المحرر موضوع: كمال سبتي : موت لا يليق إلا بالفرسان  (زيارة 1277 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Muhsin Sabit

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كمال سبتي : موت لا يليق إلا بالفرسان

محسن صابط الجيلاوي

رحل كمال سبتي ابن الناصرية، مدينة الهور والغناء والثقافة والسماء الطليقة، رحل ذلك الأسمر المتوهج البهي بذلك الوجه العراقي الصميم الذي تحس في تقاطيعه ونظراته شكل أرض العراق التي كانت دوما تشده إليها إلى ترابها وعروقها بكل ذلك الحب والإخلاص...
من هناك استمد عذابات وجنون الشعر الصافي، لقد أعطاه المكان شكل رسم قصيدة منتمية للجذور الأولى دون أن تفارقها سعة رسم حلم إنساني كبير ينطلق من والى كل الدنيا...رحل وهو في أوج عطاءه شعرا ونثرا ومقالة...
رحل ابن الماء والسماء التي تلدا دوما كبارا..كمال سبتي ابن القلق والتفرد والمشاكسة النبيلة..كان يبحث دوما عن ما يخرج العقل من ركوده الخاوي، إلى ما هو مُبهر، لهذا كانت له ميزة محاور بارع ومكتشف لمواضيع قد تكاد بعيدة عن عقل العراقي ( المثقف التقليدي ) لكنها كانت مواضيع تهم أي حيوية فكرية وحداثوية منتمية بوعي معرفي إلى هذا العالم المتداخل والمتشابك فكرا وثقافة وعلوم...! رحل ذلك المليء بالقلق الإنساني على مصير الناس والوطن والملتفت دوما إلى الأحداث بعمقها وبأفقها القادم...
رحل كمال سبتي ذلك الذي اصطفيته صديقا، جمعتنا مودة قصيرة على شبكة البالتوك، كانت صدفة جميلة أن أسمع صوت كمال سبتي المُميز للمرة الأولى وهو يتطرق لموضوع حساس عن الايدولوجيا والمعرفة والحياة..كثير منا لم يفهم ما أراد أن يقوله، عد البعض ما يقول غريبا ، داخلت بعده تماما ومنها أصبحنا أصدقاء متذكرا تلك المداخلة في مقالة جميلة له تحت عنوان (كنّا طَوالَ مُعارَضَتِنا الدّكتاتوريَّةَ وما زِلْنا: بلا حَركةٍ سياسيّةٍ نقيضةٍ حقّاً ) وكنت دائما عندما ادخل يكتب لي مرحبا بكلمة ملؤها المحبة والود( صديقي )...، عدة مرات كنا في خلوة من الحرية تشع بتبادل الرؤى والأفكار ومصير أهلنا هناك في أرض السواد..وعندما أنقطع عن البالتوك قلقت عليه راسلته عبر المايل وكان كريما في الإجابة بنفس اليوم - 31 آذار:-

أخي العزيز محسن

أتذكرك وأتابعك دائماً

البالتوك رفعته من جهازي إلى يوم القيامة

لدي شغل كثير وكتب

والحالة الصحية لا تساعد كذلك

سأفتح الماسنجر لك

وسنتواصل

محبتي التي تعرفها

كمال

 وتحقق الاتصال تحدثنا عن الشعر والثقافة والمرأة والمنفى وحياته داخل الوطن، تحدثت معه عن تجربتي البسيطة والمتواضعة في الحياة والسياسة أيضا..كان منطلقا ومبتهجا وفرحا بذلك الوقت الثمين حيث أنجز عدة مشاريع شعرية وفكرية...

أراد أن يخرج من عزلته لكننا أعدناه إليها عنوة لأننا نفتقد ذلك القليل من الحب والتسامح والفهم الصبور احدنا للآخر...نحن قوم التعصب الأعمى للفخذ والعشيرة والطائفة والعنصر وقبيلة الحزب..وهو كان على تضاد حاد مع ذلك، فوقَّ ذلك، عراقي الروح والهوى والخصال، همه ذلك المشترك الإنساني الرفيع..تلك خصال وميزات لقلة عالية الثقافة والهمة والاستقلالية في عراق اليوم...كان مدافعا حازما عن حرية الناس بالاختيار لكن اختياره الشخصي يتميز بالفرادة والأفق العالي..فهو مثقف موسوعي حقا وقارئ حرك الذهن، متوقد المعرفة، كتاباته ومداخلاته عن تروتسكي وبليخانوف ولينين، عن الدين والحداثة والتراث والنقد واللغة والتاريخ الشعري تدل على ذلك....

