المحرر موضوع: تُرى، ماذا فَعَلَ الكلدان ليتَعَرَّضوا لِكُلِّ هذا التَجَنِّي والبُهتان !  (زيارة 1379 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كوركيس مردو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 563
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
          تُرى، ماذا فَعَلَ الكلدان ليتَعَرَّضوا لِكُلِّ هذا التَجَنِّي والبُهتان !

يظهرُ أن نارَ  الهَجمَةِ  الشَرسة  التي أشعَلها  غُلاةُ  العُنصريين  دُعاةُ  الآشورية  المُزيَّفة  ومأجوروهم  من المُرتزقة الكلدان الجاحدين  ضِدَّ  القومية الكلدانية  وسعبِها النبيل  لأَكثر من عامَين  بعد سقوط النظام البعثي الشوفيني في العراق ،  لم تَكُن قد خَبَت تماماً ، بل كان الرَّمادُ  قد  غَطَّى لهيبَها  المُستَعِر عن العَيان  لفترةٍ  قصيرة  حتى  أوقدَها  الخُبثاءُ الآنفو الذكر ثانيةً ،  مِمّا  يبدو أنهم  لم يرتَدِعوا بما كتَبَه  جهابذة الكلدان من الكُتّاب والمُفكِّرين  مُفَنِّدين  فرضيتَهم الآشورية  العقيمة  وطروحاتِهم  العُنصرية المسمومة ،  فقرَّروا  إثارة الصِراع  القومي مُجَدَّداً رغم  عِلمِهم المُسبَق بأن   قَلبَ  باطلِهم الى الحقيقة  سيبوءُ  بالفشل  الذريع  كما  باءَ  في السابق  مهما  ابتدعوا  من الأباطيل والذرائع لأن  كُلَّ ما يُبنى على  الباطل   باطلٌ هو  ! ،  والسبب أنهم  لا يفقَهونَ  من التاريخ كُنهَه  ويستسيغون تحريفََه  وهذا ما  يزدريه العالَمُ كُلُّه  .

انقراض الآشوريين

يتَّفق  المؤرخون  العالَميون الغربيون منهم والشرقيون ، بأن دور الآشوريين  القدماء  قد انتهى  نهايةً  أبدية  مُهينة  منذ  أن قُضي عليهم  القضاءَ  المُبرم ما بين عامَي 612 - 609 ق . م من قبل الكلدان وحُلفائهم الميديين  ،  حيث كانت الدولة الآشورية  قد أنهكتها  حركات  العصيان والتمرُّد في سنواتِها الأخيرة ،  بالإضافة  الى تَخَلخُل  الوضع الداخلي  والصراع بين  خلفاء  آشور بانيبال من الملوك الآشوريين الضعفاء على تولي العرش ،  ولشدة ما كان قد عاناه الكلدان والميديون  من ظُلم الملوك الآشوريين وطُغيانهم  طوال ردح طويل من الزمن ، دفعهم للأخذ  بالثأر ، فقام الميديون سنة 615 ق . م باحتلال كركوك  ، ثمَّ أغاروا على مدينة آشور سنة 614 ق . م بقيادة ملكهم ( كي اخسار )  ودخلوها عنوةً بعد تحطيمهم لأسوارها  وفتكِهم بعددٍ  هائل من سُكّانِها ، وبعد انتهائهم من نهبها  أحرقوها  ،  وفي ذات الوقت  وصل إليها  الجيش الكلداني  بقيادة الملك  نبوبيلاصر ،  وأمام  أسوار مدينة آشور المُحطَّمة  تصافح الملكان  الكلداني  نبوبيلاصر  والميدي  كي أخسار ،  وبادرا الى توقيع مُعاهدة تحالف وصداقة  ،  وكان أحد بنودِها  يقضي  بانسحاب الميديين من الاقليم الرافدي الشمالي  واكتفائهم  بالغنائم ،  أما الارض فيكون  مآلُها للكلدان ،  وبذلك  ضَمِنَ  نبوبيلاصر  عدم بقاء  الميديين في  أيِّ جزءٍ من بلاد وادي الرافدين ،  وتُوِّجَت  هذه  المعاهدة  بعلاقة  عائلية  عن  طريق  زواج  وليِّ  العهد  الكلداني  نبوخَذنصَّر الثاني  من  حفيدة  الملك الميدي ،  وقد  أضاف  هذا الارتباط  العائلي قوَّةً الى تمتين  أواصر التعاون  العسكري الكلداني  الميدي ،  واتَّفقَ الملكان  على  اجتياح نينوى  ونَفَّذا هذا الاتفاق سنة 612 ق . م  حيث  اقتحمها جيشاهُما  وأضرما فيها النيران التي التهَمَتها بِمَن  فيها فأضحَت  خرائبة تنعق  فيها  الغربان .

وبعد ثلاث  سنوات من تدمير  نينوى  لاحقَ الحليفان الكلداني والميدي  فلول القوات  الآشورية التي استطاعت  الفرار  الى مدينة  حَرّان  التي التجأ إليها  الملك الآشوري الأخير ( آشور اوبليط الثاني) مع العدد الضئيل من سكّان نينوى  الذين لم يطلهم  السيف والنار ،  مُتوقّعين أن تصلهم نَجدة  مصرية  وعدَهم  بها  فرعون  مصر قبل سقوط  نينوى ،  تساعدهم على شَنِّ هجوم معاكس  ضِدَّ  قوّات التحالف الكلداني  الميدي ،  بيدَ أن  القوات المُشتركة الكلدانية والميدية  باغتت سنة 609 ق . م الآشوريين الذين قدموا من كافة  مناطق تواجدِهم  للإحتماء  في  حرّان ، وحاصرت  حرّان  آخر معقل لهم  بشكل مُكَثَّف منعاً لإمكانية  الهروب ،  ثمَّ توَغَّلت  الى  داخلِها  من  كل  جِهاتِها ، و أفنَت القوات المدافعة  وفَتَكَت  بالسكان  بدون  رحمة  أو شفقة ، فالذين   سقطوا  بأيدي الميديين  أُبيدوا  عن بِكرة أبيهم ، أما  الذين وقعوا بأيدي  الكلدان  كان حَظُّهم أفضلَ قليلاً ، إذ سَلِمَ منهم عدد قليل بفضل الرِفق الكلداني بهم وعدولِهم عن  القضاء  عليهم بالكامل  اسوةً بالميديين ،  وثوقاً  منهم  برابطة  الدم التي  تَربطهم  بهم ، آخذين  بنظر الاعتبار ، بأن دماءَ  العدد الكبير من الأسرى الكلدان  الذين هُجِّروا عَنوةً الى البلاد الآشورية  على زمن الملوك الآشوريين  الطُغاة  تجري في عروقهم  ، وهذا ما يجعلهم  أشِقّاءَ  لهم ، فاحتضنوهم  وانخرطوا بالمُجتمع الكلداني  كشَعبٍ  واحدٍ بدون أدنى تمييز يحملون جميعاً  اسماً واحداً  الاسم  الكلداني .


