المحرر موضوع: ما الذي يجري في إيران؟  (زيارة 589 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1283
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ما الذي يجري في إيران؟
« في: 11:05 26/08/2009 »
ما الذي يجري في إيران؟
عبدالحسين شعبان
2009-08-24
أخرجت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الخلاف السياسي بين فريقي المحافظين والإصلاحيين إلى العلن، وأصبحت حديث الشارع بعد أن اقتصرت سابقاً على النخب السياسية والدينية وبعض الفاعلين السياسيين. ورغم أن الجميع يحتمي بمظلة ولاية الفقيه ويرفع راية الجمهورية الإسلامية، فإن قواعد الخلاف اتسعت لدرجة أخذت تضغط على الجميع، الموالاة والممانعة، وربما سيكون لها تأثيرات وتداعيات كبيرة قد تصل إلى تحلل البعض من الضوابط القاسية بعد ضيقهم ذرعاً بولاية الفقيه أو بالأسس التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية، لاسيَّما إزاء بعض الهوامش الديمقراطية المقننة، وإن كان لا يعلن ذلك الآن، لكن ضغط الاصطفافات والتحالفات الداخلية والخارجية سيكون كبيراً ومؤثراً، وبخاصة بعد الاستقطاب الذي أحدثته الانتخابات، فإيران قبل الانتخابات لا تشبه إيران بعدها.
ما الذي نعنيه بالولي الفقيه أو ولاية الفقيه، وهما مصطلحان شاعا في السنوات الثلاثين الأخيرة، ودار جدال ونقاش حولهما كثيراً لا في الأوساط الشيعية فحسب بين مؤيد ومعارض، بل في الأوساط الإسلامية بشكل عام، كما شمل النقاش التيار العلماني أيضاً.
فالولي الفقيه في اجتهاد بعض الفقهاء الشيعة، هو الإمام المجتهد العادل الجامع للشرائط من نصوص دينية، وإن اختلف الفقهاء حولها وحول صحتها وصلاحيات الولي الفقيه، والأمر ينسحب على مبدأ ولاية الفقيه التي حاول الإمام الخميني استنباطها من بطون الكتب وبلورتها في كتابه «الحكومة الإسلامية»، لكن الكثير من فقهاء الشيعة لا يؤيدون مثل هذا التوجّه، بل يعارضونه صراحة.
وعلى العموم تتنازع الرأي بشأن ولاية الفقيه، ومن موقعها وليس بالضد منها، مدرستان مختلفتان في هذا الشأن، الأولى تعتبر الولي الفقيه حتى وإن جمع الشروط والمواصفات المطلوبة، فإنه ينبغي أن يحظى بقبول الناس ورضاهم. أما المدرسة الثانية فتعتبره «مختاراً» وتعطيه صلاحيات تكاد تكون مطلقة بزعم أنه نائب الإمام الغائب.
وسواءً كانت المشروعية مستمدة من الله إلى النبي إلى المعصوم إلى نائبه الولي الفقيه أو تجد أساسها من قبول الناس والأمة، فإن الولي الفقيه حسب الدستور الإيراني محكوم هو الآخر بشروط أخرى، وإذا ما أخلّ بها أو حاد عنها فيمكن تنحيته، رغم أن الذي يقوم بذلك هو الآخر معيّن، فمجلس الخبراء يتألف من فقهاء مجتهدين، وهو الذي عيّن الولي الفقيه بالانتخاب وهو يشرف على أدائه لعزله إذا فقد شرطاً من شروط القيادة أو أحد أركان أهليتها.
وقد ابتدع الإمام الخميني الذي حكم إيران عشر سنوات (1979-1989) طريقة للحكم تمنحه الصلاحيات التي كادت أن تكون مطلقة طبقا لنظرية ولاية الفقيه بامتداد عمودي أقرب إلى التقديس، وبحكم كارزميته فضلاً عن ظروف الثورة التي قادها، فقد استثمرها أحسن استثمار، نظراً للمنزلة شبه المقدسة التي حازها، وقد تكون ظروف الحرب العراقية-الإيرانية قد ساعدته بذلك، عندما ظل يضرب على وتر الخطر الخارجي، وتمكن من إزاحة كل من يعتقد أنه معارض لسياساته.
وعندما اندلعت الخلافات مع شابور بختيار، لاسيَّما مع أقطاب أساسيين في النظام، قال يومها الخميني قولته «أنا الذي أعيّن الحكومة بدعم وتأييد من الشعب... وأنا الذي أضرب بدعم منه بقبضتي هذه حكومة بختيار».. هكذا أطاح به وبحكومته بضربة واحدة، يوم كان تلتف حوله مئات الآلاف وتتطلع إليه مئات الملايين وهو يخطب أمام جمهور متعطش لسماع كلمة من فمه في مقبرة جنّة الزهراء.
لكن الخميني بحكم حسّه الثوري وخبرته السياسية أدرك المأزق، فسعى لتقنين تلك القواعد قانونياً، خصوصاً عندما اندلع الخلاف بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، فاخترع إنشاء «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، ليكون بيده القدح المعلّى، وهو أقرب إلى مجلس قيادة الثورة أو المكتب السياسي للأحزاب الثورية، لكن معادلة الدستور والولي الفقيه ظلّت ملتبسة ومتناقضة أحياناً، وهو ما حصل خلال الانتخابات الأخيرة.
