المحرر موضوع: الدين أمل خلاص العبيد  (زيارة 754 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل edesa

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 121
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الدين أمل خلاص العبيد
« في: 11:12 14/11/2009 »
الدين أمل خلاص العبيد
رمزي هرمز ياكو
من المعروف جيداً أن البشرية لم تتحرّر من روابطها العشائرية والقبلية طواعية لتتقبّل العبودية وتتبناها، بمعنى أن الشعوب والأفراد لم يتقبّلوا بالعبودية بسبب اللنجاح الذي حقّقوه، إلا لأنها كانت تمثّل نظاماً يشكّل مرحلة متقدّمة من حيث تمهيد الطريق أمام مجتمع جديد أكثر تطوراً على رغم من أن العبودية هذه فرضت في البداية من خلال أعظم وأكبر آيات الظلم والقهر والوحشية، أما العنف العبودي الذي لعب دوراً متقدماً لدى نشوء النظام العبودي، فقد تحوّل في طور إنهيار هذا النظام إلى عنف رجعي لا يفتح الطريق أمام أي تطوّر بل وعلى النقيض من ذلك يدمّر كلّ شي ولا يخلق أية قيم، مما جعله يغدو شيئاً لا معنى له ولابدّ من التخلّي عنه. وهذه الضرورة تتوضّح أكثر فأكثر عندما تغدو طبقة مالكي العبيد عاجزة عن تلبية متطلّبات التطوّر المادي الذي تهيمن عليه وتبادر إلى القيام بدور يعيق مثل هذا التطوّر. ذلك لأن المجتمع يكون في هذه الأثناء منطلقاً في مسيرة يستحيل إيقافها باتّجاه نظام إجتماعي جديد في حين العنف العبودي يرتكز على تحقيق هدف إيقاف تلك الإندفاعة العارمة. وفي مثل هذا الوضع يتنامى العنف الثوري الذي يولّد المجتمع الجديد. وينتصب كالطود ليضع حدّاً نهائياً لوجود ذلك العنف الرجعي البائد. تلك هي مهمة العنف الثوري المقدّسة. وهذه الظروف تصبح أكثر وضوحاً وفهماً إذا تذكرنا الظروف التي تحيط بالعبيد في المراحل الأخيرة من المجتمع العبودي "أن العبيد الذي يشكّلون العنصر الأساسي للإنتاج والقيم المنتجة صاروا عاجزين عن الإنتاج وغير مبالين بعملية الإنتاج كلها". لأنهم لا يستفيدون مما ينتجون. ومثل هذا الوضع يؤدّي إلى إنعدام الإهتمام لديهم لثمار الإنتاج وصاروا مع حلول الظروف السلبية المترافقة مع الأزمة يرفضون مثل هذا الوضع.
لقد إهترأ النظام العبودي من كثرة الإستعمال ولم يعد مؤهلاً لأن يستمر أكثر، فالنظام القائم صار عقبة أمام تطوّر القوى المنتجة مما أوصله إلى مستوى لا يستطيع معه البقاء إلا بأساليب الظلم والقهر ولذا تنصب الجهود على إيقاف عملية ولادة المجتمع الجديد بالقوّة والقسر، على إضعاف السير وتطوّر الولادة بالضغط والإكراه. ولقمع إنتفاضات العبيد يتمّ اللجوء إلى الإعدامات والتعذيب والمذابح غير أن الفرد الذي حرم من حرّياته التي حقّقها عبر تاريخه الطويل يتمّ تحويله إلى وضع أشبه بوضع الحيوان وتقييده بالسلاسل في الحظائر لإمتصاص فضل القيمة منه، والذي مع ذلك ما زال يعيش ذكريات الحرية القريبة رغم جميع تلك الصعوبات.
لم يكن بوسع العبد إلا أن يفكر بالعودة من جديد إلى ذلك الفردوس الذي أضاعه بعد التحرّر من هذه الأوضاع. وكان لابدّ له من أن يعمل في سبيل ذلك. وهكذا فإن الدين الذي ظهر في تلك المراحل التاريخية غدا أملاً له في الخلاص. ومن المعروف كيف إستطاع العبيد أن يتوحّدوا تحت راية الدين وكيف نجح العبيد في أن يقفوا كالطود الشامخ في وجه الإمبراطورية الرومانية، فقيام الأديان بدعوتهم إلى المساواة وإلى عالم أقرب إلى عالم الذي جاءوا منه ولو بطريقة مختلفة، أدّى إلى شحنهم بالإندفاع والحماس الذي كانا للأسف يساهمان في تحويلهم إلى عبيد من نوع جديد بعد تفسّخ المجتمع العبودي وإنقلابه، وظهور المجتمع الجديد أي المجتمع الإقطاعي.
وهنا تم إغراق إنتفاضاتهم في بحور من الدماء من خلال تمسّكهم بالدين الذي صار يجسّد أمل الخلاص بالنسبة لهم.
وهنا إنتشرت الديانات بين العبيد لأنها وعدت حياة أفضل ومستقبلاً أكثر بريقاً من أجل العبيد بصورة خاصة، فإنتشرت كالنار في الهشيم بين الجماهير الواسعة للعبيد. أما ظهور الدين بوصفه أيديولوجية المجتمع الجديد بدلاً من الأفكار العلمية أو الفلسفية فأمر طبيعي جداً في تلك المرحلة، ذلك لأن هذه الأفكار لم تكن قادرة بعد على التأثير على الفئات الواسعة من الجماهير، إذ لا تزال محتكرة بأيادي حفنة من السادة والحكام، في حين أن الأفكار الدينية كانت بالمقابل أقوى تأثيراً على فئات المسحوقين الذين ظلوا خارج جميع الأطر الكفيلة لتطوير الشخصية، كما كانت تتحدّث تطلّعات هؤلاء المسحوقين بالذات.
إن أيديولوجيات النظام العبودي كانت تصوّر مالكي العبيد كقوّة حاكمة ذات سلطة ونفوذ كبيرين جداً وأحياناً بوصفهم آلهة أو أنصاف آلهة.
وهنا بادرت أيديولوجية الديانة الإقطاعية التي أستهدفت الإطاحة بأولئك وبنظامهم إلى طرح فكرة أن الإله الأوحد الذي لا يرى لتطهّره من المادة هو صاحب الكون الذي يسموا فوق كلّ الأشياء وهكذا فإن الأديان التي تشكّلت في هذه المرحلة كانت تخاطب البشرية كلّها وبالتالي تكتسب صفة كونية شاملة وتضمّ في ألويتها حتى العديد الذين هم في أدنى المراتب مما يجعلها قادرة على تنفيذ مهماتها الدينية. وهذا الوضع يمهّد الطريق إلى أن يتمسّك العبيد جميعاً بالدين بوصفه خلاصاً جديداً.
جريدة نيشا العدد 77