سيادة الكلدانيين

لقد  جاءَ  في ( مقدمة  في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر  ص. 548 -- تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين / فيليب حتي / الجزء الأول ص. 155-156 -- العراق في التاريخ / سامي سعيد الأحمد / الفصل السادس ص. 164 -- عظمة بابل / هاري ساكز  ص. 170 - 171 ) بعد  قيام الدولة الكلدانية الحديثة  عام 626 ق . م التي أصبحت لاحقاً امبراطورية عظيمة  وسقوط الدولة الآشورية النهائي ما بين عامَي 612 - 609 ق . م على أيدي الكلدان والميديين ،  غَدَت أقاليم دولة آشور الممتدة  حتى الحدود الحالية لآسيا الصغرى ،  ضمنَ حدود  الكلدان وسيطرتِهم  بالإضافة  الى بلاد الشام ولبنان وفلسطين  وشبه الجزيرة ،  لأن الميديين وفوا بوعدهم  وطَبَّقوا مضمونَ  المعاهدة بينهم وبين الكلدان ،  باكتفائهم  بالغنائم التي غنموها  واحتفاظهم  بالمناطق الشمالية  والشمالية الشرقية  لنينوي التي  كانوا قد استولوا عليها  قبل توقيع معاهدة التعاون والتحالف  عام 614 ق . م ،  وأصبحت المناطق  الغربية  من عائدية الكلدان بضمنِها  أربا ايلو( أربيل ) ونينوى وآشور  وكل المدن  والأماكن الاخرى ، فازدادت  كثافة التواجد  الكلداني  في اقليم آشور  الشمالي  بعد  اندثار الدولة الآشورية  وشعبها  ، وتؤكِّد المصادر التاريخية  تواجد  الكلدان  في مناطق  الشمال  والشمال الغربي  والشمال الشرقي  لبلاد  آشور  قبل انقراض الآشوريين ، حيث يقول الاستاذ  حبيب حنونا ( الكلدان  والتسمية  القومية ) كان الملوك الآشوريون في  خِضمِّ  حملاتِهم  العسكرية  المستَمِرة على المدن الكلدانية  خلال الفترة المحصورة بين القرن الحادي عشر والقرن السابع قبل الميلاد ،  قد أسِروا  ما يربو على نصف مليون فَردٍ من الكلدان ، ورَحَّلوهم الى المناطق  الآنفة الذكر ، وتُشير المصادر  بأن  مُعسكراتٍ  كانت قد أُنشِئت للأسرى الكلدان يُطلَقُ عليها  < بيث شيبا >  وتعني  بيت السبايا   في قرية  كرمليس  وقرية  بابلو القريبة  من  دهوك ،  ويعزو  تسميتَها  ببابلو الى الأسرى  الكلدان نسبةً الى عاصمتِهم  بابل ،  كما أن  معسكرات اخرى كان قد تَمَّ إنشاؤها  في منطقة العمادية  شمالي  دهوك بين  بابلو  وارادن  واينشكي ، وبعد  سقوط نينوى  وخضوع تلك المناطق للنفوذ الكلداني  قام هؤلاء الأسرى الكلدان  وبحسب تأكيد هذه المصادر  بإنشاء  مُجمَّعات  ووحدات سكنية  فيها .

سَرَدتُّ هذه الوقائع  كمثال واحد  فقط  من عِدة أمثلة على التواجد  الكلداني  في  المناطق الشماية  والشمالية  الغربية  والشمالية  الشرقية  لإقليم آشور قبل  وبعد  زوال  الدولة  الآشورية  وفناء شعبها ،  ويؤكِّد  التواجد الكلداني في شمال بلاد ما بين النهرين  المؤرخ  اليوناني  زينفون  الذي رافق الحملة  العسكرية  اليونانية  المعروفة  ( بفرقة العشرة آلاف )  عام( 401 ق . م ) ،  وعند تقهقُرها أمام الفرس  بمعركةٍ قرب بابل  عادت  أدراجها  مُتوجِّهة  الى بلادها  وفي طريق العودة  يقول  زينفون  <  قبل اجتيازنا  حدود ارمينيا ( آسيا الصغرى أو تركيا الحالية )  وعلى الساحل الثاني  لنهر دجلة ، جابهتنا قوات كثيرة  تتألف من صنوف مختلفة  ، حاولَت  مَنعَنا  من عبور  النهر ، ولدى  استفسارنا عن هوية تلك القوات  علمنا أنها  قوات أرمنية  وكلدانية  وماردينية  وكانت تابعة   لأورنتاوس  و اورتوخاس ،  وأضاف ،  لقد قيل  لنا بأن  الكلدانيين  شعبٌ حُر  لا يُضاهيهم  شعب آخر في المنطقة  من حيث مهارتهم في  القتال >  .  أليس ما أوردناه  أعلاه  بُرهاناً  قاطعاً على أن  مناطق  آشور  ونينوى  ونمرود  وحِدياب ( أربيل )  وحتى  حدود  آسيا الصغرى كانت  تخضع لسُلطان الامبراطورية  الكلدانية بعد القضاء على الدولة الآشورية ؟  وأن  التواجد الكلداني  كان قائماً في  البلاد الآشورية  قبل  الزوال الآشوري ،  وزادت كثافتُه  أضعافاً بعد  زوالِه  بحكم  سيطرة  الكلدان  على  البلاد  وتحَوُّلِها  الى جزءٍ  من بلاد  الكلدان ،  إنها  حقاً  حقائق  تاريخية  صارخة  تُعَرّي  المُغالطات والأكاذيب  التي  يُروِّجها  أدعياء  الآشورية  المزيّفون  وأذنابُهم  المأجورون  الذين  يُرعبُهم اسمُ  الكلدان  حتى أنهم  ولشدة  كُرههم  لهم  ينفونَ  عنهم  القضاء  على  الدولة الآشورية  ويعزونَه  الى  الميديين  خلافاً  لكل ما  أكّده المؤرخون  ومنهم على سبيل  المثال لا الحصر المؤرخ < جورج رو >  الذي يؤكِّد سيطرة الكلدان على كامل  الاقليم الآشوري بشكلٍ مُحكم بحيث لم  يحدث  أي  تمَرُّدٍ  أو أي  تَحَرُّك مضاد  للدولة الكلدانية حتى  سقوطها على يد  الملك  الاخميني كورش  سنة 539 ق . م  بسبب الخيانة الداخلية  لقائد عسكري في الجيش الكلداني .  إذا كان الميديون قد قضوا على الدولة الآشورية  كما يحلو لدُعاة الآشورية  المعاصرين قوله ،  لماذا تَخَلوا عن حُكم بلادها ؟  ألا يعني هذا  أن  دورهم  كان  دوراً مًساعداً وثانوياً  للكلدان  وليس  كالدور الكلداني  الأساسي  ، ولذلك  فرض الكلدان  سيطرتهم  الكاملة  على  البلاد الآشورية .


