المحرر موضوع: الإستبداد حاضنة للجريمة  (زيارة 733 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل edesa

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 121
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الإستبداد حاضنة للجريمة
« في: 10:22 16/11/2009 »
الإستبداد حاضنة للجريمة
غالب النجار
كانت الحرية والديمقراطية الأساس المتين الذي لعب دوراً كبيراً في دفع عملية التنمية الشاملة وفي تحقيق الرخاء الاجتماعي وبلوغ المجد الحضاري، لقد حرّر الإنسان الغربي العقل وأمّن البيئة المناسبة للخلق والإبداع فتحقّقت ثورات في الفكر والإقتصاد ومن هنا أصبح الغرب الأوربي مثالا للتقدم وأضحت دوله نموذجا للبلدان التي لا زالت في طور النمو، وقد كانت الأقطار العربية من بين الدول التي حاولت اللحاق بالركب الغربي فنقلت عنها الأشكال التنظيمية كالدستور والبرلمان والانتخابات والأحزاب والمؤسسات.. غير أنها أخفقت في تحقيق التنمية والتطور لأنها نقلت إلى مجتمعاتها قشوراً خاوية مفرغة من جوهرها الإنساني العقلاني حتّى يخفي الحاكم خلفها نظامه القمعي.
لقد تعمّد الحاكم العربي إغفال الجوانب الجوهرية التي توصل بها الغربيون إلى قمة التقدم ومن بينها قيم الحرية والديمقراطية والتسامح مع المخالفين وإعتبارهم شركاء لا خصوماً وظلّ يسيس مواطنيه بالشدّة ويروّضهم على الطاعة العمياء متظاهراً بالتفاني في تأمين الطريق إلى الرخاء والتمدّن.
تمثل الديمقراطية الأساس المتين لكل عمل إنسانيّ مبدع وتقييد الإنسان بضوابط المنع وإجراءات القمع تجعل منه كائنا مائلا إلى الخنوع والتقوقع على ذاته، فيدخل في صراع بين ما يرغب فيه وبين ما هو محظور عليه وتتشتت أفكاره ويفقد الرغبة في الإبداع، وبالتالي عوض أن يكون إنساناً منتجاً وفاعلاً يصبح في غالب الأحيان عالة على المجتمع.
إنّ غياب الديمقراطية يمثل أزمة فعلية إذ تنشأ مشاعر الاحتقان والحقد والعنف وتظلّ آخذة في التضخّم والشيوع بما ينبئ بحدوث الأسوأ في جميع المجالات وخاصة الاجتماعية لأن ما هو مكبوت بفعل ضغط سلطة قمعية يمثّل قنبلة موقوتة يأتي اليوم الذي تنفجر فيه وتطفو على السطح ، رغم الحدود والرقابة وسيول المنع والضوابط المختلفة، لأنّ الإنسان باعتباره كائنا حرا يسعى دائما لمحاولة التملص من كل القيود الموضوعة له والناظر في مسار التاريخ يعلم أن الاستبداد يولّد الثورة والعنف.
إن المجتمع الذي طالما كانت الديمقراطية مطلبا ومطمحا لسائر نخبه يشهد غيابا يكاد يكون كاملا للحريات، وإقصاء ممنهجاً لجميع الأقليات الأخرى، وإذا كان البعض معترفاً به فصوته يبقى ضعيفا مهشما. وربما نتائج الانتخابات أكبر دليل على هذه السياسة، حيث يُغيّب الرأي المخالف وتُكتم الأفواه وتسلب حقوق الأقليات باسم القانون..   
 إن العراق اليوم يفتقر إلى إعلام حر هادف وبناء. على خلاف الإعلام في الغرب الذي يُمثّل سلطة رابعة يتقيّد بها الحاكم ويظلّ دائما تحت منظارها وهو ما يكون حافزاً له لتجنّب الخطأ وعدم التمادي في الغطرسة.. إنّ الضغوط على الصحافة والصحافيين أثقلت كاهل المبدعين منهم بهذا الوضع إهتزّت النفوس وضعفت الهمم وشاع الفساد وإنتشرت الجريمة وغاب الأمن حيث أصبح المواطن يمشي متوجساً خيفة أن يقع له ما وقع لجاره أو صديقه أو أحد أقاربه والحذر يلازمه أينما ذهب.. وإذا كان الإعلام الرسمي يتشدّق بمقولات زائفة عن "الأمن والأمان" فلا يخفى على أحد أنّ الحقيقة تُخالف ذلك. فأعوان الأمن على كثرتهم لم يستطيعوا توفير الاطمئنان للمواطن وهو ما كان له آثار نفسية ساهمت بشدة في تراجع الأوضاع وضعف الفاعلية والقدرة على العطاء.
إن تفشّي العنف يستحقّ منّا لفت إنتباه الحاكم والمحكوم معا كدعوة جديّة لوقفة تأملية حقيقية أمام هذه الظاهرة وخطورتها على سلامة الجسم الإجتماعي. وخوض معركة تحرير الإعلام حتى يلعب دوره في عملية التوعية والإرشاد واحتواء هذه الآفة وإشراك كامل فئات المجتمع المدني في بناء حاضره وتشييد مستقبله.
غياب الديمقراطية الحقيقية والفساد الإداري والخلافات السياسية يمثل حاضنة للعديد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة ومن أبرزها ظاهرة العنف والجريمة التي ساعد على إرتفاعها عجز الدولة عن إيجاد فرص عمل للشباب العاطل الذي اضطرّ الكثير منه إلى أن يمتهن السرقة ليستطيع توفير حاجياته الأساسية فسخّر كامل تفكيره في صياغة الكيفية والطريقة التي تتمّ بها عمليات النّهب والسلب في ظلّ ما تفتقر إليه هذه الشريحة من تراجع فكري وثقافي وقيمي انعكس سلبا على سلوكهم القولي والفعلي وهي نتيجة منطقية لسياسة طائفية أو حزبية حتى أصبح المواطن يخاف التفكير الجدّي المنتج والمخالف ولم يعد يهتمّ بقضايا البلاد وتحدياتها المستقبلية فغاب الضمير وخملت العقول لإيجاد الحلول العملية والجدية لمختلف مشاغلنا وبالتالي لإرساء أسس سليمة تمكنّنا من تحقيق المصالحة و الراحة والاطمئنان لجميع المواطنين.
إن الديمقراطية في العراق الجديد في الوقت الحاضر ديمقراطية توافقية بين الكتل السياسية الكبيرة فإذا تضرّرت مصلحة كتلة ما فإنهم لا يقرّروا ولا يؤيدوا قراراً يضرّ بمصلحة الكتلة الكبيرة حتى لو كان القرار يفيد مصلحة العراق والشعب العراقي ويفيد المكوّنات الأخرى. فهذا حال الديمقراطية في عراقنا الحبيب، وكل هذه القرارات مرتبطة بجهات سياسية خارج العراق.