المحرر موضوع: "المسيحيون العرب، من هم؟"  (زيارة 14848 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Tay

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 7
    • مشاهدة الملف الشخصي
 
تلقيت بالبريد الإلكتروني قبل بضع أسابيع مقالاً بقلم د. وليد فارس بعنوان "المسيحيون العرب، من هم؟" في البداية تجاهلت المقال لأني اعتقدت أنه غير ذي شأن، غير أني تذكرت لاحقاً أن د. فارس يعمل على ترويج أفكار غريبة عن المسيحيين العرب في الأوساط الأكاديمية والتلفزيونية في الولايات المتحدة حيث يحاجج ضد أصلهم القومي العربي ويزعم تعرضهم للاضطهاد على يد المسلمين.
 
باعتباري عربياً مسيحياً، سأستخدم بعضاً من آراء د. فارس كمدخل لإلقاء الضوء على المغالطات التي ينشرها مع قلة من الآخرين تحت ستار البحث العلمي. ويؤسفني القول بأن العديد من هؤلاء النشطاء المناوئين للعرب أكثر ما يناسبهم هو وصفهم بأنهم "عرب كارهون لذاتهم."

كان للمسيحيين العرب وجود لم ينقطع حتى الآن في الشرق الأوسط ومنذ وقت طويل قبل انتشار الإسلام فيه. وهم يعدون في لبنان اليوم حوالي 1.3 مليون نسمة (حوالي ثلث تعداد السكان) معظمهم من الطائفة المارونية. أما في سوريا فإن تعدادهم يبلغ مليونا نسمة (حوالي 10% من السكان) وبينهم نسبة لا بأس بها من الموارنة. أما في مصر فيبلغ تعداد المسيحيين، ومعظمهم من الأقباط، 4.5 مليون أي حوالي 6.5% من المصريين. وهناك مليون في العراق من مختلف الطوائف وهو ما يعادل 4% من السكان. وربما يبلغ عدد المسيحيين في فلسطين والأردن 600 ألف، غير أن التغيرات السكانية التي حدثت في البلدين تجعل من الصعب إعطاء تقديرات دقيقة.

وقد لعب مسيحيو لبنان وسوريا وفلسطين دوراً رائداً في إحياء الثقافة العربية من حالة السبات التي كانت تعانيها في عهد العثمانيين. وتدين نهضة الثقافة العربية بالكثير للعديد من المفكرين المسيحيين العرب الذين كانوا رواد تشكيل الهوية القومية العربية.وكان للدور الماروني على وجه الخصوص أهمية كبيرة على الصعيد الثقافي. وهم في لبنان يشكلون عماد تنوعه الثقافي. وقد قال لي صديق سعودي ذات مرة، لو لم يكن الموارنة موجودين لكان علينا اختراعهم!

وقد ظهرت مزاعم بين الحين والآخر بأن الموارنة يعود أصلهم للفينيقيين. وهذه ليست سوى خرافة الهدف منها النأي بالموارنة عن أصولهم العربية. لقد كان الموارنة يسكنون وادي نهر العاصي في سوريا. وهم يتحدرون على الأغلب من بعض القبائل العربية التي لم تعتنق الإسلام أبداً. يقول المؤرخ اللبناني البارز كمال صليبي (وهو مسيحي بالمناسبة) في كتابه "بيت من قصور عديدة" (1988)، الباب السادس: "من المحتمل جداً أن الموارنة، وهم مجموعة من أصل عربي، كانوا بين أواخر القبائل العربية المسيحية التي وصلت سوريا قبل الإسلام... والمؤكد هو أن لغتهم ومنذ القرن التاسع للميلاد كانت العربية وهو ما يشير إلى أنهم كانوا بالتأكيد مجتمعاً قبلياً عربياً. أما حقيقة أن السريانية لا تزال اللغة المستخدمة في صلاتهم، فهي أمر ليس بذي صلة بالموضوع. فالسريانية، وهي الشق النسخة الدينية المسيحية من اللغة الآرامية، كانت لغة الصلاة والشعائر الدينية لكل الطوائف المسيحية العربية الآرامية سواء في الجزيرة العربية أو سوريا أو العراق."