الإفتراضات الخاطئة

ومِمّا  سبق ذِكرُه ،  يَثبُتُ  بشكل  لا يُدانيه  شك بانعدام الوجود  لأيَّةِ  بقايا  من الآشوريين القدماء  الذين  حكمَ التاريخُ  عليهم  بالفناء  بعد  سقوط  عاصمتيهما  على التوالي نينوى عام 612 ق . م وحرّان  عام 609 ق . م ،  وهذا ما لا يختلف عليه  مُعظم المؤرخين ،  أما  ما  افترضه  البعض من  رجال الدين  وعلى  رأسهم  المطران  أدي شير  فيأتي  من المِنظار  الديني  عندما  عَمَد  الى  إرجاع  مسيحيي  بلاد ما بين النهرين الى  الاصول  الكلدانية  والآرامية  والآثورية  ، وهذا  خطأ  تاريخي  فاضح وكبير ،  إذ  بالنسبة  للآراميين  لم  يكونوا من سكان  بلاد  ما بين النهرين ،  لأن موطنهم هو بلاد الشام ، وإن  نزوح العدد القليل منهم لا يعني  حَملَ البلاد  لتسميتِهم ، وحتى ان القبائل الآرامية التي عَرَفَت الهُجرة الى بابل في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد ، كانت محدودة العدد جداً بحيث  لم يتَّسِع  لها سوى الإنصهار في المجتمع  الكلداني ،  وإذا كان هناك  عددٌ  مِن رجال الدين الذين  غَشِّهُم الوهمُ  واختلطَ  عليهم التمييزُ  بين القبائل الكلدانية  الهائلة  العدد  وبين القبائل الآرامية ذات العدد المحدود ، يُعَدُّ ذلك  مفهوماً خاطئاً  وقعوا فيه ، ومِنهُ  جاءَت دعوَتُهم  الآرامية  متأثِّرين  بعامل اللغة ،  ومن بينهم العلاّمة المطران يعقوب اوجين منّا  الكلداني  من قرية باقوفا الكلدانية  التي يفتخر  أبناؤها بانتسابهم القومي الكلداني وكما كان هو ذاتُه يفتخر بكلدانيتِه  ، حيث  عَرَّفَ الكلدانيين بقوله :  الكلدانيون ،  العلماء وأرباب الدولة  من اهل بابل وأطرافها ،  أو جيلٌ  من الشعوب  القديمة  ، كانوا أشهر أهل زمانِهم في سطوة المُلك والعلوم ، وخاصةً  عِلم الفَلَك  .  ولغتُهم كانت  الفصحى بين اللغات الآرامية ، وبلادُهم  الأصلية  بابل  وآثور  والجزيرة  أي  ما بين  نهرَي دجلة  والفرات ، وهم جدود السريان  المشارقة الذين يُسَمّون الآن بكل صواب كلداناً : وفي كلامه يؤكِّد  بأن اللغة الكلدانية  ذات استقلالية تامة بين اللغات أو اللهجات الآرامية  لأنها تتميَّز عنها  بفصاحتها  وسلاستِها ، ولذلك  فرضت  ذاتَها  في الشرقَين الأوسط  والأدنى عندما  نشرها الكلدان عِقبَ  اعتناقِهم المسيحية .  إن اختيار المطران  يعقوب اوجين منّا  < دليل  الراغبين في  لغة الآراميين >  عنواناً لمُعجَمِه الشهير < الكلداني - العربي > لم يكن إلا  جَريا على العادة  المُتّبعة  من قبل المؤلفين  الكلدان والسريان  والعرب الذين  اعتمدوا  تقليداً سجعياً في انتقاء عناوين مؤلفاتهم باللغة  العربية ، ولأنه يعتبِر بأن  اللغة الكلدانية  هي ألأفصح  بين اللغات أو اللهجات الآرامية  فلم  يرَ  ضيراً  مِن ذكر لفظة الآراميين  لياتيَ العنوان سجعاً ، أما عنوان المعجم الأصلي  الذي  وضعه  المؤلف  المطران منّا  نفسه  باللغة  الفرنسية  فكان ( قاموس كلداني  -  عربي  Vocabulaire  Chaldeen  -  Arabe )  فلم يكن  المطران  روفائيل  بيداويذ ( البطريرك لاحقاً )  مُخطئاً  بل مُصيباً  جداً  عندما  وضع  العنوان الأصلي  للمعجم  حين  أعادَ  طبعَه . أما بخصوص الآثوريين  فقد سَمّى المطران  أدي شير في  كتابه  < تاريخ  كلدو  وآثور >  الكلدان  القاطنين  في منطقة آثور التي  هي جزء  من بلاد  الكلدان  الأصلية  كما قال  المطران  يعقوب منّا  في  قاموسه  ( الكلداني  -  العربي )  بالآثوريين  نسبةً  الى منطقة سُكناهم  فقط  ،  ولم  يقصد  بهذه  التسمية  الآشوريين  القدماء المُنقرضين  إطلاقاً  ، لأنه كان  الأعلم  بانقراضهم ،  حيث يقول في الصفحة  (138 )  من كتابه  /  الجزء الأول <  ومِن  أعجب الامور  أن هذه الدولة  الجسيمة ،  إنما  عند  بلوغِها الى أعلى ذروة المجد  والعظمة  ،  سَقَطت  فجأةً  سقطةً ابدية >  والقاريء المُدقِّق للجزء الثاني من كتابه ، يُلاحظ  جيداً  تركيزَه على ذكر الشعب الكلداني  لأنه الشعب الأصيل الوحيد  الذي استمرَّ  بالوجود  بعد افول نجم  سُلطانه على أرض بلاده ( بلاد ما بين النهرَين )  وخضوعه  للنفوذ الأجنبي  ، بينما الشعوب  الرافدية الأصيلة  الاخرى  السومريون والأكديون والآشوريون كانت قد انقرضت  كياناً ووجوداً ، ولذلك نقول  إن  مُدَّعي الآشورية المعاصرين هم مُزيَّفون لا صِلة لهم بالآشوريين القدماء المنقرضين  عِرقيةً كانت أو تاريخية ،  و في مقاله  المنشور في  جريدة المشرق الصادرة في بغداد  بعددِها  597 السنة الثالثة  بتاريخ 5 / 1 / 2006  قال السيد  صبحي عبدالحميد  أحد الضباط  الأحرار في الجيش العراقي  قبل ثورة  تموز 1958 والسياسي  والاداري  لاحقاً ، مُجيباً على سؤال  الصحفي  < ايمن المخزومي >  الذي  سأله :  مَن هم  الآثوريون ؟ قال { الآثوريون ليسوا عراقيين ، وليسوا  من سُلالة الآشوريين القدامى  -- هؤلاء الآثوريون أخذوا يعتدون على القرى الكردية والتركية اعتداءً أدى الى مذابح  --  عددالآثوريين الذين جلبهم الانكليز الى  العراق كان محدوداً  20 الف شخص   -- أصبحوا عراقيين حيث تجنَّسوا بالجنسية العراقية ولم يُعتبَر الاُثوريون  قومية  وإنما اعتُبِروا جزءاً من الطائفة المسيحية  --  وهم مُطلقاً من الناحية التاريخية  لم يوجد أي مؤلف عراقي أو أجنبي ينسب الآثوريين الى الآشوريين القدماء  --  بعد سقوط بغداد في يوم 9 / 4 / 2003  تحوّلوا من الآثوريين وأخذوا يُسمّون أنفسهم الآشوريين  وأنهم من سُلالة الآشوريين القدماء  وهذا تزوير  للتاريخ }  .


