشعب العراقي الوطنية.
      تركت ثلاثة عقود من الاستبداد والحروب والحصار والذل والمهانة التشوهات في البيئة الاجتماعية والمجتمع المفكك ، الشعب المنقسم على ذاته، والتدهور الإقتصادي والثقافي والسياسي والنكوص الحضاري .ولم تكتمل فرحة العراقيين بسقوط النظام الشمولي بسبب التركة الثقيلة والخانقة التي خلفها ورائه، وتخبط قوات الاحتلال، وعدم وجود القيادات السياسية الكفوءة التي تتخطى حدود المصالح الضيقة و" الردة الحضارية "... التي تظهر في  الفوضى والعنف والارهاب... والتي جعلت العراقيين ينخرطون في صراعات أثنية، ودينية، وطائفية، وحزبية ضيقة، اثرت بعمق على بنية المجتمع، وعلى العائلة والمرأة والطفولة ...
     ان المنظومة الفكرية والثقافية للدكتاتورية لوثت الشارع العراقي وسممت اجواءه الثقافية معتمدة على ثقافة العنف والتصفية والتهميش والتجهيل والتنسيق مع حلفائه من الظلاميين والمجرمين الذين يعتبرون النور والثقافة المتنورة كفر وضلالة ويعملون على عودة الناس الى الكهوف والظلام .ان اللعب بقيم الثقافة هو لعب على شفير السيف ولعب بالجوهر البشري الذاتي ... وهذا ما  تقوم  به ثقافة القطيع الشيعية التي بقيت أسيرة ثقافة " نعم سيدي"  ... وابطالها من مرتزقة نوري الراوي وحبيب الصدر ...  ومظاهر انهيار السلطة البائدة ولم تنطلق لتتحمل مسؤولية العهد الجديد وكشف المظاهر الخطيرة السلبية المتغيرة السريعة . تقدر الاحصائيات عدد الوفيات الناتجة عن الارهاب والعمليات العسكرية خلال عام واحد فقط بحوالي 7000 حالة وفاة و30.000 حالة اصابة... وازدادت الاصابات التي هي بحاجة الى معالجة خارج العراق على نفقة الحكومة العراقية بسبب اعمال الارهاب لتصل الآلاف ! لأن استجابة المنظمات الانسانية بطيئة ومتعثرة ! هكذا تتوسع معاناة الشعب العراقي مع الاحتلال والافتقار الى الكهرباء والماء النقي والخدمات الاساسية وتفاقم مشاكل البطالة والنقل والامن وارتقاع نسب الوفيات من ضحايا الارهاب ، وبسبب الامراض وسوء التغذية وتمادي استخفاف الحكام بالشرعية الدولية لحقوق الانسان ،واسترسال المؤسساتية الدينية العراقية في الموقف الذي يعتبر نفسه دائما على حق ويرفض الاستفادة من الآخر ليخلق المشاكل اكثر مما يحل بالفتاوي البليدة والحلول الترقيعية واعادة انتاج العقلية التبريرية المريضة – عقلية ثقافة القطيع . سيمتد التلوث الى اعماق الارض والانسان ويصبح علاجه صعبا ونتائجه وخيمة ، وعلى من يتصدر المسؤولية الان في العراق ان يعي ذلك ويبادر الى تكوين الجبهة الثقافية السياسية المتنورة الاصيلة المعادية للفاشية والظلامية والتكفيرية والسلفية والدولة الدينية والارهاب لمجابهة  ثقافة  الاعداء المجتمعين وخاصة ايتام النظام المقبور وصعاليك الحكام الجدد ! ان الحروب ونوايا شن الحروب والارهاب هو امر في منتهى الانحطاط الاخلاقي !.     

ملاحظة : راجع –
•   صيانة البيئة مهمة وطنية ملحة
•   المدخل الى النقل والمرور في العراق
http://www.rezgar.com/m.asp?i=570