ويشير صليبي أيضاً (في الباب الرابع) إلى أن البطرك إستيفان دويهي، وهو مؤرخ ماروني من القرن السابع عشر، قال إن الموارنة "اضطروا إلى الرحيل عن وادي العاصي والانتقال إلى جبل لبنان نتيجة اضطهاد بيزنطة لهم وليس المسلمين." ويقول صليبي عن ذلك: "بين 969 و1071... كان البيزنطيون يسيطرون على وادي العاصي. ولابد أنهم مارسوا من الاضطهاد على الموارنة ما يكفي لإجبارهم على الرحيل من المكان والالتحاق بالمسيحيين الموجودين في جبل لبنان. أما في مدينة حلب المسلمة، فلا تزال الجالية المارونية موجودة حتى هذا اليوم."
 

 
ويقول الحسن بن طلال (ولي عهد المملكة الأردنية السابق والباحث البارز) في كتابه "المسيحية في العالم العربي" (1994) في الباب السابع مؤكداً "كان من الوارد جداً ألا تنجو الكنيسة المارونية من عودة الاحتلال البيزنطي لسوريا بين القرنين العاشر والحادي عشر لو كانت بيزنطة قد نجحت في احتلال كل الأراضي السورية دون أن تتبقى أجزاء تحت الحكم الإسلامي والتي وجدت الجاليات المسيحية المنشقة عن الكنيسة البيزنطية ملاذاً لها من الاضطهاد البيزنطي."        

آمل بعد كل هذا أن نضع نهاية لخرافة أن الفينيقيين هم أسلاف الموارنة. لقد عاش الفينيقيون بشكل أساسي على سواحل سوريا ولبنان. وإن أراد البعض اللجاجة في إثارة هذا الموضوع، فإن من الواضح أن المتحدرين من هؤلاء الفينيقيين إنما هم سكان السواحل اليوم، وهم في معظمهم من السنة. وعلى كل حال، فقد كتب المؤرخ الإغريقي هيرودوت في القرن الخامس قبل الميلاد قائلاً إن الفينيقيين أنفسهم هم قبائل عربية كانت تسكن الجزيرة العربية على سواحل البحر الأحمر.

يتحدث د. فارس في مقاله عن "أعمال إبادة للأقباط في مصر." وهذه تهمة خطيرة وغير صحيحة. مصطلح أعمال إبادة يعني قتلاً منظماً ومنهجياً لطائفة ما وعادة ما يكون بأوامر من الحكومة. ربما تكون هناك بعض المصادمات التي حدثت، غير أني لم أقع بعد على أي وثيقة تاريخية تتحدث عن تعرض الأقباط أو أي مجموعة عربية مسيحية أخرى لأعمال إبادة. (المذبحة الوحيدة التي سجلها التاريخ ضد المسيحيين حدثت في 1860 في جبل لبنان، وحتى سبب تلك الحادثة الوحيدة كان اجتماعياً حين ثار الفلاحون الموارنة ضد سادتهم من الإقطاع الدروز.)

أما أعمال الإبادة فكانت من ابتكار الحكام المسيحيين في أوروبا، ومعظمها كان ضد اليهود- وهي الأعمال التي لا يزال الفلسطينيون العرب من المسلمين والمسيحيين يدفعون ثمناً باهظاً لها فيما يحاول الغرب المسيحي التكفير عن آثامه على حساباهم. وعقدة الذنب الغربية هذه والتي تغذيها باستمرار آلة الدعاية الصهيونية قد سببت صمت القبور هذا عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل طوال 60 عاماً مضت.

وكثيراً ما نسمع أن أقباط مصر هم من نسل الفراعنة. غير أن ردحاً كبيراً من الزمن قد مر بين اختفاء الفراعنة وظهور الإسلام في مصر. وهو ما يجعل هذا الزعم مشكوكاً به، وفي أي حال فإن مسلمي مصر لهم كل الحق مثل غيرهم في الزعم بأنهم نسل الفراعنة إن كان هذا الزعم أكثر من مجرد محاولة تجزيء ثقافي لشيء واحد لا يتجزأ.