بين الحقيقة والخطأ

وللأمانة التاريخية  أود التعليق على أقوال السيد صبحي عبد الحميد  لأنه مُحِقٌّ في بعضها  ومُخطيءٌ في بعضِها الآخر : فقولُه بأن الآثوريين المعاصرين ليسوا بعراقيين  خطأ  ،  أما  بقولِه  ليسوا من سُلالة الآشوريين القدامى فهو مُصيب  لأن المؤرخين  يؤكِّدون بشكل قاطع انقراض الآشوريين القدماء منذ نهاية القرن السابع قبل الميلاد  ما بين عامي 612 - 609 ق . م على أيدي الكلدان والميديين ،  والآثوريون الذين جلبهم الانكليز الى العراق لم يكونوا  إلا  أحفاداً للكلدانيين الذين فرّوا من العراق تحت قسوة  الاضطهادات  التي تعرَّض لها الشعب الكلداني العراقي الأصيل ولا سيما بعد  اعتناقِه  بشارة  الخلاص ( الديانة  المسيحية )  من قبل الأقوام التي حكمت العراق والتي ابتدأت على عهد الفرس الساسانيين  فالعرب المسلمين  ثمَّ  المغول والعثمانيين ، فوجدوا  ملاذاً  في جبال  وأودية اورمية وهيكاري وأجزاءٍ من جبال  وتركيا ، بالإضافة الى أن قسماً منهم هم أحفاد الأسرى الكلدان الذين رُحِّلو من بلادهم الى تلك المناطق الآشورية على عهود ملوك آشور الطُغاة ،  وإن جَلبهم من قبل الانكليز في  الثلاثينات  من القرن العشرين  الماضي  الى العراق بعد  استقلالِه  واستقرارِه  هو عودتهم الى أرض آبائهم  وأجدادهم  الكلدان المُتواجدين على أرض العراق وطنهم العريق  في الشمال والوسط والجنوب  وهو  ما يؤكد عراقيتهم .  إن انتحال أحفاد الكلدان هؤلاء  للتسمية الآشورية  الغريبة عنهم  لا يُغيِّر شيئاً ،  إن تمَّ بعد  سقوط  بغداد  في  9 نيسان 2003 أو قبله  بأعوام ، لأنه بحد  ذاتِه  هو الذي شوَّهَ سمعتهم  واستصغر  قيمتَهم  وجَلب  مُختلَف الويلات  والمحن  عليهم ، وليس الذين جلبهم الانكليز  المنتحلين للتسمية الآشورية فقط  بل الكثير من الكلدان النساطرة القاطنين  في المنطقة الشمالية من العراق ،  وأن أبشعَ  ممارساتهم  هي  ابتزازهم  لمُنجزات  الامة الكلدانية  الحية  وعَزوِها الى  الآثورية  المُحَوَّرة  الى الآشورية  في العقود المتأخرة  لتتطابق مع  التسمية القديمة المنقرضة ،  ومن أشنع هذه الابتزازات هي  إدِّعاؤهم  المُزيَّف بأن الآشوريين  بعد سقوط  دولتِهم  واعتناقهم المسيحية  على عهد  الاحتلال  الساساني  لبلاد ما بين النهرين ( قول عوديشو ملكو /  المُستهدَف من التاريخ الآشوري المعاصر ) ،  ولتفنيد  هذا  الادِّعاء  الباطل  من أساسه  نقول ،  إن الشعب  الآشوري ودولته انقرضا  قبل بزوغ  فجر المسيحية على عهد الاحتلال الفارسي الفرثي  وليس الساساني  بأكثر من ستة قرون ،  فهل يا تُرى  عادوا الى الحياة  ثانيةً  ليعتنقوا المسيحية  ؟   لأن المصادر التاريخية  النزيهة والمحايدة  تنفي وجود أيَّة بقايا  للآشوريين القدماء !  وتؤكِّد إبادتهم الجماعية  ما بين عامَي 612 - 609 ق. م  .
أما بالنسبة الى اتِّهامِه  الآثوريين الكلدان  بالإعتداء  على القرى الكُردية  والتُركية  ، فإنَّه  اتِّهام معكوس  لأن الأكراد  والأتراك  هُم الذين قاموا بالإعتداء على الآثوريين الكلدان  وارتكبوا بحقِّهم المذابح ، وكُلَّ ما فعله الآثوريون الكلدان  هو رَدُّهم البطولي على التَصَرُّف العدواني  ويُعتَبَرُ  حقّاً شرعياً  في الدفاع  عن النفس ،  ولا سيما  أنهم يعلمون  بأن عدُوَّهم  لا يَرحم ،  وهو مُصمِّمٌ على إبادتهم والاستيلاء على كُلِّ ما يملكون ، ولذلك فإن تَصَدّيَهم الملحمي للمُعتدي  كان من أجل البقاء وليس  بِقَصدِ  الاعتداء .


الحقيقة الكلدانية والوهم الآشوري

مِن المؤكَّد  تاريخياً  بأن سيطرة الكلدانيين على  بلاد  ما بين النهرين  كانت تُمثِّل الحكمَ الوطني الأصيل والأخير  ،  حيث انقرضت  كما  ذكرنا  فيما  سبق الشعوب  الرافدية الأصيلة  التي  سبقتهم  في  حُكمها  أو حُكم  جزءٍ منها  وهم  السومريون والأكديون  والآشوريون ،  ولدى سقوط  المملكة الكلدانية  بأيدي كورش الاخميني عام 539 ق . م  نتيجة  الخيانة  الداخلية  ، لم  يهدأ  الكلدان بل  انتفضوا مِراراً ضدَّ  الاخمينيين الفرس ، ففي عام 522 ق . م  ثار الكلدان بقيادة النبيل الكلداني المدعو ( ندينو توبيل )  الذي أعلن انتسابه  الى اسرة آخر الملوك الكلدان  نبونَئيد  ، واتخذ له  لقباً ملكياً  باسم ( نبوخَذنصَّر الثالث )  فحَرَّرَ  بابل  لمدة  ثلاث سنوات  حتى استعادها  داريوس الأول عام 519 ق . م ،  وفي عهد  سلفِه  أحشويرش الأول  انتفض الكلدان  عام481 ق . م  وقاد الانتفاضة  النبيلان الكلدانيان  على التوالي (  بيل شماني ) و(  شمش أريبا )  ولكنهما لم يُفلحا  ،  وتَعَرَّضَ الكلدان لإنتقام الملك احشويرش الفارسي  ،  ونُهِبَ معبد الاله ايل ودُمِّرَت  مدينة بابل ، وفُرضت على الكلدان ضرائب باهضة ،  حتى استيلاء  الاسكندر المكدوني على بلاد ما بين النهرين وسيطرته على بابل واتخاذِها عاصمة له عام 331 ق . م ، فخضعت  البلاد  لحُكم  المكدونيين والسلوقيين من بعدهم ،  وتؤكِّد هذه الأحداث  الوجود الكلداني الوحيد  في البلاد  ولم يكن للآشوريين ذِكر على الإطلاق  مِما يُثبت  صواب انقراضم .
يقول  بطرس نصري في كتابه  <  ذخيرة الأذهان / الجزء الأول ص. 33 >  بسبب الأعمال التعَسُّفية  واللاانسانية التي مارسها الفرس الأخمينيون  أثناء  فترة  سيطرتِهم  على  بابل  ضدَّ  الكلدان البابليين ،  اضطَرَّ  الكثير منهم للهجرة الى الشام ولبنان  وشمال بلاد وادي الرافدين ، ووصل  قسمٌ منهم  الى  جزيرة قبرص ،  وقد كان من أفدح الأخطاء  التاريخية  بقيام  المُغرضين  من الكُتّاب بتسمِية هؤلاء المهاجرين بالآشوريين وبدون أيِّ دليل مِن أيِّ مصدر تاريخي  ، ولكن نسبةً  كبيرة منهم مكَثَت  في البلاد  ومن بين هؤلاء  مَن كان مِن نسل ملوكهم  ، لذلك  تتبَّعوا النجم المتميِّز الى بيت لحم اليهودية في  فلسطين  عند ميلاد المسيح الرب له المجد ، ليُقدّموا  له خضوعهم  ويُجزِلوا عليه  هداياهم ،  وسُمّوا بملوك العجم أو المجوس ، ولما عادوا الى بلادهم  وتحدَّثوا بما شاهدوه ، هَيّأوا بذلك الأرضية  المُنبسطة لإنتشار المسيحية في  بلادنا ، وبهذا الصَدَد  كَتَبَ الأب  يوسف تفنكجي في مجلة النجم / العدد الخامس لعام 1929 م ص. 225 ، بأن الكلدان الكاثوليك المُعاصرين  هم أبناء الامة  الكلدانية المسيحية الشرقية  الأعرق في الشرق المسيحي  كُلِّه ،  يفتخرون  بالمجوس الذين وافوا  من الشرق الى  اورشليم  وسألوا  عن الطفل الالهي الذي  رأوا  نجمَه  وتتبَّعوا سَيرَه  ليسجدوا له ويؤَكِّدوا بهداياهم  ملوكيتَه  . لقد كانت مبادرة هؤلاء المجوس الكلدان الخطوة الاولى لقيام كنيسة مسيحية في بلادنا الشرقية  التي يُعتبرون هم المُبَشِّرون الأوائل لها ، تلاهُم رسولُها مار توما وتلميذاه  مار  أدّي  ومار  ماري مُنظمو الكنائس وناصبو الكراسي الاسقفية  ومثَبِّتو كرسي الجثلقة المشرقية في المدائن ، إنَّهم آباء كنيسة المشرق الكلدانية التي  نَمَت وتَرَعرَعت منذ  القرون المسيحية الاولى فازدهرت متلألئةً  بانجازاتِها  ومآثرها المجيدة وفيضٍ من قديسيها وشهدائها ومؤلّيفيها  وكُتّابها  وعلمائها الأفذاذ  .   أين الآشوريون من كل  ما رواه المؤرخون ؟  ألا تثوبون الى رُشدِكم  يا أيها الضالون  وبالاكاذيب  والأباطيل  متشبِّثون !