ولعل مسارعة الولي الفقيه علي خامنئي بالإعلان عن فوز محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية من وجهة نظر الإصلاحيين هو خطأ فاضح وفادح قام الولي الفقيه بارتكابه، الأمر الذي جعله في نظر البعض منحازاً وغير محايد وبالتالي أخذ يشكك في صدقية أدائه ونزاهته ضمناً أو صراحة، وهو ما قد يدفع للاعتقاد بأن هذه المسألة قد تتطور إلى المطالبة بسحب الثقة عنه، طالما أنها تتعلق بالمنافسات السياسية، وليس المكانة الفقهية والأعلمية والزهد وغيرها.
وينص الدستور الإيراني في المادة 110 (الفقرة التاسعة) على أن الولي الفقيه هو الذي يؤيد صحة انتخاب الشعب للرئيس بعد حصوله على أغلبية الأصوات، وبعد تأييد مجلس صيانة الدستور صحة الانتخابات، وهو الأمر الذي لم يحدث حين بادر خامنئي إلى الإشادة بنجاد والتنديد بخصومه وفريق المشككين، في انحياز واضح إلى طرف ضد آخر وعدم التمسك بلعبة الحياد التي حاول الخميني التشبث بها في إجراءاته بوضع مسافة بين الجهاز التنفيذي (الحكومة) وبينه.
ولعل هذا الأمر أعطى حجة للمعارضين لاسيَّما الإصلاحيين في اعتبار خطوة خامنئي ليست دستورية بل مخالفة للدستور، لاسيَّما استباقه آليات الدستور في تنصيب الرئيس، بالإعلان عن فوزه حتى قبل أن يبت مجلس صيانة الدستور بذلك.
وهناك اعتراض آخر يشكك بموجبه الإصلاحيون بإجراء الولي الفقيه، وهو عدم النظر بشكواهم، حيث أعطاهم الدستور حق تقديم شكاوى إلى ديوان التفتيش وبعدها إلى رئيس مجلس القضاء، الذي تتركز صلاحياته بإقامة العدل ورد الحقوق، حيث تم تجاهل حقوقهم وطعوناتهم بالانتهاكات والتزوير، وذلك بالاستناد إلى دعم ولاية الفقيه، حيث كان خامنئي قد أعلن تأييده لصحة الانتخابات، التي تمنح نجاد والمؤسسات الأخرى الشرعية.
الخلاف اتسع وقد يصل إلى فحوى ومضمون ولاية الفقيه رغم عدم التصريح، حيث شملت الاعتراضات بعض كبار الآيات مثل آية الله حسين علي منتظري وأسد بيات زنجاني ويوسف صانعي، الذين اعتبروا تنصيب نجاد غير شرعي، بل إن بعضهم اعتبر الحكومة غاصبة.
وشملت دائرة الاعتراض رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء، اللذين لم يحضرا مراسم التنصيب ولم يحضر هاشمي رفسنجاني ود.محمد خاتمي رئيس الحكومة السابق، ومهدي كروبي رئيس البرلمان السابق.
ولعل الإجراءات القمعية التي شملت أوساطا واسعة من الإصلاحيين واضطرار بعضهم إلى تقديم تنازلات مثلما هو حال أبطحي الذي سحب جميع اعتراضاته في أثناء اعتقاله، بل ذهب أكثر من ذلك عندما اعتبر أن الحديث عن تزوير الانتخابات إنما هو كذبة اخترعها الإصلاحيون.
ولعل الخروج الأول على ولاية الفقيه وعدم الانصياع إلى رأي المرجع الأعلى، مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي، كان قد حصل بمقاطعة رئيس مجلس الخبراء حفل التنصيب، حيث لم يحضر هاشمي رفسنجاني الرجل القوي في إيران، ولم يشارك كذلك محمد خاتمي رئيس الجمهورية السابق، بل إن الأخير اعتبر نجاد سارقاً لأصوات الشعب في إشارة إلى تزوير الانتخابات، ولم يحضر مهدي كروبي رئيس البرلمان الأسبق، الذي أعلن أن حكومة نجاد غير شرعية وغير دستورية، وهو الأمر الذي يفترض أن لا يحصل في ظل خضوع الجميع لولاية الفقيه.
وإن حاول رفسنجاني وخاتمي وحسين موسوي التمسك بشعارات الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه، فإنهم في الجانب الآخر شددوا على أن مشروعية النظام ومؤسساته تنبع من الشعب، وهو الرأي الذي كان يروّج له الخميني، لاسيَّما بعد أن أصبح الزعيم الأوحد وبلا منازع، في حين يذهب التيار المحافظ لإضفاء نوع من القدسية على ولاية الفقيه التي يعتبرها امتداداً عمودياً من الله إلى النبي إلى الإمام المعصوم إلى نائبه في عصر الغيبة الكبرى، الأمر الذي يجعل المشروعية تتعلق بشخصه حتى وإن تعارضت مع الدستور، وبهذا المعنى فإن وظيفة مجلس الخبراء، لاسيَّما في التنصيب والعزل والإشراف، ستكون معطلة طالما سيكون الحكم بإشراف الولي الفقيه الذي هو فوق السلطات، لكن هذه المسألة ستكون محط صراع قادم، خصوصاً أن الانتخابات الأخيرة، أبرزت حيوية المجتمع الإيراني وحراكه السياسي والاجتماعي، الأمر الذي سيجعل جميع الاحتمالات مفتوحة، بما فيها إعادة النظر في الموقف من ولاية الفقيه أو ببعض الهوامش الديمقراطية المقننة!!


7743 العدد - صحيفة العرب القطرية - الإثنين 24 أغسطس 2009 م - الموافق 3 رمضان 1430 هـ