لقد كانت الجزيرة العربية والأراضي التي من حولها أصل عدد من القبائل والحضارات مثل الفينيقيين والآشوريين والكلدانيين والآراميين والعبرانيين والكنعانيين والنبطيين وغيرهم. وكانت هذه القبائل تهاجر من الصحاري العربية إلى الأراضي الخصيبة في شرق المتوسط ووادي النيل. وكانت لغاتهم متشابهة جداً بحيث يمكن للمرء أن يسميها لهجات للغة واحدة. وحتى اللغة العبرية المعاصرة تشترك مع العربية بأوجه شبه ملحوظة. كانت لهذه القبائل ديانات مختلفة. في مرحلة معينة، كانت في معظمها وثنية، وأخرى يهودية. ومع ظهور المسيحية تحولت بعضها إليها. وبالتالي فإن المسيحية لم تكن أبداً مكوناً عرقياً وإنما دين اعتنقته العديد من القبائل. والكثير من أعلام الشعراء العرب في الجاهلية كانوا مسيحيين مثل امرؤ القيس وطرفة بن العبد.

اللغة السائدة في البلدان العربية اليوم هي اللغة العربية، غير أنها في الحقيقة ليست سوى لهجة قبيلة عربية كبرى هي قريش، والتي أصبحت لغة القرآن أيضاً. وهذه اللغة انتشرت انتشار النار في الهشيم في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين وشمال مصر لأن الناس فيها كانت تتحدث مسبقاً لهجات للغة نفسها.

إن بلاد الشام (أو سوريا الكبرى إن شئتم) قد استعربت قبل وقت طويل من دخول الإسلام لها. وأعود إلى كمال صليبي والباب الخامس من كتابه حيث يقول: "كانت قبائل عربية كثيرة تسكن جبل لبنان قبل ظهور الإسلام..." ويقول في الباب السابع: "إن الزعم بأن سكان سوريا قد استعربوا بعد فتح العرب المسلمين لبلادهم هو زعم خاطئ تماماً، لأن سوريا في معظمها كانت مسكونة بالعرب مسبقاً- وبالأصح المسيحيين العرب- قبل وقت طويل من ظهور الإسلام."

لكن هل يوجد اليوم ما تمكن تسميته العرق العربي؟ أظن أن الجواب هو لا. إذ ليست هناك جماعة بشرية في العالم اليوم يمكنها الزعم بأنها صافية عرقياً، ربما باستثناء تلك الموجودة في بعض الجزر المعزولة. وأضرب هنا مثالاً بفرنسا الفخورة دوماً بتراثها الثقافي والتاريخي والأخلاقي. إن غالبية الفرنسيين الجنوبيين هم من أصول عرقية إيطالية. وإلى الغرب تغلب الأصول الباسكية. أما السكان في الشمال فهم من أصول بريطانية ونورماندية. كما كانت باريس طوال تاريخها ملاذاً للاجئين من بلاد أخرى. وحتى نابليون الذي يمجده الفرنسيون كان من جزيرة كورسيكا الإيطالية الفرنسية. فهل هناك من يستطيع الزعم بأن هناك عرقاً فرنسياً؟

وفي المقابل هناك ما يمكن وصفه بالثقافة العربية. إذ باستثناء أقليات عرقية واضحة (مثل المسيحيين وعبدة الحيوانات في جنوب السودان والأكراد في سوريا والعراق والبربر في المغرب العربي وبضعة أقليات أخرى) فإن باقي السكان كلهم هم عرب ثقافياً. والثقافة هي اللغة التي يتحدثونها والشعر الذي يقرؤونه والأغاني التي يغنوها والأطعمة التي يأكلونها والموسيقى التي يرقصون على إيقاعاتها والتاريخ الذي يشتركون به.

إن العرب- مسلمين ومسيحيين- غارقون حتى آذانهم اليوم في محاولة دحر هجمة الدعاية المغرضة من جاني الصهاينة والمحافظين الجدد التي تأتيهم من الغرب، ولا تنقصهم كتيبة عرب كارهين لذاتهم بين ظهرانيهم. في هذا الجو السياسي الموبوء بالعداء للعرب والمسلمين، نحن بحاجة لاستعادة دورنا باعتبارنا مدافعين عن وطننا وعمقنا العربي ومفسرين وسفراء له وناطقين باسمه. لقد ساهمنا في مساعدة الدولة العربية الناشئة في سنوات تشكلها على التعرف على أمهات الكتب الإغريقية مثلما ساهمنا في إعادة تشكيل الهوية العربية وانعتاقها من تخلف الدولة العثمانية. وعلينا ألا نسمح للأصوليين من الغربيين أو الإسرائيليين في إلقاء الغشاوة عليها من جديد.