يروي الدكتور مؤيد سعيد في كتابه < العراق في التاريخ / الفصل الثامن ص. 263 >  بعد احتلال بلاد ما بين النهرين من قبل  الاسكندر المكدوني  ،  قام الكلدانيون بتأسيس  إمارات وممالك لهم خلال أواخر القرن الرابع ق . م ، ودام بعضُها حتى القرن الثاني الميلادي وبعده ، وللأسف البالغ  لم يتوَرَّع  الكُتّاب العرب عن قَلبِ الحقيقة  ونسب هذه الممالك الى العرب  بحُجَج واهية  تتعارض مع  لغة هذه الممالك  وانتسابِها العِرقي ،  وكانت  هذه الممالك  قد دُعِيَت  في عهد الاسكندر الأكبر  بممالك الطوائف  ومن جُملتِها تلك التي اُقيمَت في  ايران والمناطق الاخرى الواقعة تحت النفوذ  المكدوني  والسلوقي ،  ومن  تلك الممالك  الحيرة  وتَدمُر  ومملكة ( بيت أديني )  المعروفة   باسم ( اوروزينة )  وكان  يحكمها  الملك  أبكَر عام ( 130 ق . م )  ،   ويذكر القس  سليمان الصائغ ( المطران لاحقاً )  في كتابه  < تاريخ الموصل / الجزء الأول ص. 19 >  بأن  المؤرخ المطران أدي شير  يؤكِّد  كلدانية  جميع  تلك  الممالك ، ويُضيف  بأن  سكّان  حدياب ( اربيل ) وكرخ سلوخ ( كركوك ) كان مُعظمُهم من النُبط والجرامقة  ويتَّفِق الكثير من المؤرخين والكُتّاب القدامى بأنهم من الكلدانيين ويؤيِّدهم  بذلك  إبن خلدون والقلقشندي  كما يؤكِّده إبن المسعود .