لكمال سبتي ميزة الإصرار فقد حقق نجاحا وحضورا شعريا بفرادته الشخصية وبحبه للثقافة، لم يستند إلى مؤسسة أو أيدلوجيا أو حزب ما ليساعده على الحضور والبريق، (الإديولوجيا مسطرة للوعي والمشاعر يرفضها الشعر والعقل المتحرر) كما قال يوما، سعة ثقافته أعطته شكل مؤسسة ثقافية تتحرك من فندق بسيط أو منفى لعين لكنها دائما تعطي للناس شعرا وفكرا مغايرا منتمى للأرض والحياة وليس للشعارات..! أليس وهو القائل (في شعري ملوك قدماء وقادة جيوش وطباخون ومؤرخون وسعاة بريد وعلماء كيمياء وأئمة وخلفاء وأنبياء وفقهاء وعبدة أديان وسحرة ومستكشفون وحكماء وقضاة وشرطة ومحققون وسجناء وجنود وشعراء جوالون ومهرجون وباعة وحُدْب وعميان وسكارى وأصحاب حانات وملكات وزوجات قادة وراقصات وممرضات وعاشقات شعراء وأمهات وعجائز وعاهرات وساحرات وقبائل وفرسان وجيوش وقراصنة وعرب وأكراد وأتراك وفرس وروم وآسيويون وأوروبيون وأفارقة ومسلمون ومسيحيون ويهود ووثنيون وفراعنة ومجوس وآلهة..إلخ وهذا كله يتطلب إدارة مّا في الشعر...) وهو كان لها كذلك عقلا مطواعا فتيا بالجديد وتحويل تلك التفاصيل الصغيرة والمتناثرة في الحياة إلى شعر يرفرف فوق رؤوسنا...

 

لقد رثى نفسه مبكرا بقوله (قد لا يكون ثمة منفذ للشاعر العراقي. كل منفذ بالنسبة إليه مغلق بإحكام.
ثمة حصار معروف ومحاصِرونَ معروفون.
لكنه راضٍ بقسمته هذه في عالم الضَّواري والمحتالين.
فقير وقد يسعى حثيثاً إلى أن يموت فقيراً.
وحيد في عزلته ) ويضيف (والشاعر "العراقيّ: صفة إجرائية وقدرية" منتصر في عزلته، منتصر بقوة الشعر ومنتصر بالأمل )

 نعم كان مشعا بالأمل والشعر وحب الناس...لكنه كان وحيدا في عزلته ...

 نحن قراء مرضى بالعجالة، لم ننتبه لمعاناة كمال التي أراد أن يعطي لها الإطلاق وتلك ميزة من الكرامة وعدم حب الذات، رغم ذلك لو كنا على درجة من القراءة الذكية والمعمقة فيها ما هو إنساني ومحب ومتعاضد لفهمنا ما أراد أن يقوله الشاعر، ولتحركنا قليلا أفراد ومؤسسات ونحن في منفى يساعد إلى حد كبير من حيث الإمكانيات والأدوات في تحطيم تلك المعركة الغير متكافئة التي كان يقودها الشاعر وحيدا مع معاناته وآلامه وأحزانه وعزلته القاتلة...!

 

لم اصدق الخبر...

نزل علي كالصاعقة..شعرت أن العالم ضيق وكئيب وقاس...

مات كمال سبتي كأي محارب حقيقي على كرسيه وخلف جهاز الحاسوب تلك هي أدواته في القتال من أجل غد أفضل للعراق ولإنسانه..ذلك شكل من الموت لا يليق إلا بالفرسان وهو واحد منهم بكل جدارة...!

كان طيرا، بحارا مغامرا يكره السكون والخمول والراكد لهذا أثمرت روحة كل تلك الحيوية شعرا وأفكار...

كم محزن أن نفتقد ويفتقد العراق شاعرا مهما مثل كمال سبتي...!

قال لاءاته الأربع عسى أن تصفع خمولنا...دائما ( لا ) لصيقة الشجاعة...قالها ورحل

أي حزنا يعتليني لغيابك المفاجئ أيها الرائع...

نم هنيئا، أعرف انها نومة احتجاج على أوضاع سيئة لا تليق بصفاء الشاعر وحبه لحياة أفضل..نم أيها العزيز الكبير فروحك لازالت وستبقى بيننا لأنها رسمت لنا ألوان زاهية عن معنى أن نعيش وان يكون لنا موقف حر وجرئ وجديد ومتميز ونقدي في هذه الحياة العكرة..![/b][/size][/font]