حين دخل الصليبيون القدس عام 1099، تعرضنا نحن المسيحين العرب للمذابح مثل المسلمين. والفظائع التي نراها في فلسطين والعراق وأفغانستان توضح لنا بجلاء أن أخلاقيات الصليبيين الجدد ليست بأفضل من أخلاقيات أولئك اللذين أتوا إلى هذه البلاد قبل قرون مضت.

رجا مطر مدير إقليمي سابق فيالشرق الأوسط لشركة متعددة الجنسيات وهو حالياً مستشار تجاري يعيش بيروت: ranimar@cyberia.net.lb  

 -------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


العرب الغساسنة


ينتسب العرب الغساسنة إلى قبائل الأزد، التي هاجرت من اليمن إلى بلاد الشام بعد خراب سد مأرب وذكرهم حسان بن ثابت في شعره قائلاً:

إمّــــــا ســـــــــألت فإنا معشـــــــــــر نجــــــب
الأزد نســـــــــــــبتنا والمــــــــــاء غســـــــــان

وعندما وصل الغساسنة إلى جنوب بلاد الشام، أقاموا عند قوم من عرب قضاعة عرفوا باسم بني سليخ. وقيل أن قسماً منهم أقام عند ماء يدعى غسان، فعرفوا منذئذٍ باسم الغساسنة. ويذكر المؤرخون والرواة العرب أن أول ملك غساني كان عمر بن جفنة، الذي اشتهر بانتصاراته، وبلغ عدد الملوك الغساسنة ثلاثين ملكاَ، كان آخرهم جبلة بن الأيهم.

امتد نفوذ الغساسنة حتى الرصافة قرب الرقة، التي كانت بمثابة عاصمتهم الشمالية. وتورطوا في الصراع القائم بين البيزنطيين والفرس، مما جعلهم يخوضون معارك ضد خصومهم المناذرة حلفاء الفرس.



جوستينيان
إمبراطور بيزنطة
أدرك البيزنطيون أهمية قوة العرب الغساسنة، وأنعم الإمبراطور البيزنطي جوستنيان على الحارث بألقاب عظيمة مثل «فيلارك أبطريق» ودعاء إلى قصره في القسطنطينية، فاستقبله فيها استقبالاً لائقاً بالملوك بحضور زوجه المنبجية الأصل «تيودورا»، فتركت هذه الزيارة أثرها الكبير في أوساط القصر البيزنطي.

وكان تزايد نفوذ الغساسنة، وحمايتهم أتباع عقيدة «الطبيعة الواحدة»، قد أدى إلى نزاعهم ضد البيزنطيين وهذا يفسر محاولات البيزنطيين إعطاء السلطات الكافية لحاكم سورية البيزنطي للقضاء على نفوذ الغساسنة.

وكان العرب الغساسنة يحاربون إلى جانب البيزنطيين ضد الفرس في الحرب، التي انتهت عام 531م بهزيمة الروم وأسر أحد قادة العرب (عمرو) قرب قنسرين شمال بلاد الشام. وبعد معركة قنسرين بمدة قصيرة، تجددت الحرب بين ملك الغساسنة الحارث بن جبلة وملك المناذرة «المنذر بن ماء السماء» بسبب التنافس على سيادة قبائل بادية تدمر، مما أشعل من جديد الحرب بين بيزنطة وفارس.

كان الحارث بن جبلة عام 541م، يحارب في العراق إلى جانب الروم البيزنطيين بقيادة بليساريوس. وفي عام 544م تجددت الحرب بين المنذر، ملك الحيرة والحارث بن جبلة، ملك الغساسنة. وقد أسر أحد أولاد الحارث، وقدم قرباناً للربة «العزى/أفروديت» وكانت الهدنة بين البيزنطيين والساسانيين، قائمة وقتئذٍ. وفي عام 544م حدثت معركة كبرى بين الخصمين، عُرفت باسم يوم حليمة.

كان الغساسنة قد تأثروا بالديانة المسيحية، واشترك ملوكهم في الخلافات الكنسية حول طبيعة السيد المسيح. وكانوا من أتباع عقيدة الطبيعة الواحدة (المنوفيزيين)، ويعود إلى الغساسنة فضل تعيين يعقوب البرادعي وغيره، أسقفاً في ولاية الشام، مما دعم موقف القائلين بالطبيعة الواحدة.