أصالة كنيسة المشرق

إن كنيسة المشرق الكلدانية  الأصل والمنشأ  بدون  منازع  هي إبنة الآمة الكلدانية  التي تَحَدَّثَ عنها  المطران أدي شير في كتابه < تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني ص. 5 - 6 >  حيث قال ( بأن الكلدان النصارى بفتوحاتهم الدينية عَظُمَت شُهرَتُهُم ، وخَلَّدوا لهم ذكراً جميلاً مؤَبَّداً ، إذ  إنهم كأجدادِهم اقتحموا  بلادَ فارس  وماداي  وأرمينيا  وسوريا  وقبرص ومِصر والهند  والصين  وتُركستان وغيرها من البلاد  التي لم  يقدر أجدادُهم الوثنيون أن  يفتتحوها بقوة  أسلحتِهم القاطعة ،  فبهِمّّةِ  هؤلاء المُرسَلين  الغيورين ، ارتفع  شأنُ  الكلدان النصارى وازدادوا وكَثُروا  حتى  فاقَ  عددُهم المائَة مليون ) كما أن المؤرخين أسهبوا بذِكر الامة  الكلدانية  قديماً  وحديثاً  وأقرّوا بفضلِها في  ايصال العلوم  والمعرفة  ونشر بُشرى الخلاص المسيحية  الى أقاصي المعمورة ،  حيث  يُطري المؤرخ < أدولف دافريل > هِمَّة أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية  بمقالتِه في < كلدو المسيحية > ( إن الكنيسة النسطورية أبرزَت مدة أجيال عديدة  ، امتداداً عجيباً  خارقَ العادة ، فإن الفتوحات الدينية  والمَيل إليها  كانا علامتَين فارقتَين ، اتَّصفَت بهما النسطرة دون غيرِها ، فهذه الفتوحات كانت مُجَرَّدةً  عن السياسة والآلة الحربية ، ويُضيف  دافريل،  إن  انتشار المسيحية في  الهند  وسيلان  وسومطرة  والصين وبلاد التَتَر وقبرص أدّى الى ارتفاع شأن الكلدان . ونقلاً عن المؤرخ العلاّمة الأب لابور يذكر المطران أدّي شير (  إنَّه ليس  من امةٍ على الأرض  بارَت امة  الكلدان النصارى في تأسيس المدارس ، فاتَّسَعَت صناعة التأليف  عندهم اتِّساعاً عجيباً  حتى أن عدد المؤلفين منذ الجيل الرابع  وحتى  الجيل الثالث عشر ، الذي انطفأت فيه العلوم لديهم  فاقَ الأربَعمِئة ،  وقد  تجاوزَت  تآليفُ  بعضِهم الأربعين ، وإنَّ تصانيف  مار أفرام لا تُقَدَّر ،  وميامر نَرساي عدا الكُتُب التي ألَّفَها  تجاوزَ عددُها عن (360 )  وميامِر  يعقوب السروجي  بَلَغت ( 700 ) مَيمَر ، أما ميامِر اسقف  هرمزأرداشير فقد وصل عددُها ( 300 )  وما ألَّفَه يوسف حزايا كان ( 1900 )  بحسب ما أوردته مجلة الفكر المسيحي بعددِها ( 184 لسنة 1983 ص. 179 ) .  ويقول  المؤرخ الأب  لابور ( بأن النصارى الكلدان  نالوا أعلى المناصب في  الدولة العبّاسية  ،  وعَلَّموا سادتَها  فلسفة  اليونان  الى جانب علم الفلك  والطبيعيات  والطب ، ونقلوا  الى  العربية مؤلفات آرسطو  وبطليموس  وابقراط وجالينوس وديوسقوريدس  ، وبواسطة  الكلدان تَعَلَّمَ العربُ  الأرقام  الهندية  وآلة  الاسطرلاب )  وجاءَ  في < قاموس اللاهوت الكاثوليكي >  للعلماء الألمان / ترجمة كوشلير ( إنَّ  العلوم الشرقية  في  زمن  فتوحات العرب المسلمين  كانت محصورةً  عند الكلدان ، فكانوا  يُعَلِّمون في مدارس  الرَّها  ونصيبين  وساليق  وماحوز ودير قوني ، اللغات  الكلدانية  والسريانية واليونانية  والنحو  والمنطق  والشعر  والهندسة  والموسيقى  والفلكيات  والطب ، وكان  لهم مكاتب  عمومية  يحفظون فيها تآليف  المُعَلِّمين )  إنَّ ما  تقدَّمَ ذِكرُه  هو أدِلّةٌ  دامغة  ، بأن  الامة الكلدانية  كان  لها  حضور مُتميِّز  منذ ( 4500 عام ق . م )  وبعد الميلاد منذ  ( 400  -  1300 م ) عصر ازدهار المسيحية ، وقد  برز الكلدان  في بداية  ظهور الاسلام  وفترة  الخلفاء الراشدين وفي  عصرَي  الأمويين  والعباسيين وفترة الاحتلالَين  المغولي والتَتَري اللذَين تمَيَّزا بارتكاب  أبشع الفضائح  وأفدَح الجرائم  بحق المسيحيين ، وبالرغم  من  كُلِّ  ذلك ،  واصل  الكلدان  نشاطهم الحياتي  وتواتَرَت  أخبارُهم  بدون انقطاع وبعكس الشعوب الاخرى التي  انصهرت  في  مجتمعات الشعوب الغازية والمُنتصرة  ،  ثمَّ  تلاشت واندثَرَت باندثار نُظِمِها الحاكمة ،  إنَّ  ما أوردَه العلاّمة أدّي شير في تآليفه  من  الحقائق التاريخية  كانت  مدعومة  من أكبر  نُخبةٍ  من المؤلفين  بينهم  المُستشرقين  والعرب  والمسيحيين  وغيرهم ،  وبخاصةٍ  فيما  يتعَلَّق  بتاريخ الامة الكلدانية ، التي يسعى  الجاحدون من أبنائها ، التائهون  في دروب  الفرضيات والأوهام  الى  النيل منها  بإنكار وجودِها  ليس  عن جَهل بل عن قصدٍ مُتعَمَّد  مع سبق الإصرار .

ما أشَدَّ الجُرم الذي يقترفُه  غُلاةُ  أحفاد  كلدان الجبال مُنتحلو التسمية الآشورية الهمجية  بسرقة أمجاد أبناء كنيسة المشرق الكلدانية وعَزوِها الى الموهومين الذين  شَطَبَهُم  التاريخ مِن  سِجِلِّه ،
يا لهَول التَجَنِّي  على تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية  المُتحدة بالكنيسة الرومانية الجامعة  منذ نشأتِها في القرن الميلادي الأول  وحتى ظهور بِدعتَي  نسطور واوطاخي بعد الربع الأول مِن القرن الخامس ،  وبسبب الظروف السياسية  المتأزمة بين المملكة الفارسية  والمملكة الرومانية  ،  أُضطرَّت الكنيسة الكلدانية لتبنّي  المذهب النسطوري علناً إرضاءً لرغبة  الحاكم الفارسي  الذي كان يشكُّ بولاء مسيحيي بلاده وإخلاصِهم ما داموا هم وأبناء كنيسة الغرب في المملكة الرومانية على مذهبٍ واحد ،  ولكن هذا التبنِّي كان شكلياً ، لأن الكنيسة الكلدانية بالرغم من كُلِّ الظروف الصعبة المحيطة بها  كان اعتقادُها راسخاً  بأولوية اسقف روما خليفة  مار بطرس على رئاسة الكنيسة الجامعة ،  وكانت اتصالاتُها  وطيدةً مع روما في السر والعلن ،  ففي عام 1247م كَلَّفَ البطريرك الكلداني النسطوري  سَبريشوع الخامس  مُمَثِّلَه  ربان آدم المُقيم في الصين بنقل صورة ايمانِه الى البابا أجنوتِنيوس الرابع في روما  وقد استَهَلَّها : الى أبِ الآباء وراعي الرُّعاة المُعتلي كُرسيَّ الطوباوي بطرس ، سيِّدي الكُلِّي الطوبى والقداسة بابا روما وكافة أقاليم العالَم . . .

وعندما اعتلى السُدَّةَ البطريركية  عام 1281م  مار يهبالاها الثالث المغولي  أرسلَ وسيطاً له بشخص الراهب الكلداني النسطوري  ربان صوما الى البابا نيقولاؤوس الرابع طالباً التحالف مع روما والممالك الاوربية المسيحية  بهَدَف طرد الشراكسة  من الاراضي المقدَّسة ، ففرح البابا بالوسيط  البطريركي الكلداني ، وحَمَّله هداياه الى البطريرك ، وبراءَةً بابوية  تمنحُ البطريرك بَسطَ سُلطتِه على أبناء المشرق كافةً  ،  فأثمَرَت تلك الزيارة عن  طلبٍ مكتوب  للإتحاد  الايماني مع روما  أرسله البطريرك الى  البابا  بِنِدُكتُس الحادي عشر عام 1304م .  نشرت مجلَّةُ النجم في عددها الثالث لعام 1929م  ص. 147 فَصْلاً عن الرعايا الكلدان في الموصل وأطرافها جاء فيه : على عهد مار يهبالاها الثالث والمِطرابوليط اسحق كانت كنيسة الموصل الكلدانية تملك عشر كنائس في داخل الموصل يَؤمُّها أبناء تسعة آلاف عائلة كلدانية نسطورية  وكان عدد العوائل الكلدانية النسطورية في الأطراف  ثمانية آلاف عائلة .

وما يؤكِّد  علاقة  كنيسة المشرق الكلدانية  بالكُرسي الرسولي في روما  ما ورد  في الطقس الكلداني  مِن الأدِلَّة  حيث نُرَنِّم في تذكار الرسولين بطرس وبولس قائلين : أيُّها المُهَندِس الحكيم ، يا مُشيِّد الكنائس بطرس ، الذي قَلَّدَهُ رَبُّهُ  مفاتيح الكنز الروحي .  وفي صلاة الفرض  يَرِدُ مَدْحُ روما كثيراً : طوباكِ يا روما مدينة الملوك الشهيرة ، أمة العريس السماوي ، التي فيكِ  قام  كما  في سيناء واعظان شرعيان  بطرس رئيس الرُّسُل وبولص رسول الأُمم .

