المحرر موضوع: السُـبحـــة الحمراء  (زيارة 1487 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل دمان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 896
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
السُـبحـــة الحمراء
« في: 00:00 29/04/2006 »
السُـبحـــة الحمراء
نبيل يونس دمان

   في صيف عام 1969 ،عثرت على سبحة جميلة في دُرج والدي ببيتنا في القوش ، فاخذتها في يدي لأتباهى بها امام الاصدقاء ، وفيما انا أمرر خرزها بين أصابعي بنشوة في وسط السوق ، لمحني عامل المقهى من على شرفتها ، دلف بسرعة الى الداخل ، وبعد لحظات خرج أحد افراد الإنضباط العسكري ، وصرخ بي ان لا أبرح مكاني ، وغاب عن ناظري ليهبط  سلالم المقهى الى السوق .
   لأول وهلة قررت الإختفاء ، فدخلت مقهى كان يملكه في السابق متيكا عوصجي  راكضا بإتجاه الباب الاخر ، هنا خطرت ببالي فكرة مفادها :  لماذا الهرب ؟ وانا لم أرتكب جرما ً ، كانت الاوضاع في البلدة متوترة والإنضباط يسرح كل يوم في الأزقة ليضطهد الناس ويلاحقها لأتفه الأسباب .
اذن قررت الرجوع لأستقر في مكاني الأول ، وبيدي تلك السبحة التي ستجلب لي المشاكل . وصل العسكري أمامي وخلفه مجموعة أخرى يقودها رئيس العرفاء ، وجميعهم  يعتمرون القبعات الحمراء المخيفة ، وبأيديهم العصي الخيزرانية .
فقال أحدهم ( أرجع سبحتي ) فقلت له ( لن اعط سبحتي ) فأصر قائلا ً (انها لي ويجب تسليمها في الحال ) . قدرت ان العملية فيها إجحاف ، وأخذ شيء بالقوة ، فتصاعدت في داخلي جرأة ، منعنتني من تنفيذ الامر ، فقلت لهم ( لا يحق لكم اخذ شيء أملكه ) هنا بلغ التوتر أوجه ، وهجم يريد إنتزاعها ، فأوقفه رئيسه قائلا ً ( دعنا نأخذه الى مركز الشرطة ، وهناك نلقنه درسا ً لن ينساه ابداً ) ودفعني بقوة وتوالت الدفعات في عرض السوق وامام قومي واصدقائي ، وانا متمسك بالسبحة لا أود إعطائها لأولئك الأوباش الذين يذيقون الناس المـُر كل يوم - في تلك الايام تحرشوا بإحدى النساء ، مما حدا بتلك الأسرة ان تهجر الوطن بعد مدة الى أميركا .
     إقتادوني بإتجاه مركز الشرطة وقبل نهاية السوق ، وامام دكان الخياط  ابو سلام ، حيث شاهد المنظر وانا أساق أمام مجموعة من الإنضباط العسكري ، خرج من دكانه ووقف حائلا ً بيني وبينهم ، وأخذ يكلمهم بإسلوبه الهادئ والمتزن ، ويظهر انه على علاقة بهم من خلال الدكان ، قائلا ً لهم ( ان كنت أحظى  بإحترامكم ، أطلقوا سراحه ، انه جاري وبمثابة إبن أخي ) فأجاب مسؤولهم ( إن أحد أفرادي ، فقد سِبحته قبل أيام ، وها نحن نراها في يد هذا العنيد ، الذي لا يريد إعادتها كما ترى ) .
أثناء حديثهما بدأت أفكر وأحلل الموضوع وطرحت على نفسي الإستفسار التالي : لقد عثرت على السبحة في البيت وهي تعود لوالدي ... هنا يكمن السر . كيف أسلم حاجة تعود له ، وخاصة امام جمع من الناس تجمهر حولنا .
قال الخياط لهم ( أعطوني الفرصة لأكلمه ) وأقبل نحوي قائلا ( ماذا تفعل يا فلان ، وما هذه الرعونة ، أنا اعطيك سبحة اخرى افضل منها ) ثم امرني مثل والدي ان اسلمها له ، فقلت امام الجميع انني لا أود تسليمها الى هؤلاء ، بل الى جاري الخياط ، وناولتها ، وبدوره سلمها الى العسكري وهو فرح غير مصدق انها في يده ثانية ، وتفرق الجميع ، وانا سحبت نفسي الى البيت مكسور الكبرياء .
     وصلت البيت والوالد مشغول ببعض الترميمات على سطح الدار ، فبادرته بالسؤال ( ابي ! من اين تلك السبحة الحمراء ؟ ) فاجاب متهكـّما وكأنه تنبأ لما حدث ( هل وجدت صاحبها ؟ ) فقلت ( اذن ليست لك يا والدي ) فقال ( على اية حال اتصور انك فقدتها ) فقلت ( نعم اخذها مني العسكر في السوق ) ، بعد ان نظر بإتجاهي شزرا ً، قال انه عثر عليها مصادفة في السوق قبل عدة ايام .
عندها فقط ادركت لماذا أصر العسكري المطالبة بها ، فقد كانت تعود له بالحق والحقيقة .[/b][/size][/font]