نال الحارث بن جبلة شهرة كبيرة، ونسب إليه الرواة كل عمل عظيم، وقد امتد حكمه حتى وفاته عام 569م أو 570م نحو أربعين عاماً، فخلفه ابنه المنذر بن الحارث، الذي بدأ حكمه بصدّ غارات المناذرة عن بلاده، فهزم المناذرة وملكهم قابوس في معركتين عام 570م، إحداهما قرب الحرية عاصمة المناذرة وذلك في فترة جفاء بين الغساسنة والروم البيزنطين، مما جعل البيزنطيين يعقدون صلحاً مع المنذر في مدينة الرصافة. وفي عام 580م، قام المنذر بزيارة رسمية إلى القسطنطينية استُقبل فيها استقبالاً لائقاً وقد أنعم الإمبراطور عليه بتاج ملكي.

ولكن العلاقات بين الغساسنة والبيزنطيين ساءت من جديد، وتمكن البيزنطيون من خداع المنذر واعتقاله في قرية حوارين قرب حمص، ونفيه مع زوجته وبعض أفراد أسرته إلى العاصمة القسطنطينية، ثم إلى صقلية عام 582م، بعدما حكم مدة ثلاثة عشر عاماً، مما جعل أولاد المنذر الأربعة يثورون في بصرى. ولكن الحاكم البيزنطي تمكن من الانتصار عليهم، ونفي النعمان بن المنذر إلى القسطنطينية، وانتهت حياته في ظروف غامضة.

بعدما ضعفت مملكة الغساسنة، وقضي على أواخر ملوكها، انقسم عرب الشام إلى خمسة عشر قبيلة، متنازعة فيما بينها، يعمل بعضها في خدمة الروم البيزنطيين وبعضها الآخر لمصلحة الفرس. وقد توطن قسم كبير من العرب في مدن بلاد الشام وقراها، وكان لهم في دمشق نفسها قصور هامة، تغنى الشعراء بأحدها (قصر البريص). وإذا كانت المصادر السريانية والبيزنطية قد أهملت ذكر ملوك الغساسنة، فإن الشعراء ـ مثل النابغة الذبياني وحسان بن ثابت ـ تحدثوا عن أولئك الملوك منهم: الحارث الأصغر وابنه النعمان.

امتد نفوذ الغساسنة إلى مناطق جبل الشيخ، بل وحتى مناطق وادي عربة. وكانت أهم مراكزهم في الجولان وفي حوران وجلق (دمشق)، وبقي نفوذهم في مناطق البادية ولاسيما حول تدمر والرصافة. والجدير بالذكر أن هرقل بعدما تمكن من استرداد بلاد الشام من الفرس، حاول تنظيم إمارة الغساسنة. وفي كتب السيرة النبوية أن ن النبي محمد (ص) راسل ملك غسان، شرحبيل بن عمرو الغساني. وفي عهد الخلفاء الراشدين، كان ملك الغساسنة، جبلة بن الأيهم يدعم الروم في حروبهم ضد العرب المسلمين، ثم دخل الإسلام، ولكنه ارتد بعدئذٍ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وهرب إلى الإمبراطورية البيزنطية، حيث توفي فيها.

وانتهت إمارة غسان بالفتوحات العربية الإسلامية لبلاد الشام.
 

---------------------------------------------------------------------------------------------------

 
العشائر المسيحية في مادبا \\الأردن :

العشائر المسيحية الرئيسية في مادبا هي , عشيرة العزيزات وعشيرة المعايعة وعشيرة الكرادشة. وجميع هذه العشائر نزحت من الكرك الى مادبا . اما بخصوص نسبهم فهم جميعا من اصل "غساني" وان الغساسنة عاشوا في اطراف الشام وحوران والاردن. وهنالك اكثر من عنصر يدل على اصلهم الغساني :
أ - ) ان هذه العشائر الثلاث كانت من طائفة الارثوذكسية حسب العقيدة البيزنطية التي اكتسبتها في اثناء وجودها تحت حكم الدولة الغسانية في بلاد الشام والتي كانت تعيش في اطراف الشام وحوران والاردن وخاصة في جبل العرب.
ب -)ورد في كتاب القبائل العربية وسلائلها لمؤلفه مصطفى الدباغ (ان العزيزات والمعايعة) من سكان العرب القدماء في ديرة الكرك , وانهم عساسنة.
ج -) و ورد في الجزء الثاني من كتاب "بلادنا فلسطين" لمصطفى الدباغ ان بعض الاسر المسيحية التي تعيش في سوريا ولبنان ترجع باصلها الى الغساسنة.