وهنالك إشارات واضحة في الانتاج الأدبي لعلماء كنيستنا  ومشاهير ملافنتِها العظام حول عُمق علاقة كنيستنا بالكرسي الرسولي الذي يتقلَّده على مَرِّ العصور أساقفة  روما  ، فنجد أن مار أفرام مُعلِّم الكنيسة الكبير يُعيد كلام الرب يسوع المسيح في مَيمَرِه بخصوص العشاء الربّاني حيث يقول : يا شمعون جَعَلتُكَ أساساً للكنيسة المقدسة ، أنتَ رأسُ ينبوع تعليمي ورئيس تلاميذي ، بِكَ أروي الشعوبَ كُلَّها ماءَ الحياة العذب ،  أعطَيتُكَ  مفاتيح ملكوتي ، وها أنتَ  مُسَلَّطٌ  على كُلِّ خزائني .

وفي مَيمَرِه  عن حلول الروح القدس على تلاميذ الرب <  الفَنطيقُسطي >  يقول  مار نَرساي الملفان الكبير : رئيس التلاميذ  انقادت له  ام المدن ،  فرَكَّبَ فيها  عيون  الايمان  بمثابة  العيون  في الرأس ،  مُشيراً الى مدينة روما  جاعلاً إياها الرأس المنظور على المدن الاخرى . وفي قول آخر لمار نرساي كنارة الروح القدس :  كَرَزَ شمعون كرازةً جديدة في بلاد الرومان ، ظَهَرَ  أولاً صَيّاداً للسمك ، ثُمَّ  عادَ  ليصدادَ  الاُمَم .

 ومن أقوال : عبديشوع الصوباوي <  إن الطوباوي بطرس فازَ بالسُلطان على المسكونة .  الطبرهاني عمر بن متي  <  والرئيس عليهم كان شمعون الصفا حفظ  كرسي المسيح على الأرض  . إن الأقوالَ بهذا الصدد كثيرة جداً لا يمكن  الإحاطة بها في هذا المجال  ونكتفي بما تَقَدَّم ذِكره .


مَن هم  مُدَّعو الآشورية المعاصرون ؟


لإفهام هؤلاء المُدَّعين بالآشورية اليوم  زوراً ، سنعتمد المصادر التاريخية لإظهار حقيقة انتسابهم القومي  وإن كنّا على يقين  بأن شيوع  الفكر التعصُّبي  الشوفيني  والتَطرُّف المبني  على الزيف والبُطلان في مفاهيمِهم ، يحول دون قبولهم للحقيقة  التاريخية ،  فقد ورد في  كتاب < العراق في التاريخ / للدكتور عامر سليمان / الفصل الخامس ص. 120 >  إن الذين تبنّوا التسمية الآشورية لم يكونوا سوى مجموعات من العموريين هاجرت  من بلاد بابل  مُتوجِّهةً  صوبَ شمال بلاد وادي الرافدين ،  استطاعت  بعد فترةٍ  طويلة  من تكوين دولةٍ قوية  دانت لها  العديد من مناطق الشرق الأوسط  ودويلاته  في الربع الأول من الألفية الاولى لِمَ قبل الميلاد ، استمَدَّت  اسمَها من  اسم  الاله الجبلي الأجنبي ( آشور ) الذي جلبَه الغزاة  الشوباريون  بُناة  مدينة آشور التي غَدَت عاصمةً  لهذه الدولة  ( الدولة الآشورية ) .  وبهذا المنحى تّحَدَّثَ الداعية الآثوري الروسي  قسطنطين ماتييف في كتابِه < الآثوريون والمسألة الآثورية > قائلاً ( أسَّسَ الخارجون من بابل موطناً لهم في شمال ما بين النهرين ، كانت أكبر مُدنهم آشور ويستطرد : أصبحت آشور في مطلع القرن الثامن عشر قبل الميلاد مركزاً لدولةٍ عظمى ، ويُضيف : إن الآشوريين ينتسبون الى الشعوب السامية ويرجعون بجذورهم الى البابليين ) أليس هذا الإعتراف الصريح من قبل الباحث الآثوري ، بأن الآشورية تسمية موطنية سياسية وليست قومية  كما  يدَّعي  مُنتحلو الآشورية  المعاصرون !  وان انتساب الآشوريين القومي يعود الى العموريين أحفاد البابليين الكلدان !  وما حدا  بهم الى تسمية  ذواتهم بالآشوريين  كان تَيَمُّناً  باسم الاله  آشور في الدرجة الاولى و مُسايرةً  للواقع  الاقليمي المطبوع بالتسمية الآشورية لأكثر من أربعة قرون سابقة ، وهذا لا يجعل من الآشورية  قوميةً لمؤسسي الدولة الآشورية  العموريين المُنحدرين  عِرقياً  عن البابليين الكلدان  الأوائل  مؤسسي  سُلالتَي  كيش  واريدو .  إذاً ، الاسم الآشوري يخلو من أي مدلول قومي أو عِرقي وإنما  يتمتَّع بمدلول ديني ،  ولذلك فبعد سقوط الدولة الآشورية وانقراضِها  تَحَطَّم صنم الاله آشور وتوارى اسمُه ولم يَعُد هنالك من يتسمّى به ، ولم يبقَ له إلا المدلول الموقعي .

وحتى لو جارينا  دُعاة الآشورية  جَدَلاً باعتقادهم الانتمائي الى مؤسسي دولة آشور ،  فتكون جذورهم بابلية كلدانية اسوةً بهم ،  وهذا شيء مُخالف لمعطيات ووقائع التاريخ ، لأننا نعلم جيداً حقيقة حاملي التسمية الحاليين وكيفية وتاريخ ظهورها ، وإن الفرضية التي يعتمدونها لربط  ذواتهم  بالآشوريين القُدامى هي عقيمة لأنها خاطئة وتستند الى عاملَين واهيين ، الانتساب الى النسطرة وهذا خطأ فادح لأن  كُلَّ ابناء كنيسة المشرق الكلدانية  ومن بينهم آباءَهم  وأجدادهم  كانوا يعتنقون  المذهب النسطوري  وقد نبذته الغالبية الساحقة منهم ، والعامل الثاني اعتبار  كُلِّ  مهاجر من منطقة هيكاري  قبل أكثر من قرن  أوأقل  من أصل آشوري  وهذا أيضاً  تَخَيُّل خاطيء لآ يَسنُدُه أي دليل ، بينما نَملكُ نحن الأدِلة المُفحمة التي تُناقض إدِّعاءَهم  بصِلَتِهم بالآشوريين القدماء ، وتؤّكِّد  حقيقة اصولهم الكلدانية ، وبأنهم  أحفاد  اولئك الكلدان الأسرى المُهجرين الى المناطق الآشورية  خلال عهود  ملوك آشور الطُغاة  وكان  عددُهم  يربو على نصف  مليون  كلداني ، إذ  بعد  القضاء  على الدولة الآشورية  وشعبها  وصيرورة  كافة المناطق الآشورية من ممتلكات الامبراطورية الكلدانية،  حَوَّلَ هؤلاء الكلدان  مُعسكراتِهم التي  كانت تُدعى( بيث شيبا ) أي  بيت السبايا  الى  مُجَمَّعات ووحدات سكنية ، وعند بزوغ فجر المسيحية  ومجيء المُبَشِّرين  تَقَبَّلوا بُشرى الانجيل الخلاصية بِيُسر وسهولة  لكون لغة المُبَشَِرين  ذات اللغة التي كانوا يتحدَّثون بها ،  وظلّوا مُحتفظين بتسميتهم ولغتهم الكلدانية ضمن كنيسة المشرق  حتى انشقوا عنها في منتصف القرن السادس عشر لإصرارهم على البقاء في المذهب النسطوري نكايةً بالغالبية العظمى من اخوتهم الذين استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم ( المذهب الكاثوليكي - مذهب الكنيسة الجامعة )  وممّا يؤِكِّد كلدانيتهم ،  ممارستُهم لبعض تقاليد القبائل الكلدانية القديمة قبل المسيحية ومنها إطلاقُهم على شيخ القبيلة أو رئيسها لقب ( الملك ) ولا زال هذا التقليد  مُمارساً  لديهم  حتى اليوم ، ولم تُشِر  المصادر التاريخية  إلى  ممارسته  في  مملكة آشور ،  وكذلك  قيامهم  بزمج  بعض المُعتقدات الدينية  البابلية  بطقوسهم المسيحية ولا سيما بعد تمرِّدهم الكنسي وانفصالهم  وقد أشار الى ذلك المُبشِّر الأنكليكاني  وليم ويكرام . إن الحقيقة  التي لا يرقى إليها  الشك  ولا تحتاج  الى جِدال هي  أن ليس هنالك أيُّةُ رابطةٍ تربطهم بالآشورين القدماء وهو ما يتّفق عليه مُعظم المؤرخين والعلماء النُزهاء .   وفي نهاية القرن  التاسع عشر توافد الى منطقة  هيكاري  مبعوثو الكنيسة الأنكليكانية ( الانكليزية )  ورجال المخابرات الانكليزية ، وتداولوا مع بطريرك وزعماء هؤلاء الكلدان النساطرة ، وأغروهم بوعود كاذبة بإقامة وطن قومي لهم يحمل التسمية ( الآثورية ) وليس  الآشورية التي نادوا بها  خلال بضعةٍ من العقود الأخيرة ، وعندما لقيَت الفكرة  قبولاً ، قام عضو البعثة الأنكليكانية البارز  وليم ويكرام ببذل أقصى طاقتِه لنشر التسمية  الآثورية  التي أطلقها عليهم عام  1886م  وتأطيرها  بشكل مُلفتٍ للنظر ، ولشدَّةِ دهائه اختار الإثارة في مسعاه لتحريك مشاعرهم ، حيث أشار الى معاناتهم والاعتدآت التي يتعرضون لها من قبل العثمانيين والمُحيطين بهم من الأقوام المُسلمة ،  ولم ينتبه هؤلاء البُسطاء  بأن السبب في كُلِّ ذلك كان هؤلاء العُملاء الانكليز الذين كانوا يُحرِّضونهم للقيام بأعمال مناهضة للدولة العثمانية لا تُجديهم فائدة ، وإنما تَصُبُّ في صالح المملكة الانكليزية وتحقيق مآربِها ،  وما ساعد المُبشِّرين العملاء على استمالة هؤلاء الكلدان النساطرة الى جانبهم ، هو لُعبُهم ورقة الدين معهم ، للوصول الى ما كانوا يصبون إليه من المرامي والمكاسب ومنها :

1 - تسخير الكلدان النساطرة للحصول عن طريقهم على منطقةٍ  في  لُبِّ الدولة  العثمانية التي كان الهَرَمُ قد  تخلخَلَ في أوصالها  وأدخلَها  في مرحلة الاحتضار . 2 - رغبتُها  في منافسة  فرنسا  وروسيا القيصرية  للتدخل في  شؤون الدولة العثمانية سعياً لنيل مكاسب مُعيَّنة  والحصول على مواقع استراتيجية . 3 - محاولة ايقاف الهيمنة الكاثوليكية على المنطقة الخاضعة لسُلطة البطريرك النسطوري مار شمعون روبين ، حيث كانت حينها بعثة دومنكية كاثوليكية تقوم بأنشطة عديدة لمساعدة هؤلاء الكلدان النساطرة ، حيث فتحت لأبنائهم المدارس ،  ومن خلال التثقيف والتعليم  وتقديم الخدمة الطبية والأدوية لهم ، استمالت قلوبهم ، فأغاظ هذا الامر مبعوثي كنيسة كانتربري الانكليزية ولا سيما عندما  رفض الكلدان النساطرة  مطلبهم  بتغيير  مذهبهم  النسطوري  الى  المذهب الأنكليكاني ( أحد المذاهب البروتستانتية ) وكانت خِشيتُهم شديدة لئلاّ  يعود هؤلاء الكلدان الى المذهب الكاثوليكي فتحتضنهم الكنيسة  الكلدانية الام ،   فيفقد  الانكليز  فرصتهم  الذهبية  في  فرض التسمية الآثورية المزيَّفة عليهم  بدلاً من تسميتهم القومية الأصيلة ( الكلدانية )  إذ  عن طريقها  فقط  يسهل عليهم  استغلالهم  لتمرير  مشاريعهم ،  فكان  الانكليز بالمرصاد  لهم من  أجل  هذه الغاية  الشريرة .

نشرت مجلة النجم الكلدانية الصادرة في الموصل بعددها الخامس لعام 1929م ، بأن البطريرك  النسطوري الكلداني مار شمعون روبين  أرسل  شقيقه  وابن عَمِّه  الى الموصل  للتفاوض  مع البطريرك الكلداني الكاثوليكي  مار عمانوئيل الثاني توما  حول إعادة  وحدة شطري الكنيسة ، وبينما كان مبعوثَاه   يواصلان المباحثات  في الموصل  وافته المنيَّة  عام 1903م ،  استغَلَّ العملاء الأنكليكان غياب المُرشَّح للمنصب البطريركي  ،  وبذلوا جُهداً كبيراً بإقناع النساطرة  لتنصيب  إبن الشقيق الثاني لمار شمعون المتوفي بدلاً  عن المُرشح الغائب ، فتمَّ لهم ما أرادوا ، وبذلك ضاعت فُرصة التوحيد .

 هنالك عشرات المصادر التي  تتحدَّث عن مساويء الانكليز بحق اخوتنا  النساطرة الكلدان البُسطاء ،  وتُسهِب في شرح اللعبة القذرة التي لعبها معهم مبعوثو كنيستهم الأنكليكانية ،  في سبيل تحقيق مصالح بلادهم ، غير آبهين بتعرُّض الآلاف منهم للإبادة ، ومع كُلِّ ذلك  يُحاول سياسيو وكُتّاب مُدّعي الآشورية  تحريف التاريخ  وتخفيف التهمة عن الانكليز ،  جاهدين عبثاً  لايجاد  صِلةٍ بين  نساطرة هيكاري الكلدان الذين حوَّلهم الانكليز الى ( آثوريين ) وبين آشوريي نينوى القدماء  الذين طالهم الفناء .  أيها الرب القدير أنِر عقول الضالين وأعِدهم الى الطريق القويم آمين .



الشماس كوركيس مردو
في 8 / 4 / 2006