اولا – عشيرة الكرادشة : تناسلت عشيرة الكرادشة والقواقشة والنويصر والفلوح من جدهم ((قروى)) الذي كان يسكن بصرى اسكي شام في صلخد بجبل الدروز في حوران والذي كان يسمى "جبل العرب" وفغي عام 1605 م. توجه كردوش الى مدينة الكرك وانجب يعقوب الذي انحدرت منه عشيرة كردوش في الناصرة وسلامة الذي انحدرت منه عشيرة الكرادشة. وسلامة عقب ولدين هما جابر وهلال.
ومن جابر تناسلت الفرق التالية :
الجميعان , الجريسات , المرزوق , الفرهود , القسوس.

ومن هلال : عيال جابر(ومنهم اللياس والسلامات ايضا) , عيال منصور , الصلولين .

ثانيا – عشيرة العزيزات : هذه العشيرة لها تاريخ حافل بالبطولا ت والحروب العشائرية ولها مكنتها بين العشائر ويقال ان سبب تسميتها بالعزيزات لانها من {عزازت} جيوش النبي(ص) في حرب مؤته. ينقسم العزيزات الى ثلاث فصائل رئيسية كل فصيلة تتالف من عدة عائلات وتسمى كل فصيلة ثلث هي:
ثلث / الغيشان : ويتالف هذا الثلث من العائلات التالية :
- الغيشان والعلمات
- الشويحات
- المصاروة

ثلث / الصوالحة : يتالف من العائلات التالية :
- الصوالحة
- الضباعين
- المرار
- القنصل
- اليعقوب
- الفرح
- الزوايدة

ثلث / الطوال :ويتالف من العائلات التالية :
- الطوال
- القصار
- الخزوز
- المسنات
- طنوس

ثالثا – عشيرة المعايعة : هي احدى العشائر الكركية التي هاجرت الى مادبا وهي من اصل غساني.
يعتبر المعايعة اقدم العشائر المسيحية التي تتواجد في الاردن , وزمن وصول المعايعة الى بلاد الشام فكان في القرن الثالث ميلادي مع قبيلتهم الغساسنة التي اعتنقت الديانة المسيحية واقاموا لهم دولة في بلاد الشام.
تتالف عشيرة المعايعة من الفصائل التالية :
- المعايعة
- العجيلات
- السلايطة
- العويمرين
- السماعين
- المدني
- المصو
- الصناع


------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
أولاً: تقع قرية عين الجرن في الجهة الجنوبية الشرقية من صافيتا، وتبعد عنها مسافة سبعة كيلو مترات، ويخترقها طريق عام معبد سياحي، يصل إلى بلدة مشتى الحلو، ماراً بقرية عيون الوادي حتى حمص وحماه، ويقع هذا الطريق في الجهة الشمالية الغربية للقرية.


ثانياً: السكان:

يسكن قرية عين الجرن عشر عائلات هي /بيت خلوف - ديب - حداد- مسوح- عيسي- صابرين- اللاطي- عبدالله- خليل- يوسف/ ويقال أن جميع هذه العائلات من أصل غساني التي كانت تمتد مملكتها شرقي نهر الأردن والعاصي في القرن السادس وهي قبائل عربية أصيلة كان لها عزّ ومجد.

ويبلغ عدد سكان قرية عين الجرن حالياً /1500 /نسمة يقطنون فيها بشكل دائم. والمهاجرون عنها ضمن القطر وخارجه. وكان عدد سكانها /190/ نسمة عام 1925 حسب الاحصاء في عهد الانتداب الفرنسي.

ويعمل سكانها في مختلف المهن الزراعية والصناعية والتجارية، وأصبح عدد منهم يشغل بعض الوظائف في الدولة وخاصة بعد عام 1960م

أما بالنسبة للثقافة والعلم فقد أحدثت فيها مدرسة ابتدائية عام 1951 بعد الاستقلال، وكان سابقاً يتعلم أبناؤها على أيدي معلمي الكتاتيب، ولم يكن يعرف القراءة والكتابة فيها إلى العدد القليل، وإن أول معلم للكتاتيب فيها اسمه /ابراهيم حنا نصرالله/ و /ابراهيم خلوف/ و/ داؤود الحلو/ وغيرهم وغيرهم. وكان كتابا /المزامير/و/الإنجيل/ هما كتابا المتعلمين.

ولكن الأمر تغير كثيراً الآن فيوجد في القرية أكثر من عشرة أشخاص من حملة /الدكتوراه/ وأكثر من مئة من حملة الليسانس 000 ناهيك عن جملة المعاهد الكثيرين، ولم يعد فيها أمي واحد.


ثالثاً: كنيستها مار ميخائيل:

إن سكان قرية عين الجرن مسيحيون /روم أرثوذكس/، ولم يكن في القرية كنيسة حتى عام 1966، نظراً لضعف الحالة الاقتصادية من جهة، ولوجود كنيسة مجاورة في قرية السيسنية كانوا يصلون فيها، حيث كانوا قد اشتركوا في بنائها مع أهالي تلك القرية.

وفي عام 1966 تبرع بعض المهاجرين في البرازيل ومنهم جبرائيل كيخو خلوف ببناء الكنيسة الموجودة حالياً، والتي بنيت في الجهة الجنوبية الشرقية من القرية، على قطعة أرض مساحتها تزيد عن هكتار، وهي كنيسة بسيطة ومتواضعة، قام بعض سكان القرية وبعض المتبرعين بتحسينها، و غرسوا حولها أشجار الصنوبر والسرو، وأصبحت كأجمل ما تكون، في وسط غابة خضراء جميلة، يزينها رنين جرس حنون، تتردد أنغامه في نواحي هذه القرية، فتبعث الدفء والإيمان، والمحبة والأخاء في نفوس الجميع، وقد تناوب في خدمة رعيتها عدد من الكهنة المحترمين وحتى الآن، حيث تقام حفلات الأعياد، والزواج، والتعميد والصلوات فيها وبجوارها، ومن الجدير بالذكر أن أهالي قرية عين الجرن يتمسكون بمضمون المسيحية من /حب للناس- وتقدير للإنسانية، والعمل من أجل أن يعم الخير والسلام والمساواة/ أبناء وطنهم جميعاً،والإنسانية أيضاً، أكثر من الشكليات. لأن الغيرة في المضمون والممارسة فليس كل من يقول: /يا رب! يا رب!/ يدخل ملكوت السموات، كما قال السيد المسيح رسول المحبة والسلام.

رابعاً: كنيسة عاصون:

تقع كنيسة/عاصون/ كما يقال لها غربي القرية على مسافة ألف متراً، ويصلها بالقرية طريق عام ترابي، يتراوح عرضه بين الثلاثة والأربعة أمتار. لم يبقى من عاصون سوى بناء هيئة قبو عقدي بجدرانه الأربعة، حيث يبلغ علوه أربعة أمتار، وطول ضلعه ستة أمتار، ابتعدت جدرانه عن بعض، ويعرف هذا البناء عن أهل القرية والقرى المجاورة ب /كنيسة عاصون/. أما حجارته فهي من الحجر الأسود النظيف والمنحوت؛ المطموس بالكلس، ويبلغ سمك الجدار حوالي مترين.

ومن يتأمل هذه الكنيسة وما حولها من مبان مهدّمة لا تزال أساساتها ظاهرة للعيان، يعرف عراقة هذه البلدة ومجدها القديم، وكيف دارت بها الحوادث والحروب، وجعلتها أثراً بعد حين.

حجارة سوداء، منحوتة ناعمة،أوجهها مستطيلة أو مربعة، وكأن من سوَّها كان من أمهر الفنانين المعماريين. وتنتشر بقايا الأبنية على مساحة تزيد عن عشرة هكتارات مربعة، وحول المدينة المهدمة توجد آبار لجمع الماء الذي جُرَّ إليها من نبع عين الجرن بقنوات فخارية. وحولها مقابر قديمة منتشرة جنوبها وشمالها. ولعدم الاهتمام بآثار هذه الكنيسة بدأ الناس ينقلون حجارتها الجميلة منها ومن الخرائب المجاورة لها ليبنوا بها بيوتهم، وهكذا رصعت حجارها الأثرية كثيراً من منازل قريتي عين الجرن والسينية وسلاسل العقارات المجاورة، فغدت خربة مهدّمة، لا يمكن التعرف إليها لولا وجود بقايا هذه الكنيسة التاريخية، والتي لا تزال حتى الآن متحدية الزمن بصمودها.